فاز الروائي اللبناني رشيد الضعيف، بجائزة «محمد زفزاف للرواية» العربية، في الدورة الثامنة، لمؤسسة «منتدى أصيلة»، والتي تسلِّمها مرة كل ثلاث سنوات، بالتناوب مع جائزتي «تشكايا أوتامسي» للشعر الأفريقي و«بلند الحيدري» للشعراء العرب الشباب.
وقالت كاتيا غصن، الروائية اللبنانية، باسم أعضاء لجنة التحكيم، خلال حفل ضمن فعاليات منتدى أصيلة الـ44، في حضور محمد بن عيسى أمين عام المؤسسة، إن الضعيف «صوت متميز على الساحة الروائية اللبنانية والعربية»، مشيرة إلى أن مشواره الروائي طويل وغزير، وله أوجه متعددة.
وأشارت غصن إلى أن لكتابة الضعيف خصائص عديدة، ركزت منها على ميزتين، فهو يتعمد ألا يدخل الرواية من باب السرديات والقضايا الوطنية الكبرى، كما أن لغته مصقولة ومنحوتة تبتعد عن البلاغة والشرح، وأشارت إلى أننا إذا أردنا أن نصنف لغته وكتابته فإنه يمكن القول إنها تتمتع بما يسمى السهل الممتنع.
من جهته، قال الروائي التونسي شكري المبخوت، عضو لجنة التحكيم، إن فوز الضعيف بالجائزة مستحق، وجاء ليتوج 40 سنة على الأقل من الكتابة السردية بنسق حثيث، مشيرا إلى أن ما ميز كتاباته عنايته الدقيقة بالتفاصيل اليومية وبالتباينات التي جعلته يكتب كتابة متقشفة ليس فيها تلك البديهيات والبلاغيات، ولكن فيها بلاغة جديدة، لا بد من الانتباه إلى ميزاتها.
وقال الناقد المغربي سعيد بنكراد، عضو لجنة التحكيم، إن الضعيف يبدو أكثر قدرة على استشراف ما يوده الناس، في المعيش اليومي وفي الأحلام.
فيما أشار بن عيسى، في معرض شهادة في حق الضعيف، إلى أنه إنسان مختلف ككاتب وكروائي، وكمبدع يرى الأمور بعينين مختلفتين.
وبدوره قال الضعيف، في كلمة بالمناسبة، إن الجائزة حافز، بقدر ما يرقى مستواها وتشتد جديتها تصعب المسؤولية التي تلقيها على كاهل مستحقها.
وقدم الضعيف جملة ملاحظات على علاقة بتجربته الروائية وحياته في بيروت وطريقة فهمه للكتابة، فقال إن الممارسة السائدة في الرواية والسينما والمسرح هي أن الفن يجب أن يكون في خدمة الحقيقة، والحقيقة قد تكون قضية الطبقة العاملة أو الأمة أو المرأة وغيرها، مشيرا إلى أن هذا هو معنى القول السائد «الفن صورة عن الواقع».
وأشار الضعيف إلى أن الرواية كما يراها هي «فن وصولي»، لذلك قال إنه سعى دائما إلى توظيف ما اعتدنا على تسميته الواقع أو الحقيقة في خدمة الرواية، وليس العكس. وأضاف: «الواقع عندي يجب أن يكون في خدمة الرواية، وليس العكس. أظن أن هذه حال الأعمال الإبداعية في كافة الفنون، وإلا كيف نفهم قول العرب قديما (أصدق الشعر أكذبه)».
وزاد موضحا: «الكذب، هنا، في مجال الفن هو تجاوز الواقع، وهو بكلمة أخرى الخيال، والخيال، هنا، هو الحرية. هو التحرر من منطق الواقع وسياقاته ومن المفاهيم السائدة فيه. إننا حين نكتب بحرية نتحرر من ثقل الموروث وتذهب كتابتنا إلى قلب الحقيقة، إلى ما هو إنساني. حينذاك تكون الفنون مشاركة للعلوم في إنتاج المعرفة، المعرفة بالذات وبالعالم. وهكذا نعطي لوجودنا ككُتاب بعض المعنى. هذا هو الأثر الذي أحلم بتركه، وأجهد من أجله».
وقال الضعيف إنه ذهب في أعماله الروائية إلى كثير من الاتجاهات، مشيرا إلى أنه كلما شعر بأنه استنفد قولا في موضوع أو في همّ، انتقل إلى موضوع آخر.
وأضاف: «كتبت ما عشته وما عاشته الناس في الحرب الأهلية في لبنان، وفي العلاقة بين الرجل والمرأة، وفي الانتماء والهوية، وفي الحداثة، وغيرها. وكثيرا ما استعملت في كتابتي ضمير المتكلم، وهذا أسأل دائما عن سببه، والسبب متعدد».
وذكر الضعيف بعضا من أسباب الكتابة بضمير المتكلم، حيث تحدث عن المكان الذي قال إنه يعيش فيه يحتل وجدانه بقوة.
وأضاف: «أثناء مرحلة إعمار بيروت بعد الحرب الأهلية كنت أجول صباحا على ورش الإعمار. أتناول فطوري وأنا أستمتع برؤية هذه المشاريع تنجز في مدينتي ومن أجلها. أحب ما هو للغير كأنه بيتي، وهو بيتي حقيقة. ما معنى أن يسلم بيتي حين تخرب المدينة، وحين يغرق الطوفان البيوت كلها إلا بيتك؟ فهل أنت تجافي الحقيقة إذا قلت إن الطوفان أغرق بيتك؟ وحين يخطف قريبك كل يوم ويقتل جارك كل يوم، فهل أنت مجافٍ للحقيقة إذا قلت إنك خطفت وقتلت؟ هل من الذاتية الدعية في هذه الحالة أن تتصرف على أساس أن اختطافك أو قتلك هو حادث فعلا وكائن حقيقة؟». لذلك شدد الضعيف على أنه يشعر نفسه ممتدا إلى سائر البشر، وأنه هنا وهناك في الوقت نفسه. وأضاف: «نعم قد يحوي ضمير المتكلم البشر جميعا وليس مهما أن يكون ما يروى مستوحى من تجربة شخصية أو من تجارب الآخرين أو أن يكون بضمير المتكلم أو بضمير الغائب، بل المهم أن يكون في محله من البناء العام للرواية».
وقال الضعيف إن كتابة الرواية تتراوح لديه بين طرفين اثنين: الرواية الدنيا والرواية الفصحى. الأولى، ذكر أنه كتبها بلغة قريبة من التداول، تناول فيها أمورا لا ينصح الوالد ابنته بقراءتها. رواية لا تقرأ في الحيز العام أو في الفضاء العام ولا تعتد بها الجموع، مشيرا إلى أن ما يكتبه، هنا، «مساءلة للمبادئ الأخلاقية السائدة التي يتأسس عليها سلوكنا الفردي والجماعي وتتأسس عليها القوانين والسياسة. يسائل الأمومة والأبوة والأخوة والحب والإخلاص والوطنية والشهادة والبراءة والجهل والمعرفة، والإلحاد والإيمان». وشدد على القول إنه «يحاول أن يعيد النظر في المسلمات التي تحدد مفهومنا للعالم».
أما الرواية الفصحى، يضيف الضعيف، فقال إنه كتبها بلغة مشبعة، مليئة بالإحالات الثقافية التراثية، وبالموقف منها في الوقت ذاته، وجعل اللغة فيها شخصية من شخصياتها، وموضوعا من موضوعاتها.
وعاد الضعيف ليتحدث عن حرب لبنان، في علاقة بتجربته الإبداعية، حيث قال: «أثناء الحرب في لبنان، اتضح لي أمر أساسي، وهو أن اللغة تجري كما تشاء. ولا علاقة لها بالواقع، كما نتصوره. اللغة تقرأ الواقع على هواها. اتضح لي أننا أدوات لكائن بهيمي غاضب، غامض، جبار هو التاريخ. أننا أدواته التي يستعملها ليجري. لا أحد يعرف إلى أين؟ ولا هو ذاته يعرف إلى أين؟». ثم أضاف: «الحرب أرتني بأم العين وباللمس أيضا أن الشر ليس له قرار، وأن في الإنسان طاقة على الأذى لا توصف، وأن العداء شعور ضروري للناس، وأن الإنسان إذا عدم العدو أخرج من نفسه عدوا ليقاتله».
وشدد الضعيف على أن الحرب أرته أن الأدب، وربما الفنون كافة، مرتبط بالشر والأوجاع والمآسي، فكان من هذا الأثر الذي أورثته إياه الحرب أنه كتب بحرية. وزاد موضحا: «كتبت حينها لا لأنشر، بل لأكتب. ولذلك لم أكتب نسجا على منوال. أقول اليوم بثقة إن الحرية هي المسؤولية الكبرى، لأنها قد تؤدي بك إلى الهلاك أو إلى نيل جائزة محمد زفزاف».
وكانت الدورة الأولى للجائزة قد جرت عام 2002، وفاز بها الروائي السوداني الطيب صالح، وفي دورة 2005 ذهبت إلى الروائي الليبي إبراهيم الكوني، ونال دورة 2008 الروائي المغربي مبارك ربيع، وفاز بدورة 2010 الروائي السوري حنا مينة. أما دورة 2013 ففازت بها الروائية الفلسطينية سحر خليفة، وفي دورة 2016 فاز بها الروائي التونسي حسونة المصباحي، وكانت من نصيب الروائي المغربي أحمد المديني في دورة 2018.