بداية صعبة لـ«معرض لبنان الدولي للكتاب»، الذي بدأ أعماله يوم الجمعة الماضي، متزامناً مع تظاهرات الاحتجاج على ما تتعرض له غزة من قصف وقتل.
وإن بدا اليوم الأول بارداً، كسولاً، وفضّل القرّاء البقاء في بيوتهم، كي لا يعلقوا في زحام التظاهرات الاحتجاجية على ما يحدث في غزة، فيما سُمي «جمعة الغضب»، فإن اليوم الثاني تزامن مع بدء عطلة نهاية الأسبوع، حيث تدفق الرواد بشكل أفضل، ولكن ليس بالقدر الذي يتناسب وكم الحملة الإعلانية الكبيرة التي رافقت هذه التظاهرة، وأريد لها أن تكون كبيرة، وذات صدى مؤثر.
وهي المرة الأولى، منذ زمن بعيد، التي يحظى فيها معرض للكتاب في لبنان، بدعاية على كل وسائل التواصل، يشارك فيها فنانون، وكتّاب، وإعلاميون، وأدباء، ويُفتتح بحفل موسيقي غنائي كبير، يحضره وزير الثقافة، وعدد لا بأس به من مديري المعارض العربية.
الناشر خالد قبيّعة، مدير اللجنة التنظيمية للمعرض، بذل جهوداً كبيرة، لكي يجعله حيوياً وجاذباً للقراء، من خلال أنشطته المتنوعة. اليوم، يعتقد أن «المعرض بدأ في ظروف استثنائية تمر بها المنطقة كلها، ولبنان أيضاً، ولا خيار لنا سوى مواصلة العمل، بعد أن وضعنا كافة الاستعدادات، ورتبنا البرنامج، ووصل الضيوف، وسيبقون معنا حتى انتهاء مشاركاتهم».
وعن الأحداث التي تدور في غزة، وجنوب لبنان، فرأيه أن: «المعرض مناسبة ومكان نعبّر من خلاله عن المشهد الثقافي العربي، بكل تفاصيله. فنحن جزء لا يتجزأ من محيطنا بكل ما يعيشه». وربما لا يكون فيه بيع أو ربح، كالمتوقع لدور النشر في مثل هذه الأوضاع «فهذا ليس همّنا الأول في الظرف الصعب الذي نحن فيه. فما يحدث أكبر بكثير من الكتاب، والمعرض، والنشر».
ويرى قبيعة أن الجميع في المعرض يتفاعل مع القرار الذي اتخذ من «اتحاد الناشرين العرب» بالانسحاب من معرض فرانكفورت للكتاب، نظراً لمواقفه غير المنصفة تجاه الضحايا الفلسطينيين، وانحيازه المتطرف لإسرائيل، وإلغاء الجائزة التي كانت مقررة للروائية الفلسطينية، عدنية شلبي، عن روايتها «تفصيل ثانوي». ويقول: «هذا مهم جداً، ونحن بوصفنا ناشرين لبنانيين، جزء من اتحاد الناشرين العرب الذي نسعد بقراره هذا، ونتفاعل معه».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن عدداً من الناشرين، وخصوصاً الدور الوازنة، كانت قد ارتأت، مع بدء القصف على غزة، وبدء التوتر في جنوب لبنان، تأجيل المعرض، ولو لمدة 10 أيام، لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، لكن الجهة المنظمة لم تجد ذلك مناسباً، نظراً لأن مكان العرض محجوز لأنشطة أخرى، بعد انتهاء معرض الكتاب، كما أن الإرباك سيكون كبيراً، بسبب الارتباط مع ضيوف كانوا قد بدأوا في الوصول بالفعل إلى بيروت.
وحضر الافتتاح رئيس اتحاد الناشرين العرب، محمد رشاد، الذي شارك في إحدى الفعاليات، ومدير معرض قطر، جاسم أبو العينين، إضافة إلى وفد من وزارة الثقافة القطرية، ومدير معرض الكتاب في عمان، أحمد الرواحي، ووفد من وزارة الثقافة العُمانية، ومدير معرض الكويت، سعد العنزي.
وتشارك -إضافة إلى دور النشر اللبنانية- دور مصرية، وعراقية، وسورية، وبلجيكية. ويشارك الفرنسيون بشكل كبير عبر وكلائهم في لبنان، وبدعم قوي من السفارة الفرنسية.
ولا ينكر قبيّعة أن عدداً من الناشرين غير اللبنانيين اعتذروا عن عدم الحضور؛ نظراً للأوضاع التي فاجأت الجميع. و«هذا أمر يُفهم تماماً، فلكل ظروفه ومخاوفه».
وإذ تخبرنا صاحبة «دار الآداب» الناشرة رنا إدريس، أنها في ظل الظروف المتوترة، تتردد في تحمل المسؤولية، واستقبال الأطفال الذين نظمت لهم قراءات من كتب الراحل سماح إدريس، وقصصه، وهو ما تفعله الدار تماماً، كما كان يفعل سماح في حياته. الأوضاع يمكن أن تتدحرج في أي لحظة، ويمكن ألا يحدث أي شيء على الإطلاق. فلا أحد بمقدوره التكهن بما تحمله الأيام، أو حتى الساعات المقبلة.
ويؤكد خالد قبيعة أن كثيراً من طلاب المدارس يستقبلهم المعرض بالفعل، وأن أنشطة الأطفال ستكون أكثر زخماً بدءاً من يوم الاثنين، مع عودة التلاميذ إلى المدارس، بعد عطلة نهاية الأسبوع.
ورنا إدريس -مثل غالبية الناشرين اللبنانيين- لا تحب دخول معرض كتاب في بيروت، من دون إصدارات جديدة. ومع أنها عائدة للتو من معرض الرياض الذي شهد كثيراً من حفلات التوقيع لإصدارات طازجة، فإنها خصت معرض لبنان بثلاثة إصدارات، هي: «الرجاء استبدال الأكاليل» لمازن حيدر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ، ورواية ثالثة مترجمة للأديبة الأسكوتلندية سالي روني، تحمل عنوان: «أيها العالم الجميل أين أنت؟».
أما صاحب «دار الرافدين» الناشر محمد هادي، مدير اللجنة الإعلامية للمعرض، فيؤكد أن «الأنشطة الثقافية من ندوات ومحاضرات، وورشات عمل، وقراءات ونقاشات، كلها تسير كما هو مخطط لها». في اليوم الأول كانت ثمة ندوة، حول محمود درويش، شارك فيها الشاعر زاهي وهبي من لبنان، وفتحي البسّ، مدير عام مؤسّسة محمود درويش، من فلسطين. وأخرى حول آفاق النشر العربي، بمشاركة رئيس اتحاد الناشرين العرب، محمد رشاد، وبشار شبارو، أمين عام اتحاد الناشرين العرب.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، شهد المعرض أنشطة كثيرة، منها ورشة «كيف تصنع محتوى ثقافياً»، شاركت فيها لانا مدور، ولانا الحلبي. وندوة تحت عنوان: «التفكير الإيجابي»، قدمها الدكتور هادي صفا، وكذلك لقاء مع الروائي الكويتي، سعود السنعوسي، مع نوّار أبو غازي، حمل عنوان: «أسفار مدينة الطين: حوار حول الهوية والموروث الشعبي».
ويستمر المعرض حتى 22 أكتوبر (تشرين الأول)، وعلى هامشه ثمة أنشطة باللغات الثلاث: العربية، والفرنسية، والإنجليزية، بينها قراءات شعرية، وشهادة عراقية حول الرواية اللبنانية، يقدمها علي بدر، تحاوره كاتيا الطويل. وكذلك لقاء مع الأديبة الكويتية، بثينة العيسى، تحاورها فضيلة الفاروق. وثمة جلسة نقاشية يشارك فيها كتّاب كثيرون، هم: حسن داود، وعباس بيضون، وحازم صاغية، ومحمد أبي سمرا، بمناسبة مرور 40 عاماً على صدور رواية حسن داود «بناية ماتيلدا».
وفي مئوية نزار قباني، تحدث الشاعران: لامع الحرّ، وصالح الدسوقي.
البرنامج طويل، ودسم؛ لكن الظروف التي تواكب المعرض، ويهتز لها لبنان، تجعل المنظمين والرواد يعيشونه يوماً بيوم، من دون توقعات كبيرة، أو إحباطات استباقية غير مثمرة.