امرؤ القيس يعود إلى بلاده بعد 15 قرناً عبر بوابة الدرعية

حوار افتراضي مع أول من نظم الشعر عند العرب عن حياته من اللهو إلى طلب الملك الضائع

اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر
اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر
TT

امرؤ القيس يعود إلى بلاده بعد 15 قرناً عبر بوابة الدرعية

اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر
اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر

بعد 15 قرناً من الغياب، يعود الشاعر العربي امرؤ القيس إلى الواجهة، وإلى بلاده نجد من خلال بوابة العاصمة الأولى للدولة السعودية في مرحلتها الأولى، بعد أن خصصت وزارة الثقافة السعودية مهرجاناً عن الشاعر الجاهلي، أول من نظم الشعر عند العرب، وحمل المهرجان اسم: امرؤ القيس - شاعر الغزل. وينظم المهرجان ابتداءً من اليوم الأربعاء، حتى الثاني عشر من هذا الشهر، ويتضمن فعاليات مستوحاة من حياة الشاعر في عصره، وذلك ضمن مبادرة «عام الشعر العربي 2023» التي تسعى إلى تعزيز مكانة الشعر العربي في ثقافة الفرد.

«الشرق الأوسط» أجرت هذا الحوار الافتراضي مع الشاعر صاحب أشهر المعلقات الجاهلية وأكملها دربة فنية، وأقصاها بعداً نفسياً، كما أجمع على ذلك النقاد المتقدمون والمتأخرون، وحفلت حياة الشاعر بالكثير من الأحداث والقصص، وحمل بسببها ألقاباً عديدة أشهرها: «الملك الضليل»، و«ذو القروح»، وهو من «بيت ملكي»؛ حيث كان والده حجر ملكاً على بني أسد الذين قتلوه، ليحمل ابنه امرؤ القيس الذي خلعه والده من هذا البيت وهو صغير بسبب مجونه ثأر أبيه، مطلقاً صرخته المشهورة وهو ثمل: ضيعني صغيراً وحملني ثأره كبيراً... اليوم خمر وغداً أمر.

وزارة الثقافة السعودية تنظم فعالية عن الشاعر امرئ القيس في الدرعية

هنا نص الحوار:

* أنت شاعر مشهور وكنت شخصية ضاجة صاخبة في ديوان الشعر العربي ولا تحتاج إلى تعريف، لكن غيابك منذ 15 قرناً يفرض أن تقدم نفسك للقراء كما تريد؟

- أنا امرؤ القيس ولدت في أوائل القرن السادس في نجد، ووالدي هو حُجر الكندي، ونشأت في قبيلة كندة، وأسرتي هي أسرة ملوك حيث كان والدي حجر ملكاً على بني أسد الذين ثاروا عليه لأنه كان يتعسف بهم ويفرض عليهم إتاوات أثقلت كاهلهم.

* لماذا خلعك والدك حجر من البيت الملكي، وماذا فعلت إزاء هذا الموقف وأنت ابن ملك؟

- أصدقك القول: إنني في مطلع حياتي لم أكن أهتم بأبهة المُلك، لقد كنت شغوفاً شغفاً شديداً بالحياة أقتنص لذاتها، وأعانق حيّها وجمادها. لقد خلعني والدي حجر من البيت الملكي - كما أشرت في سؤالك - لأنه لمس مني بعدي عن السياسة وإدارة الدولة، وبعد أن ظهر له مجوني وتهتكي وتشبيبي بنساء قبيلتي، فهمتُ على وجهي كالطريد الشريد. ولأنني أملك المال وأتكئ على أسرة معرقة في الملك، كونت جماعة من الصعاليك والخلعاء نسير في كل اتجاه من جزيرة العرب، لا نلوي على شيء ولا نخضع لبرنامج محدد، ننام متى شئنا ونستيقظ والطيور في أعشاشها، نقيم على ماء أو على كثيب رمل أو القرب من غدير ننصب خيمتنا تارة أو نطويها ونضعها على ظهر جمل ونفترش الأرض ونلتحف السماء.

* وماذا تم بعد؟

- لما وافاني نعي أبي بعد مقتله تملكني الجزع وفدحني الخطب، فأخذت أضرب بين القبائل، مؤلباً للثأر من بني أسد، وشعرت أن أبي ضيعني وأنا صغير وحملني دمه وأنا كبير، وآل إليّ ملك متداع، مخضب بالدم ومشحون بالثارات.

*هل يمكن القول إنك ولجت إلى السياسة من بابها الملحمي بعد مقتل أبيك، وعقدت العزم على الثأر من قاتليه؟

- نعم لقد بدأت حياتي لاهياً مستهتراً ثم تصرفت بي الأحداث وقادتني من النقيض إلى النقيض، وحملت على كتفي وقر الهموم والثأر، لألج إلى السياسة من بابها الملحمي كما وصفت، أقود الجحافل بعد أن أنفقت شبابي في مقارعة كؤوس اللهو والمنادمة.

*طرح الناقد الجاحظ رأياً عنك، هل ترى أنه أنصفك؟

- شكراً للجاحظ فقد قال عني: أنني أول من نظم الشعر عند العرب، كما أجمع النقاد القدماء على أني أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى.

*سجلت كتب الأدب مناظره شهيرة بينك وبين الشاعر علقمة الفحل الذي عاصرته مع شعراء آخرين من سادة الشعر الجاهلي مثل عمرو بن كلثوم والنابغة. هل من الممكن أن تورد قصة هذه المناظرة؟

- نعم حدثت مناظرة بيني وبين الشاعر علقمة الفحل فيما يمكن تسميته بالشعر البديهي، بحضور زوجتي أم جندب، وهي بالمناسبة ذواقة للشعر وفنونه، وتملك حساً نقدياً عالياً؛ حيث طلبت زوجتي منا شعراً نصف به الخيل فقال كل منا على الفور قصيدة طويلة. وكان مطلع قصيدتي:

خليلي، مرا بي على أم جندب

لنقضي لبانات الفؤاد المعذب

في حين كان مطلع قصيدة علقمة:

ذهبت من الهجران في كل مذهب

ولم يك حقاً كل هذا التجنب

وقد حكمت زوجتي أم جندب لقصيدة علقمة على قصيدتي، وبررت تفضليها ذاك بكشف مبدع، فقالت: إنك (أي امرئ القيس) زجرت فرسك وجهدته بالسوط، ومريته بساقك عندما قلت:

فللسوط ألهوب وللساق درة

وللزجر منه وقع أهوج متعب

وقد لاحظت زوجتي أم جندب الطريقة السهلة اللطيفة التي عالج بها علقمة فرسه وهو يكر بها، من دون ضغط ولا قسر حين قال:

فأدركهن ثانياً من عنانه

يمر كمر الرائح المتحلب

* والدي خلعني صغيراً من «البيت الملكي» بسبب مجوني وحملّني ثأره كبيراً بعد مقتله

* أول مناظرة في التاريخ الشعري تمت بيني وبين علقمة الفحل وزوجتي أم جندب فضلت شعره على شعري

* آلام نفسية أشعر بها بعد مقتل ابن الشاعر السموأل لأني كنت سبباً في ذلك

* أقول للسعوديين: لقد أسستم دولة حضارية مثل أسلافكم منذ آلاف السنين فحافظوا عليها

وقالت تشرح تحليلها للبيت: فأدرك علقمة الطريدة وهو ثانٍ من عنان فرسه، ولم يضربه بسوط، ولا مراه بساق ولا زجره.

* ما قصتك مع الشاعر صموئيل بن عاديا الشاعر المعروف باسم السموأل صاحب قصر «الأبلق» الذي يعد أول نزل (الفندق في وقتنا الحاضر) وهي قصه هزتّ الإباء العربي وسط الصحراء العربية عندما ضحى بابنه مقابل عدم تسليم دروعك التي سلمتها له أثناء رحلتك لإعادة ملكك الضائع؟

- إنك بسؤالك هذا تزيد مواجعي، لأنني كنت سبباً في مقتل ابن الشاعر السموأل وكنت أحد شخوص القصة، حيث شهد القصر فصولاً عن هذا الحدث الذي يدل على الوفاء والصمود والحزم أمام اختيار رهيب ورفض لامتهان الإنسان وقيمه بكل غال كي لا ينكث عهد الأمانة.

وجاءت فصول القصة عندما أودعت دروعي التي ورثتها عن أبي الملك المقتول، عند الشاعر السموأل صاحب الحصن المنيع الأبلق لتكون وديعة خلال رحلتي إلى بلاد الروم لطلب المساعدة منهم في استعادة ملك أبي الضائع والأخذ بالثأر من واتري، ولما علم الحارث الغسّاني ملك الغساسنة بقصة الدروع طلب من السموأل تسليمها إليه، لكنّه رفض طلبه وهو ما يعد نكثاً لعهد الأمانة، ولم يجد الملك الغساني الذي أرسل جيشاً لهذا الغرض أمام هذا الرفض غير القبض على ابن السموأل الذي كان وقتها خارج القصر المنيع، وخيّر والده بين حياة ابنه وبين أن يخون العهد، بإعطاء الدروع إلى غير صاحبها، فاختار الخيار الصعب وهو التضحية بالابن.

* دائماً ما تردد في شعرك العذارى، هل يعني هذا أنك تفضل العذارى على سائر النساء؟

- لا هذا الكلام غير صحيح لكن العذارى جزءٌ من مغامراتي مع النساء، لقد طرقت أبواب كل النساء، كانت أيام لهوي مع صوحباتي في دارة جلجل يوم نعمت معهن وسعدت بهن وقلت فيها:

ألا رب يوم لك منهن صالح

ولا سيما يوم بدارة جلجل

ويوم عقرت للعذارى مطيتي

فيا عجباً من كورها المتحمل

فظل العذارى يرتمين بلحمها

وشحم كهداب الدمقس المفتل

عندما نحرت للعذارى مطيتي، عجبت من نفسي لذلك، وقضيت على راكبها أن يتحملوا على مطية أخرى، والعذارى كل واحدة ترمي قطعاً منها إلى الأخرى وشحمها المسترسل شديد البياض كالدمقس، أو كما تسمونه اليوم بالحرير الأبيض.

لقد طرقت ليلاً خدر كثيرات مثل محبوبتي عنيزة عندما دخلت عليها في خدرها، وكن حبالى فأغويت الواحدة عن طفلها وألهيتها، وقد أردت بذلك أن أظهر شدة تتيم النساء بي وإقبالهن علّي:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي التمائم محول

* محبوباتك حملن أسماء كثيرة: عنيزة، فاطمة، أم الرباب، أم الحويرث، هل هي أسماء حقيقية أم أنها رموز لنساء مررت عليهن مروراً عابراً؟

- إنها أسماء حقيقية فعلاً، وقد ذكرتهن جميعاً مع تحديد مساكنهن في معلقتي التي مطلعها:

قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فقد ذكرت أسماء المحبوبات:

كدأبك من «أم الحويرث» قبلها

وجارتها «أم الرباب» بمأسل

إذا قامتا تضوع المسك منهما

نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل

ويوم دخلت الخدر خدر «عنيزة»

فقالت لك الويلات إنك مرجلي

تقول وقد مال الغبيط بنا معاً

عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل

...

«أفاطم» مهلاً بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

أغرك مني أن حبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعلِ

* لوحظ أن كثيراً، إن لم يكن جل الشعراء في عصركم، خصوصاً أصحاب المعلقات السبع، وأنت واحد منهم، لم تظهر في أشعاركم أي نزعة عقائدية، عدا الشاعر لبيد بن ربيعة، الذي عرف بتقواه ولحق بالنبي محمد، وكان من المؤلفة قلوبهم في الإسلام، ما هو تفسيرك لذلك؟

- نعم أغلب المعلقات السبع في عصر ما قبل الإسلام الذي تسمونه بالعصر الجاهلي، وما بعده الذي تسمونه بالعصر المخضرم، لم تظهر في أشعارهم نزعة عقائدية رغم أنهم عاشوا في أجواء الوثنية واليهودية والمسيحية والزرادشية، وغيرها من الديانات والعقائد. لقد انشغل هؤلاء الشعراء وأنا واحد منهم بالغزل والتغني بالطبيعة والمرأة، وأغلبهم عاش في قومه عيشة السادة وطلب ملك ضائع لهم، وتنظيم المراثي المتفجعة في فقد عزيز لديهم مثل لبيد بن ربيعة الذي فجع بمقتل أخيه «أربد»، ومثل المهلهل في مراثي أخيه «كليب»، والشاعرة الخنساء في مراثي أخيها «صخر»، كما أن الأعشى الشاعر الذي عرف بحبه للنساء والخمر لم تبد عنده نزعة عقائدية رغم أنه صار إلى النبي محمد للقائه، لكن صناديد قريش منعوه، وقد نظم قصيدة في النبي امتدحه فيها، وقد تكون هذه هي إعلان إسلامه.

أما بالنسبة لي فإنني أعترف بأني أمعنت في الوصف والغزل والتفرغ للتغني بالطبيعة والمرأة بشكل فاحش.

* أنت اليوم في محافظة الدرعية القريبة من الرياض (حجر اليمامة)، مسماها السابق التي مررت بها مرات كثيرة في طريق رحلتك إلى المجهول لاهياً وثائراً، ماذا تقول؟

- يا الله أما زالت تلك القرية (حجر) باقية وقائمة وصامدة إلى اليوم منذ آلاف السنين، نعم أعرف الرياض جيداً بمسماها حجر، وقد ذكرها زملائي الشعراء ومنهم خالي المهلهل في بيت من قصيدة قالها بعد أن أخذ بثأره من قاتل أخيه كليب:

فلولا الريح أُسمع من بحجر

صليل البيض تقرع بالذكور

وقد عد هذا البيت أكذب بيت قيل لأن المسافة بين حجر ومعركة الذنائب ثلاثة أيام.

* بعد غيبة طويلة عن نجد أو اليمامة تحديداً منذ حوالي 1500 عام، تعود إليها اليوم في محافظة الدرعية القريبة من الرياض التي تعرفها باسم حجر، ماذا تقول عن ذلك؟

- وجدت بلاداً كبيرة وعاصمتين لها الدرعية والرياض، وعلمت أنهما عاصمتان لدولة تسمى المملكة العربية السعودية وتأسست منذ 300 عام على مراحل ثلاث، وقد حكمها أسرة آل سعود، من بني حنيفة القبيلة الموغلة في القدم وأفرادها أولو عزم وبأس وشدة، وكانوا حكاماً على المنطقة منذ آلاف السنين.

وقد أُبلغت بأن حاكمها اليوم هو الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ويعد سابع حكام الدولة في مرحلتها الثالثة التي أسسها والده الملك عبد العزيز، الذي يشاركني بأنه كان طالب مُلك آبائه وأجداده، وقد نجح في ذلك، في حين أنني لم أستطع إعادة ملك أبي الذي تضعضع، كما أبلغت بأن الملك سلمان ملك رحيم وعادل وحازم في الوقت نفسه، ديدنه وهاجسه إحقاق الحق وتنمية بلاده، وجعلها حاضرة في هذه المعمورة، وقد نجح في ذلك، كما يساعده نجله ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وهو شاب متقد الحماس لإنشاء دولة عظيمة تذكرني بالحضارات والدول التي قامت على هذه الأرض.

وأجدها فرصة لأشكر الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان والشعب السعودي، وأقول لهم: «لقد أسستم دولة حضارية مثل أسلافكم منذ آلاف السنين فحافظوا عليها».



«البابطين الثقافية» بدأت بحلم... يتلمس خطى «المأمون»

خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)
خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)
TT

«البابطين الثقافية» بدأت بحلم... يتلمس خطى «المأمون»

خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)
خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

في حديث مشبع بالذكريات، تحدث الكاتب المسرحي الكويتي عبد العزيز السريّع، أول أمين عام لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، عن بداية نشأة هذه المؤسسة التي أصبحت اليوم واحدة من أهم الحواضن الثقافية في العالم العربي.

حديث السريّع جاء ضمن أعمال الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية للإبداع الشعري، التي خصصت أعمال هذه الدور لسيرة مؤسسها الراحل الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي رحل منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي. حيث تُخصِّص هذه الدورة جلسةً للشهادات، وأربع ندوات لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين، الذي يُعدُّ صرحاً للأدب والشعر، وحاضناً للإبداع الشعري العربي، ورائداً في مسيرة الحوار بين الثقافات والحضارات، وفاعلاً مهماً لترسيخ ثقافة السلام في جميع أنحاء العالم، ورجل الأعمال الذي سخَّر جزءاً كبيراً من ثروته لرعاية الأدباء وإقامة الأنشطة الثقافة والمواسم الثقافية في العالم العربي ودول أوروبا والعالم.

بدأ الراحل البابطين مشروعه الثقافي الكبير بحلم تحقق بإنشاء مؤسسة «عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري» عام 1989 (الشرق الأوسط)

المأمون ودار الحكمة

وفي جلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات» شارك فيها كل من: الكاتب الكويتي عبد العزيز السريع، والباحث الجزائري الدكتور طاهر حجار، والأكاديمي المغربي الدكتور عمر المراكشي، وأدار الندوة الأكاديمي العراقي الدكتور عبد الله إبراهيم. تحدث السريع عن بدايات تأسيس مشروع البابطين الثقافي، كما تحدث حجار عن رؤية الراحل في تأسيس مشروع يقتبس من تجربة المأمون العباسي حين أنشأ «دار الحكمة» ودعا المتنفذين وأهل الجاه والمال لدعم العلماء والمتخصصين والباحثين وطلبة العلم، فكانت النواة لنهضة علمية امتدت مئات السنين.

بدأ المشروع الكبير عام 1989، بحلم عبَّر عنه الراحل بقوله: «كان لديّ حلم أن أترك بصمة في حياة الشعر العربي، وقد حقق الله هذا الحلم، فأسَّسنا مؤسسة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري عام 1989».

وكانت أولى المبادرات إطلاق مشروع «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين»، الذي طُبع 3 مرات، وبلغ عدد الشعراء في هذا المعجم 2514 شاعراً، وصدر في نسخة ورقية ونسخة إلكترونية، وإلى جانبه أصدرت المؤسسة «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين» عام 2008، في «25» مجلداً، إذ ضمَّ نحو 11 ألف شاعرٍ.

كما أصدرت المؤسسة «معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات»، وهو العمل الموسوعي الضخم الذي يرصد حركة الشعر العربي ما بين سنتَي 656 و1215 هجرية (الموافِقة ما بين سنتي 1258 و1800 ميلادية)، عملت عليه مؤسسة البابطين على مدى أكثر من 10 سنوات، بجهود دؤوبة لما يزيد على 100 أستاذ من نخبة الباحثين والدارسين والأكاديميين و500 مندوب، على جمع مواد المعجم من داخل الوطن العربي وخارجه حتى يخرج المعجم إلى النور في 25 مجلداً من القَطع الكبير تشتمل على تراجم ونماذج شعرية لنحو 10 آلاف شاعر.

وتوسّع المشروع ليشمل الأدب والفكر الإنساني وتلاقي الحضارات. حيث أنشأ الراحل مراكز متعددة للحوار الحضاري، مثل: «مركز البابطين لحوار الحضارات» في جامعة قرطبة، و«مركز البابطين للترجمة» في بيروت، و«مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية» في جامعة الإسكندرية، و«مركز الكويت للدراسات العربية والإسلامية» في جامعة الإمام الشافعي بجزر القمر. وأقام دورات في اللغة العربية وعلم العروض، فيما يزيد على 40 جامعة في مختلف الدول العربية والإسلامية. كما أسس كراسي للدراسات العربية في الجامعات الأوروبية.

يعد الراحل عبد العزيز سعود البابطين صرحاً للأدب والشعر وحاضناً للإبداع الشعري العربي ورائداً في مسيرة الحوار بين الثقافات والحضارات (الشرق الأوسط)

الصورة الفنية في شعر البابطين

الندوة الأولى حملت عنوان: «الرؤية وتصورات الموضوع والصورة الفنية في شعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين»، تحدث فيها كل من الباحث المصري الدكتور عبد الله التطاوي، نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق، والباحث الأردني الدكتور زياد الزعبي، وأدارت الجلسة الدكتورة نورية الرومي، من الكويت.

في مقدمتها، قالت الرومي: «إن مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين استطاعت منذ تأسيسها أن توحِّد الأدباء والمفكرين والشعراء في حبّ عجز عنه من عجز، لأن الثقافة هي القوة الناعمة التي تُخلصنا من واقعنا المرير، فأصبحت المؤسسة الملاذ السنوي لنا من خلال أنشطتها ودوراتها الشعرية».

الدكتور التطاوي تحدث عن رؤية الشاعر البابطين وموضوعات شعره، وطبيعة موقف الشاعر بين الموروث الفكري والأبعاد المعرفية، وتقاطعات الحركة الإبداعية، ثم تناول تصورات الموضوع في شعره، بدءاً من مفتاح شخصيته البدوية، إلى دائرة الهوية الوطنية والقومية، وصولًا إلى المشتركات الكبرى بين الموروث والمعاصر في تكوين الشاعر البابطين، وانتهاءً بطبيعة النسق الإبداعي والمعرفي لهوية البابطين الشعرية من المنظور الإنساني العام.

أما الدكتور الزعبي، فركّز حديثه على «الصورة الفنية في شعر عبد العزيز سعود البابطين» معتمداً على قراءة لأعماله الشعرية الثلاثة المنشورة: «بوح البوادي»، و«مسافر في القفار»، و«أغنيات الفيافي».

وتناول الزعبي من خلال ورقة بحثه الاستعمال الواسع للغة الاستعارية في شعر عبد العزيز البابطين وهي في الغالب تقوم على الصور التشخيصية التي تمنح الأشياء أو المفاهيم المجردة صفات الكائن الحي، وتجعلها ماثلة للعين، مؤكداً أن هذه سمة راسخة في الدراسات البلاغية بقطع النظر عن اللغة والعصر.

الندوة الثانية حملت عنوان: «النسيج اللغوي وبنية الإيقاع في شعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين»، شارك فيها كل من: الباحثة التونسية نور الهدى باديس، والدكتور سالم خدادة (من الكويت)، وأدار الجلسة الأكاديمي السعودي الدكتور معجب العدواني.

تحدثت الدكتورة باديس حول «الظواهر الأسلوبية واللغوية في مدونة عبد العزيز سعود البابطين الشعرية الذي تمسَّك بأصالة الشعر وبديوان العرب؛ لذلك حرص على تتبع جمالياته ومقاييسه الفنية المختلفة، فالمتأصل في داخله هو الشعر العمودي الذي تفخر به الأمة».

وأوضحت باديس: «إن التيمة الحاضنة لمعظم قصائد عبد العزيز البابطين، وهي الرحلة بوصفها تخطِّياً للعوائق والحدود، إنها عبور في الزمان والمكان، فالرحلة تسعى إلى معانقة العبارة الشعرية، لذا وجدنا تقارباً بين رحلة الشاعر في المكان والزمان، ورحلته في فضاء القصيدة، فالمتأمل لمجموع القصائد المرتبطة بالرحلة يجدها تتسم بأسلوب سلس ينفذ إلى القلب والمسامع بيسر».

كذلك تحدث الدكتور سالم خدادة عن «بنية الإيقاع في شعر عبد العزيز سعود البابطين» مقدماً الصورة الفنية حول بنية الإيقاع الشعري من خلال عناصر أربعة، هي: الوزن والقافية والتوازي وشبه التوازي، بالإضافة إلى التناص الإيقاعي.

في الندوة الثالثة التي يرأسها الدكتور عارف الساعدي (العراق)، يتحدث فيها الدكتور أحمد درويش (من مصر) عن: «خدمة اللغة العربية وتفعيل الحركة الشعرية وحفظ تراثها في مشروع عبد العزيز سعود البابطين الثقافي»، والدكتور عبد الرحمن طنكول (المغرب) عن «مشروع عبد العزيز سعود البابطين الفكري في ضوء الدراسات الثقافية وطروحات ما بعد الحداثة».

ويشارك في الندوة الرابعة التي يرأسها الدكتور لانا مامكغ (الأردن)، الكاتب الكويتي الدكتور محمد الرميحي، بورقة بعنوان: «الحوار مع الآخر في مشروع عبد العزيز سعود البابطين الثقافي»، والأكاديمية السعودية الدكتورة منى المالكي بورقة بعنوان: «الاستثمار الثقافي في تجربة عبد العزيز سعود البابطين».