عناوين روايات خالد خليفة تتصدر نعوات أصدقائه

كاتب «لم يصل عليهم أحد» رحل بهدوء مخلفاً صدمة وحزناً كبيرين

لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
TT

عناوين روايات خالد خليفة تتصدر نعوات أصدقائه

لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة

*كانت الأجهزة السورية تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أنه كان يعود دائماً

كأن السوري خالد خليفة حين كان يضع عناوين رواياته، كان يخطّ كلمات نعواته التي تدفقت، مساء السبت، إلى حسابات طيف واسع من المثقفين والفنانين السوريين على وسائل التواصل الإجتماعي، لدى تلقّيهم نبأ رحيله المفاجئ. حيث وجده أصدقاؤه المقرَّبون مستلقياً على الأريكة مفارقاً الحياة، على أثر احتشاء في العضلة القلبية، إذن «الموت عمل شاقّ لك ولنا» كتب كثيرون من الأصدقاء مؤكدين أن قلوب كثيرين ستصلّي عليه، استعارة لعنوان رواية «الموت عمل شاق»، ورواية «لم يصل عليهم أحد».

الروائي خالد خليفة، الذي يناديه الأصدقاء بـ«الخال»، كان قد تفرّغ منذ بداية مسيرته الأدبية، لاحتراف الكتابة الإبداعية، وسخَّر لها كل طاقاته ونشاطاته، وتمكّن، بدماثته المشهودة، من نسج علاقات صداقة ودية متينة في الأوساط الثقافية المحلية والعربية، وحتى الأجنبية، بدأب في السنوات الأخيرة، على السفر، رغم تقييد حركته من قِبل الأجهزة الأمنية السورية التي كانت تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أن «خالد» كان يعود إلى دمشق التي اختار الاستقرار فيها، ما دام قادراً على البقاء. صديقه المقرَّب، ابن مدينة حمص، عبد الباسط فهد، أكد ذلك في نعيه لخالد، عبر حسابه في «فيسبوك»: «جمعَنا شعور مشترك وقرار حازم لا رجعة فيه بالبقاء في البلد، رغم خرابها الأخير، ورغم الفرص الكثيرة للرحيل والهجرة».

وبينما تجاهلت الجهات الرسمية السورية نبأ رحيل خليفة، وما خلفه من صدمة وحزن كبيرين في الأوساط الثقافية والفنية، نعاه المحتجّون في محافظة السويداء، ورفعوا عبارات النعي مع صور الراحل في ساحة الاحتجاجات المركزية، يوم أمس الأحد: «عشتَ حرّاً كما سنديان الجبل، وداعاً خالد خليفة». وبدورها نعته «رابطة الكُتاب السوريين»، في بيان قالت فيه إن «خالد» رحل في دمشق التي عاش فيها ولم يغادرها، «تاركاً خلفه الصدمة والحزن لدى كل من عرفه وقرأه في سوريا وفي عموم الوطن العربي والعالم». ولفت البيان إلى أن خليفة هو من أبرز وجوه الروائيين السوريين الذي قدّموا للقراء أعمالاً جماهيرية تلتزم قضايا المجتمع وتحاول أساليب مختلفة في السرد، فكان من خلال ذلك «أنموذجاً للكاتب الذي حمل روح التجدد والشباب». وتابعت الرابطة أن «خالد» لم يتردد لحظة في الوقوف مع مواطنيه في عام 2011، حين نزلوا الشوارع، وتعرَّض لاعتداء جسدي مباشر ومُضايقات متكررة على مدى أعوام طويلة، وتم تقييد حركته لفترة، قبل أن يُسمح له بالمغادرة، بموجب موافقة أمنية لا تجدَّد تلقائياً، الأمر الذي وضعه تحت طائلة حرمانه من حقه في السفر والعودة».

خالد عبد الرزاق، الشهير بخالد خليفة، وُلد في حلب 1963، لعائلة تنحدر من بلدة مريمين، في ريف عفرين (شمال حلب)، درس الحقوق في جامعة حلب، وتخرَّج فيها عام 1988، دخل عالم الأدب بكتابة الشعر، ومع بداية التسعينات برز بوصفه كاتب سيناريو، من خلال مسلسلات تركت أثراً واضحاً في الدراما السورية، منها «قوس قزح»، و«سيرة آل الجلالي»، و«المفتاح»، و«العراب»، و«هدوء نسبي»، و«ظل امرأة»، كما كتب أفلاماً وثائقية وأفلاماً قصيرة، وأفلاماً روائية طويلة؛ منها فيلم «باب المقام».

أولى رواياته كانت «حارس الخديعة» عام 1993، بعدها أصدر رواية «دفاتر القرباط» عام 2000، ليحترف كتابة الرواية، ويَذيع صيته مع صدور رواية «مديح الكراهية» التي تُرجمت إلى اللغات (الفرنسية، والإيطالية، والألمانية، والنرويجية، والإنجليزية، والإسبانية)، كما وصلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» في دورتها الأولى عام 2008، ليواصل نجاحه، وتتوالى أعماله الأدبية التي كانت تلقى رواجاً واسعاً كرواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، التي حازت، عام 2013، جائزة نجيب محفوظ للرواية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. و«الموت عمل شاق» الصادرة عام 2016، و«لم يصلّ عليهم أحد» عام 2019.

رحل خليفة وهو في أوج عطائه، مخلّفاً الصدمة، وكثيرون من أصدقائه لم يصدّقوا بدايةً النبأ، وظنّوا أنها مزحة سمجة، لكنْ ومع تأكد الخبر تدفق إلى وسائل التواصل الاجتماعي موجة عالية من نعوات المثقفين والصحافيين والفنانين والناشطين السياسيين داخل سوريا وخارجها، وكتب الشاعر السوري منذر المصري معاتباً: «خالد... عأساس تطبع مخطوط الرواية الجديدة (غرفة بصاق للعمة) على ورق ونشتغل عليها سوا... أي أساس!؟ حياتنا كلها حفر وخراب»، ذاكراً أنه، وخلال مقابلة صحافية، حين سُئل عن خالد قال: «أخاف أن يموت قبلي! صدقاً كنت عارف!».

الفنان التشكيلي بطرس معري نعاه بلوحة رمزية تضمنت «بورتريه» مع كتابة «خالد خليفة أحبَّ بلده فأحبَّه البلد وأهل البلد».

من جانبه أظهر الكاتب والصحافي المصري سيد محمود فيضاً من مشاعر الحزن والأسى، وكتب: «أنعى لكم قطعة من قلبي، مات خالد خليفة وتركني في العراء، لا أحد عندي مثل خالد».

وكذلك نعاه الأديب الكويتي طالب الرفاعي قائلاً: «كأن الموت ينتقي أحبابه، خبر صادم يا صديقي». المخرج السوري هيثم حقي بدا غير مصدّق النبأ: «خالد خليفة، هل حقاً رحلت؟ كيف ترحل وأنا ما زلت بانتظارك للقاء أجّلناه، ولم نتصوّر أن (الموت الشاق) لن يعطينا فرصة كنا نتمناها... أخي وصديقي الحبيب وشريكي في عدد من أعمال تلفزيونية، نجحت بك وببراعة حسّك الروائي العالي... ورغم عدم تصديقي أتلفّظ أصعب جملة: رحل خالد خليفة... الألم والمرارة أصرّا على صفعي بالحقيقة».



«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

مشهد من فيلم «الختم السابع»
مشهد من فيلم «الختم السابع»
TT

«الحبكة المقدسة»... السينما والثقافة الأخلاقية

مشهد من فيلم «الختم السابع»
مشهد من فيلم «الختم السابع»

يناقش كتاب «الحبكة المقدسة»، الصادر عن دار «إيبيدي» بالقاهرة، للباحث أسعد سليم، تناول الشاشة الفضية للموضوعات ذات البعد الديني الأخلاقي، وما أثارته عبر تاريخها وما تخلل ذلك من توافق وتناغم، أو خلاف وتباعد بين صناع هذا الفن وبعض المؤسسات أو الجهات ذات الخلفية الروحانية.

في ثلاثينات القرن الماضي، تأسست في الولايات المتحدة جماعة تحمل اسم «فيلق الحشمة» كان هدفها كما هو معلَن «مكافحة الفجور في السينما» وفق معايير أخلاقية متشددة ترى أن «هوليوود هي أقرب شيء للجحيم على الأرض، بل هي ما تمكَّن الشيطانُ حتى الآن من إقامته في هذا العالَم، كما أن نفوذها يقوِّض الثقافة الأخلاقية».

جاء الصدام الأكبر عبر ويل هاريسون هايز (1879 - 1954) رئيس الرقابة في هوليوود وقتئذٍ، حيث تبنى قانوناً يتضمن مجموعة من التعليمات الصارمة للرقابة الأخلاقية تلغي أي حرية لدى صناع الفن في تناول أي عمل له طابع ديني، رغم أن تلك النوعية من الأفلام التي سبق تقديمها بالفعل كانت تتوافق مع الرؤية الدينية للمؤسسات الرسمية، كما في فيلم «حياة موسى» للمخرج ستيوارت بلاكتون، إنتاج 1909، والمكون من 5 أجزاء.

ورغم أن فيلم «من المهد إلى الصليب» تم تصويره في فلسطين وظهر للنور عام 1912، فإنه واجه اعتراضات بسبب الاعتراض على تجسيد الشخصيات الدينية على الشاشة. وتركت الأزمة الاقتصادية الشهيرة المعروفة باسم «الكساد الكبير» (1929 - 1939) الملايين حوْلَ العالَم في حالة من اليأس والإحباط، وهو ما جعَل القصص الروحانية التي تدعو للأمل والخلاص تبدو فكرة جذَّابة وملهِمة، ينتظرها الناس بشغف.

يوضح الكتاب أن السينما لمْ تتوَانَ عن اقتناص الفرصة؛ حيث قامت بإنتاج ملاحِمَ دينيةٍ ضخمة، بمؤثِّرات بصرية مقبولة، كما برَز اسم المخرِج سيسيل ب. ديميل واحداً من زعماء تلك الفترة، من خلال فيلمه الصامت «الوصايا العَشْر» (1923) الذي كان بمثابة الشرارة الأولى نحو إنتاج أعمال ملحمية مبهِرة، حيث استخدم ديميل تقنيات مبتكَرةً، مثل اللقطات الملوَّنة يدويّاً لتصوير شَقِّ البحر الأحمر، مما جعَل الجماهير تنظُر للفيلم كأعجوبة بصرية.

وتقدَّمت هوليوود خطوة للأمام، بمحاولة تقديمها أفلاماً دينية ذات طابع إنساني جماهيري، مثل فيلم «المراعي الخضراء»، 1936، الذي كان جميع أفراد طاقم التمثيل فيه من أصحاب البشرة السمراء. أما أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) فكان لزاماً على السينما أن تكون أداة لرفْع الروح المعنوية، وبالفعل حاولت ذلك في فيلم «أغنية برناديت»، الذي يحكي قصة فتاة تُدعَى «برناديت»، تنتابها رؤى غامضة ذات بعد روحاني وهو ما مثَّل رسالة أمَلٍ، في وقتٍ كانت فيه أوروبا تعاني من الدمار.

ووصَلَت الملاحِم الدينية لذروتها مع فيلم «بن هور» (1959) الذي حصَد إحدى عشرة جائزة أوسكار، وتناوَل اضطهاد المسيحيين في روما القديمة، مستخدِماً مَشاهدَ هائلة لسباق العربات؛ لجذْب الجماهير، في خطوة جديدة تجمع بين الإبهار البصري والرسائل الروحية.

وتحت ضغط التغييرات الجذرية التي شهدتها حقبة الستينيات من ثورات ثقافية اجتماعية وحركات التحرر، طرحت السينما الغربية رؤى مختلفة وجديدة في معالجة الموضوعات ذات البعد الديني التاريخي. مهّد المخرِج السويدى إنغمار برغمان لهذا التحوُّلَ بأفلام من نوعية «الختم السابع» الذي يصوِّر رحلة فارس عائد من الحروب الصليبية في العصور الوسطَى، يواجِه ملاكَ الموت في لعبة الشطرنج، وسط وباء الطاعون القاتل. وقدَّم المخرِج رومان بولانسكي فيلمَه الشهيرَ «طفل روزماري» 1968، الذي اتَّخذ الشيطانَ تهديداً قوياً في قلب مدينة نيويورك، معتمِداً على إثارة أجواء من الرعب والقلَق عن طريق استخدام الطقوس المخيفة.

طرحت السينما الغربيةرؤى مختلفة وجديدة في معالجة الموضوعات ذات البعد الديني التاريخي

يذكر المؤلف أنه من العلامات المهمة في هذا السياق، ما قدمه المخرِج وليام فريدكين في فيلمه الشهير «طارد الأرواح» (1973)، الذي يحكي عن معركة مثيرة بين عدد من رجال الدين وروح شريرة تسيطر على فتاة صغيرة، مستخدِماً تقنيات بصرية حديثة، ومؤثِّرات صوتية، بالغة الدِّقة؛ لِبَثِّ الرعب في نفوس المُشاهدين. كما اقتبس المخرِج كين راسل أحداث فيلمه «الشياطين» (1971) من أحداث تاريخية دارت في فرنسا في القرن السابع عشر، الذي صوَّر اضطهاد رجل دين بتُهمة السِّحر وسط صراعات سياسية، مقدِّماً مَشاهد صادمة، وهو ما جعله محظوراً من العرض في بعض الدول، لكنه أظهَر صلابة السينما، وإمكانية تَحَدِّيها للمؤسسات الرسمية. وقدم المخرِج ستانلي كوبريك في عام 1986 مفهومَ التطور والذكاء الاصطناعى في فيلمه الشهير «أوديسا الفضاء 2001» باعتباره صاحب قدرات تفوق البشر على نحو خارق حتى أن البعض فكر في عبادته، مما جعل هذا العمل يعد نقطة تطوُّر جوهرية في مسار سينما الخيال العِلمي، وطريقة محاكاتها للرموز المقدسة.

ومع دخول التسعينيات، أصبح العالَم يمُوج على سطْح هائل من المعرفة والتكنولوجيا، امتازت تلك الفترة بسهولة الحصول على المعلومات وسيولتها، وهو ما حاوَلَت السينما عكسه في أفلامها، ومنها الفيلم الشهير «ماتريكس» (1999) الذي جمَع بين العديد من المفاهيم ذات الطابع المقدس في حبكة تجمع بين الإيقاع البوليسي والرؤية الوجودية القاتمة.

وبدا فيلم «آلام المسيح» (2004) لميل غيبسون مغرقاً في الأجواء الواقعية المثيرة للحزن والتعاطف نظراً للبراعة في تجسيد عذاباتِ السيد المسيح، بحسب ما يعتقد المسيحيون، بينما أشار المخرِج أنغ لي في فيلمه «حياة باي» (2012) إلى مفاهيم إيمانية روحانية مؤثرة عبر مَشاهد بصرية مذهِلة.