تحت عنوان «تجديد ذكرى طه حسين»، أعادت «الهيئة العامة لقصور الثقافة» التي تتبع وزارة الثقافة بمصر، طبع عشرين عنواناً من أبرز مؤلفات عميد الأدب العربي، وذلك بمناسبة مرور 50 عاماً على رحيله.
وهذه العناوين هي: «مع المتنبي»، و«ألوان»، و«خصام ونقد»، و«صوت أبي العلاء»، و«مع أبي العلاء في سجنه»، و«تجديد ذكرى أبي العلاء»، و«نقد وإصلاح»، و«من أدبنا المعاصر»، و«كلمات»، و«بين بين»، و«من لغو الصيف إلى جد الشتاء»، و«أحاديث»، و«مرآة الضمير الحديث»، و«جنة الحيوان»، و«الفتنة الكبرى... عثمان»، و«الفتنة الكبرى... علي وبنوه»، و«مرآة الإسلام»، و«من بعيد»، و«فصول في الأدب والنقد»، و«في الشعر الجاهلي»، و«الأيام».
ومن جانبه، أوضح الشاعر جرجس شكري، أمين عام النشر في «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، أن الإصدارات الجديدة تأتي تحية لرجل كرّس حياته لمناقشة المسكوت عنه في الأدب العربي، وأيضاً في المجتمع المصري، وكان بحق مجدداً في النظر إلى الثقافة العربية، وطرح حلولاً وأفكاراً لدفعها نحو المستقبل بخطى قوية وصحيحة، كما كان مدافعاً شرساً عن العقلانية، رفع شعار إعمال العقل منذ أن وطئت أقدامه قاعة الدرس، سواء في أروقة الأزهر أو في مدرجات جامعة السوربون بباريس.
يضيف شكري: «لقد آمن طه حسين بالدراسة الموضوعية وغير المنحازة لتراث الأجداد في مرحلة كان السواد الأعظم يفضّل النقل على إعمال العقل، وطالب بالتخلي عن الإيمان بما هو راسخ وثابت؛ إذ جاء كتابه (الشعر الجاهلي) عام 1926 عاصفة مدوية زلزلت أركان المجتمع المصري ونخبه الثقافية، وقاد صاحبه إلى ساحة المحاكم، ليحطم النزعة المحافظة والجمود الذي كان يتعامل به الجميع مع تراث الأجداد، واختار حرية الفكر، وحمل على عاتقه الحفاظ على هوية الثقافة المصرية وترسيخها لدى المصريين».
وُلد طه حسين في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1889 في قرية «الكيلو» بمركز مغاغة بمحافظة المنيا، بصعيد مصر، وتوفي في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1973. وكان والده حسين علي موظفاً بسيطاً رقيق الحال في شركة السكر، يعول ثلاثة عشر ولداً، سابعهم طه حسين. فقد بصره في السادسة من عمره نتيجة الفقر والجهل، وحفظ القرآن الكريم قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر طلباً للعلم.
في الأزهر بالقاهرة تتلمذ على الإمام محمد عبده الذي علمه التمرد على الطرائق البالية للاتباعيين والأصوليين. أعد رسالة الدكتوراه في الآداب ونوقشت في مايو (أيار) 1914 عن أديبه الأثير أبي العلاء المعري، ثم التحق بجامعة مونبلييه في فرنسا، وأكمل بعثته في باريس، وتلقى دروساً في التاريخ، ثم في الاجتماع، ثم حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1919 عن ابن خلدون.
عاد طه حسين إلى مصر في العام نفسه، وعُين أستاذاً للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة، واستمر كذلك حتى أوائل الخمسينات حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك الوقت إلى جامعة حكومية، وعُين طه حسين أستاذاً لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب. أحدث كتابه «في الشعر الجاهلي» جدلاً واسعاً، وأسهم في الانتقال بمناهج البحث الأدبي والتاريخي نقلة كبيرة فيما يتصل بتأكيد حرية العقل الجامعي في الاجتهاد. وظل طه حسين يثير عواصف التجديد حوله طوال مسيرته التنويرية التي لم تفقد توهج جذوتها العقلانية قَطّ، سواء حين أصبح عميداً لكلية الآداب سنة 1930، أو حين رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين، وكذلك حين واجه هجوم أنصار الحكم الاستبدادي في البرلمان. ولم يكفّ عن حلمه بمستقبل الثقافة أو انحيازه إلى «المعذبين في الأرض» في الأربعينات التي انتهت بتعيينه وزيراً للمعارف في الوزارة الوفدية سنة 1950، فوجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الأثير «التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن».