لعنة الألوان والأصوات في رواية كندية

لعنة الألوان والأصوات في رواية كندية
TT

لعنة الألوان والأصوات في رواية كندية

لعنة الألوان والأصوات في رواية كندية

أربعة أصدقاء اجتمعوا لهدف واحد يتمثل في أن يساعدوا والدة صديقهم على مقاومة مرض الزهايمر فيصبحون على موعد مع مفاجآت غرائبية لا تنتهي. هكذا يبدو المدخل الدرامي سلسلاً ومشوقاً في رواية «فنانو الذاكرة» للروائي الكندي جيفري مور، التي صدرت أخيراً عن دار «العربي» بالقاهرة، من ترجمة نهى مصطفى.

يمثل «نويل» ابن السيدة العجوز المريضة الشخصية الأولى والبطل الأول في الرواية، وهو شديد الذكاء لديه ما يعرف بظاهرة «الحس المرافق»، التي تجعل صاحبها لا ينسى شيئاً أبداً، ويربط كل ما يراه بالألوان، التي أصيب بها الكثير من المشاهير مثل فلاديمير نابكوف وفان غوخ وفاريل ويلمايز. بينما الشخصية الثانية (نورفال)، فرنسي الأصل، الوسيم الذي قرر أنه بعد أن يخرج مع 26 امرأة بعدد حروف الأبجدية الإنجليزية سينتحر. وهناك «سميرة»، التي تعاني من الاكتئاب، التي وجدت في العلاج بالفن حلاً لكل ما تمر به، وتعرفت على هذين الصديقين حين ذهبت إلى حفلة في أحد الأيام تفقد خلالها الوعي وتستيقظ في بيت نورفال فتعجب به، لكنها تقابل نويل وتأمل أن يشعر بأنها تحبه هو وليس نورفال، وأخيراً هناك صديقهم العبقري المجنون ذو الشعر الأحمر (جيجي)، الذي كان أول من قرر أنهم لا بد أن يجدوا علاجاً لهذا المرض الذي يسرق منهم والدة أفضل صديق لهم. هكذا في جو من الكوميديا والرومانسية والتراجيديا، يتعرف القارئ على حياة أربعة أشخاص مميزين وعاديين في الوقت نفسه يحاولون بطرق عدة أن يجدوا مكانهم في هذه الحياة.

جيفري مور كاتب ومترجم درس بجامعة مونتريال، فازت روايته الأولى «السجين» بجائزة رابطة الكتاب الكنديين عام 2005 وتم ترشيحها للقائمة القصيرة لجائزة «كتاب روجرز»، وقد نشر الرواية في أكثر من 20 دولة حول العالم وتم اختيارها لتحويلها إلى فيلم سينمائي.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«في الوقت الذي يريد معظم الناس أن يتعلموا طرائق لتقوية ذاكرتهم أكثر كانت مهمة نويل بيرن الكبرى، والأكثر إرهاقاً هي معرفة كيف ينسى، ليس فقط نسيان الأشياء المؤلمة في الحياة، فنحن جميعاً نريد محوها، ولكن أن ينسى كل الأشياء بشكل عام. فكلما سمع نويل أي صوت أو قرأ أية كلمة فإن أشكالاً متعددة الألوان تتكون داخل رأسه لتصبح بمثابة علامات أو خرائط تساعده على استرجاع أدق التفاصيل أو عاطفة معينة أو مزاج معين، نبرة صوت الكلمات التي قيلت خلال أحداث بعينها ربما منذ ثلاثة عقود مضت».

في عام 1978 على سبيل المثال عندما جاءوا ليبلغوه أن والده توفي، تحولت الكلمات التي قالوها إلى أشياء أخرى في رأس نويل، البالغ من العمر تسع سنوات آنذاك. سمع صوتاً جافاً ومفتتاً مثل مخلفات قط صغير يتحول إلى شريط من النحاس مشوّه بالبثور ومدبب مثل السيوف، وساعة بلون الدم الأحمر تكاد تختفي ثم تعاود الظهور. يبدأ بندول الساعة في التأرجح، ويزداد لمعاناً حتى يكاد يصاب بالعمى ثم حدث تغيير، فثمة صوت آخر إسفنجي أصفر مثل فقاعة صفار البيض مع دوائر تخفق بلون وردي محترق يقاطعه صوت أعلى وأكثر ارتفاعاً ليتخذ شكل صليب بلون التوت البري، الذي ينمو عند صحن الكنيسة. يتلاشى اللون كلما اتجهنا إلى الأطراف لتظهر الحواف بلون اللؤلؤ الأبيض. صوت آخر نحاسي يتجشأ مثل آلة ترومبون نحاسية وسلسلة من البرق خشنة حادة بلون عنصر الباريوم الأصفر تشطر سماء ذهنه إلى نصفين ببطء. ذاب السن الحاد عقب تفكك الأصفر وتحول إلى صلب نابض يشعر به كأنه خنجر يخترق عموده الفقري.


مقالات ذات صلة

صاحب «باب الشمس»... رحيل الروائي اللبناني إلياس خوري

ثقافة وفنون إلياس خوري في صورة من عام 2007 (أ.ب)

صاحب «باب الشمس»... رحيل الروائي اللبناني إلياس خوري

نعت الأوساط الثقافية الروائي والكاتب اللبناني إلياس خوري الذي رحل، صباح الأحد، عن 76 عاماً، مخلّفاً عدداً كبيراً من الروايات، خصوصاً حول مأساة فلسطين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون روايات رومانسية سريعة الاحتراق

روايات رومانسية سريعة الاحتراق

تميل الرومانسية إلى بناء نتائج إيجابية من قرارات فظيعة. وتدور رواية «الحقيقة وفقاً لأمبر» التي كتبتها دانيكا نافا حول بطلة تتخذ المزيد من القرارات السيئة

أوليفيا وايت
ثقافة وفنون سيرة أول امرأة سعودية تتخصص في عِلم الأنثروبولوجيا

سيرة أول امرأة سعودية تتخصص في عِلم الأنثروبولوجيا

في كتابها «حياتي كما عشتها: ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا»، تطرح الدكتورة ثريا التركي سؤال الهُوية والثقافة

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون «حكايا لبنانية في الأزمة»... وباء وأوجاع وفواجع لكن أيضاً قوارب نجاة

«حكايا لبنانية في الأزمة»... وباء وأوجاع وفواجع لكن أيضاً قوارب نجاة

بدأت الحكاية في أبريل (نيسان) 2020. كان زمن الحَجْر وغلبة العزلة، حين لمحت الصحافية اللبنانية جودي الأسمر تجّاراً في منطقتها يدّعون الالتزام بالإغلاق العام

فاطمة عبد الله (بيروت)
كتب مايا ويند

كيف تنخرط الجامعات الإسرائيلية في حرب إلغاء الفلسطينيين؟

ساهمت التظاهرات الطلابيّة التي شهدتها جامعات ومؤسسات تعليمية في دول الغرب احتجاجاً على العدوان المستمر على قطاع غزّة في إلقاء الضوء على نكبة الفلسطينيين

ندى حطيط

إلياس خوري يغلق «باب الشمس»

إلياس خوري (ا.ف.ب)
إلياس خوري (ا.ف.ب)
TT

إلياس خوري يغلق «باب الشمس»

إلياس خوري (ا.ف.ب)
إلياس خوري (ا.ف.ب)

بعد معاناة أليمة مع المرض، توقف قلب إلياس خوري، وغادرنا عن 76 عاماً، تاركاً فراغاً أدبياً ونقدياً وفكريأً. صحافي، محرر، قاص، روائي، تعددت مهمات الأديب اللبناني، وبقيت القضايا الوطنية والعربية شاغلته، بدءاً من قضية فلسطين التي بقيت حاضرةً في كتاباته.

أي مصادفة أن يولد إلياس خوري في عام النكبة 1948، وأي معنى لأن يدخل إلى المستشفى وغزة تباد، ثم يغادر الحياة والمذبحة الفلسطينية تقترب من عامها الأول.

رغم مرضه، بقي مواظباً على كتابة مقالاته الأسبوعية حين يستطيع. بدأ حياته ناقداً، ثم صحافياً، أصبح مسؤولاً عن القسم الثقافي في جريدة «السفير»، وشغل بعد ذلك منصب رئيس تحرير الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة «النهار» من عام 1992 إلى عام 2009.

في الوقت نفسه كانت روايات خوري تصدر تباعاً، وفي كل مرة، كانت تجد لها صدى واهتماماً. حوالي 12 رواية، ترجم العديد منها إلى لغات أجنبية، بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها وهناك ترجمات إلى العبرية. واحدة من أشهر روايته «باب الشمس»، التي قُرئت ولا تزال تُقرأ كثيراً، كما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي أخرجه المصري يسري نصرالله عام 2004.

لا يزال رواد المسرح في العاصمة اللبنانية يذكرون نشاط إلياس خوري، حين كان مديراً لـ«مسرح بيروت»، والجهد الذي بذله ليبقي عمله حيوياً إلى أن أغلق أبوابه ولم يعد افتتاحه إلى اليوم.

ربطته علاقه بالشاعر محمود درويش والمفكر إدوارد سعيد، الذي نظم بحضوره ومشاركته مؤتمراً في «مسرح بيروت» يوم كان مديراً له.

انخرط في القضية الفلسطينية، وتأثر بما حدث من مآسٍ إثر نكسة عام 1967 فسافر إلى الأردن حيث زار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ثم انضم إلى حركة «فتح» التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وعندما وقعت أحداث «أيلول الأسود» ترك الأردن عام 1970، وسافر إلى باريس. بعد عودته إلى لبنان أصبح باحثاً في مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، والتقى وعمل مع محمود درويش.

شارك إلياس خوري في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، وأصيب خلالها بجروح خطيرة، وعندما انطلقت احتجاجات 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 كان أيضاً بين المحتجين والمعترضين على نظام فسد حتى أنهك مواطنيه.

وضمن اهتمامه بالقضية الفلسطينية وعلاقته بمنظمة التحرير، عمل في العديد من المجلات الفلسطينية، عمل سكرتيراً لتحرير مجلة «شؤون فلسطينية» عام 1975، ومديراً لتحرير مجلة «الكرمل» عام 1981، كما كان عضواً في هيئة تحرير مجلة «مواقف»، وشارك في تحرير مجلة «الطريق»، وشغل منذ عام 2011 رئاسة تحرير مجلة «الدراسات الفلسطينية».

درّس في العديد من الجامعات، بينها «الجامعة اللبنانية»، و«الجامعة اللبنانية - الأميركية»، و«الجامعة الأميركية» في بيروت، كما حاضر في جامعة نيويورك وكولومبيا.

حاز على وسام جوقة الشرف الإسباني من رتبة كومندور عام 2011، وهو أعلى وسام يمنحه الملك خوان كارلوس. وفي العام نفسه فاز بجائزة «اليونسكو» للثقافة العربية تقديراً للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية.

ولد إلياس خوري في منطقة الأشرفية في بيروت، لعائلة أرثوذوكسية من الطبقة المتوسطة، بدأ القراءة بالاطلاع على كتب جورجي زيدان، والكتاب الأول كان «فتاة غسان»، وكان لا يزال في الثامنة عشرة، وعندما قرأ جبران خليل جبران، وتوفيق يوسف عواد، ونزار قباني، وجد أن الأدب العربي لم يبلغ مرحلة النضج التي يتمناها، فحاول أن ينسج أسلوبه الخاص، مستفيداً من تجربته على الأرض، ومن التراث والروايات الشفهية.

يقول إلياس خوري حين يروي سيرته، إنه قرأ ثلاثة أنواع من الكتب. أولها الكلاسيكيات العربية، من شعر جاهلي إلى نثر أبي حيان التوحيدي، وكذلك القرآن، وثانياً: الأدب الروسي، من بوشكين إلى غوغول، وتشيكوف. أما النوع الثالث من القراءات فهي النصوص الأدبية المرتبطة بحركة الحداثة، من فولبير، إلى بروست والشعر الإنجليزي والفرنسي، وروايات ألان روب غرييه وناتالي ساروت. ويشدد على التأثير النفسي الكبير الذي أحدثه لديه الشعر العربي الحديث وروايات نجيب محفوظ.

رحل إلياس خوري الذي شغلته فلسطين طوال حياته الأدبية والنقدية، والقضية برمتها تأخذ منحى جديداً مختلفاً تماماً، وتدخل زمناً دموياً جديداً.