"جون سيتوارت مل": الشعر يشكل رسمًا أعمق للعاطفة الإنسانية

الفيلسوف الانجليزي يكشف أقنعته وعلاقته بالفلسفة والفنون الأخرى

"جون سيتوارت مل": الشعر يشكل رسمًا أعمق للعاطفة الإنسانية
TT

"جون سيتوارت مل": الشعر يشكل رسمًا أعمق للعاطفة الإنسانية

"جون سيتوارت مل": الشعر يشكل رسمًا أعمق للعاطفة الإنسانية

يكشف الفيلسوف الانجليزي "جون ستيوارت مِل" في كتابه "حول الشعر والفلسفة" عن تأملاته الفلسفية في تعريف "ما هو الشعر"، وأسرار ارتباطه بالفنون الأخرى التي تعزز من عناصر تحققه، وقدرته في التأثير على العواطف والمشاعر وتوافقه مع الخيال، معتبرا الشعر "الثمرة الطبيعية للعزلة والتأمل".

ويشير موضوع الكتاب في نسخته العربية الصادرة عن دار الرافدين العراقية وترجمها عن الدانمركية الشاعر العراقي والباحث في علم الاجتماع السياسي "قحطان جاسم" إلى أنه يختلف عن كتابات مِل الفكرية الأخرى التي اشتهر بها، وكانت له الريادة في بعضها ، كموضوع تحرير المرأة وقضايا الحرية والأقليات في الدول الديمقراطية والدور الذي يمكن أن تلعبه في تعزيز كيانها وقوتها. ويوضح مِل خلال الكتاب آراءه المختلفة في الشعر والإنسانية، ويظهر وجهًا أخر من اهتماماته التي كتب عن بعضها بصورة تفصيلية.

يذكر مِل أن كلمة "شعر" تستدعي في روح كل متلقٍ شيئا غريبًا تماما في طبيعته، قد يتواجد في النثر مثلما في الشعر، وقد لا يتطلب من ضمن أدواته التعبير بالكلمات، فهناك إمكانية لظهوره من خلال رموز مسموعة تسمى الأصوات الموسيقية، وأخرى مرئية تكمن في لغة النحت والرسم والعمارة، وهذه الملامح الشعرية تستدعي في كل هذه الفنون انطباعات وأحاسيس يمكن أن يشعر بها- ولو بشكل غير واضح- كل الذين يترك الشعر لديهم، "في أي شكل من هذه الأشكال"، انطباعاً يتجاوز دغدغة الأسماع.

وعن الصلة بين ما يقدمه الروائيون من أعمال قصصية وما يبدعه الشعراء من قصائد، يشير إلى أن كلا منهما يسعى لترك انطباع عاطفي لدى القراء. "لكن هناك تمييز جذري بين الاهتمام الذي نشعر به في الرواية ونظيره الذي يثيره الشعر"؛ ومرده يعود إلى أن ما يثيره العمل القصصي من مشاعر يكون مشتقا من الحادثة، أما الشعر فيأتي من تمثيل الشعور، وتفاعله الداخلي في نفوس متلقيه؛ وهو يختلف عن الروايات التي تعمل خارجيا.

هذه العملية يسميها الفيلسوف الانجليزي "نداءات الشعر والبلاغة". فما هو بليغ لديه يهدف في المقام الأول إلى تحقيق التأثير المطلوب على الآخرين؛ أما ما هو شعري، فيعترف بذاته في رموز هي أقرب تمثيلات ممكنة له تتواجد في عقل مبدعيه".

ويضع "مل" يده على فرق جوهري بين الشعر والقصة، مشيرا إلى أن الشغف بها يرتبط بطفولة الفرد وبدائية المجتمعات، أما العقول والقلوب ذات العمق والارتقاء الأعظم فهي تلك التي تسعد بالشعر.

ويقدر مِل الشعر، ويعتبره متعة أعلى، ولكي نفهم آراءه حول الشعر ومضامينها، يجب أن نفهم النطاق الواسع من الظواهر التي اعتبرها ميل شعرًا يعبر بالضرورة عن مشاعر حقيقية للشاعر وينتج في الجانب الآخر مشاعر نظيرة لدى جمهور المتلقين. فهو وسيلة من وسائل لمس الحقيقة. وبعيدًا عن كونه نشاطًا نخبويًا متخصصًا، فإنه يتيح إيصال مجموعة من التجارب الإنسانية العميقة، وهو "وسيلة لاكتشاف الطبيعة البشرية، فمن خلال فهم الآخرين يمكننا أن نفهم ذواتنا. وهي نوع من المعرفة يمكن اكتسابها تجريبيا، والشعر هو الوسيلة الرئيسية لذلك، لأنه يلعب دورًا مزدوجًا في المساعدة على تطوير الذات وفي الوقت نفسه تعزيز فهمنا لحياة الآخرين ومشاعرهم.

من هنا يأتي الشعر باعتباره، في نظر مِل، "رسماً أعمق وأكثر سرية للعاطفة الإنسانية، ولا يستطيعه غير أولئك الذين يستذكرون ما شعروا به والذين يتحرك خيالهم لتصور ما يمكن أن يشعروا به"، أما "الشعراء العظماء"، ف"غالبًا ما يجهلون الحياة، وكل ما يعرفونه يأتي بملاحظة أنفسهم"، ومن خلال نموذج دقيق وحساس للغاية من الطبيعة البشرية يوجد بداخلهم، كَتبتْ عليه قوانين العاطفة بأحرف كبيرة يمكن قراءتها دون الكثير من الدراسة. والأشخاص في رأيه والأمم الذين يتفوقون عمومًا في الشعر هم أولئك الذين تجعلهم شخصياتهم وأذواقهم أقل اعتمادًا على تصفيق أو تعاطف أو موافقة العالم من حولهم على ما يبدعون.

ويفرق مِل بين قصائد الشاعر وبين غيرها مما يبدعه العقل المثقف، مشيرا إلى أنه مهما كانت هالة الشعور الساطعة التي قد تحيط بالفكر، فإنه دائمًا يظل واضحا؛ أما إبداع الشاعر فينبلج من الشعور نفسه، ولا يستخدم الفكر إلا كوسيلة للتعبير عنه.

ومن أجل توضيح ذلك عقد مقارنة بين شاعرين من معاصريه قال إنهما "أنتجا أكبر كمية من الشعر الحقيقي والدائم"، وهما "وردزورث" و"شيلي"، وقام بالاستشهاد بالأول باعتباره نموذجًا لما يمكن أن يحققه شعر الفكر؛ وقد رأى الآخر باعتباره المثال الأكثر وضوحًا على الإطلاق للمزاج الشعري، وذكر أن "الشعر عند وردزورث هو دائمًا مجرد إعداد للفكر". قد تكون الفكرة أكثر قيمة من الإعداد، أو قد تكون أقل قيمة؛ ولكنها تأتي أولا، وتظل الأكثر وضوحا في ذهنه، فهو دائما ما يترك الفكر يسكن في عقله، حتى يثير أفكارًا أخرى، لذلك، يمكن تعريف شعره بأنه أفكاره، التي تلوّنها العواطف وتثير الإعجاب بها.

وعلى النقيض من وردزورث كان شيلي،كما يصفه مِل بأنه "الأكثر موهبة بين شعرائنا، وكان بخلاف وردزورث لا يهتم بإخضاع قصائده للانضباط العقلي، وقد ترك حيوية عواطفه وأحاسيسه تفعل كل شيء. كان نادرًا ما يتابع فكرة ما، وفي ابداعاته ظهر مدينًا لواحدة من أندر مواهبه، وهي وفرة الصور الشعرية التي كانت تخرج فياضه ولا يتم كبتها، وقد كان لها تأثر سلبي في العديد من قصائده كما تميزت قصائده بكونها تبدأ في الحياة، ويستدعيها من أرض خياله الذي لا ينضب، فتأتي كشظايا مرآة متناثرة، ألوانها رائعة مثل الحياة.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».