عاشت مازارين بنجو ميتران فترة طويلة من طفولتها وشبابها في الخفاء، فوالدها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران أخفاها طويلاً عن العالم وعن وسائل الإعلام لأنها كانت الابنة «غير الشرعية». ولم يكتشف الفرنسيون وجودها إلا وهي تحضر مراسيم جنازة والدها عام 1996 وهي شابة في العشرين. هي اليوم روائية وأستاذة فلسفة في جامعة فنسان، ووجه إعلامي يتردد في البرامج الثقافية، وقد خصّت «الشرق الأوسط» بمناسبة صدور روايتها الجديدة «صالون التدليك» بالحوار التالي:
* السيدة مازارين أنت كاتبة وفيلسوفة ولك مداخلات في أكبر وسائل الإعلام، لكن ما هي مساحة الأدب في حياتك اليوم؟
- الأدب هو ملجئي ومأواي. كل أنشطتي المهنية الأخرى تستهويني وهي مصدر رزقي، لكن الأدب فضائي الإبداعي وأنا لست مضطرة للكتابة من أجل كسب لقمة العيش وحريصة جداً على هذه الحرية. ولكن حين أكتب أعدُّ نفسي مدفوعة بنوع من الحاجة وهي حاجة من طراز آخر.

* متى أدركت أنك تريدين أن تصبحي كاتبة؟
- في وقت مبكر جداً من حياتي، حيث كنت أكتب أبياتاً شعرية وقصصاً قصيرة وأنا طفلة صغيرة، كما أن الكتب كانت تملأ بيتنا باستمرار ولذا فقد بدت الكتابة وكأنها أكثر شيء طبيعي أفعله، والأنسب للتعبير عما لا أستطيع الإجهار به.
* في أعمالك الروائية حضور قوي لإشكاليات الطفولة والأسرة وثقل الأسرار، هل فرضت هذه الموضوعات نفسها عليك بشكل طبيعي، أم أنك شعرت بحتمية التطرق إليها كما لو أن الأمر متعلق بإخراج المكبوت؟
- لا... كل هذه المواضيع فرضت نفسها عليّ بشكل قصري، شعرت وكأني لا أملك إلا أن أكتب عن هذه المواضيع، وأعتقد أن كل الكُتاب يعيشون الوضعية نفسها، أي أنهم يجدون أنفسهم أمام مواضيع تفرض نفسها عليهم ومعظمها متعلق بالطفولة. فالمواضيع نفسها تطاردنا مراراً وتكراراً وهي نفسها من تحفزنا على الكتابة.
* لديك رواية جديدة صدرت منذ أيام قليلة في المكتبات، هل لكِ أن تحدثينا عن هذا العمل الجديد؟
- الرواية الجديدة تحمل عنوان «صالون التدليك»، وهي قصّة «سهيلة» مُعلمة باريسية تبحث عن شيء ما لا تستطيع تحديده... ليس لديها سبب للشكوى، ومع ذلك فهي غير راضية عن حياتها. ذات يوم، تدخل صالون التدليك وتكتشف متعة تسمح لها بالهروب. ولكن فجأة، يغلق صالون التدليك أبوابه ويقال لسهيلة إن الأمر مرتبط بفضيحة: حيث كانت الكاميرات تسجّل الزبائن بداخل الصالون، فتتشكل مجموعة من النساء لتقديم شكوى من بينهم سهيلة، وشيئاً فشيئاً تلتقي رجلاً سيُغير حياتها. وهنا تتحول الرواية إلى بحث عن الأصول وأيضاً بحث عن الذات.
* أشهر رواياتك «الفم المغلق» سيرة ذاتية أو بالأحرى قصّة الطفولة المكتومة التي فُرضت عليك باعتبارك الابنة «غير الشرعية» للرئيس الراحل فرانسوا ميتران، أما زلت تشعرين بالحاجة إلى الكتابة عن هذا الماضي «المميز»؟
- مهما يحدث فنحن مرتبطون دائماً بالماضي، وكل أعمالي مستقاة من هذه القصّة بطريقة أو بأخرى، وأنا لا أشعر بحاجة إلى «السّرد» أو «الإخبار»، بل هو بمثابة استكشاف أدبي في أضرار الصمت والسّرية وأحاسيس ومشاعر الطفولة التي تهمني، وهي ينابيع رومانسية قوية ما زالت تؤثر في نفسيتي مثل الألغاز التي لم يتم حلُها تماماً.

*أنت ابنة أحد زعماء فرنسا التاريخين واسمك متداول في مختلف وسائل الإعلام، فهل تسبب هذا الأمر في الإحساس بأن وجودك في الوسط الأدبي «غير شرعي»؟
-نعم ولا... فأنا لم أُقابل بالورود، بل إن الوسط الأدبي كان قاسياً معي أول مرة، لكني كنت أكتب باستمرار وهذه الجهود لم يتم التشكيك فيها أبداً... ولذا فهناك مرحلتان: المرحلة التي أكتب فيها والتي لا يُطرح فيها هذا السؤال، والمرحلة الثانية التي تبدأ بعد نشر أعمالي وانطلاق «اللعبة الاجتماعية» هنا تصبح الأمور أكثر حسّاسية، لكن مع مرور الوقت أصبحت أشعر بأن مسألة «نسبي» لم تعد تؤثر على استقبال الوسط الأدبي لأعمالي.
* أنت أيضاً باحثة في مجال الفلسفة وتنشطين من أجل «فلسفة مبسّطة» في متناول الجميع، حديثينا عن المشروعات التي قمت بها في هذا السياق؟
- فعلاَ بالموازاة مع أبحاثي الأكاديمية، أسعى جاهدة من أجل تعميم الفلسفة من خلال عدة مبادرات، منها إصدارٌ بالتعاون مع الزميلة نتالي كوبرمان وهو كتاب من القصّص القصيرة موجه للأطفال، والهدف منه تحفيز التساؤلات الفلسفية عند هؤلاء. على قناة «إلي سي بي» أشارك في برنامج يعطي مساحة للفلاسفة الغائبين عن وسائل الإعلام، وقد عالجنا في الموسم السابق إشكالية البيئة، وأيضاً أُدير بالتعاون مع الزميلة صوفي نوردمان مجموعة إصدارات فلسفية يتناقش فيها الفلاسفة بكل حرية وعلى أسس علمية في مواضيع مثيرة للجدل لكي نبرهن أن النقاش يمكن أن يحدث باحترام الرأي والرأي الآخر ودون انفجار الأوضاع. وأخيراً أترأس مهرجان «فيلوزوفيا» في بلدة سان إيميليون، الذي يهدف أيضاً إلى جعل الفلسفة في متناول أكبر عدد ممكن من الناس، لذا فنحن نستقبل سنوياً آلاف المشاركين الذين يهتمون بالفلسفة على سبيل الهواية.
أنا لم أُقابل بالورود، بل إن الوسط الأدبي كان قاسياً معي أول مرة
مازارين بنجو ميتران
* والدك الرئيس الراحل فرانسوا ميتران كان عاشقاً كبيراً للأدب ووالدتك السيدة آن بنجو خبيرة فنية، فإلى أي حّد أثّر الاثنان على مشوارك الإبداعي؟
- من الصعب الإجابة على هذا السؤال، اهتمام والداي بالأدب والفن فتح أمامي بدون شّك آفاقاً وقد يكون والدي هو ما فتح شهيتي للأدب، ولكن من يدري ماذا نرث عن آبائنا فعلاً... فقد تسلك الوراثة طرقاً ملتوية.
* هل سبق وأن قرأت أعمالاً لأدباء عرب؟
طبعاً قرأت! قرأت الكثير من إدوارد سعيد إلى كاتب ياسين ومحمد شكري ونجيب محفوظ، وهم أدباء مختلفون من ثقافات مختلفة، لكن لدي فضول وشهية كبيرة لهذه النوعية من الأدب، وكّرست ثلاث سنوات في تعلم اللغة العربية (رغم ذلك أعترف أن مستواي في اللغة العربية لا يزال بسيطاً جداً..)، إضافة إلى أنني زرت عدة دول عربية وأنا أهتم بمتابعة الإنتاجات الأدبية العربية والتراث العربي عموماً دون أن أكون خبيرة في هذا المجال.
