سيرة جديدة عن جان جاك روسو تكشف عن رواية له

«جولي أو هيلويز الجديدة»... صورة نقية من الحب تُذكرنا بشعرائنا العذريين

سيرة جديدة عن جان جاك روسو تكشف عن رواية له
TT

سيرة جديدة عن جان جاك روسو تكشف عن رواية له

سيرة جديدة عن جان جاك روسو تكشف عن رواية له

صدرت أخيراً سيرة جديدة عن جان جاك روسو، ومؤلفها هو واحد من كبار المختصين بعصر الأنوار، إنه البروفيسور ريمون تروسون، أستاذ الآداب الفرنسية بجامعة بروكسل الحرة، وعضو «الأكاديمية الملكية البلجيكية». كُتُبه عن فلاسفة الأنوار أصبحت مراجع لكل الباحثين شرقاً وغرباً. للأسف ليست مترجمة إلى العربية حتى الآن، على الرغم من عظمتها الأكاديمية وموثوقيتها وأهميتها. متى سيهتم العرب بترجمة الكتب القيّمة التي تُغْني الثقافة العربية فعلاً وتفتح لها الآفاق؟ متى سيُعطونها الأولوية؟

ماذا يقول لنا هذا الأستاذ الجامعي الأكاديمي عن جان جاك روسو؟ إنه يعطينا المعلومة التالية التي لا تُقدَّر بثمن: عندما نشر روسو روايته الشهيرة، المدعوّة باسم «جولي أو هيلويز الجديدة»، اهتزت فرنسا، بل حتى أوروبا كلها، لقد ضرب على الوتر الحساس وأصاب النفس البشرية في أعمق مشاعرها وأقدسها: عاطفة الحب. لقد قدَّم عن الحب صورة مثالية بهيجة لا تضاهَى، وهي تُذكّرنا بشعرائنا العذريين: مجنون ليلى، جميل بثينة، ذي الرمة، ومي... إلخ. نفس النقاء، ونفس الصفاء، ونفس الحب العامر الغامر الذي ينظف القلب والروح، إنها أعظم عاطفة وأقدسها على وجه الأرض.

هل تعلمون أن هذه الرواية طُبعت 72 مرة حتى نهاية القرن الثامن عشر، منذ صدورها عام 1761؟ لو كانت هناك حقوق نشر حقيقية في ذلك العصر، لأصبح جان جاك روسو مليونيراً كبيراً، ولكننا نعلم أنه عاش على حافة الفقر طيلة حياته كلها. لو أن هذه الرواية صدرت في القرن العشرين، أو حتى في القرن التاسع عشر، أيام بلزاك وستندال، لأغنت صاحبها ولأبعدت عنه شبح الفقر إلى الأبد.

ضربة معلم

وحتماً لكانت قد أتاحت له أن يشتري شقة فاخرة في قلب باريس، كما حصل للطاهر بن جلون بعد نيله جائزة الغونكور. ولكننا نعلم أنه عاش مشرَّداً على الطرقات والدروب، كانوا يقرأونها في الشوارع أمام المكتبات العامة ودموعهم تنهمر مدراراً. كتبت له إحداهن: لقد بكيت يا أستاذ، لقد بكيت بحرقة مراراً وتكراراً، أشكرك من كل قلبي. لقد نظفت أعماقي والآن سكنت واسترحت. وكتبت له أخرى: كتابك ينبغي أن يُطبَع بحروف من ذهب. وأما ذلك الشخص الأرستقراطي الذي يُدعى الماركيز دو بولينياك فلم يستطع أن يتحمل موت بطلة القصة «جولي»، فسقط على الأرض مريضاً في فراشه، فطلبوا له الدكتور فوراً! وأما البارون لا ساراز فقد حبس نفسه في غرفته كي لا يسمعوه وهو يشهق بصوت عال ويئنّ ويتوجع... وأما الجنرال تيبولت فعندما وصل إلى مشارف نهاية القصة، لم يعد يبكي فحسب، وإنما أخذ يصرخ بأعلى صوته وينتحب كالمجنون. وكتب له أحد الشباب: كنت على شفا الهاوية، يا أستاذ، لقد أنقذتني، لقد شفيتني، لقد عالجتني، إنني أقدِّس شخصك وكتاباتك السامية. وهكذا تحوَّل روسو إلى قديس علماني يحل محل القديس المسيحي السابق. لقد ألف رواية تشبه «إنجيل القلوب».

هذا ما فعلته رواية روسو في أشخاص ذلك الزمان، لقد فعلت فعلها. هنا تكمن عظمة الأدب. الأدب علاج للروح الظمأى، للروح العطشى إلى المطلق: مطلق الحب والوجود. لقد نظّف روسو العصر كله بهذه الرواية، لقد طهّر قلوب الملايين، لقد علَّمهم معنى الحب والفضيلة والقيم النبيلة السامية التي تتعالى على الماديات. ولم تكن رواية عن الحب فحسب، وإنما عالج فيها أيضاً مسائل أخلاقية واجتماعية وسياسية، بل حتى دينية. كانت كل ذلك دفعة واحدة. و«بضربة معلم» صهر كل ذلك مع بعضه البعض، وقدَّم للعصر كله روايته الخالدة. هنا تكمن عبقرية جان جاك روسو (هل نعلم أنه عاش حياته كلها مع امرأة لا يحبها ولكن يشفق عليها إنسانياً ومادياً ويحترمها؟ وهل نعلم أنه أحب امرأة حباً صاعقاً بالضربة القاضية ولكنه لم يعش معها يوماً واحداً بل لم يلمسها...).

الملاحقات الضاريات

ولكن هل تعلمون ماذا حصل له بعدئذ؟ هل تعتقدون أنهم كافأوه على هذه الإبداعات العبقرية؟ العكس هو الصحيح، فبعد أن نشر هذه الرواية، نشر كتابين أساسيين سوف يدشنان الحداثة الدينية والفكرية والسياسية في كل أنحاء أوروبا هما: «إميل أو في التربية»، و«العقد الاجتماعي». وعلى أثرهما أصدرت السلطات الفرنسية الأوامر بتمزيق الكتابين وحرقهما أمام القصر العدلي. كما أصدرت الأوامر بالقبض على الكاتب فوراً وإيداعه سجن الباستيل الرهيب. ولولا أن بعض المعجبين الكبار به أبلغوه بالقرار قبيل تنفيذه بساعات قلائل، لكان قد حصل ما لا تُحمَد عقباه. قال له الماريشال دو لوكسمبورغ، أحد عظماء ذلك الزمان بعد الملك مباشرة: أمامك 24 ساعة لكي تضب أغراضك وتهرب، وإلا فسوف تحصل الكارثة. ارحل فوراً! وعندئذ هرب على وجه السرعة. وعندما وصل إلى الحدود السويسرية، انبطح على الأرض وقال: أقبل هذه الأرض، أرض الحرية! ومعلوم أنه سويسري الأصل وليس فرنسياً، على عكس ما قد نتوهّم؛ لأنه عاش معظم حياته في فرنسا، ولكن حتى هناك لم يتركوه مرتاحاً؛ لأن أفكاره الجريئة عن الدين المسيحي لم ترُقهم، فقد شكّك ببعض العقائد الأصولية الشعبوية الأكثر رسوخاً، وقال إن الدين هو المعاملة الأخلاقية: فإذا كنت شخصاً أخلاقياً مستقيماً في تعاملك مع الآخرين، فأنت أعظم مؤمن، سواء مارست الطقوس والشعائر الدينية أم لم تمارسها على الإطلاق. وقال إن المفهوم الطائفي والمذهبي للدين انتهى أو ينبغي أن ينتهي؛ لأنه كلّف أوروبا ملايين الضحايا، فالدين الحقيقي غير الطائفية، والطائفية غير الدين. وهكذا صدم في الصميم العقائد الأصولية الراسخة، وقدَّم عن الدين المسيحي صورة عقلانية مستنيرة تليق بروح الأزمنة الحديثة، ولذلك احمرّت عليه الأعين، ولم يغفر له الأصوليون والإخوان المسيحيون هذه الأفكار الهدّامة للتراث و«ثوابت الأمة»! ولذلك حقدوا عليه وعلى مؤلفاته حقداً شديداً، لهذا السبب جمعوا نسخ الكتاب ومزّقوها وأحرقوها في بيرن وجنيف، وليس فقط في باريس، وأحرقوها أيضاً في عواصم أوروبية أخرى.

ستون جهة كانت تلاحقه دفعة واحدة، كلما انتهى من جهة أمسكت به جهة أخرى، وراحت تُعمل به فعساً وتنكيلاً حتى أحرقوا أنفاسه، كانوا يلاحقونه على لقمة عيشه بشكل خاص؛ لأنهم لم يستطيعوا قتله. كان ذلك على طريقة قطع الأرزاق أو قطع الأعناق. لم يستطع أحد تحمل أفكاره الجريئة أكثر من اللزوم عن الدين، ما عدا فولتير الذي حيّاه من بعيد، على الرغم من أنه كان عدوه اللدود، كان منافسه الأكبر على عرش الآداب الفرنسية.

ومع ذلك فقد صرح بما معناه: أبيع الدنيا كلها بتلك الصفحات القليلة الرائعة التي دمّرت فيها الفهم الأصولي والطائفي والظلامي للدين المسيحي. ولكن هذا فولتير! هذا ليس تلك الجماهير الغفيرة التي تتبع الأصوليين بالملايين كالقطعان أو الخرفان. ابحثوا عن «الربيع العربي» والقرضاوي وإردوغان وبقية الإخوان! حقاً لقد جاء جان جاك روسو قبل الأوان، كما يحصل للرواد الكبار، ولذلك أقضُّوا مضجعه وهدَّدوه ولاحقوه من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، ومن الجبال إلى الوديان، حتى هرب إلى إنجلترا في نهاية المطاف.

لكن أفكاره الجريئة عن الدين انتصرت بعد موته بعشر سنوات فقط، وكان يعرف أنها سوف تنتصر. وعندئذ انتقلت أوروبا من عصر الظلمات إلى عصر الأنوار. ولم يعد فيها طائفية ولا مذهبية ولا ذبح على الهوية. لقد احترق جان جاك روسو لكي يضيء للآخرين الطريق.



الروائي الكويتي هيثم بودي: «الملاحم» الخليجية كنز لم يكتشف بعد

هيثم بودي
هيثم بودي
TT

الروائي الكويتي هيثم بودي: «الملاحم» الخليجية كنز لم يكتشف بعد

هيثم بودي
هيثم بودي

تختزن في ذاكرتنا بالخليج العديد من السنوات الصعبة، التي لم تجد تصويراً مناسباً لها في الأعمال الأدبية، سنوات عرفت باسم المرض؛ كسنوات الجدري والطاعون والكوليرا، وسنوات باسم الجوع، كسنة المجاعة والبطاقة وغيرها... وسنة الكارثة الرهيبة التي عرفت بسنة «الطبعة»، وغيرها من السنوات التي ما زالت تحفر في الذاكرة ندوباً من المعاناة. ومع شحة الأعمال الأدبية والفنية التي تناولت هذه الأحداث، برز الأديب والروائي الكويتي هيثم بودي، الذي قدّم مجموعة من الروايات تناولت سنوات المحنة في منطقة الخليج، وتحوّل بعض هذه الأعمال الروائية إلى مسلسلات تلفزيونية بينها رواية «الدروازة»، التي تتناول وباء «الطاعون» الذي اجتاح الكويت عام 1831. وغيرها من الروايات.

يعمل هيثم بودي مذيعاً تلفزيونياً، ويقدّم برامج باللغة الإنجليزية، وهو كذلك رسام ومصور وعمل فترة في مجال السينما وكتابة السيناريو، ولديه أكثر من 12 رواية ترجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية. «الشرق الأوسط» التقت به في الكويت، وأجرت معه الحوار التالي:

> لديك تجربة روائية تمتد عبر أكثر من 12 رواية و3 مجموعات قصصية ومسلسلين تلفزيونين، لماذا أنتَ بعيد عن المشهد الثقافي في الكويت؟

- منذ حازت روايتي «الطريق إلى كراتشي» على تنويه جائزة الإبداع العربي 2005، وقبلها بفترة يسيرة تحول بعض أعمالي الأدبية إلى أعمال درامية، شعرتُ بثقل «هذا النجاح المفاجئ»، وهو ثقلٌ نفسي لم أكن أعرفه من قبل، أحسست بالاغتراب عن نفس لا أعرفها، كما أحسست أن موهبتي الكتابية أقوى بكثير من شخصيتي الاجتماعية التي لم تتحمل كل هذا النجاح المفاجئ... فكان الابتعاد عن المشهد الثقافي في الكويت ضرورة نفسية أكثر من أي شيء: يجب أن أنجو بنفسي.

> لكنك بعدها، غادرت إلى بلد آخر ولعالم مختلف بعيد عن الكتابة

- صحيح، أحسست برغبة قوية لاكتشاف الذات فوجدتها فرصة سانحة إلى الهجرة إلى أرض جديدة أتعلم منها... فارتحلت لسبع سنوات إلى دبي وتعلمت الإخراج السينمائي والتمثيل في نيويورك (فيلم أكاديمي) وصقلتُ شخصيتي الاجتماعية والفنية والإبداعية بالتطبيقات العملية، ودرست «الغرافيك ديزاين»، واحتككت بعالم من الجنسيات المختلفة والأدباء والروائيين والممثلين وشركات الإنتاج ودور نشر عالمية، وأحسست أن العالم أكبر ومتنوع بالمواضيع والمعرفة... واقتحمت الإخراج السينمائي وحاز فيلمي «المعلم الأميركي» على جائزة أفضل مخرج واعد في مهرجان فويا السينمائي في هوليوود 2014.

فن «النوفيلا»

> أغلب رواياتك من نوع الرواية القصيرة أو «النوفيلا» يقوم بعضها على بطل محوري واحد، هل هذا يدلّ على نَفَسْ قصير في السرد أم لديك رؤية فنية؟

- تتنوع رواياتي بين الطويلة كـ«الهدامة» و«الدروازة» إلى الروايات القصيرة والتي تعتبر الأغلب بالفعل... اخترتُ «النوفيلا» لأني أرغب في الكتابة للإنسان العادي الذي لا يقرأ، ولم يرُق لي أن أكتب للنخب المثقفة على اعتبار أنها متخمة بالمعرفة، وأن الحاجة الحقيقية للأدب والشعر هي للإنسان العادي الذي هو أحوج ما يكون إلى الثقافة والفن الذي يرتقي بوعيه ويذكره بإنسانيته المفقودة في عالم المادة. وهذا الذي جعلني أراهن على الروايات القصيرة التي حققت لي انتشاراً أكثر.

> هل ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في اختيارك لشكل الرواية... ما دمنا نتحدث عن الانتشار؟

- الرواية القصيرة رواية الجماهير والطلبة وللذين يقرأون لأول مرة، باستطاعة القارئ البسيط أن ينهيها في جلسة واحدة... على عكس الروايات الطويلة التي تقرأ في أسبوعين أو شهر فهي تحتاج لقارئ خاص مثقف نخبوي ممتلئ بالمعرفة يقرأ من أجل المتعة... نعم وسائل التواصل الاجتماعي وضعتنا تحت التحدي، فهي سحبت البساط من المثقفين النخبويين، لذا أعتقد أن الرواية القصيرة وتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي الطريقة الأسهل لإيصال قصصنا الخليجية والعربية للأجيال في مختلف البلدان... وقريباً سأقدم مشروعي الجديد وهو الروايات المصورة والتي استفدت كثيراً من دراستي لتصميم الغرافيك وسأنقل قصصي ورواياتي إلى هذا البحر الشاسع الجديد وأن نحكي قصصنا للأجيال وللعالم أيضاً بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي الذي أخذ يقدم لنا الصورة المتخيلة بسهولة ويسر.

أغلفة بعض أعماله

الرواية والتاريخ

> رواياتك أيضاً تروي أحداثاً تاريخية مرّت بها منطقة الخليج... وخاصة سنوات المعاناة... من أين تستسقي مصادرك في كتابة هذه الأعمال؟

- في بدايات كتاباتي الروائية استقيت الحكايات من الأب والأم، فلأول مرة أسمع عن وباء «الطاعون»، الذي اجتاح الكويت عام 1831 من والدي وهو يتحدث عن نجاة والد جده حين كان طفلاً عمره عشر سنوات، بعد أن أخذ أخته ذات السبع سنوات وتسلقا سلماً في فناء البيت بعد موت أهلهما جميعاً وعبرا الحوائط بين البيوت ليلاً حتى هبطا في «سكة» وانطلقا إلى منطقة «الشويخ»، حيث يتجمع الناجون من الطاعون. فكتبت رواية «الدروازة» عن زمن الطاعون والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني.

كذلك، كان جدي لأمي «نوخذة - قبطان» سفينة يتاجر مع مواني الهند قديماً ومواني أفريقيا ومواني الخليج ويعود محملاً بالهدايا والقصص والمغامرات التي كتبتها نقلاً عن والدتي في رواية «الطريق إلى كراتشي» عن بحارة كويتيون فقدوا في الهند الغربية قبيل الحرب العالمية الثانية. وكتبت أيضاً 6 روايات قصيرة عن قصص النواخذة. وبعد ذلك اتسعت قراءاتي التاريخية في تاريخ الكويت والخليج وبدأت أقرأ في المصادر التاريخية والمراجع وأستقي منها الكثير من القصص والروايات.

> كيف ينفعل الراوي بأحداث لم يشهدها... ولم يعاصر أبطالها... مثل سنة «المجاعة» وسنة «الطبعة»؟

- أعتقد أن مخيّلة الروائي أو القاص لها الدور الأكبر في نقله والسفر به عبر الأزمنة واختراق الحجب والاستماع إلى الشخصيات والإحساس بمشاعرهم وأفكارهم وتوقع ردود أفعالهم، وللبحث التاريخي واتباع المنهج التاريخي في البحث عن المعلومات أهمية بالغة، فالقصة المسموعة تحتاج الكثير من التدعيم بالبحث المعلوماتي التاريخي، وأيضاً تدريب الراوي لموهبته عبر الكتابة وإعادة الكتابة والتأمل والإحساس بالجماليات الأخرى للتجربة الإنسانية، والتعرف على الجمال الكوني الذي يحيط به؛ كالفنون والموسيقى وقراءة الأدب العربي والعالمي... وهي كلها يمكنها أن تنسج للكاتب بساطاً سحرياً خاصاً ينقله عبر الزمن، يخترق عبره البيئات ويطير في فضاء فسيح لعوالم لم يطأها من قبل.

> ما أكثر الفترات أو الأحداث الخليجية التي تجدها ملهمة للكتابة عنها؟ ولماذا؟

- باعتقادي أن الفترات الملحمية هي الأهم والأكثر تأثيراً وإثارة، لرغبة القارئ الخليجي في الاستكشاف والتعرف على المفاصل المهمة والتحولات التي أثرت في تكوين شخصية مجتمعه الخليجي العربي القديم وحياة آبائه السابقين... نعلم أن الأحداث في الخليج متشابهة جداً بين المجتمعات الخليجية التي تقاربت نشأتها كإمارات بحرية تطل على الطرق التجارية البحرية وتتصل بالطرق التجارية البرية لوسط الجزيرة العربية، تاريخ متقارب من الملاحم المتشابهة، كالغوص للبحث عن اللؤلؤ، والتجارة الدولية البحرية والبرية، ومجابهة الكوارث الطبيعية، كالمجاعات والسيول الجارفة والأوبئة، وردّ عدوان الأمم الطامعة، أو التعاون الحضاري ثم اكتشاف النفط الذي قاد التحول المشترك للبلدان الخليجية، وأدخلها إلى العالم الحديث.

> لماذا تصدر العديد من رواياتك كإصدارات خاصة من دون دار طباعة... ألا يحرمك ذلك من الانتشار والحضور في المحافل الأدبية ومن المشاركة في المسابقات كذلك؟

- بالفعل أحسست بهذا التقصير وأبحث عن دار عربية أو خليجية تساعد على نشر أعمالي الأدبية لقد أهملت هذا الجانب بالفعل وانغمست في إخراج المنتج الأدبي أو التشكيلي لأنه تحدٍ كبير. وأظن أن هذه المشكلة يعيشها الكثير من المبدعين، وهي إهمال التسويق لقلة خبرتهم وانغماسهم بالعملية الإبداعية... لقد رأيت الكثيرين من الفنانين التشكيليين يرمون لوحاتهم في سراديب بيوتهم غير قادرين على تسويقها بسبب الانغماس في العملية الإبداعية... وكم تمنيت أن تنشأ منصة إلكترونية ثقافية عربية تسوق لأعمالنا سواء الأدبية أو التشكيلية، أو أعمال الخزف أو الحرف المبدعة أو الروايات والكتب... منصة تزيل عن كاهل المبدعين هذا الثقل في قدرتهم الضعيفة وعلاقاتهم الاجتماعية المحدودة في التسويق والانتشار.

> لديك روايات تحولت إلى أعمال تلفزيونية مثل «الإعصار»، التي تحولت لمسلسل باسم «الهدامة»، ومثل «الدروازة» عن سنة الطاعون، كيف تقيم هذه التجربة؟

- تجربة كنت أحلم بها، لا يعلم الكثيرون أنني درست السيناريو السينمائي والتلفزيوني في لندن عام 1996 قبل أن أكون كاتباً روائياً أدبياً، وأخفقت في إقناع شركات الإنتاج الفني حينها لتبني سيناريو فيلم «الطاعون»، فأصبت باليأس وتحولت إلى كاتب روائي وسرعان ما التفتت الصحافة الكويتية وشركات الإنتاج الفني لي كروائي أدبي، لما للرواية الأدبية من هالة أكثر من كاتب السيناريو... فكتبت رواية الهدامة وكتبت السيناريو أيضاً لـ30 حلقة. وحقق المسلسل قبولاً على مستوى الفضائيات الخليجية والعربية.

> حدثني عن رواية «الدمام»، كيف ولدت فكرتها، ما فضاءات هذه الرواية، ولماذا هي تجربة مختلفة في مسيرتك الأدبية؟

- قدمتني رواية «الدمام - ملحمة الحب والنفط والحرب»، ككاتب في الملاحم الخليجية ورواية «الدرة» أيضاً ملحمة خليجية في تاريخ الإمارات... أعتقد أن الملاحم الخليجية كنز لم يكتشف بعد... لقد دعينا كوفد من رابطة الأدباء الكويتية لزيارة الدمام بدعوة من نادي المنطقة الشرقية الأدبي في 2022... وأخذونا في جولة في الدمام ضمن البرنامج... وذهلت لما رأيت مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، الذي شيد على بئر «الدمام 7»... هذه البئر التي غيرت وجه تاريخ المملكة إلى الأبد... فعرفت أنني أمام ملحمة عظيمة لم يكتب عنها من قبل... فعاد الوفد وبقيت في الدمام في مركز «إثراء» لاثني عشر يوماً أقرأ مذكرات المكتشفين الأوائل للنفط في «أرامكو» والصعوبات التي واجهوها في الصحراء لاكتشاف النفط أيام الحرب العالمية الثانية وهجوم موسوليني السافر على مصفاتي البحرين والدمام... في ملحمة عظيمة سطرها المكتشفون الأوائل مع طلائع السعوديين الأوائل، وتدور أحداث الرواية بين كاليفورنيا ولندن والكويت والدمام والرياض، وهي تسطّر أحداثاً حتى لا ينساها التاريخ... كتبتها بالعربية والإنجليزية.

> لماذا ترجمت رواية «الدمام» للإنجليزية؟

- لدي رغبة قديمة وجامحة في حكاية قصصنا الخليجية للعالم، ولقد عزز هذه الرغبة كوني مقدم برنامج Great Stories على تلفزيون الكويت KTV2 وقدمت رواية الدمام بالإنجليزية لعشرين حلقة ورواية «الدرة» بالإنجليزية ورواية «المباركية» أيضاً حتى يسمع العالم قصصنا الخليجية وننقل مشاركتنا في التجربة الإنسانية العالمية.

> هل تفكر في تجربة أنماط أخرى من الكتابة، أم ستظل وفياً للرواية القصيرة؟- سأظل وفياً للقصة بكل أشكالها وقوالبها التي أتقنها سواء كانت قصة قصيرة أو رواية أدبية أو سيناريو تلفزيوني أو نص مسرحي أو لوحة تشكيلية أو تقديمها كقص حكائي على شاشات التلفزيون... سأظل وفياً للقصة لأنني ولدت قاصاً وهكذا سأبقى.