معنى الحياة في مجتمعات التعددية الثقافية

ليس مطروحاً على المستوى نفسه عند كل البشر

سارتر
سارتر
TT

معنى الحياة في مجتمعات التعددية الثقافية

سارتر
سارتر

من دون شك؛ سؤال معنى الحياة يشغل كل إنسان واعٍ بدرجات مختلفة ومتفاوتة وانطلاقاً من خلفيات ثقافية متعددة. ولكن هذا السؤال يحمل وجهين: الوجه الأول يتعلق بمعنى الحياة عموماً، ويطال كل الكائنات الحية، فيما الوجه الثاني يختص بحياة الفرد البشري؛ بحيث إن كل فرد منا يحاول ويريد أن يفهم معنى الحياة عموماً، ولماذا يجب عليه أن يحيا، وما الغاية من حياته بصفته فرداً، وما معنى نجاحه في تحقيق مشروع حياته في هذا العالم الواسع المتعدد الأبعاد... ولكن المسألة الأساسية هنا تكمن في المعايير الثقافية التي تحكم فهم الأفراد معنى الحياة بشكل عام، وإعطاء كل فرد معنى لحياته الخاصة، مقابل معنى الحياة في المجتمع.

نيتشه

هذا يعني أن معنى الحياة يختلف باختلاف الثقافات البشرية. ومن دون شك، فإن هذه المسألة تبقى راهنة وتشغل وترافق كل مراحل المجتمعات عبر الإنتاج الثقافي والإعلامي، وهذا ظهر من خلال الموضوع الذي نشرته المجلة الفرنسية «Question de philo (سؤال في الفلسفة)» بوصفه ملفاً أساسياً في عددها الصادر خلال صيف 2023، تحت عنوان «إعطاء حياتنا معنى». ويبدأ عرض الملف بشرح تعبير «معنى الحياة»، فيقول إنه يشير إلى تساؤل البشر حول مصدر وطبيعة وغاية الوجود، مع العلم بأن هذا المعنى شكّل موضوع تأمل لكثير من الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع.

ومع ذلك، فقد أصبح هذا الموضوع موضع تساؤل الأفراد حول وجودهم في الحياة، في حين أن البعض الآخر راح يعدّ أن الوجود في هذه الحياة بدأ يفقد معناه. إذن؛ حول مسألة معنى الحياة انقسمت البشرية على الأقل إلى اتجاهين؛ الاتجاه الأول تمثّل في الملحدين، فيما الاتجاه الثاني تمثل في المؤمنين. ومن المعروف أن الملحدين لا يدّعون معرفة ماذا كان يوجد قبل ظهور الكون ولا من أين أتت الطاقة والمادة اللتان يتكون منهما هذا الكون. كما لا يدّعون الإيمان بعقيدة مسبقة يمكن أن تعطي معنىً ثابتاً للحياة، بل على العكس من ذلك؛ هناك من يعتقد أن معنى الحياة (حياتنا) يجب أن نحققه يومياً، وهناك من يعدّ أنه يجب ببساطة أخذ الجانب الأفضل والمناسب من الحياة من دون إضاعة الوقت في البحث عن معناها الميتافيزيقي. على سبيل المثال؛ بالنسبة إلى الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، ليس للحياة معنى مفارق، ولكن الوجود وحده يثبت معنى الأشياء، وهذا يترجم مبدأ الفلسفة الوجودية القائل: الوجود يسبق الماهية.

موريس بونديل

ووفق الفيلسوف الألماني نيتشه؛ بما أنه ليس هناك مخطط مسبق في مصدر الأشياء، فهذا يعني أنه لا معنى لأي شيء في المطلق. إذن؛ ما علينا فعله فقط هو أن نعيش وأن نتمتع بالحياة من دون الغرق في التساؤل العقيم حول واقع افتراضي. أما بالنسبة إلى المؤمنين بالأديان التوحيدية، فليس من الضروري البحث عن معنى للحياة، وذلك لأن الله هو الذي يهب ذا المعنى. وحول هذا الموقف يقول فيتغنشتاين: «إن الإيمان بالله يعني أن الحياة لها معنى واعتبار أن وقائع العالم ليست هي الكلمة الفصل أو الأخيرة». إن الإيمان بالله يعني اعتبار أن للحياة معنى. وبالنسبة إلى البعض، فإن التساؤل عن معنى الحياة يمكن أن يكون محاولة للتخفيف من حدّة السؤال المقلق: «ما معنى حياتي؟».

وقد يمكننا تصنيف الإجابات عن هذا السؤال باتجاهين عريضين: الاتجاه الأول ديني وميتافيزيقي يعدّ أن معنى الحياة يكمن في مبدأ ما وراء العالم الفيزيقي؛ يمكن أن يكون الله. إذن؛ كل أفعالنا تأخذ معناها نسبة إلى حكم يمكن أن يكون بعد الموت أو في أي لحظة في الحياة، ويحدد نوعية الحياة بعد الموت والحياة الأبدية أو التناسخ أو التقمص. أما الاتجاه الثاني فيتمثل في أنصار المذهب الطبيعي وفي الماديين وأصحاب نظرية الفيض. وهنا يمكن أن نجد تفسيرات كثيرة ممكنة: إن معنى الحياة الفردية يعود فقط إلى النوع، يعني إلى إعادة التناسل، والباقي هو مجرد وهم. وفي الأساس؛ الحياة لا تتمتع بأي معنى؛ أي إنها عبث. وبالتالي؛ فإن محدودية الإنسان تبقى جذرية؛ لأن الموت هو نهاية كل شيء وإعدام للشخص ولمعنى حياته. ولكنه يمكن أن يقترب من غائية نسبية. وأيضاً يمكننا اعتبار أنه يعود إلى الأفراد أن يبنوا جماعياً معنى لحياتهم. ولكن الفيلسوف الفرنسي موريس بلونديل وضع جسراً بين التصورين السابقين للعالم مستعرضاً الفضائل التي يجدها في العمل بالمعنى الواسع: «الربط بين التلازم وبين المفارقة».

ولكن هل مسألة معنى الحياة مطروحة على المستوى نفسه عند كل البشر؟ وهل يتم طرح مسألة المعنى انطلاقاً من حياة الفرد أو من معنى الحياة بذاتها؟ في الواقع، هناك أناس نصادفهم فنجدهم غير آبهين بأي معنى لحياتهم ولا للحياة عموماً. وهذا ينطبق على حالات اجتماعية مختلفة؛ مثل الأم التي فقدت ابنها الوحيد، أو الزوجة التي فقدت زوجها في الحرب، أو التي فشلت في حياتها الزوجية، أو الشاب الذي فشل في تحقيق أحلام عائلته، أو الأب الذي ضحّى في سبيل عائلته من دون أن يحصل على نتيجة ترضيه. في هذه الحالات يمكننا القول: «الحياة لم تعد تستحق العيش». إن علماء النفس يتفقون على أن الطريقة الوحيدة لإخراج هؤلاء البشر من حالاتهم تكمن في كسر حلقة العزلة التي وضعوا أنفسهم فيها. باختصار؛ سواء آمن الفرد بالله أم لم يؤمن، فسوف يجد شفاءه في الحب. أما السبيل الآخر لمساعدة هؤلاء الأشخاص المجروحين والمتوحدين فيكمن في مساعدتهم على العمل عبر مجموعات للتواصل والحديث، أو عبر جلسات علاج شخصية، وهذا ما يجعلهم يدركون أنهم ليسوا وحيدين، وهذا ما يساعدهم في الخروج من عزلتهم ويصبحون قادرين على مساعدة غيرهم.

إذن؛ عندما تبدو الحياة للإنسان من دون معنى، فسوف يجد نفسه يلجأ إلى الإيمان بالله، والإيمان بالآخرين، وبنفسه، وهذا ما يسمح له بالشعور من جديد بأنه كائن حي، وقد يكون متألماً، ولكنه يبقى حيّاً.

في الختام؛ قد يمكننا القول إن معنى حياتنا يتأثر بمعايير وموازين الثقافة المسيطرة في مجتمعنا. وقد يحدث أن يكون معنى الحياة متعدداً ضمن المجتمع أو الوطن الواحد، متأثراً بالتعددية الثقافية وبالخلفيات الدينية والمذهبية، كما يحدث في البلد الصغير لبنان؛ المتكون من طوائف ومذاهب مختلفة لكل منها ثقافته الاجتماعية، حتى وصل الأمر بالبعض إلى المطالبة بإقامة نظام فيدرالي حيث يتمتع كل فريق بمعنى الحياة الذي يتلاءم مع ثقافته الدينية والاجتماعية والسياسية والقومية. في الواقع، إذا نظرنا إلى المجتمعات المعاصرة، فسنرى بوضوح الفرق بينها في موضوع المعنى الذي تعطيه للحياة ولطريقة عيش هذه الحياة. وهذا يعود بشكل أساسي إلى تعدد الثقافات في المجتمع الواحد وفي المجتمعات المختلفة المتوزعة بين الشرق والغرب. وبالتالي؛ يمكننا القول إن معنى الحياة يصبح متعدداً من خلال موازين القيم الثقافية المسيطرة في المجتمعات البشرية.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».