تمثالان في الفاو لسيّد الصمت حربوقراط

يجسد تلاقح الثقافتين المصرية واليونانية

حربوقراط في تمثالين من قرية الفاو محفوظين في جامعة الملك سعود بالرياض
حربوقراط في تمثالين من قرية الفاو محفوظين في جامعة الملك سعود بالرياض
TT

تمثالان في الفاو لسيّد الصمت حربوقراط

حربوقراط في تمثالين من قرية الفاو محفوظين في جامعة الملك سعود بالرياض
حربوقراط في تمثالين من قرية الفاو محفوظين في جامعة الملك سعود بالرياض

* تعكس مجموعة التماثيل البرونزية الكلاسيكية دخول الجمالية اليونانية البقعة المطلة على الحدود الشمالية الغربية لصحراء الربع الخالي

يحتفظ متحف الآثار في جامعة الملك سعود بالرياض بتمثالين من البرونز يمثّلان حربوقراط، المعبود المصري الأصل الذي سطع نجمه في سائر العالم المتوسطي خلال العهدين الهلنستي والروماني. يتبنّى هذان التمثالان النمط اليوناني الكلاسيكي، غير أنهما يختلفان بشكل كبير من حيث التفاصيل، ويمكن القول إن أحدهما يبدو تقليدياً، فيما يتميّز الآخر بخصائص تصويرية عدة لا نجد ما يماثلها في هذا الميدان.

التمثال الأول من الحجم الصغير، طوله 12 سنتيمترا وعرضه 6 سنتيمترات، منفّذ بأسلوب كلاسيكي متقن، ويمثّل طفلاً مجنّحا يقف عارياً، مع حركة بسيطة تتمثّل في تقدّم ساقه اليمنى نحو الأمام، وثبوت ساقه اليسرى من خلفها. يثني هذا الطفل ذراعه اليمنى، رافعاً إياها في اتجاه فمه، ويحمل بيده اليسرى قرنا يحوي ثمارا، ويُعرف هذا العنصر في قاموس الفن الإغريقي بـ«قرن الخيرات»، ويرمز إلى الرخاء والغنى والبحبوحة.

ملامح الوجه المنحني طفولية، وخداه مكتنزان، وتحدّه خصل من الشعر يعلوها تاج طويل مصري الطابع يُعرف بـ«بشنت»، وهو تاج مزدوج يرمز إلى وحدة منطقتي مصر، العليا والسفلى. الجسد عارٍ كليّا، وزينته الوحيدة قلادة عريضة تلتف حول العنق وتتدلّى عند أعلى الصدر، في وسطها حجر مستدير، وهذه القلادة معروفة في الفن الروماني القديم، وتُعرف باسم «بوللا»، وهي في الواقع سلسلة تحوي التمائم التي تُبعد الشرور عن الأطفال الأحرار الذين يتزيّنون بها إلى أن يتجاوزوا سن المراهقة.

يجسّد هذا التمثال الصغير النموذج التصويري الذي عُرف به حربوقراط في القرون الميلادية الأولى، أي في العهد الروماني. واسم حربوقراط مشتق من التسمية الفرعونية «حر - با - غِرِد»، أي حورس الطفل، وحورس هو ابن إيزيس وأوزيريس، والمعروف أنه كوّن مع والديه الثالوث الرسمي الذي اعتُمد في الإسكندرية، حين سعى البطالمة إلى المزاوجة بين الديانة المصرية والديانة اليونانية. شاع اسم حربوقراط في العالم اليوناني، ومنه بلغ العالم الروماني، وعُرف صاحب هذا الاسم بسيّد الصمت والأسرار، وظهر في صورة طفل عارٍ يضع سبابته على فمه، في حركة تعبّر عن هذا الصمت، معتمراً إكليلاً نباتيا يعلوه تاج الفراعنة المزدوج الذي يشير إلى أصوله المصرية.

اندمج حورس في هذا العالم الجديد، وظهر على صورة الأطفال المجنّحين الذين تذخر بهم الفنون اليونانية والرومانية، وحمل قرن الخيرات الخاص بهؤلاء الأطفال، وألبس قلادة الفتيان الرومان الأحرار، ونجد في تمثال الفاو صورة مختزلة متقنة لهذه العناصر المختلفة التي شكّلت صفات تصويرية خاصة بحربوقراط.

في المقابل، يمثّل التمثال الثاني صورة لهذا المعبود تشابه هذا النموذج وتختلف عنه في كثير من التفاصيل. وهذا التمثال من الحجم الصغير كذلك، طوله 32 سنتيمترا، وعرضه 9 سنتيمترات، ويتميّز بقاعدة دائرية كبيرة تشكّل جزءاً منه. يحضر سيّد الصمت في هيئة فتى أمرد عارٍ يحمل على كتفه اليسرى جلد بهيمة، على طريقة ديونيسوس، ملهم طقوس الابتهاج والنشوة في العالم الإغريقي. ويقف منتصباً، مع حركة طفيفة تتمثّل هنا في ثنية القدم اليمنى إلى الخلف. نراه يرفع سبابته اليمنى على ثغره، محدّقاً بعينيه الشاخصتين في الأفق، واللافت أن هاتين العينين مكسوّتان بطلاء زجاجي لمّاع يحدّد المقلة البيضاء والبؤبؤ الأسود. شعره كثيف، وخصله تحيط بوجهه وتتساقط عند كتفيه، وحول هامته إكليل يعلوه هلال قمري كبير.

يحيط بقدمَي حربوقراط عجل ذو قرنين من جهة، وفتى يبسط ذراعيه مبتهلاً من جهة أخرى، ويتّضح أنّ النحّات عمد إلى تقليص حجم الفتى والبهيمة التي ترافقه لإبراز مكانة سيّد الصمت وتعظيمه. يقف حورس الروماني مع المتعبّد والعجل فوق قاعدة مستديرة طويلة تزيّن وسطها صورة وجه ميدوسا، الحارسة الحامية، وهي في الميثولوجيا اليونانية إحدى «الغرغونات» الأخوات الثلاث المُرعبات اللواتي عُرفن بشعورهنّ التي كانت من الأفاعي، وبنظراتهنّ التي كانت تمسخُ الرائي حَجَرا، وهي هنا أشبه بالعين الزاجرة التي تحضر لدرء الشرور وصدّها.

على الإطار العلوي لهذه القاعدة، تظهر بقايا كتابة منقوشة تسمّى «هيدارات ابن زد»، ويبدو أن هذا الاسم يعود على الأرجح إلى المتعبّد الذي يقف مبتهلاً عند قدمي حربوقراط إلى جوار العجل، في تأليف جامع لا نجد ما يماثله في الصور التي تمثّل حربوقراط، في الشرق كما في الغرب. وهذه الصور عديدة، ويصعب إحصاؤها، وشواهدها الشرقية كثيرة ومصدرها على سبيل المثل لا الحصر مصر، والأردن، وأفغانستان.

يتميّز التمثالان اللذان خرجا من قرية الفاو بأسلوبهما الكلاسيكي المتكامل، ويماثلان في ذلك تماثيل برونزية أخرى خرجت من هذا الموقع الأثري، منها منحوتة تمثل هيراكليس، البطل الإغريقي الذي حظي بشهرة واسعة في بلاد الشام كما في شمال العراق، وأرتيميس، ربّة الصيد والبراري الإغريقية التي عرفت شهرة مماثلة في الهلال الخصيب، واللافت أننا لا نجد ما يماثل هذه القطع في شمال الجزيرة العربية، مما يوحي بأنها وصلت من الخارج، بطلب من سكان محليين تبنّوا هذه التقاليد في القرون الميلادية الأولى، يوم كانت قرية الفاو تقع على الطريق التجاري الذي يربط جنوب الجزيرة العربية وشمالها الشرقي، وتشكّل واحة ومحطة تجارية لاستراحة القوافل.

تشهد الآثار التي خرجت من هذه الواحة لتعدّدية مدهشة في الأساليب الفنية المتبعة، وتعكس مجموعة التماثيل البرونزية الكلاسيكية في هذا الحقل دخول الجمالية اليونانية هذه البقعة البعيدة المطلة على الحدود الشمالية الغربية لصحراء الربع الخالي. في هذا الإطار، يجسّد حربوقراط تلاقح الثقافة المصرية والثقافة اليونانية، ويشير تمثالاه البرونزيان في قرية الفاو إلى امتداد هذا التلاقح وبلوغه شمال الجزيرة العربية.


مقالات ذات صلة

علماء يفجّرون صدمة: حجر المذبح الضخم نُقل من أسكوتلندا إلى ستونهنج

يوميات الشرق أصلُه ظلَّ لغزاً (إ.ب.أ)

علماء يفجّرون صدمة: حجر المذبح الضخم نُقل من أسكوتلندا إلى ستونهنج

أظهرت معطيات جديدة أنّ حجر المذبح الذي يزن 6 أطنان، الواقع في قلب ستونهنج، جاء من أقصى شمال أسكوتلندا، وليس من جنوب غربي ويلز، كما اعتُقد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم رئيس بلدية مدينة ناغازاكي اليابانية شيرو سوزوكي يتحدث إلى وسائل الإعلام في مبنى البلدية في ناغازاكي في 8 أغسطس 2024 قبل يوم واحد من إحياء الذكرى التاسعة والسبعين للقصف الذري للمدينة (أ.ف.ب)

سفراء مجموعة السبع يمتنعون عن حضور ذكرى قصف ناغازاكي لعدم دعوة إسرائيل

قال شيرو سوزوكي رئيس بلدية ناغازاكي اليابانية، إنه متمسك بقراره عدم دعوة السفير الإسرائيلي لحضور فعالية مقررة غداً (الجمعة) لإحياء ذكرى القصف النووي على المدينة

«الشرق الأوسط» (ناغازاكي (اليابان))
يوميات الشرق وجه «مومياء المرأة الصارخة» التي اكتشفت عام 1935 في الدير البحري بالقرب من الأقصر ويرجع تاريخها لنحو 1500 قبل الميلاد خلال فترة المملكة الحديثة في مصر القديمة تظهر بالمتحف المصري في القاهرة - 18 يناير 2023 (رويترز)

تفاصيل جديدة عن حياة وموت «المومياء الصارخة» في مصر

رجّح علماء آثار أن مومياء امرأة مصرية دُفنت منذ نحو 3500 عام، وتبدو على وجهها علامات صراخ، «ماتت وهي تتألّم».

شادي عبد الساتر (بيروت)
يوميات الشرق تجربة استثنائية يجدها الزائر في جناح وزارة الثقافة بمنطقة «سيتي ووك» بجدة (الشرق الأوسط)

«عام الإبل»... مبادرة سعودية تعزز القيم الثقافية الفريدة لأبناء الجزيرة العربية

تحتفي السعودية في كل عام بعنصر مميز من العناصر الثقافية وتعرّف بقيمته ودلالته عبر مبادرات وبرامج متنوعة.

إبراهيم القرشي (جدة)
يوميات الشرق شكلت القرى التراثية مرتكزاً سياحياً في عسير التي تحتضن أكثر من 4275 قرية تراثية (واس) play-circle 02:08

4 آلاف قرية تاريخية في عسير تعكس التراث الثقافي والإنساني للمرتفعات السعودية

أكثر من 4 آلاف قرية تاريخية ما زالت قائمة بمنطقة عسير منذ مئات السنين، وربما أبعد، من ذلك تتفاوت في أحجامها ونمطها العمراني وتتفق على ما تعكسه من إرث إنساني.

عمر البدوي (أبها)

أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين
TT

أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين

تأتي علاقة الفن بالقانون من عدة جوانب، فيمكن أن يكون موضوعاً يجري التعبير عنه، أو عن المفاهيم والحالات الإنسانية المرتبطة به، كالعدالة والمساواة والبراءة. كما يمكن أن يُستخدم الفن قوةً ناعمةً للتعبير عن القضايا القانونية أو المجتمعية، حين يسلّط الضوء على القضية من دون إثارة الجدل أو تحميله شكل المعارضة المجتمعية.

ومع ذلك قد يكون هذا التعبير الفني «خشناً» أحياناً، أو صادماً ومفاجئاً كحالة الفنانة الكردية زهرة دوغان، التي حُكم عليها بالسجن بتهمة الدعاية الإرهابية، حين نشرت لوحة تصوِّر مدينة نصيبين في تركيا بعد اشتباكات بين الجيش التركي والأكراد، مع رسم الأعلام التركية على المباني المدمَّرة، في إشارة واتهام واضحين للسلطات التركية بالتعدي والهجوم على المدنيين.

وفي حالات يمكن أن يكون الفن بحد ذاته قضية قانونية، بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون، خصوصاً الفن المعاصر. وقد ظهرت هذه الإشكالية في بداية القرن العشرين، حين تغير الفن ولم يعد محاكاة للواقع. فالفنان على سبيل المثال لن يهمه رسم الطائر بشكل واقعي لأن الصور الفوتوغرافية تقوم بذلك، فبحث الفنان عن شكل آخر للتعبير، كالتعبير عن حالة تحليق الطير مثلاً؛ وهو ما قام به الفنان الروماني برانكوزي في منحوتته «طائر يحلق في السماء» التي توحي بالانطلاق والحرية. هذا العمل كان مثار قضية عام 1926م في الولايات المتحدة –التي تستثنى الأعمال الفنية بما فيها المنحوتات من ضريبة الاستيراد- فعند وصول المنحوتة إلى أميركا، رفضت السلطات اعتبارها عملاً فنياً وفرضت ضريبة استيراد، لأنها لا تمثل الطير، حينها رفع الفنان قضية للدفاع عن عمله وقدم شهادات من عدة خبراء في الفنون. وكانت نهاية الحكم هو أن تعريف الفن وقتها لم يعد صالحاً ومناسباً لاتجاهات الفن الحديثة التي ابتعدت عن التمثيل والمحاكاة واتجهت نحو التجريد.

قضية شيبرد فيري... العمل الفني والصورة الأصل

قانون الفن

وقد ظهر تخصص «قانون الفن» لدى بعض شركات المحاماة العالمية، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استولى النازيون على كثير من الأعمال الفنية في أوروبا، وبعدما طالبت الأوطان الأصلية لهذه الأعمال، باستعادتها وحمايتها والتعويض عما تعرضت له من حالات تزوير وتهريب.

يتضمن هذا التخصص حالات التزوير والاحتيال، والضرائب، وحفظ وحماية الحقوق، وعمليات البيع والشراء وغيرها من الجوانب. خصوصاً مع الأعمال ذات القيمة التاريخية، حيث تظهر أهمية الوثائق التي تدل على أصل العمل، كما أن عدم وجود وثائق تثبت صحة عمليات البيع والشراء وانتقال الملكية المرتبطة به، قد يدل على أن العمل الفني -يتيم- مسروق، مما يؤثر بالتالي في قيمته المادية.

ولعل حقوق الملكية الفكرية من أكثر المواضيع المرتبطة بالقانون، فالعمل الفني يمكن أن يتم استنساخه واستخدامه تجارياً، أو في المنتجات النفعية المختلفة، كالأثاث والأزياء والمطبوعات.

وفي واحدة من القضايا العالمية الشهيرة المرتبطة بالملكية الفكرية، استُخدمت صورة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وجرى تحويلها إلى بوستر، استُخدم في الحملات الانتخابية للرئيس السابق. وكان أصل هذا العمل هو صورة فوتوغرافية التقطها المصور ماني غارسيا، لصالح وكالة «أسوشييتد برس»، وبعد أن حقق البوستر الفني انتشاراً كبيراً لم تنله الصورة الأصل، رفعت الوكالة الإعلامية التي تملك أصل الصورة قضية على الفنان شيبرد فيري الذي استخدم الصورة في تصميمه للبوستر الشهير للمطالبة بتعويض عن استخدامه الصورة الفوتوغرافية، وقد جرى التوصل إلى تسوية خاصة بين الطرفين تضمَّن جزء منها مقاسمة الأرباح التي حصل عليها العمل الفني.

• الفن وغسل الأموال

يوجد كثير من الحالات المشابهة لهذه القضية في الفن نتيجة عدم وجود حدود واضحة للاقتباس والاستلهام، وتشابه الأفكار ومصادر الإلهام التي تجعل من بعض الأساليب والمواضيع الفنية متشابهة.

ومن الجوانب القانونية كذلك، استخدام الفن في غسل الأموال، لإخفاء اكتسابها بطريقة غير مشروعة، بسبب عدم الشفافية والغموض في سوق الفن. ويلاحَظ هذا الغموض في المزادات العالمية، حين تتم الإشارة إلى العمل الفني على أنه ضمن «مجموعة خاصة»، أو حين يباع من خلال ممثلين لمُلاك مجهولي الهوية.

ومن الميزات الاستثمارية للفن، ارتفاع قيمته مع مرور الزمن، وفي ذات الحين إعفاؤه من الضريبة مما يجعله وسيلة لعدد من الأثرياء حول العالم لتجنب الضرائب. ونظراً لاختلاف نظام الضرائب في البلدان، تختلف طرق الاستفادة من هذه الميزة.

ففي بعض الدول يُمنح خفض ضريبي للمتبرعين في المجالات الثقافية والتعليمية، لتشجيع الدعم والتبرع لهذه المجالات، بما يساعد على تقديم الدعم المالي للمتاحف، وفي ذات الوقت خدمة للمجتمع الذي يستفيد من المتاحف، التي تعتمد بشكل كبير على التبرعات الخيرية. كما يمكن الحصول على إعفاء ضريبي، عبر اقتناء الأعمال الفنية ذات القيمة المتزايدة، وحفظها في الموانئ الحرة في مناطق معفاة من الضرائب –كموانئ سويسرا- حيث تتميز هذه الموانئ بمستودعات خاصة تحمي الثروات والأصول الفنية الثمينة.

تشريعات ضرورية

وقد تكون القضايا المتعلقة بالفن من القضايا التي يندر تناولها محلياً في المحاكم السعودية، نظراً لحداثة هذا المجال وعدم انتشاره وصغر حجم الدائرة الاجتماعية المرتبطة به.

فمن ناحية علاقة الفن بالإعفاء الضريبي، فالفن لا يدخل ضمن الإعفاءات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لنظام ضريبة القيمة المضافة في المملكة.

كما أن الهيئة السعودية للملكية الفكرية توضح إمكانية تسجيل الفنان عمله بصفته المؤلف الذي قام بإنشائه، وخدمة التسجيل هي خدمة اختيارية، والحماية يكتسبها العمل الفني دون الحاجة لأي إجراء شكلي وفقاً لـ«اتفاقية برن» لحماية المصنفات الأدبية والفنية التي انضمت إليها المملكة عام 2003، حيث نصَّت الاتفاقية على مبدأ الحماية التلقائية.

يمكن أن يكون الفن في حد ذاته قضية قانونية بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون خصوصاً الفن المعاصر

ومع ذلك تظهر الحاجة إلى توضيح بعض الأنظمة الخاصة بالوساطة الفنية والبيع والشراء وانتقال ملكية الأعمال وغيرها. فعلى سبيل المثال، هل يحق للفنان معرفة المقتني لعمله، وما دفع له؟ فالمفترض أن تحصل صالة العرض على نسبة من عملية البيع، إلا أن بعض الصالات تقتني مجموعة من الأعمال، وتعيد بيعها بمبالغ مضاعفة لجهة ما أو مقتنٍ معروف، في أشهُر بسيطة. وفي هذه الحالة يتم تضخيم أسعار الأعمال الفنية، كما أن الفنان لا يعرف القيمة الحقيقية لبيع أعماله. مع أن نظام حماية حقوق المؤلف، يوضح أن للفنان التشكيلي حق التتبع والحصول على نسبة من كل عملية بيع لأعماله الفنية، فكما يشير النظام نصاً، «يتمتع مؤلفو مصنفات الفن التشكيلي ومؤلفو المخطوطات الموسيقية الأصلية -ولو تنازلوا عن ملكية النسخ الأصلية لمصنفاتهم- بالحق في المشاركة بنسبة مئوية عن كل عملية بيع لهذه المصنفات».

كما قدمت وزارة الثقافة في منصتها للتراخيص الثقافية (أبدع) بعض التراخيص المرتبطة بالفن والتي تسهم في تنظيم وتوثيق الأنشطة الفنية. ومع أن الهدف هو الشراكة مع القطاع الخاص ودعم وتمكين النشاط الثقافي في المملكة، إلا أن منح التراخيص وحده لا يبدو كافياً. فالفن بحاجة إلى مزيد من الدعم أسوةً بالمجالات الأخرى التي تقوم الجهات المرتبطة بها تنظيمياً بدعمها بالرعاية والتمويل والتطوير والتسويق، كما في الصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات.

إن الفن التشكيلي في السعودية بحاجة إلى توضيح كثيرٍ من الجوانب القانونية المرتبطة به، بما يسهم في دعم اقتصاد الفن والاستثمار فيه. وحفظ حق كلٍّ من الفنان والمقتني وصالة العرض أو الوسيط، خصوصاً مع دعم «رؤية السعودية 2030» للفن وما يحدث حالياً من انتعاش في الحركة التشكيلية السعودية.

* كاتبة وناقدة سعودية