صدر حديثاً عن دار «منشورات ويلوز هاوس» الجنوب سودانية المجموعة القصصية «أصوات عارية» للكاتب الباكستاني سعادت حسن مَنتو، وتتضمن 18 قصة قصيرة، بترجمة إنجي صالح.
وتتنوع القصص في أجوائها وموضوعاتها، وتأتي نماذج شخصياتها غالباً من قاع المجتمع الباكستاني، راصدة أحوال اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية، والبائعة الجائلين، وشخصيات من العالم السفلي، كاشفة عما في واقعهم من فقر وبؤس وأمراض وعنف وانحرافات.
تدور قصة «أصوات عارية» حول شقيقين لاجئين يعملان بائعين متجولين، ولأنهما لا يملكان مأوى في البلدة التي اضطراً زمن الحرب الباكستانية الهندية إلى الهروب إليها سكنا مع مجموعة من اللاجئين في منزل مكون من طابقين، وكان الأول وهو جاما متزوجاً فاختار العيش في الطابق الثاني، أما شقيقه بولو الذي لم يكن متزوجاً ولم يكن يسعى لذلك، فكان ينام وحيداً في الدور الأرضي، لكنه حين جاء فصل الصيف وبسبب شدة الحرارة قرر أن يصعد إلى السطوح لينام بجوار أخيه ومجموعة أخرى من المتزوجين، وهناك حدث له تحول أدهش أخاه. فقد أخبره ذات يوم أنه إن لم يزوجه فسوف يصاب بالجنون، وطلب منه أن يساعده في ذلك. كان الأمر سهلاً وتم بسرعة، وأعدّ بولو سريراً مثل باقي المتزوجين، وأحاطه بالخيش مثلهم، وجاء بعروسه، ومرت الأيام من دون أن يستطيع ممارسة واجباته الزوجية، وشاع الخبر، وبدأت ألسنة المحيطين به تسخر منه، وتتابعه بسياطها أينما ذهب، عند ذلك أرسل عروسه إلى أهلها، وهناك أخبرتهم بما كان، وشاع أمر بولو الذي لم يستطع تحمل ما يقال عنه، فصعد إلى السطوح وراح يدمّر سريره وأسرّة الآخرين، فهجم عليه أحدهم وضربه بقطعة من الحديد أفقدته الوعي، والذاكرة، وحين أفاق خلع ملابسه، وراح يجري في الطرقات، وكلما وجد سريراً مزقه؛ ليتعرض بسبب ذلك للضرب والاعتداءات التي تترك أثارها عليه.
وعلى هذا المنوال تدور باقي القصص التي تتعرض لما يلقاه اللاجئون من كوارث وأزمات، وتكشف مدى تدني أحوالهم، والجرائم التي يرتكبونها في حق بعضهم بعضاً، والتي تصل إلى حد الاغتصاب، وهو ما تحكي عنه قصة «العودة»، حيث يفقد رجل ابنته في رحلة هروبه من الحرب، فيوصي مجموعة من الشباب للبحث عنها بعد أن يعطيهم أوصافها، لكنهم بدلاً من إعادتها له بعد العثور عليهم، يغتصبونها، ويتركونها بين الحياة والموت.
في مثل هذه المآسي تتركز قصص «رخصة»، و«يزيد»، و«جبان»، و«خاسر لا محالة»، و«على جانب الطريق» و«ساهاي» وغيرها من إبداعات أخرى تضمنتها المجموعة، وتدور في عوالم لا إنسانية وتغوص في أحوال الفقراء ومن لا سند لهم.
يذكر أن مَنتو (1912- 1955) المولود في قرية بابرودي في سامرالا بالقرب من مدينة لودِيانا في إقليم البنجاب الهندي كتب 22 مجموعة قصصية ورواية واحدة وسيناريوهات عديدة للسينما والإذاعة. وعمل في الأربعينات في صناعة الأفلام الهندية في مدينة مومباي ككاتب سيناريو. كتب كثيراً عن التقسيم الذي تعرّضت له شبه القارة الهندية أثناء التحرر من الحكم البريطاني سنة 1948، وفضح بقصصه نفاق المجتمع أثناء المذابح الطائفية وقت التقسيم. وقد تعرض للمحاكمة مرات عدة قبل وبعد الاستقلال بسبب فحوى قصصه، وكانت التهمة دائماً الإساءة إلى الأخلاق العامة.