«الآخر» في الرواية السعودية حضر متأخراً بعد «أحداث سبتمبر»

كتاب يتقصى تمثيلاته منذ أول عمل روائي صادر عام 1930 إلى عام 2016

«الآخر» في الرواية السعودية حضر متأخراً بعد «أحداث سبتمبر»
TT

«الآخر» في الرواية السعودية حضر متأخراً بعد «أحداث سبتمبر»

«الآخر» في الرواية السعودية حضر متأخراً بعد «أحداث سبتمبر»

عن دار «مدارك للنشر»، صدر مؤخراً كتاب: «الآخر في الرواية السعودية: الاجتماعي، اللغوي، الآيديولوجي»، للناقد السعودي الدكتور علي زعلة، وهو باحثٌ في الأدب والنقد والدراسات الثقافية، وقاصٌّ صدرت له مجموعة قصصية بعنوان «نشرة لتضاريس الرخام»، كما صدر له «أحلام يناير... خيبات ديسمبر»، و«الخطاب السردي في روايات عبد الله الجفري».

في دراسته «الآخر في الرواية السعودية»، يتناول الدكتور علي زعلة الرواية السعودية «التي يناهز تاريخها قرناً من الزمان»، والتي يراها «حافلة بتمثيلاتٍ كثيرة للآخر وصوره المتشكلة في المخيال الاجتماعي، منتجة أنماطاً متباينة من الخطاب الثقافي والطرائق السردية، التي يسعى هذا الكتاب إلى مقاربتها، ومحاولة الكشف عن موقف الخطاب الروائي السعودي من الآخر المختلف أو المخالف، وسيرورة ذاك الموقف وتحوّلاته».

هوية الآخر وصورته

يبحث المؤلف في واقع الرّواية السعودية هل كانت محايدةً متسامحة أم إقصائيةً عنصرية، سواء مع الآخر الداخلي النّابت في رحم الذات (الذكر والأنثى - القبيلي وغير القبيلي - الأبيض والأسود النجدي والحجازي - السنّي والشيعي - المحافظ والحداثي...) أو الآخر الخارجي (السعودي في مقابل العربي/غير العربي - المسلم في مقابل غير المسلم)؟

يقع الكتاب في 318 صفحة، ويتوزع على أربعة فصول؛ يتناول الفصل الأول هويّة الآخر، وفيه يبحث الكاتب عن الهوية الاجتماعية، والهويّة اللغوية، والهوية العقدية الآيديولوجية.

أما الفصل الثاني فيتناول صورة الآخر، وتشمل دراسة الصورة «الصورلوجيا»، وأنماط الصورة عن الآخر: الآخر السلبي، والأنثى/ الآخر الأكثر سلبية، والعنصرية الاجتماعية تجاه السود وغير (القبيليين)، وسلبية الآخر الآيديولوجي، وسلبية الآخر الحضاري.

وبحث عن الآخر الإيجابي، وضرورة الآخر، والصورة الإيجابية للآخر الأنثوي، وكذلك الصورة الإيجابية للسود وغير (القبيليين)، والصورة الإيجابية للآخر اللغوي وللآخر الآيديولوجي.

أما الفصل الثالث فيتناول التمثيل السّرديّ للآخر، من حيث الشخصية، والمكان، والرؤية نحو الذات والآخر.

والفصل الرابع يبحث في دلالات الآخر، كالدلالة الاجتماعية، والدلالة الثقافية والدلالة الحضارية، وهنا يتناول الكاتب بحثاً بعنوان: «الخطاب الاستعماري ونظريات المقاومة». ثم يدرس الآخر الغربي في بواكير الرواية السعودية.

نماذج روائية

ويرى المؤلف إن مفهوم الآخر «يُعّدُّ من المفاهيم التي انتشرت في عدد من الحقول الثقافية، وقد جاء انتشاره استجابةً للكثير من التحولات العالمية التي أوجبت التفات الفكر الإنساني لعلاقات التحاور بين الثقافات والمجتمعات بأشكالها المتعددة، والآخر في أبسط صوره هو مثيل أو نقيض (الذات)، أو (الأنا) ويأتي في الغالب في مواجهة مفهوم (الذات) والوعي بها، إذ يشكّل الآخر نفياً للذات وامتداداً لها في الوقت ذاته» (ص 11).

يقول المؤلف: «حملت الرواية، بوصفها فناً حوارياً متلفتاً دوماً إلى الآخر، حسب (باختين)، ولكونها من الفنون التي تعكس صورة المجتمع واتجاهاته المتنوعة، تمثيلات كثيرة لصورة الآخر المتشكلة في ذاكرة المجتمع ورؤى أفراده وأطيافه. وحين النظر إلى الرواية السعودية يُظهر تناولها مسألة الآخر منذ نصوصها المبكرة؛ مع صدور رواية (التوأمان) لعبد القدوس الأنصاري الصادرة عام 1349ه/ 1930م، وما تلاها من أعمال روائية، واستمرت الرواية السعودية في طرح المسألة ومقاربتها على امتداد مراحلها اللاحقة. حيث تنوعت أساليب الروائيين في التعاطي مع الآخر، ومثلت أنماطاً متعددة من الخطاب الثقافي والطرائق السردية» (ص 11-12).

يسعى الكتاب، إذن، إلى مقاربة مسألة الآخر في نماذج مختارة من الرواية السعودية منذ نشأتها، وهي روايات حفلت -أكثر من غيرها- بحضور الآخر في نصوصها، كما راعى فيها تمثيل المراحل التاريخية والفنية المتعددة للرواية السعودية قدر الإمكان؛ بغية الوصول إلى تحديد موقف الرواية السعودية من الآخر، وصيرورة ذاك الموقف وتحولاته خلال مسيرة الرواية السعودية التي تناهز قرناً من الزمان.

و«يعتمد الكتابُ المنهجَ الموضوعاتي، مع الإفادة من مقولات النقد الثقافي والدراسات الثقافية لمقاربة (الآخر) بوصفه موضوعاً روائياً تقوم عليه الدراسة، كما يستعين بأدوات المنهج الإنشائي في تحليل بعض العناصر السردية عند دراسة التمثيل السردي للآخر» (ص 13).

مفهوم الآخر

يلاحظ المؤلف أن مصطلح (الآخر) شهد رواجاً كبيراً وشاع تداوله في الكثير من الخطابات الثقافية المعاصرة، منذ الحقبة الاستعمارية وما بعدها، وما نتج عنها من أطروحات متعددة، كالنسوية والدراسات الثقافية والاستشراق وما يحفّ بها من مفاهيم ومصطلحات ونظريات لم تكن دارجة من قبل.

وهو يرى إن الآخر في أبسط صوره -حسب تعبير دليل الناقد الأدبي- مثيل أو نقيض الذات أو الأنا (...) ورغم سيولة المصطلح وصعوبة بلورة معالمه بوضوح فإنه تصنيف استبعادي يقتضي إقصاء كل ما لا ينتمي إلى نظام فرد أو جماعة أو مؤسسة، سواء كان النظام قيماً اجتماعية أو أخلاقية أو سياسية أو ثقافية (ص 16).

تمثيلات «الآخر»

وقد سعى الكتاب إلى تقصي تمثيلات «الآخر» في نصوص الرواية السعودية، منذ أول عمل روائي صادر عام 1930 إلى عام 2016، حيث أوضح الكاتب أنه توصل إلى أن نصوص الرواية السعودية حفلت بحضور كبير للآخر، حيث كان موضوعاً رئيسياً من موضوعات الرواية منذ أول أعمالها صدوراً؛ المتمثل في رواية «التوأمان» لعبد القدوس الأنصاري، مروراً بالروايات الصادرة في مرحلة البدايات، واستمر حضور الآخر في الرواية السعودية لافتاً طوال المدة الزمنية لمدونة البحث. ويقول المؤلف: «لن نبعد عن الصواب إذا وصفنا الرواية السعودية بأنها (رواية الآخر)» (ص 291).

ومن اللافت كذلك أن البحث كشف عن عناية الرواية السعودية بالآخر الداخلي، والآخر الخارجي معاً؛ واتضح من تتبع سيرورة موضوع الآخر أن الرواية السعودية توجهت في بواكير أعمالها إلى الآخر الخارجي الحضاري، ولم تلتفت الرواية السعودية إلى آخَرها الداخلي القريب إلا في عقد التسعينات من القرن الميلادي الماضي؛ وزاد اهتمامها به في الروايات الصادرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 حيث كثرت الروايات التي تطرح قضايا الآخر المتولّد داخل المجتمع السعودي والثقافة المحلية.

وقد استحوذ الآخر الداخلي على مساحة أكثر من مساحة الآخر الخارجي في متون مدونة البحث؛ حيث عالجت الرواية السعودية قضايا الآخرية الاجتماعية والثقافية بأنواعها، وجاءت آخرية الأنثى على رأس تمثيلات الآخر في الرواية السعودية، وقد أسهم في ذلك اتجاه المرأة السعودية بعد عام 2001 إلى كتابة الرواية بكثافة غير مسبوقة وظّفتها في طرح قضاياها بقلمها، إذ انتقدت بحدة -أحياناً- ما تراه تسلّطاً ذكورياً على الأنثى وبخساً لحقوقها.



الروائية الكندية مرغريت آتوود تطرح أسئلة الساعة

مارغريت أتوود
مارغريت أتوود
TT

الروائية الكندية مرغريت آتوود تطرح أسئلة الساعة

مارغريت أتوود
مارغريت أتوود

يعرفها الكثيرون من خلال المسلسل التلفزيوني المأخوذ من روايتها المسماة «حكاية الخادمة» (1985). ويعرفها قراء الأدب كاتبة غزيرة الإنتاج لها أكثر من خمسين كتاباً ما بين روايات ومجموعات قصصية ودواوين شعرية وأدب أطفال وكتابات نقدية.

من هذا النوع الأخير كتاب مرجريت آتوود المسمى «أسئلة الساعة: مقالات ونصوص من وحي مناسبات 2004-2022»

Margaret Atwood، Burning Questions: 2004-2022 وهو صادر عن دار «فينتاج» للنشر في 2023.

ما أسئلة الساعة التي تطرحها آتوود هنا؟ إنها حقوق الإنسان، والحركة النسوية، والأدب والبيئة، وصعود نجم دونالد ترمب، والقصة القوطية، والصراعات على مصادر الطاقة، وكوارث العصر من مجاعات وحرائق وفيضانات. ثم هي تخرج عن هذا النطاق لتكتب عن عدد من الأدباء: وليم شكسبير، وتشارلز ديكنز، ودوريس ليسنج، وأليس مونرو، وراي براد بري، وستفن كنج وغيرهم.

وتتساءل آتوود في مقدمة الكتاب: «لماذا اخترت أن أسميه (أسئلة الساعة)؟». وتجيب: «لأنه يعالج قضايا ملحة في اللحظة الراهنة، جذورها ضاربة في الماضي ولكنها ستؤثر في المستقبل». وأول هذه الأسئلة هي مستقبل كوكبنا الأرضي. وهناك مشكلات الديمقراطية، وتوزيع الثروة، وثورة الاتصالات في العصر الرقمي، ووظيفة الكاتب في القرن الحادي والعشرين، وجائحة الكوفيد.

من مقالات الكتاب مقالة مؤرخة في 2014 موضوعها الروائي وكاتب اليوميات التشيكي فرانز كافكا. تسجل آتوود ثلاث لحظات في تاريخ علاقتها بهذا الأديب المعذب صاحب «المحاكمة» و«القلعة» و«أميركا» و«المسخ». كانت المحطة الأولى كتابتها في سن الـ19 مقالة عن كافكا أبرزت فيها علاقته برموز السلطة (وأولها أبوه في البيت)، وشعوره بالضعف والذنب وانعدام الحيلة إزاء لغز الوجود، وغربته العرقية واللغوية؛ إذ كان يهودياً يكتب باللغة الألمانية في مدينة براغ الناطقة باللغة التشيكية.

والمحطة الثانية هي زيارة آتوود - مع أسرتها - لمدينة براغ في 1984، ووقوفها أمام قلعة المدينة القائمة على تل عالٍ، فتتذكر قلعة كافكا وقلاعاً أخرى كتلك التي نلتقي بها في أقصوصة «قناع الموت الأحمر» لإدجار آلان بو، ورواية «آيفانهو» للسير ولتر سكوت، ورواية «دراكيولا» لبرام ستوكر.

والمحطة الثالثة كانت في تسعينات القرن الماضي، بعد سقوط النظام الشيوعي، حين زارت براغ مرة أخرى فوجدتها مدينة مرحة تلمع بالأضواء وقد تحولت قلعتها المرهوبة إلى مزار سياحي، وراحت فرقة موسيقية تنشد أغنية «سنوهوايت والأقزام السبعة» من فيلم ولت دزني، والمحال تزخر بالهدايا والتذكارات. وراحت آتوود تتجول مع زوجها في كل الشوارع والأماكن التي عاش فيها كافكا أو تردد عليها.

وثمة مقالة مؤرخة في 2020 عن رواية «نحن» (1921-1920) للروائي الروسي يفجيني زامياتين وهي من أهم روايات القرن العشرين التي ترسم صورة مخيفة لعالم كابوسي في المستقبل، شأنها في ذلك شان رواية «عالم جديد جميل» لأولدس هكسلي، ورواية «ألف وتسعمائة وأربع وثمانون» لجورج أورويل، ورواية «حكاية الخادمة» لآتوود ذاتها. لقد تعرفت آتوود على رواية الكاتب الروسي في وقت متأخر - في أواخر تسعينات القرن الماضي - قبل أن تكتب روايتها الخاصة.

وحين قرأتها دهشت لقدرة زامياتين على التنبؤ فقد كتب عن معسكرات الاعتقال، والتجسس على أخفى أفكار الناس ومشاعرهم، وسحق الفرد، وإقامة الحواجز والأسوار، والمحاكمات الصورية قبل أن يجعل هتلر وستالين من هذه الأمور حقائق على الأرض. ورواية زامياتين رد على الطوباويات المتفائلة كتلك التي كتبها في القرن التاسع عشر الأديب الإنجليزي وليم موريس وآخرون ممن انبهروا بالتقدم العلمي والتكنولوجي فظنوه قادراً، بعصاً سحرية، على إسعاد البشرية وحل مشكلاتها والتخفيف من آلامها.

ليس هذا الكتاب أول عمل لآتوود في مجال النقد الأدبي

وفي 2020 تكتب آتوود عن رواية للأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار كتبت في 1954، ولكنها لم تظهر إلا بعد وفاة بوفوار وذلك جزئياً لأن جان بول سارتر - شريك دي بوفوار في الفكر والحياة - لم يجدها جديرة بالنشر. عنوان الرواية «دون انفصال» وهي عن صداقة لا تنفصم عراها بين شابتين متمردتين. وتتخذ آتوود من صدور هذه الرواية مناسبة للتعبير عن رأيها في دي بوفوار والوجوديين عموماً. لقد وجدت في كتاب الأديبة الفرنسية المعنون «الجنس الثاني» ما ترتضيه وما ترفضه. وكانت على وعي بفارق السن والظروف بين دي بوفوار وبينها. هناك فارق الأجيال (دي بوفوار ولدت في 1908 بينما ولدت آتوود في 1939). وعلى حين عاصرت دي بوفوار حربين عالميتين، ورأت وطنها يقع تحت الاحتلال الألماني، فإن آتوود عاشت في كندا التي لم تُحتل ولم تُقصف بالقنابل.

وترى آتوود أن رواية «دون انفصال» جديرة بالقراءة، خلافاً لما ارتآه سارتر، وعندها أن خير كتابات دي بوفوار هي التي تسجل طفولتها وصباها وشبابها والحياة الفكرية في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

ليس هذا الكتاب أول عمل لآتوود في مجال النقد الأدبي، فقد سبق لها أن حررت كتاب مختارات من الشعر الكندي المكتوب باللغة الإنجليزية (1983)، وأخرجت كتاباً مثيراً للجدل عن الأدب الكندي، عنوانه «البقاء» (1972)، وكتاباً آخر عنوانه «تفاوض مع الموتى: كاتبة تتحدث عن الكتابة» (2002). وهي بصدور هذا الكتاب الجديد تؤكد مكانتها واحدة من ألمع الناقدات النساء في عصرنا، شأنها في ذلك شأن كويني ليفيس (زوجة الناقد الإنجليزي ف. ر. ليفيس)، وديانا تريلنج (زوجة الناقد الأمريكي لايونل تريلنج)، وماري مكارثي (زوجة الناقد الأمريكي إدموند ويلسون)، وسوزان سونتاج.

وقد جمعت هاتان الأخيرتان - مثل آتوود - بين الإبداع الروائي وكتابة النقد الأدبي ومراجعات الكتب. ولهذا النوع من كتابات المبدعات الناقدات أهمية مزدوجة؛ فهي من ناحية تلقي الضوء على الأدباء الذين تكتب آتوود عنهم. ومن ناحية أخرى تلقي الضوء على آتوود ذاتها؛ إذ توضح همومها الفكرية، ومشكلاتها التكنيكية، وتطور فنها، والمؤثرات التي دخلت في تكوينها الذهني والوجداني.