سارة ضاهر: العربية الفصحى ما زالت تعتمد على المضامين والأساليب الجامدة

رئيسة المجمع اللغوي اللبناني ترد على تهمة التخلف أمام متغيرات العصر

د.سارة ظاهر
د.سارة ظاهر
TT

سارة ضاهر: العربية الفصحى ما زالت تعتمد على المضامين والأساليب الجامدة

د.سارة ظاهر
د.سارة ظاهر

يؤخذ على المجامع اللغوية، بينها المجمع اللغوي اللبناني، جمودها وعدم مواكبتها للعصر لغوياً، لكن رئيسة المجمع اللغوي اللبناني سارة ضاهر، الحائزة على دكتوراه في اللغة العربية، والكاتبة في النقد الأدبي، ترد على تهمة تخلف المجامع اللغوية وفقدانها دورها التفاعلي مع العصر الذي نعيش، بقولها إنّ «اللغة التي لا نبتكر بها تبقى جامدة، ولا مفر من التجديد والاكتشاف».

هنا حوار معها:

> أي دور للمجمع اللغوي اللبناني في مواكبة متغيّرات عصرنا؟

- تطلّب الانفتاح على العالم العربي ضرورة تأسيس مجمع للغة العربية في لبنان يكون خاصاً غير حكومي، بغياب مجمع علمي رسمي يعمل كسائر المجامع العربية. في عام 1928، تأسّس مجمع رسمي لم تؤازره السلطات، فلم يمارس نشاطه؛ ومنذ ذلك الوقت لم يتأسس مجمع آخر، فأخذنا المبادرة لإنشاء هذا المجمع الخاص.

أما بالنسبة إلى الدور الذي نمارسه، فنحن نرى أنّ اللغة العربية الفصحى هي أساساً لغة أكاديمية حاضرة في المدارس والجامعات، وهي لغة مهنيّة يتم التواصل من خلالها واستخدامها في بعض المهن كالإعلام والإدارات، لكنها ليست لغة تواصل اجتماعي؛ إذ تحل محلها في هذا المجال اللغة العامية التي نتحدث بها، لذلك أخذنا المبادرة لنشر اللغة العربية الفصحى في المجتمع، ومحاكاة مختلف فئاته. وجّهنا نشاطاتنا نحو هذا الهدف الجوهري، فتعاملنا مثلاً مع السيدات عبر برامج محو الأمية وتعليمهن الخط العربي في التطريز لدعمهن اقتصادياً، وفي الوقت عينه لتعليمهن اللغة العربية. وعبر جائزة «بالعربية»، توجّهنا إلى المساجين والمسنين ودور الأيتام... مما دفعنا إلى مشروع آخر قوامه تنمية نوع جديد من أنواع الأدب تمت تسميته «أدب السجون». كما نظّمنا زيارات تثقيفية إلى هذه الفئات الاجتماعية الخاصة لتنمية مواهب مَن يهوون الغناء بالفصحى ومَن لديهم شغف التمثيل أو الكتابة، لمساعدتهم على التطوّر وتمكينهم من استعمال العربية الفصحى بشكل عفوي.

> لكن اللغة العربية في حال يرثى لها في لبنان كدول عربية أخرى... هل يكتمل دور المجمع اللغوي دون مساهمة فعّالة في تدارك هذه الحالة البائسة؟

- هذه الحالة لا ترتبط باللغة العربية الفصحى، فنحن من المقتنعين أنها بألف خير؛ لكننا نحن الذين لم نجدّد، لم نبتكر، لم نكتشف، لم نخترع، بل اتكأنا في كل ما نحتاج إليه، سواء أكان تكنولوجياً، أم طبياً، أم ثقافياً، أم معرفياً، على الغرب. اللغة التي لا نفكر ولا نبتكر بها تبقى جامدة. هي مسؤوليتنا ولن تتجدد من تلقائها، بل علينا إطلاق المبادرات. مردُّ هذا البؤس إلى أسباب اقتصادية اجتماعية ثقافية سياسية، ليست متأتية عن اللغة العربية ذاتها، بل عن الوضع المأساوي العربي على صعيدي الإبداع والإنتاج.

> لنتناول إشكالية القواميس العربية، هل يولي المجمع اللبناني أهمية لضرورة مواكبة العالم المعاصر الغني بمفردات جديدة، والمختلف كلياً عما أصبح بائداً؟

- يساهم المجمع في إعداد «المعجم التاريخي للغة العربية»، وهو إنجاز مهم لمجمع اللغة العربية في الشارقة، بالتعاون مع اتحاد مجامع اللغة العربية. ويجري أيضاً العمل على إطلاق مشروعين خاصّين في هذا الإطار؛ يرصد الأول استعمال اللغة العربية الفصحى في الميادين كافة، وإحصاء أكثر المفردات تواتراً في النتاج العربي الحديث، ويساهم الثاني في الورشة الاصطلاحية العربية العامة الهادفة إلى مقاربة إدخال المفردات والمصطلحات الحديثة إلى اللغة العربية، ومجابهة الفوضى الحاصلة جراء الترجمة الحرفية وانتشار المصطلحات عشوائياً. نحاول الاجتماع بمختلف الجهات التي تُعنى بإدخال المصطلحات بالطرق العلمية ووفق المعايير الدولية المعتمدة إلى اللغة العربية، لتوحيد الجهود ورسم قواعد علمية موحّدة يلتزم بها الجميع، من الخليج إلى المحيط.

> المجامع العربية مُتهمة بالعجز عن التطوّر... فلنعترف أنها تهمة عادلة!

- المسألة ليست قضية عجز. نستطيع القول إنّ عملية خلق الكلمات الجديدة تقتصر فقط على الترجمة؛ لأنها لا تنبع أصلاً من العالم العربي، بل يتم استيرادها. هذه التهمة، إذا جاز التعبير، هي عادلة وغير عادلة: فالمجامع عاجزة عن خلق مفردات جديدة جراء الافتقار لمبادرات في مختلف المجالات؛ الطبية أو العلمية أو التكنولوجية، ولكن في الوقت عينه هذه المسؤولية في خلق المبادرات لا تقع عليها، وجلّ ما يمكنها فعله هو ألا تقتصر أعمالها على الأبحاث النظرية التقليدية، والمؤتمرات اللغوية والتربوية المحصورة بالمدارس وبعض المتخصّصين.

> أين يكمن جوهر المشكلة؟ ما أسباب هذا الانصراف عن العربية؟

- المشكلة الحقيقية هي في الجيل الناشئ، أطفالاً وشباباً. فعندما تنتهي دراستهم، يبتعدون عن اللغة العربية ولا يلتفتون إليها؛ لكونهم يتواصلون في حياتهم اليومية باللهجة العامية، ولا حاجة لهم إلى الفصحى. كذلك في أعمالهم؛ إذ تتم المراسلات والمعاملات غالباً بالإنجليزية، ليسري ذلك على أبحاثهم واجتماعاتهم.

على المؤسسات الرسمية والمجامع، العمل على جذب أفراد المجتمع من خلال الاهتمام بتفعيل اللغة الفصحى وتنشيطها، وتشجيعهم على إطلاق مبادرات إبداعية وتعبيرية في مجالاتهم بالفصحى.

نتيجة أبحاث ودراسات مقارنة أجريناها من الصف الأول الأساسي إلى الثاني عشر الثانوي، بين مقررات اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، تبين لنا أنّ المواضيع والمقاربات التي تعتمدها اللغتان الإنجليزية والفرنسية تنطلق من الأجواء المعاصرة، في حين لا تزال العربية الفصحى تعتمد على المضامين والأساليب التقليدية الجامدة، وهذا عامل يؤثر كثيراً في جذب المتعلّم وترغيبه باللغة الفصحى.

> هل من خطط إنقاذ؟

- بالطبع ثمة خطط حيال إدخال مفردات جديدة إلى اللغة العربية، والعمل على إعداد مرجع عربي للغة العربية كالمرجع الأوروبي، وعلى إدخال اللغة الفصحى في اهتمامات أبناء المجتمع اليومية من خلال برامج متنوعة، وكذلك العمل على المصطلحات ورصد اللغة العربية الأساسية اليوم، لننطلق من هذا الأساس لإعداد قواميس جديدة.

> أي مستقبل للمجامع اللغوية في لبنان والعالم العربي؟

- مستقبل هذه المجامع مرهون بمدى قابليتها على التطوّر ودمج المجتمع باللغة العربية الفصحى من خلال مبادرات، منها التشجيع على إصدار قوانين خاصة باستخدام اللغة العربية وبوضع القوانين المتعلقة باقتراح المصطلحات الجديدة وتوحيدها.

> وإلا فسنشهد موت هذه المجامع، وفي أقل تقدير إحالتها على التقاعد...

- تموت هذه المجامع عندما تموت الهوية العربية؛ لأنّ اللغة هي جزء أساسي من كيان الإنسان وتفرّده وهويته، وإذا لم تتطوّر بمقارباتها ومضامينها وأساليبها مراعاة لتطوّر العصر ومستجداته، تذهب مع الهوية العربيّة التي تحملها، وتتبعها المجامع.

نحتاج إلى عوامل مساعدة للحفاظ على هويتنا ولغتنا. لنذكر ما يحدث مع اللغة الفرنسية، وكيف غلبتها الإنجليزية فأصبحت لغة التواصل عالمياً. ذلك دليل على أنّ اللغة تتأثر بالأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكن في الوقت عينه، تختلف مشكلة اللغة العربية عن مشاكل اللغات الأخرى؛ لأنها مزدوجة؛ فمعاناتها متأتية من وضع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتأرجحها بين الفصحى والعامية. من هنا أهمية العمل على تطوير وضع محيطها وتحديثه، والتوازن بين وجهيها المتلازمين؛ الفصحى والعامية.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.