ممرّضة الموت... قاتلة متسلسلة غير اعتيادية

مشهد من مسلسل «الممرضة» الدانماركي المقتبس عن قصة واقعية (نتفليكس)
مشهد من مسلسل «الممرضة» الدانماركي المقتبس عن قصة واقعية (نتفليكس)
TT

ممرّضة الموت... قاتلة متسلسلة غير اعتيادية

مشهد من مسلسل «الممرضة» الدانماركي المقتبس عن قصة واقعية (نتفليكس)
مشهد من مسلسل «الممرضة» الدانماركي المقتبس عن قصة واقعية (نتفليكس)

الدخول إلى مسلسل «The Nurse» (الممرّضة) على منصة «نتفليكس» ليس كالخروج منه، خصوصاً إذا كان الداخل لمشاهدة الحلقات الأربع لم يقرأ أو يتابع شيئا عن قضية الممرضة كريستينا هانسن، التي هزّت الدنمارك عام 2016.

للوهلة الأولى، تبدو الحكاية شبيهة بيوميات أي فريقٍ من الممرّضين العاملين في قسم الطوارئ. تطغى الهوية الإنتاجية والتصويرية الدنماركية على السلسلة القصيرة، فتُضفي إلى البرودة برودةً. لكنّ البرودة تلك لا تتحوّل إلى صقيع، فالمخرج كاسبر بارفود يستخدمها سلاحاً للموازنة بين الهدوء والتشويق، وبين الواقع والدراما، بما أن العمل يروي قصة حقيقية.

ملاك الرحمة وملاك الموت

تنتقل بيرنيل كورزمان حديثاً إلى بلدة دنماركية نائية لتنضمّ إلى فريق الطوارئ في أحد المستشفيات، وهي وظيفتها الأولى بعد التخرّج في معهد التمريض. تتعلّم تقنيات المهنة على يد زميلتها اللامعة كريستينا، التي تتحوّل معها عملية إنعاش قلبي دقيقة إلى رقصة على إيقاع أغنية «I Will Survive».

كريستينا فائقة الثقة والكاريزما والحيوية، أما بيرنيل المبتدئة فمترددة ومذهولة في غالب الأحيان. وسط أجواء داكنة وغامضة، تتسارع الأحداث داخل المستشفى فتتكرر الوفيات الفجائية بين المرضى. تتكاثر النوبات القلبية القاضية، بالتزامن مع فقدان كميات من المورفين والديازيبام (diazepam) من مخزن الأدوية، والعثور عليها في أجسام المتوفّين.

الغريب في الأمر أننا لا نرى مَن يسأل عن الظاهرة أو يحقق فيها. في الأثناء، تغرق بيرنيل أكثر في صمتها وارتيابها، إلى درجة أن مَن لا يعرف الحكاية قد يشكّ للحظة في أنها المسؤولة عن الوفيات الغامضة. وما يحرّك هذا الشك أكثر، هي المَشاهد التي تجمعها ببعض المرضى قبل وفاتهم، حيث تهتم بهم بلطف كبير وتقدّم لهم الحلوى والعصير.

الممثلة فاني لويز بيرنث بدور الممرضة بيرنيل (نتفليكس)

يتصاعد التشويق، وإن بطيئاً، حلقةً تلو الأخرى، ومن المؤكّد أن أحد عناصر قوة المسلسل هو اقتصاره على 4 حلقات فحسب. لكن ليس سوى في نهاية الحلقة الثانية أي في منتصف المسلسل، حتى تعبّر بيرنيل بصوت مرتفع عن شكوكها بأن كريستينا هي مَن تسرق الأدوية بهدف قتل المرضى.

أما في الحلقة الثالثة، فتتحوّل بيرنيل من متفرّجة إلى متقصّية. وفيما يتقدّم المسلسل على وقع النوبات القلبية القاتلة، لا شيء يهزّ كريستينا. تستقبل الحالات الطارئة بحماسة مستغربة، وتصرّ على تولّى عمليات الإنعاش شخصياً، كما لو أن حياتها كلها تُختصَر في تلك اللحظات التي تحاول خلالها إنقاذ حياة المرضى. من الواضح أنها تحب أن تكون محطّ الأنظار، وتريد أن تكون نجمة في عملها. حتى أنها تحرص على التبرّج قبل بدء دوامها، وكأنها تستعد للصعود على خشبة المسرح. لا أحد يشكّ في الممرضة المتفانية والمحترفة، وحدَها بيرنيل تفعل.

تخترق البناءَ الدرامي التصاعدي رجعاتٌ زمنية إلى عام 2012. تحديداً إلى وفاة أحد المرضى بسبب مضاعفات أدوية مهدّئة وُجدت في جسده. يصرّ شقيقه على متابعة القضية مع الشرطة، نافياً أن يكون ما حصل انتحار. وتتقاطع قصة أول الضحايا هذا، مع التحقيقات السرية التي تقودها بيرنيل بمبادرة فردية؛ حيث تستجوب الممرضات اللواتي عملن إلى جانب كريستينا. لكنّ الجميع يبدو غير متعاون أو خائفاً ربما، بما في ذلك إدارة المستشفى.

الممثلة جوزفين بارك بدور الممرضة كريستينا (نتفليكس)

بعيداً عن ساحة الجريمة، كريستينا سيدة مطلّقة وأم لطفلة غالباً ما تُصاب بآلام حادّة في المعدة. مثلُها، بيرنيل أمٌ عزباء تربّي ابنتها بحبٍ وتفانٍ كبيرين. غير أن الأحداث خارج المستشفى بطيئة وخالية من التشويق، إلى أن تبدأ علاقة عاطفية بين بيرنيل وأحد الأطباء من زملائها. ليس ما بينهما حبٌ فحسب، بل تعاون لكشف وجه كريستينا الحقيقي.

تبلغ الإثارة ذروتها في الحلقة الرابعة والأخيرة، حيث تختلي بيرنيل بكريستينا لمراقبتها خلال دوامهما المسائي. وفي ليلةٍ مات فيها ثلاثة من المرضى، تحصل بيرنيل على الأدلّة المخيفة، التي تُثبت أن كريستينا تحقن المرضى بمزيج الأدوية المهدّئة. بعد ذلك، تبلغ الممرضة الجريئة الشرطة عن «ملاك الموت».

دوافع نفسية معقّدة

ليست مُشاهَدة مسلسل «الممرّضة» بحلقاته الأربع القصيرة خسارة على الإطلاق. على عكس معظم حكايات القتَلة المتسلسلين، لا يستفيض هذا العمل في الدراما والعنف والإثارة على حساب الوقائع. كما أنه لا يبالغ في «شيطنة» القاتلة، من دون أن يعني ذلك أنه لا يحبس الأنفاس لا سيّما في حلقته الأخيرة.

أما أداء الممثلتين جوزفين بارك (بدور كريستينا) وفاني لويز بيرنث (بيرنيل)، فهو بحدّ ذاته متعة للمشاهدة. لا غرابة إذن في أن «الممرّضة» استطاع أن يخترق قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدةً على «نتفليكس» خلال أسبوع صدوره.

بيرنيل وكريستينا في أحد مشاهد المسلسل (نتفليكس)

لكن يؤخذ على المسلسل الدنماركي أنه لا يدخل إلى أعماق كريستينا، فتُترك الدوافع وراء جرائمها طي المجهول. مع العلم أن التحقيقات معها بعد إلقاء القبض عليها، وهو جزء لا يصوّره المسلسل، أظهرت أنها مصابة باضطراب الشخصية التمثيلي (histrionic personality disorder)، وهو مرض نفسي يتميز بنمط من السلوكيات المبالغ فيها سعياً للاهتمام.

ومن بين الأسئلة التي بقيت عالقة: كيف أمضت الممرضة كريستينا هانسن نحو 4 أعوام وهي تضخّ السم في دم المرضى لقتلهم، ولم يلاحظ أحدٌ الأمر؟ كيف توالت الوفيات المشبوهة من دون أن يحصل تحقيق داخل المستشفى وخارجه؟

لكن يبدو أنه لا توجد أنظمة مشدّدة في المستشفيات الدنماركية لمراقبة الممرضين والأطباء وحركة دخول الأدوية وخروجها. ولذلك، فإن ما قامت به بيرنيل يُعتبر إنجازاً بطولياً، وهذا هو تحديداً ما أراد المخرج الإضاءة عليه؛ كيف تمكّنت ممرضة مبتدئة بمفردها أن تكشف جريمة بهذا الحجم.

تُمضي كريستينا هانسن اليوم عقوبتها في السجن لارتكابها ثلاث جرائم قتل، ومن المتوقع أن يُطلق سراحها عام 2028 بعد أن خُفّضت عقوبتها من المؤبّد إلى السجن 12 عاماً بعد الاستئناف. مع العلم أن المسلسل يُظهر ضلوعها في أكثر من 20 وفاة. أما بيرنيل كورزمان فما زالت تعمل ممرضة في المستشفى ذاته، وهي تزوجت الطبيب زميلها وأنجبت منه طفلها الثاني.


مقالات ذات صلة

93 لاعباً يشعلون منافسات «نيوم ماسترز» لرياضة التسلق

رياضة سعودية البطولة اختتمت بمشاركة 93 من أفضل المتسلقين من 31 دولة (الشرق الأوسط)

93 لاعباً يشعلون منافسات «نيوم ماسترز» لرياضة التسلق

اختتمت الأربعاء فعاليات بطولة «نيوم ماسترز لرياضة التسلق»، بمشاركة 93 لاعباً من أفضل المتسلقين من 31 دولة، في أجواء استثنائية شهدتها قرية نيوم الجبلية في جدة.

«الشرق الأوسط» (نيوم)
الاقتصاد المهندس أيمن المديفر

تعيين أيمن المديفر رئيساً تنفيذياً مكلفاً لـ«نيوم»

أعلن مجلس إدارة شركة «نيوم» تعيين المهندس أيمن المديفر رئيساً تنفيذياً مكلفاً للشركة، وذلك بعد مغادرة نظمي النصر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد تصميم يُظهر جانباً من مشروع «ذا لاين» في مدينة «نيوم» السعودية (الشرق الأوسط)

«نيوم» السعودية تعيّن 3 شركاء عالميين لإنجاز المرحلة الأولى من «ذا لاين»

أعلنت «نيوم»، الاثنين، تعيين 3 شركاء عالميين رائدين لتسليم المخطط الأساسي والتصاميم والأعمال الهندسية الخاصة بالمرحلة الأولى من مدينة «ذا لاين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية جانب من تتويج «الزلاق» البحريني للسيدات (نيوم)

«ألعاب نيوم الشاطئية»: الجماهير تشعل منافسات «الجولة العالمية - 3×3 لكرة السلة»

شهدت «بطولة نيوم للألعاب الشاطئية» ختام فعاليات «الجولة العالمية 3x3 لكرة السلة - نيوم 2024»، بتتويج فريق ميامي بلقب الرجال، وفريق الزلاق البحريني بلقب السيدات.

عبد الله المعيوف (نيوم (غرب السعودية))
رياضة سعودية جان باترسون رئيسة قطاع الرياضة في نيوم (الشرق الأوسط)

رئيسة قطاع الرياضة بـ«نيوم»: استضافة الألعاب الشاطئية حدث مهم

قالت جان باترسون، رئيسة قطاع الرياضة في نيوم، إن استضافة النسخة الثالثة من بطولة ألعاب نيوم الشاطئية حدث مهم.

عبد الله المعيوف (نيوم )

رحيل إبراهيم أبو سنة... شاعر الرومانسية العذبة

الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
TT

رحيل إبراهيم أبو سنة... شاعر الرومانسية العذبة

الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة
الشاعر محمد أبراهيم أبو سنة

حياة حافلة بالعطاء الأدبي، عاشها الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة الذي غيّبه الموت صباح أمس عن عمر يناهز 87 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض.

ويعد أبو سنة أحد رموز جيل شعراء الستينات في مصر، واشتهر بحسه الرومانسي شديد العذوبة، وغزلياته التي تمزج بين الطبيعة والمرأة في فضاء فني يتسم بالرهافة والسيولة الوجدانية. كما تميزت لغته الشعرية بنبرة خافتة، نأت قصائده عن المعاني الصريحة أو التشبيهات المباشرة؛ ما منح أسلوبه مذاقاً خاصاً على مدار تجربته الشعرية التي اتسعت لنصف قرن.

ترك أبو سنة حصاداً ثرياً تشكل في سياقات فنية وجمالية متنوعة عبر 12 ديواناً شعرياً، إضافة إلى مسرحيتين شعريتين، ومن أبرز دواوينه الشعرية: «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» 1965، و«أجراس المساء» 1975، و«رماد الأسئلة الخضراء» 1985، و«شجر الكلام» 1990.

عاش صاحب «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» طفولة قروية متقشفة تركت أثراً لافتاً في شعره؛ إذ ظل مشدوداً دائماً إلى بداهة الفطرة وواقعية الحياة وبساطتها.

وبحسب الموقع الرسمي للهيئة المصرية العامة للاستعلامات، وُلد أبو سنة بقرية الودي بمركز الصف بمحافظة الجيزة في 15/3/1937، وحصل على ليسانس كلية الدراسات العربية بجامعة الأزهر عام 1964. عمل محرراً سياسياً بالهيئة العامة للاستعلامات في الفترة من عام 1965 إلى عام 1975، ثم مقدم برامج ثقافية بالإذاعة المصرية عام 1976 من خلال «إذاعة البرنامج الثاني»، كما شغل منصب مدير عام البرنامج الثقافي، ووصل إلى منصب نائب رئيس الإذاعة.

وحصد الراحل العديد من الجوائز منها: «جائزة الدولة التشجيعية» 1984 عن ديوانه «البحر موعدنا»، وجائزة «كفافيس» 1990 عن ديوانه «رماد الأسئلة الخضراء»، وجائزة أحسن ديوان مصري في عام 1993، وجائزة «أندلسية للثقافة والعلوم»، عن ديوانه «رقصات نيلية» 1997، فضلاً عن «جائزة النيل» في الآداب التي حصدها العام الجاري.

ونعى الراحل العديد من مثقفي مصر والعالم العربي عبر صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، ومنهم الشاعر شعبان يوسف الذي علق قائلاً: «وداعاً الشاعر والمبدع والمثقف الكبير محمد إبراهيم أبو سنة، كنتَ خيرَ سفيرٍ للنبلِ والجمالِ والرقةِ في جمهورية الشعر».

وقال الشاعر سمير درويش: «تقاطعات كثيرة حدثت بين الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة وبيني، منذ بداياتي الأولى، فإلى جانب أنه صوت شعري صافٍ له تجربة طويلة وممتدة كان لي شرف الكتابة عنها وعنه، فهو إنسان حقيقي وجميل وطيب ومحب للآخرين، ولا يدخر وسعاً في مساعدتهم».

ويضيف درويش: «حين كان يقرأ الشعر بصوته في برنامجه الإذاعي، كنت أحب القصائد أكثر، فمخارج الحروف وإشباعها وتشكيلها، وليونة النطق، إلى جانب استعذاب الشعر... كلها مواصفات ميزته، كما ميزت فاروق شوشة والدكتور عبد القادر القط... ثمة ذكريات كثيرة لن أنساها يا أستاذنا الكبير، أعدك أنني سأكتبها كلما حانت فرصة، وعزائي أنك كنتَ تعرف أنني أحبك».

ويستعيد الكاتب والناقد الدكتور زين عبد الهادي ذكرياته الأولى مع الشاعر الراحل وكيف أحدث بيت شعري له تغييراً مصيرياً في حياته، قائلاً: «ربما في سن المراهقة كنت أقرأ الشعر حين وقع في يدي ديوان صغير بعنوان (قلبي وغازلة الثوب الأزرق) لمحمد إبراهيم أبو سنة حين قررت الهجرة خارج مصر عام 1981، كان الديوان الصغير وروايات (البلدة الأخرى) لإبراهيم عبد المجيد، و(البيضاء) ليوسف إدريس، و(حافة الليل) لأمين ريان، و(ميرامار) لنجيب محفوظ... هي شهود انتماءاتي الفكرية وما أتذكره في حقيبتي الجلدية».

ويضيف عبد الهادي: «كان الغريب في هؤلاء الشهود هو ديوان محمد إبراهيم أبو سنة، فبقدر حبي للعلم كان الأدب رحيق روحي، كنت أقرأ الديوان وأتعلم كيف يعبّر الشعر عن الحياة المعاصرة، إلى أن وصلت لقصيدة رمزية كان بها بيت لا أنساه يقول: (البلاد التي يغيب عنها القمر)، في إشارة لقضية ما أثارت جدلاً طويلاً وما زالت في حياتنا المعاصرة، كان هذا البيت أحد أهم دوافع عودتي من الغربة، فمهما كان في بلادي من بؤس فهو لا يساوي أبداً بؤس الهجرة والتخلي عن الهوية والجذور».

أما الشاعر سامح محجوب مدير «بيت الشعر العربي» بالقاهرة فيقول: «قبل 25 عاماً أو يزيد، التقيت محمد إبراهيم أبو سنة في مدرجات كلية (دار العلوم) بجامعة القاهرة، وأهداني وقتها أو بعدها بقليل ديوانه المهم (قلبي وغازلة الثوب الأزرق)، لأبحث بعد ذلك عن دواوينه الأخرى وأقتني معظمها (مرايا النهار البعيد، والصراخ في الآبار القديمة، ورماد الأسئلة الخضراء، ورقصات نيلية، وموسيقى الأحلام)، وغيرها من الدواوين التي قطع فيها أبو سنة وجيله من الستينيين في مصر والوطن العربي مسافة معقولة في توطين وتوطئة النص التفعيلي على الخط الرأسي لتطور الشعرية العربية التي ستفقد برحيله أحد أكبر مصباتها».

ويضيف: «يتميز نص أبو سنة بقدرته الفائقة على فتح نوافذ واسعة على شعرية طازجة لغةً ومجازاً ومخيلةً وإيقاعاً، وذلك دون أن يفقد ولو للحظة واحدة امتداداته البعيدة في التراث الشعري للقصيدة العربية بمرتكزاتها الكلاسيكية خاصة في ميلها الفطري للغناء والإنشادية. وهنا لا بد أن أقرّ أن أبو سنة هو أجمل وأعذب مَن سمعته يقول الشعر أو ينشده لغيره في برنامجه الإذاعي الأشهر (ألوان من الشعر) بإذاعة (البرنامج الثاني الثقافي) التي ترأسها في أواخر تسعينات القرن المنصرم قبل أن يحال للتقاعد نائباً لرئيس الإذاعة المصرية في بداية الألفية الثالثة؛ الفترة التي التحقت فيها أنا بالعمل في التلفزيون المصري حيث كان مكتب أبو سنة بالدور الخامس هو جنتي التي كنت أفيء إليها عندما يشتد عليّ مفارقات العمل. كان أبو سنة يستقبلني بأبوية ومحبة غامرتين سأظل مديناً لهما طيلة حياتي. سأفتقدك كثيراً أيها المعلم الكبير، وعزائي الوحيد هو أن (بيت الشعر العربي) كان له شرف ترشيحك العام الماضي لنيل جائزة النيل؛ كبرى الجوائز المصرية والعربية في الآداب».

عاش صاحب «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» طفولة قروية متقشفة تركت أثراً لافتاً في شعره

وفي لمسة احتفاء بمنجزه الشعري استعاد كثيرون قصيدة «البحر موعدنا» لأبو سنة التي تعد بمثابة «نصه الأيقوني» الأبرز، والتي يقول فيها:

«البحرُ موعِدُنا

وشاطئُنا العواصف

جازف

فقد بَعُد القريب

ومات من ترجُوه

واشتدَّ المُخالف

لن يرحم الموجُ الجبان

ولن ينال الأمن خائف

القلب تسكنه المواويل الحزينة

والمدائن للصيارف

خلت الأماكن للقطيعة

من تُعادي أو تُحالف؟

جازف

ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي

ولا أن يُصلح الأشياء تالف

هذا طريق البحر

لا يُفضي لغير البحر

والمجهول قد يخفى لعارف

جازف

فإن سُدَّت جميع طرائق الدُّنيا أمامك

فاقتحمها

لا تقف

كي لا تموت وأنت واقف».