زعماء مصر في مرآة نجيب محفوظ

محمد سلماوي يوثق آراءه في سنواته الأخيرة

زعماء مصر في مرآة نجيب محفوظ
TT

زعماء مصر في مرآة نجيب محفوظ

زعماء مصر في مرآة نجيب محفوظ

يشير الكاتب محمد سلماوي في مقدمة كتابه «حوارات نجيب محفوظ»، الصادر عن دار «الكرمة» بالقاهرة إلى أن فكرة تلك الأحاديث الصحافية التي أجراها مع أديب نوبل كان هدفها توثيق آرائه على هيئة حوارات مكثفة للغاية تنشر بشكل منتظم في صحيفة «الأهرام»، كوثيقة تاريخية، في مختلف القضايا المحلية والعربية والدولية المطروحة على الساحة آنذاك.

بدأ النشر لأول مرة في «الأهرام» في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1994 وظلت تتوالى على مدى 12 عاماً حتى رحيل محفوظ في نهاية أغسطس (آب) 2006، حيث ظل سلماوي يقصد طيلة تلك السنوات منزل محفوظ بحي العجوزة في السادسة مساء كل يوم سبت ومعه جهاز تسجيل صغير يسجل المقابلة التي قد تستمر ما بين نصف الساعة أو الساعة حسب حالته الصحية.

يتحدث محفوظ خلال الحوارات في موضوعات كثيرة يطرحها عليه سلماوي أو يقترحها هو ثم يختار منها المحاور في النهاية ما يناسب النشر ويعرضه عليه قبل أن يسلمه للجريدة. ورغم أن هذه الجلسات كانت تقتصر في معظم الوقت عليهما بمفردهما، فإنها في بعض الأحيان كانت تضم بعض الصحافيين الأجانب أو السفراء أو بعض كبار زائري مصر الذي يطلبون لقاء محفوظ الذي أصبحت زيارته مكملة لزيارة معالم البلاد، فكان الضيف الأجنبي يزور الأهرامات وأبو الهول ثم يلتقي محفوظ الذي كلما أخبره سلماوي بأن هناك من يريد لقاءه قال له: «أحضره معك يوم السبت».

وهكذا تجمع لدى سلماوي ما يقرب من 500 ساعة مسجلة بصوت محفوظ يتحدث فيها عن الثقافة والسياسة والأدب كما يتحدث عن حياته الشخصية وذكرياته ويجيب عن أسئلة زوراه.

سعد زغلول

ورغم تنوع موضوعات الكتاب، فإن ذكريات نجيب محفوظ ومواقفه من زعماء مصر قبل وبعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 حظيت بنصيب الأسد من الكتاب، وبدأت بالزعيم سعد زغلول، القائد الملهم لثورة 1919.

يقول عميد الرواية العربية إنه شاهد تلك الثورة بعينه من شباكه الذي يطل على ميدان «بيت القاضي» وهو طفل في السابعة أو الثامنة من عمره، شاهدها وهي تصارع قوات الاحتلال الإنجليزي وسمع في هذه السن دوي الرصاص ورأى قوات الخيالة الإنجليزية وهي تقتل الناس.

ويقول محفوظ إن سعد زغلول هو بطل جيل بأكمله، ومن عرف السياسة في جيله كان مدخله إليها سعد زغلول، مدخله إلى الوطنية ومدخله إلى تاريخ مصر. ويتحسر محفوظ لأنه لم ير سعد زغلول عن قرب، قائلاً إنه كانت هناك فرصة وحيدة لرؤيته، لكنها لم تتحقق، فحين اختلف مع الملك وقامت المظاهرات أمام «سراي عابدين» تهتف: «سعد أو الثورة»، كان سيجيء لمقابلة الملك فاروق الأول فقال صاحب «الثلاثية» لنفسه: «اليوم سأراه!»، لكن ما إن وصل زغلول إلى ساحة «عابدين» حتى أحاطت به الآلاف من كل اتجاه حتى إن سيارته تحولت إلى كتلة بشرية تتقدم بصعوبة في اتجاه القصر. حاول الشاب نجيب محفوظ أن يتحرك يميناً أو يساراً عله يلمح «بطله الأسطوري»، لكنه لم يستطع حتى أن يرى سيارته.

وتدمع عينا نجيب في تلك اللحظة وتحتبس الكلمات في الحلق فيحل الصمت، لحظات متصلة لا يستطيع سلماوي خلالها مواصلة الحوار، احتراماً للحظة وتقديراً لمشاعر الرجل التي فاضت دموعه في تلقائية نبيلة. وبعد أن يستعيد الأستاذ هدوءه، يسأله: «علام حزنك يا أستاذ نجيب؟»، فيجيبه: «ليس حزناً، الحزن قد فات وقته وانقضى، إنه شريط الذكريات التي أحياها حوارك اللعين!».

مصطفى النحاس

يصف محفوظ الزعيم الوطني مصطفى النحاس بأنه «خليفة سعد زغلول، قد لا يتمتع بعبقرية سعد لكن أخلاقه وصلابته لم يُعرف لهما مثيل، فقد كان يناجز الاستعمار الإنجليزي والملك بكل شدة مدافعاً عن حقوق مصر الداخلية والخارجية وظل في هذا الجهاد من بعد وفاة سعد زغلول عام 1927 وحتى قيام ثورة يوليو 1952. كما كان النحاس، بحسب صاحب نوبل، مثالاً للنزاهة بين من حكموا مصر، فقد كان يتقاضى راتباً شهرياً زهيداً من الحزب الذي يتزعمه وهو «حزب الوفد» رغم أنه تولى رئاسة الوزارة عدة مرات في وقت كانت فيه رئاسة الحكومة تمثل سبيلاً للثراء، أما هذا الرجل فكان إما يتكسب من المحاماة وإما يصرفون له راتباً ليتفرغ لزعامة «الوفد».

وفي أواخر أيامه، كان جمال عبد الناصر يصرف له راتباً شهرياً حين علم أنه لا يملك ثمن الدواء الذي يتناوله فكان أحد الضباط يذهب إليه كل شهر بمبلغ 300 جنيه وهو مبلغ ليس كبيراً، بالنسبة لمكانته.

عبد الناصر

ويصل الحوار حول زعماء مصر إلى الرئيس جمال عبد الناصر. ويقول سلماوي إنه رأى نجيب محفوظ وقد تهلل وجهه وهو بالمستشفى حين حضر لزيارته الدكتور خالد نجل الزعيم الراحل، وقد قام لأول مرة من مرقده وأخذ يرحب بالزائر قائلاً: «أهلاً بابن الزعيم»، ثم سأل عن المصور وشعر بالأسف لأنه لم يكن هناك مصور موجود في ذلك التوقيت ليلتقط لهما صورة.

هنا ابتسم محفوظ وهو يستعيد تلك الذكرى مع «نجل الزعيم» قائلاً: جمال عبد الناصر هو زعيم ثورة وقد أثر في مصر تأثيراً كبيراً، فقد غيّر تركيبها الطبقي، أي أنه رفع الشعب عدة درجات وحطم الإقطاع دون سفك دماء وعمل إصلاحات لمصر لم تعرفها من قبل ولم يكن به عيب إلا انزلاقه أو انزلاق الديكتاتورية إليه واللعب الشيطاني الذي لعبته أجهزة المخابرات في عهده، لكنه يظل من أعظم زعماء مصر».

وحين سُئل عما إذا كان قد التقاه وجها لوجه، فأجاب: «قابلته عدة مرات في مناسبات عامة ومرة واحدة في مناسبة خاصة، أما المناسبات العامة فكانت في عيد العلم مثلاً حين قلدني وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وكان هذا أول وسام في حياتي وفي عهده أيضاً حصلت على جائزة الدولة التقديرية وفي عهده توليت كل منصب كبير توليته في حياتي».

وأما المناسبة الخاصة فكانت عند افتتاح المبنى الجديد لـ«الأهرام» عام 1968 وقد كان محفوظ جالساً مع الكاتب د. حسين فوزي والشاعر صلاح جاهين والفنان التشكيلي صلاح طاهر حين دخل عليهم عبد الناصر رفقة الكاتب محمد حسنين هيكل. ويذكر محفوظ أن ناصر داعب صلاح جاهين بقوله: «أكل لحمة الرأس جعلتك سميناً»، ثم لاطفه قائلاً: «لماذا لم نقرأ لك قصصاً في (الأهرام) منذ عدة أسابيع»؟

كان ذلك يوم الخميس، فرد هيكل قائلاً: «بالمصادفة له قصة غداً في عدد الجمعة من الجريدة وهي من النوعية التي (تودي في داهية)، فقال له عبد الناصر على الفور: «توديك أنت!».

وهنا يضحك محفوظ عميقاً، ثم يقول لسلماوي: «إن جمال عبد الناصر بالنسبة إلى جيلك هو ما كان سعد زغلول بالنسبة إلى جيلي، رمزاً للوطنية وبطلاً لجيل بأكمله».

ويستعيد نجيب محفوظ ذكرياته مع رحيل جمال عبد الناصر، فيروي أنه كان دائماً ما يأخذ إجازته السنوية في شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام. وفي 1970 عاد من الإسكندرية مساء يوم 28 من هذا الشهر هو وزوجته وابنتاه ولم يكن هناك بالطبع أي استعداد للعشاء بالمنزل الذي كان مغلقاً منذ شهر كامل، فأرسلوا منظفة البيت لتجلب لهم عشاء جاهزاً من أحد المطاعم القريبة.

جلس محفوظ مع أسرته أمام التلفزيون في انتظار الطعام، فلاحظ أن التلفزيون لا يبث سوى القرآن وعندما طال ذلك قال لزوجته إن هناك بالتأكيد كارثة وقعت. وكان الملوك والرؤساء مجتمعين آنذاك في القاهرة بدعوة من الرئيس عبد الناصر في محاولة لوقف مذبحة أيلول بين الأردن والفلسطينيين. لكن في أثناء ذلك عاد الخادم من المطعم ليقول إنه سمع أن «الريس» توفاه الله فنهره نجيب محفوظ بشدة وقال له ألا يفتح فمه بمثل هذا الكلام وأن يمكث بالبيت ولا يبرحه.

لكن بدأ بداخله الشك والقلق ولم يستطع أن يتذوق الطعام، وبعد دقائق يصف محفوظ مشاعره حين أعلن التلفزيون أن نائب الرئيس سيلقي بياناً، وما إن شاهد وجه أنور السادات على الشاشة، كان هو الذي يقول: الريس مات!

سمع من التلفزيون برحيل عبد الناصر عام 1970، قائلاً: «في تلك اللحظة كنت في حالة شديدة من الارتباك، فمن ناحية لم أكن مصدقاً تماماً داخل نفسي أن عبد الناصر قد مات، فقد كنت أحد المختلفين ليس مع عبد الناصر وإنما مع نظام حكمه وكنت من المعارضين الشرفاء في الكثير من رواياتي خاصة ما كتبته بعد نكسة يونيو 67، وقد قبل عبد الناصر هذه المعارضة ولم يصادر عليها لا في كتاب ولا في فيلم. وفي الوقت نفسه أنا أول المعترفين بمآثره وما فعله للمجتمع المصري والعربي، لكن في هذه اللحظة لم يكن أمامي إلا مآثر هذا الزعيم العظيم».

أنور السادات

وحول علاقته بالرئيس أنور السادات، أوضح محفوظ أن المرة الوحيدة التي منع فيها من الكتابة كانت في عهد السادات، وذلك في بداية عام 1973 حين شارك في التوقيع على بيان ضد «حالة اللاسلم واللاحرب»، صاغه توفيق الحكيم. ونتيجة لذلك، مُنعت جميع أعماله من الإذاعة والتلفزيون هو وتوفيق الحكيم، ولم يعد مسموحاً بأن يُذكر اسم أي منهما رغم أن اسميهما لم يظهرا رسمياً في قائمة الممنوعين من الكتابة والذين نُقلوا إلى هيئة الاستعلامات، لكن عذر السادات – بحسب نجيب محفوظ - في ذلك أنه كان يعد لحرب أكتوبر العظيمة، ولم يكن يريد حدوث خلخلة في الجبهة الداخلية ولم يكن هو يعلم ذلك.


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».