«فتيات الكروشيه»... قصص عن الوحدة بعيون أنثوية

«فتيات الكروشيه»... قصص عن الوحدة بعيون أنثوية
TT

«فتيات الكروشيه»... قصص عن الوحدة بعيون أنثوية

«فتيات الكروشيه»... قصص عن الوحدة بعيون أنثوية

تبدو العين الأنثوية مهيمنة في رصد التفاصيل الحياتية الصغيرة والتقاط أوجاع الروح المسكوت عنها في المجموعة القصصية «فتيات الكروشيه»، الصادرة عن دار «الشروق» للكاتبة المصرية جيلان الشمسي.

تتجلى الشخصيات في هذه المجموعة باعتبارها كائنات غير تقليدية، تغوص في فكرة الفقد والبحث عن الذات ودائرية الحياة والعودة. بعضها يقف على الحافة، فيما تعود شخصيات أخرى من الموت ليجد القارئ نفسه يشاهد شخصاً يتحول إلى آخر عاش قبل مئات السنين أو آخر يلتقي بذاته في آخر الرحلة.

هنا يصبح من العادي أن يرى القارئ ملكة فرنسا الشهيرة التي عاشت في القرن الثامن عشر ماري أنطوانيت تطل عليه من شرفة قصرها، أو أن يجد نفسه داخل فندق يعود بالزمن إلى الوراء أو شاهداً على «باص» يختفي في الضباب. وبينما تحاول بعض الشخصيات التآلف مع محيطها، يحاول البعض الآخر الهرب منه.

تشكل المؤلفة كل قصة عبر فسيفساء من التفاصيل الصغيرة المدهشة التي تمزج الواقع بحس فانتازي في ظل حضور قوي لأجواء الوحدة والضجر ومفارقات الأقدار، على نحو تتفتح معه بداخل ذهن القارئ تساؤلات عديدة تأخذه نحو آفاق واسعة التأويل.

يشار إلى أن جيلان الشمسي تخرجت في كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية عام 2008، وحصلت على بكالوريوس الفلسفة من جامعة لندن عام 2016، صدر لها رواية «الطائفة» ومجموعتان قصصيتان: «يوماً ما سأكون شمساً» و«كأن تنقصه الحكاية» التي فازت بجائزة «ساويرس» الأدبية.

ومن أجواء المجموعة نقرأ:

«لأيام نجلس أنا وزوجي أمام الضابط في القسم مع أولياء الأمور الآخرين الذين لم يعد أولادهم، ولم يتم حتى إيجاد أي أثر للأتوبيس نفسه، ولا للسائق ولا للمشرفة المبتسمة دائماً بعينيها الواسعتين وشعرها المصبوغ. جميع الهواتف التي يملكها المدرسون وطلبة الثانوي الذين يستقلونه اختفت إشارتها فجأة، ولم يعد من المتاح الاتصال بهم.

بمرور الشهور، بدأ باقي الأهالي في التوقف عن البحث والذهاب للسؤال في القسم أو المدرسة. لا أحد يواصل تلك الحركة المكوكية مثلي سوى سيدة أراها أمام القسم كل يوم، وأعرف جيداً ابنتها التي كانت تجلس دوماً في الصف الأخير. تخبرني بصوت خافت دون أي دمعة أن بعض جيرانها أخبروها أن الأتوبيس يومها دخل بالفعل شارعهم الضيق، لكنه فجأة ووسط الضباب الذي كان يملأ السماء صعد لأعلى كأنه يرتقي درجات السلم، وسرعان ما اختفى في الغيمة البيضاء. أنظر نحوها بعينين فارغتين، لم تكن تبدو كأنها تهذي أو تخبرني بشيء لا معقول. نظرات عينيها الواثقة يومها لا تفارقني. لم أذهب بعدها مجدداً للقسم».


مقالات ذات صلة

«زر اللايك»... مفصل في تاريخ الثقافة

كتب «زر اللايك»... مفصل في تاريخ الثقافة

«زر اللايك»... مفصل في تاريخ الثقافة

في كتابهما الجديد «زر اللايك الذي غيّر العالم»، يتتبع الخبيران مارتن ريفز وبوب جودسون الرحلة المذهلة لزر تحول إلى أحد أبرز مكونات الثقافة الرقمية الحديثة.

ندى حطيط
ثقافة وفنون محمد الفولي

محمد الفولي يروي تجربته في النقل عن الإسبانية

يروي المترجم محمد الفولي في كتابه «النص الأصلي - عن الترجمة ومسارات الحياة» الصادر عن دار «الكرمة» بالقاهرة فصولاً من كواليس وخفايا الترجمة الأدبية

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون ضد شعرية «الكليشة»

ضد شعرية «الكليشة»

ثمة مجموعات شعرية تستدعي عند قراءتها رجوع القارئ (باحثاً كان أو قارئاً) إلى نوع من المراجعة لمفهوم وشكل قصيدة النثر العراقية والعربية.

علي سعدون
ثقافة وفنون شعراء كركوك طوّروا تجربة حسين مردان في قصيدة النثر

شعراء كركوك طوّروا تجربة حسين مردان في قصيدة النثر

عن دار «النابغة» في القاهرة، صدر للدكتور رسول عدنان كتاب عن الشعراء العراقيين الذين اتفق على تسميتهم بـ«جماعة كركوك»

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب أغلفة بعض روايات فريدا ماكفادن

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

هل يعني تصدر قوائم «البيست سيلر» بالضرورة أننا أمام عمل أدبي يزخر بالعمق الفني، والجمال اللغوي، والأصالة الفكرية؟

أنيسة مخالدي (باريس)

«زر اللايك»... مفصل في تاريخ الثقافة

«زر اللايك»... مفصل في تاريخ الثقافة
TT

«زر اللايك»... مفصل في تاريخ الثقافة

«زر اللايك»... مفصل في تاريخ الثقافة

في كتابهما الجديد «زر اللايك الذي غيّر العالم»، الصادر عن مطبعة «مجلة هارفارد لمراجعات الأعمال»، يتتبع الخبيران من منطقة التقاطع بين إدارة الأعمال وتكنولوجيات الإنترنت، مارتن ريفز، وبوب جودسون، تلك الرحلة المذهلة لزر «اللايك»، من لحظة ميلاده في أروقة شركة «Yelp» عام 2005 إلى تحوله أحد أبرز مكونات الثقافة الرقمية الحديثة بعد أن تبناه «فيسبوك» عام 2009، وأصبحت لازمة لا بدّ منها لكل تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.

يروي الكتاب أنه في أوائل عام 2000، ابتكرت شركة ناشئة تدعى «Yelp» ميزة جديدة لمستعملي شبكة الويب العالمية الناشئة، إذ يمكن للمستخدمين العاديين نشر تقييمات للمطاعم يتسنى للعموم قراءتها. ولكن كانت ثمة معضلة، إذ إنّ قلة قليلة من الناس كانوا مهتمين بإنشاء محتوى على الإنترنت، واحتاج مهندسو «Yelp» إلى إعطائهم سبباً لذلك.

قصة كيفية تحفيزهم الناس العاديين لإنشاء محتوى كهذا دون مقابل ماديّ كانت نقطة الانطلاق للتفكير بـ«زر اللايك». إذ اعتقدت «Yelp» أن الأشخاص قد يتحمسون إلى نشر مراجعاتهم وتقييماتهم إن هم تلقوا مجاملات من الآخرين.

ما بدأ رسمة بسيطة لإبهام مرفوع تعبيراً عن الاستحسان - كما في الثقافة الغربيّة منذ عصر الإمبراطورية الرومانيّة - أصبح رمزاً كونيّاً يُنقر عليه أكثر من 160 مليار مرة في اليوم الواحد، مؤطِّراً شكل تفاعلنا مع العالم، ومع بعضنا البعض، عبر أزقة الفضاء السيبيريّ.

يقدم الكتاب، من خلال مزيج من السرد التاريخي والتحليل النفسي والاجتماعي، نظرة شاملة على ظاهرة هذا الزر الذي رغم بساطته الظاهرية، يعكس تحوّلاً جذرياً في طريقة تفاعل البشر مع المعلومات والمحتوى الرقمي. ويقول المؤلفان إنّه في الأيام الأولى للإنترنت كان من المفترض أن واحداً في المائة فقط من البشر سيكتبون ويخلقون محتوى يقرأه بقيتهم. لكن نجاحات «زر اللايك» قزّمت هذه النسبة المئوية. وغيّرت مفهوم المشاركة والتفاعل، جاعلة من كل مستخدم صانعاً ومعبراً، حتى دون أن يكتب حرفاً.

ويشير الكتاب إلى أن الدافع الأول لابتكار زر «اللايك» هو تحفيز المستخدمين على التفاعل والمساهمة. غير أن تلك الحلقة المفرغة التي خلقتها تطبيقات التواصل الاجتماعي - تقديم محتوى مقابل إعجابات أقرب للمجاملات - تحولت لاحقاً إلى نظام حوافز يشبه حلقة المكافأة العصبية، حيث يدمن الدماغ الحصول على إفراز الدوبامين الذي يعزز الشعور بالرضا والانتماء من خلال الإعجابات بالطريقة نفسها التي يدمن فيها السكر أو النيكوتين. هذه الحلقة الكيميائية التي تجعل من التفاعل الرقمي مصدراً للإشباع اللحظي تسهم في خلق أنماط إدمانية جديدة، خاصة لدى المستخدمين الأصغر سناً.

من هذا المنظور، يصبح «زر اللايك» أداةً للسيطرة أكثر من كونه أداة للتعبير. وأي تحليل يحاول الفصل بين الابتكار التقني ونموذج الأعمال الذي وُلد معه يبدو، في أحسن الأحوال، غافلاً، وفي أسوئها، متواطئاً مع صانعي التكنولوجيا.

ويشير المؤلفان إلى أن هذا الزر أصبح بعد العقدين الأخيرين بمثابة عملة الاقتصاد الرقمي، فهو يُستخدم لقياس القيمة السوقية للمحتوى، ولتوجيه الإعلانات، وحتى للتأثير على قرارات المستثمرين بشأن تقييمات الأسهم، ومع مرور الوقت، بات أداة مثلى لجمع البيانات، وتعزيز الاستقطاب، وبناء نماذج أعمال تستغل مستخدمي تطبيقات التواصل الاجتماعي دون علمهم.

في قسمه الأخير، يتناول الكتاب مستقبل هذه الصيغة من التفاعل التي يمثلها «زر اللايك»، فيتساءل المؤلفان عما إذا كنا سنعبر عن الإعجاب مستقبلاً بمجرد فكرة، أو من خلال الذكاء الاصطناعي، مما قد يشرّع الباب أمام أشكال جديدة من التفاعل، وربما أيضاً منهجيات أكثر تعقيداً للسيطرة. ورغم النبرة المتفائلة التي يختتمان بها، فإن الواقع الرقمي يبدو أكثر تعقيداً وتشظياً مما يصورانه.

لعل أبرز نقاط قوة الكتاب تتمثل بسرده السلس المدعوم بالأمثلة الحيّة والتجارب الواقعية من داخل شركات التكنولوجيا الناشئة، لا سيّما وأن بوب جودسون، شارك شخصياً في تطوير فكرة الزر ما يمنح النصّ مصداقية خاصّة، وهو رئيس ومؤسس «Quid»، وهي شركة مقرها وادي السيليكون تستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لفهم التفاعلات مع العملاء، وكان أول موظف في «Yelp»، ولعب دوراً في نشأة فكرة زرٍ للتعبير عن الإعجاب، وتابع عن كثب صعود صناعة وسائل التواصل الاجتماعي، أما ريفز فهو العضو المنتدب والشريك الأول في مكتب الاستشارات «BCG» في سان فرانسيسكو، ورئيس معهد هندرسون أداة «BCG» لاستكشاف الأفكار من خارج عالم الأعمال التي قد تكون لها آثار على إدارة استراتيجية الشركات.

غير أن هذه الحميمية في السرد تأتي على حساب النقد الجذري للظاهرة. فالمؤلفان، رغم إقرارهما بوجود «عواقب غير مقصودة» لهيمنة «زر اللايك»، يتعاملان معها بنبرة متفائلة قد يُنظر إليها من قبل خبراء آخرين بأنها تبسيطية أو حتى ساذجة، فقضايا مثل الإدمان الرقمي، وانهيار الخصوصية، والقلق الاجتماعي عند المراهقين، تغطى في فقرات خاطفة تمس بسطح المعضلة، ولا تصل إلى عمق الأزمة.

ويبدو أن ريفز وجودسون يرفضان تحميل الزر نفسه أي مسؤولية، متسائلين ببراءة: «لماذا يريد أحد معاقبة زر صغير وودود يُحبه الملايين؟». هذا التساؤل يُغفل حقيقة أن هذا «الزر الصغير» هو بوابة تقنيات تُعيد تشكيل وعي الأفراد وسلوكهم السياسي والاجتماعي. ولذلك فإن القارئ لن يجد في الكتاب تفكيكاً فلسفياً أو نقداً سياسياً لتقنيات الإعجاب يشفي الغليل، حيث يبدو، في جوهره، احتفاء بالاختراع العبقري، أكثر منه مقاربة للأسئلة الأخلاقية العميقة التي أتت في ركابه.

لكن برغم هذه الانتقادات، يظل الكتاب قراءة مهمة ومصدراً قيماً لفهم الديناميكيات المعقدة للتفاعل الرقمي، يحفز القارئ على التفكير النقدي حول كيفية استخدامنا للتكنولوجيا وتأثيرها على سلوكنا ومجتمعاتنا في هذه اللحظة التي نعيشها، لحظة تُهيمن فيها خوارزميات التفاعل، وتُعاد صياغة التجربة البشرية على يد رموز بسيطة، وإعجابات لا تُعد ولا تُحصى.

Like: The Button That Changed the World Book by Bob Goodson and Martin Reeves, Harvard Business Review Press, 2025