«أنصاف المجانين» أول رواية سعودية تفوز بجائزة «ابن عربي» للأدب المترجم

الأدب السعودي يحقق إنجازاً عالمياً

شيماء الشريف أول سعودية وعربية تحصد «جائزة ابن عربي في أدب الخيال العلمي والفانتازيا» (الشرق الأوسط)
شيماء الشريف أول سعودية وعربية تحصد «جائزة ابن عربي في أدب الخيال العلمي والفانتازيا» (الشرق الأوسط)
TT

«أنصاف المجانين» أول رواية سعودية تفوز بجائزة «ابن عربي» للأدب المترجم

شيماء الشريف أول سعودية وعربية تحصد «جائزة ابن عربي في أدب الخيال العلمي والفانتازيا» (الشرق الأوسط)
شيماء الشريف أول سعودية وعربية تحصد «جائزة ابن عربي في أدب الخيال العلمي والفانتازيا» (الشرق الأوسط)

فازت الدكتورة شيماء الشريف بالجائزة الدولية للأدب العربي المترجم للإسبانية «ابن عربي» عن روايتها «أنصاف المجانين» التي تُرجمت إلى اللغة الإسبانية وحظيت بإشادة عالمية، وعدّ هذا الفوز الأول من نوعه لرواية سعودية، كما أنه الأول لمؤلف سعودي في أدب الخيال العلمي والفانتازيا حيث تعدّ الدكتورة شيماء أول امرأة عربية تنال الجائزة.

ويشكل هذا الإنجاز محطة تاريخية في الأدب السعودي والعربي، ويبرز كمؤشر على الإبداع والابتكار في الأدب العربي المعاصر، وتساهم رواية «أنصاف المجانين» في فتح آفاق جديدة للأدب السعودي، معززة من مكانته على الساحة الأدبية الدولية. وبدأت الدكتورة شيماء الشريف أول محاولة للكتابة في 2009 بعمر 19 عاماً، ما عدّتها محاولة متواضعة، وبحسب ما قالته لـ«الشرق الأوسط»، تطورت هذه الهواية مع الوقت لتنتقل من تدوينات بسيطة إلى مدونة، ثم إلى مقالات في عدد من الجرائد حتى أصدرت روايتها الأولى عام 2014.

وعن سبب اختيارها مجال أدب الخيال العلمي والفانتازيا، تقول شيماء: «بالنظر إلى التاريخ، لا يوجد أي اختراع بلا خيال، فالخيال إحدى المواهب التي تميزنا نحن البشر، في حين أن القصة تعد الطريقة الأولى والأقوى في إيصال الأفكار... أما عن سبب تداخل العلم فيرجع إلى كوني إنسانة تعتمد العلم في حياتها، فأنا طبيبة، وهذا يجعل طريقة تفكيري تنتهج العلم». وبسؤال الشريف عما إذا كان لرواية «أنصاف المجانين» جانب واقعي سمعت عنه أو عاشته، تجيب: «هذا سؤال صعب لأن الواقع يلهم كثيراً من الأفكار، والخيال يأخذني إلى بعد آخر في كل مرة، وتختلف نسبة الواقع مقارنة بالخيال، لكنني أحب الاعتماد على أساس علمي أو تاريخي أبني عليه عالم رواياتي».

وكشفت الشريف أنها تؤمن بالطموح، مضيفةً: «كلما حققنا هدفاً يظهر لنا الهدف التالي بشكل تلقائي، فحالياً مثلاً أعمل على رواية ونصّ في مجال الفنتازيا وخلق منتج وعالم من وحي ثقافتنا وتاريخنا لأقدّمه للعالم». وتمثل رواية «أنصاف مجانين» بالنسبة لها عملاً روائياً متميزاً، يغيب فيه البطل الفرد، وتتعزز البطولة الجماعية التي يجمعها فضاء مشترك، وتقدم فيه الشخصيات وجهات نظرها في الحياة، نقرأ عبرها كتابة إبداعية، تشكل اختراقاً لا تقليداً، واستشكالاً لا مطابقة، وإثارة للسؤال أكثر منها تقديماً للأجوبة، والغوص إلى الداخل لا التعلق بالظاهر، فلقد حوّلت الشريف الرواية العربية هذه المرّة إلى سؤال مفتوح، وجعلت من أبطالها أنصاف مجانين!!

وفي الرواية، تُقحم الروائية القارئ معها للبحث عن سرّ الرواية، فهي تدعوه مثلما تدعو الشخصيات في الرواية للبحث عن حلقة مفقودة، والحلقة المفقودة هنا «الكتاب» الذي تركه والد البطلة، ويرى فيه تلخيصاً لحياة إنسان عاش من أجل رحلة، «رحلة استقرت أخيراً في كتاب»، هذا الكتاب العجيب الذي سيتم نشره، ولو من دون اسم الكاتب، هو كتاب الحياة نفسها التي سيقرأ كل واحد منا حياته من خلاله.

وتعد الدكتورة شيماء الشريف أول روائية سعودية تكتب في مجال الخيال العلمي والفانتازيا، حيث ألّفت روايتين تصدرتا الكتب الأكثر مبيعاً، وتم تحويل مؤلفها «أنصاف المجانين» إلى مسلسل من موسمين على منصة «VIU» العالمية، تصدر أعلى مشاهدات بالمنصة، كما أنها من أوائل الشخصيات السعودية التي يتم تحويل عملها إلى عمل مرئي، وتصدرت أكثر الكتب تحميلاً على موقع «أمازون» العالمي.

تجدر الإشارة إلى أنه من المقرر إقامة حفل تكريم للدكتورة شيماء الشريف كأول امرأة سعودية وعربية تفوز بالجائزة الدولية للأدب العربي «ابن عربي» يوم الخميس 13 يونيو (حزيران)، وذلك ضمن فعاليات النسخة 83 من معرض مدريد الدولي للكتاب 2024.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو
TT

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

في روايتها «عشبة ومطر» دار «العين» للنشر بالقاهرة - تختار الكاتبة الإماراتية وداد خليفة الثقافة العربية سؤالاً مركزياً حائراً بين واقع مشوّش ومستقبل مجهول، حيث تبدو اللغة والتاريخ وكأنهما ينازعان أنفاسهما الأخيرة للصمود داخل قِلاعها العربية نفسها.

وتعتمد الروائية على تقنية الأصوات المتعددة لتعميق صراعات أبطالها مع عالمهم الخارجي، حيث تتشارك كل من بطلة الرواية «عشبة» وابنها «مطر» في نزعة تراثية جمالية يتفاعلان من خلالها مع دوائرهما التي يبدو أنها تتنصّل من تلك النزعة في مقابل الانسحاق في مدّ «الثقافة العالمية» المُعلبّة، ولغة التواصل «الرقمية»، فتبدو بطلة الرواية التي تنتمي إلى دولة الإمارات وكأنها تُنازِع منذ أول مشاهد الرواية من أجل التواصل مع محيطها الأسري بأجياله المتعاقبة، حيث تُقاوم النزعة «السائدة» في ذلك المجتمع العربي الذي بات أفراده يتحدثون الإنجليزية داخل بيوتهم، ولا سيما أجيال الأحفاد وسط «لوثة من التعالي»، «فهؤلاء الأبناء لا يعرفون من العربية سوى أسمائهم التي يلفظونها بشكل ركيك»، في حين تبدو محاولات «عشبة» استدراك تلك التحوّلات التي طرأت على المجتمع الإماراتي أقرب لمحاربة طواحين الهواء، فتأتيها الردود من محيطها العائلي مُثبِطة؛ على شاكلة: «لا تكبّري المواضيع!».

صناديق مفتوحة

يتسلل هذا الصوت النقدي عبر شِعاب الرواية، فتبدو «عشبة» مهمومة بتوثيق العلاقة مع الماضي بذاكرته الجمعية التي تتقاطع مع سيرتها الشخصية منذ تخرجها في معهد المعلمات بإمارة الشارقة وحتى تقاعدها، لتعيد تذكّر تفاعل جيلها مع كبريات التغيّرات السياسية سواء المحلية، وعلى رأسها المخاض الطويل لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، وحتى سياقات الحروب والنكبات العربية منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وصولاً لمجازر «صبرا وشاتيلا» الدامية في لبنان 1982 والنزف الفلسطيني المُستمر، في محطات تجترها البطلة بعودتها إلى قصاصات الأخبار التي ظلّت تجمعها وتحتفظ بها من مجلات وصحف عربية لتؤرشفها وتُراكمها عبر السنوات داخل صناديق، ليصبح فعل تقليبها في هذا الأرشيف بمثابة مواجهة شاقّة مع الماضي، بينما تبدو الصناديق والقصاصات الورقية مُعادلاً للحفظ الإلكتروني والملفات الرقمية التي قد تتفوق في آلياتها وبياناتها، وإن كانت تفتقر إلى حميمية الذكرى، وملمس المُتعلقات الشخصية التي تنكأ لديها جراح الفقد مع كل صندوق تقوم بفتحه: «أعدت غطاء الصندوق الذي يحتاج مني إلى جرأة أكبر لنبشه، ففي الصندوق ثوب فلسطيني طرَّزته أمٌ ثكلى من بئر السبع... أم صديقتي سميرة أخت الشهيد، ودفتر قصائد نازقة دوّنته صديقتي مها من غزة... صورٌ لزميلاتي بالعمل من جنين ونابلس ورام الله... رسائل من صديقتي ابتسام المقدسية... ومن حيفا مفارش مطرزة من صديقة العائلة أم رمزي».

بالتوازي مع تنقّل السرد من حكايات صندوق إلى آخر، يتصاعد الصراع الدرامي لبطل الرواية «مطر» الخبير في تقييم التُحف، الذي يقوده شغفه بمجال «الأنتيك» والآثار القديمة لتتبع مساراتها في مزادات أوروبية تقترب به من عالم عصابات مافيا القطع الأثرية، كما تقوده إلى الاقتراب من حكايات أصحاب القطع الأثرية التي تُباع بالملايين في صالات الأثرياء، كحكاية «مرآة دمشقية» ظلّ صاحبها يتتبعها حتى وصلت لقاعة مزادات «كريستيز» حاملاً معه ذكرى حكاية جدته وأسرته وتشريدهم، وتصنيعهم تلك المرآة بأُبهتها الزخرفية والفنية في غضون ظروف تاريخية استثنائية خلال فترة سيطرة الحكم العثماني في دمشق.

نهب ممنهج

تبدو الرواية التي تقع في 350 صفحة، وكأنها تمنح حضوراً سردياً للقطع الأثرية المفقودة، والمنهوبة، بصفتها شواهد تاريخية تتعقب «تُجار الممتلكات الثقافية»، ودور المزادات، وأمناء المتاحف، وسط متاهات تزوير الوثائق الخاصة بالقِطع وشهادات المنشأ، وتهريب القطع من بلادها، ولا سيما بعد الربيع العربي والحروب الأهلية التي أعقبته، لتفتح ساحات السرقة الممنهجة للآثار في المواقع الأثرية العربية، كما في تونس ومصر وسوريا والعراق، في حين تبدو قصص القطع المفقودة أُحجيات تتبعها الرواية وتحيكها بخيوط نوستالجية تمدّها الكاتبة على امتداد السرد.

تعتني لغة الرواية بالوصف الدقيق للتفاصيل الجمالية التي تبدو في صراع متواتر مع تيار محو أعنف، كقطع السجاد الأصيل وأنواله التقليدية، والزخارف الغرناطية العتيقة على الأسطح، في مقابل ثقافة «الماركات» الاستهلاكية التي تُميّع الذوق العام، والحروف اللاتينية التي تُناظر الحروف العربية وتُغيّبها في لغة الحياة اليومية.

وقد حازت رواية «عشبة ومطر» أخيراً جائزة «العويس للإبداع»، ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كنتُ قصيراً، أقفز كي تلمس أطراف أصابعي مطرقة الباب، وبعد أن كبرت قليلاً، وأصبحت أمسكها بيدي، استوقفني شكلها الذي صُنع على هيئة يد بشرية، ثم أدركت أن هناك مطرقتين فوق بعضهما، تعجبت، وسألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لدروازتنا مطرقة واحدة، لكن والدك أبهرته فنون بغداد، فجلب منها مطرقتين، مثبتاً المطرقة الأكبر في الأعلى للرجال والمطرقة الأصغر أسفل منها للنساء، ليختصر بذلك السؤال عن هُوية الطارق، فكنا نُميّز الطارق رجلاً أم امرأة من صوت المطرقة)... بِتُ أنصت للطَرق، كنت أعرف طرقات أمي الثلاث، وتعرف أمي طرقاتي المتسارعة، كان هناك طَرقٌ مُبشر، وطرقٌ يخلع القلب، طرق هامس مُدلل، وطرق يُشبه كركرة الأطفال».