إشكالية الإرادة الحرة

الإنسان جزء من هذا الكون ولكن بإرادته

إشكالية الإرادة الحرة
TT

إشكالية الإرادة الحرة

إشكالية الإرادة الحرة

هل توجد إرادة حرة، أم أن اختيارات شخص ما هي، بالفعل، مبنية مسبقاً على علم الأحياء والتربية؟ لقد ناقش الفلاسفة هذا السؤال لعدة قرون. لكن ما الذي يمكن أن يساهم به علم الأعصاب في ذلك؟ والسؤال هو ما الذي يجعل الاختيار خاصاً بالفرد؟ وفي الوقت نفسه يجب الافتراض أن التطور وعمليات الدماغ والتربية هي التي جعلتنا ما نحن عليه. لكن كيف تبدو عملية التطور بالضبط وفقاً لأحدث الرؤى العلمية، وهل تلعب الفلسفة دوراً في ذلك؟

في كتابين حديثين، لعالم الوراثة والأعصاب كيفن ج. ميتشل، الأستاذ بجامعة ترينتي في دبلن، وعالم الأعصاب والأحياء الأميركي روبرت سابولسكي، نطلع على أن التفاصيل العلمية حول كيفية تشكيل التطور والتنشئة لأدمغتنا هي حاسمة في الإجابة على سؤال ما إذا كانت لدينا إرادة حرة. ولكلا الكتابين نظرة شاملة للعمليات الطبيعية التي تجعلنا على ما نحن عليه، لكنهما يصلان إلى استنتاجات متعارضة تماماً.

ففي كتابه «الوكلاء الأحرار: كيف أعطانا التطور الإرادة الحرة»، الصادر عام 2023، عن دار «بريسنتون بريس»، يقدم ميتشل في 333 صفحة ثروةً من الأدلة التي تثبت أننا لسنا مجرد آلات تستجيب للقوى المادية، بل عملاء يتصرفون بهدف محدد. ويروي قصة كيفية نشوء الكائنات الحية القادرة، عبر مليارات السنين من التطور، على الاختيار من مادة هامدة، وبأن حركات الأشياء غير الحية - الهواء والصخور والكواكب والنجوم - تحكمها بالكامل قوى فيزيائية. وهو يرى بأن قدرتنا على التراجع تسمح للمخلوقات المعقدة بشكل متزايد بالعمل كعوامل يمكنها اتخاذ خيارات حقيقية، وليس «خيارات» محددة مسبقاً من خلال تدفق الذرات.

لم يبدأ ميتشل بمفاهيم مسبقة عن نوع الخصائص التي يجب أن تعد إرادتنا «حرة». بدلاً من ذلك، تناول كيف تطورت القدرة على اتخاذ الخيارات واتخاذ الإجراءات. وهكذا تطرق في 11 فصلاً إلى تاريخ الحياة والتحولات الرئيسية في التطور من خلال عدسة علم الأعصاب وإلى مواضيع عن العمل، إدراك الذات، الاختيار، المستقبل غير المكتوب، كيف نصبح أنفسنا والتفكير حول التفكير وغيرها.

وحسب قوله، قد لا نكون دائماً أحراراً في اختيار أسباب ما نقوم به، لكن لدينا القدرة على التفكير فيها ولدينا درجة من ضبط النفس، ولدينا أيضاً درجات من الحرية، ومع هذا ليس كل الناس متساوين في هذا الصدد. نحن نطور قدرتنا على الاختيار، وعندما نكبر يمكن أن نفقد بعضاً منها مؤقتاً، وذلك من خلال الأدوية أو الإجهاد أو بشكل دائم من خلال المرض العقلي على سبيل المثال. وتبقى ماهية الإرادة الحرة خاصية غامضة. وهي حسبه «وظيفة بيولوجية متطورة تعتمد على الأداء السليم لمجموعة موزعة من الموارد العصبية».

وفي النهاية، يقول ميتشل إنه «إذا كانت الإرادة الحرة هي القدرة على التحكم الواعي والعقلاني في أفعالنا، فأنا سعيد بالقول بأننا نمتلكها».

أما روبرت سابولسكي، فإنه يتحدث في كتابه الموسوم «محدد: علم الحياة بدون إرادة حرة» الصادر عام 2023، عن دار «بنغوين بريس»، ومن خلال 528 صفحة، عن فكرة تقول إن كل ما يحدث في الكون - وبالتالي كل ما نقوم به - محدد من خلال قوانين الطبيعة وليس من قبل أنفسنا. إنه يكتب بطريقة سهلة ومقنعة ويقدم كمية مذهلة من المعلومات التي تدعم أطروحته القائلة بأننا محددون تماماً. كيف يحدد «الكون» من نحن وماذا نفعل، يتم شرحه بالتفصيل على نطاقات زمنية مختلفة؛ من تأثير الروائح والأجواء لحظة الفعل، مروراً بتأثير الثقافة والتربية، إلى تأثير ملايين السنين من التطور.

لكن ماذا لو كانت جميع اختياراتنا هي نتيجة لعمليات الدماغ، وإذا كان مسار تلك العمليات لا يتحدد إلا بقوانين الطبيعة؟ وبعبارة أخرى: ماذا لو قررنا أن الفكرة السائدة، داخل العِلم وخارجه، ولكن ليس في الفلسفة، هي أنه لا يمكن أن يكون هناك شيء اسمه الإرادة الحرة.

لكن ماذا لو كانت جميع اختياراتنا هي نتيجة لعمليات الدماغ وإذا كان مسار تلك العمليات لا يتحدد إلا بقوانين الطبيعة

وهذه باختصار هي مشكلة الإرادة الحرة. فمن الناحية العلمية، من المحتمل أننا محددون. ولكن من دون الإرادة الحرة، هل يظل هناك ما يسمى بالمسؤولية؟ أليس من غير المجدي مكافأة أو معاقبة الأفعال التي لا مفر منها على أي حال؟

وفقاً لسابولسكي، فالأدلة العلمية على عدم وجود الإرادة الحرة تعتمد على التجارب التي تظهر أن خياراتنا الحرة الواعية يتم تحديدها دون وعي من قبل دماغنا قبل عدة ثوانٍ. لكن حسبه، فإن هذا يترك مجالاً للإرادة الحرة؛ ففي نهاية المطاف، من الممكن أن تكون القرارات التي تتم قبل تلك الثواني القليلة حرة، وبالتالي غير محددة.

كما أنه يوضح بشكل مقنع أن هناك ثلاثة أفكار شائعة غير صحيحة حول كيفية إظهار العِلم أن العالمَ غير محدد. وتظهر ما يسمى بنظرية «النشوء» ونظرية الفوضى أنه لا يمكن التنبؤ ببعض الظواهر في العالم من خلال رسم خرائط لجميع القوى الطبيعية الكامنة وراءها. لكن عدم القدرة على التنبؤ يمكن أن تسير جنباً إلى جنب مع الحتمية.

ويتابع بأن ميكانيكا الكم تظهر بالفعل أن العالم، على المستوى دون الذري على الأقل، ليس حتمياً. وهو يتمسك بفكرة أن الحتمية تستبعد الإرادة الحرة تماماً. يقول: «أرِني خلية عصبية واحدة لا يتم تحديد نشاطها من خلال العمليات البيولوجية السابقة وسوف أؤمن بالإرادة الحرة».

إن النقطة المهمة هي أن هناك أنواعاً متعددةً من «الإرادة الحرّة». والقدرة على القيام بما تقرره بنفسك هو أمر مهم للغاية، وأن القول بأننا محددون ليس هو نفسه القول بأننا مجبرون. وبالتالي فإن الإرادة الحرة والحتمية ليستا متعارضتين.


مقالات ذات صلة

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

كتب دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

يضم الكتاب مجموعة من البحوث والدراسات الأكاديمية وموضوعات وقراءات تتعلق بالجانب الاجتماعي - الاقتصادي

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
كتب بعض واجهات المكتبات

موجة ازدهار في الروايات الرومانسية بأميركا

الصيف الماضي، عندما روادت ماي تنغستروم فكرة فتح مكتبة لبيع الروايات الرومانسية بمنطقة فنتورا بكاليفورنيا

ألكسندرا ألتر
كتب الرواية الخليجية... بدأت خجولة في الثلاثينات ونضجت مع الألفية

الرواية الخليجية... بدأت خجولة في الثلاثينات ونضجت مع الألفية

يتناول الناقد والباحث اليمني د. فارس البيل نشأة وجذور السرد الإبداعي في منطقة الخليج وعلاقة النص بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة

رشا أحمد (القاهرة)

إيميلي هنري... كتب تحقق أعلى مبيعات من دون ترويج ولا «تيك توك»

إميلي هنري
إميلي هنري
TT

إيميلي هنري... كتب تحقق أعلى مبيعات من دون ترويج ولا «تيك توك»

إميلي هنري
إميلي هنري

لم يسبق لإيميلي هنري قط أن أجرت جولة للترويج لأحد كتبها أو قرأت مقاطع من كتبها داخل إحدى المكتبات بهدف الترويج. أضف إلى ذلك أنها لا تملك حساباً على «تيك توك». أما حسابها على «إنستغرام»، فيتميز بصور أغلفة كتبها، بينما يخلو من جولات في خزانة ملابسها أو محاولاتها إنقاذ بعض القطط، أو صور لتناولها وجبة شهية مرتبة في الأطباق على نحو أنيق.

ووفق تعبير هنري، فإنها لا ترغب في أن تتحول إلى «كاتبة وشخصية شهيرة بعض الشيء في الوقت ذاته». إنها «روائية رومانسية»؛ وهنا انتهى الأمر. وبالتأكيد يعدّ هذا نهجاً غير مألوف، بل حتى ربما يعدّ جريئاً، في عصر يتوقع فيه قراء أعمال الخيال الشعبي مستوى من العلاقات شديدة الحميمية مع كتّابهم المفضلين.

ورغم ذلك، فإن هنري، التي تشتهر في أوساط محبيها باسم «إم هن»، نجحت في إطلاق خامس كتاب لها يحقق أعلى مبيعات في غضون 4 سنوات. واستمرت أحدث أعمالها؛ التي حققت نجاحاً مدوياً، «قصة طريفة (Funny Story)» في قائمة أفضل الكتب مبيعاً طوال 9 أسابيع. وفي أول شهرين من صدوره، حصد الكتاب نحو 60 ألف مراجعة من القراء عبر موقع «غود ريدز»، ناهيك بإطلاقه صناعة كاملة من القمصان والشموع والملصقات على صلة به.

ووفق الأرقام، باعت هنري، في المجمل، 7 ملايين نسخة داخل الولايات المتحدة منذ عام 2020. ويجري العمل على تحويل 3 من رواياتها إلى أفلام. وأعلنت هنري، الثلاثاء الماضي، أن رواية أخرى؛ هي «مكان سعيد (Happy Place)»، سيجري تحويلها إلى مسلسل على «نتفليكس».

عن ذلك، تقول هنري: «كان الأمر سريعاً للغاية. أشعر كأن السنوات الأربع الأخيرة لم تكن في حقيقتها سوى 35 ثانية فقط».

في أثناء تبادل أطراف الحديث مع هنري داخل مقهى «كوفي إمبوريم» في سينسيناتي المليئة بالأشجار، بدا من الصعب تخيل انسحابها نحو حالة من الهدوء. من جهتها، قالت هنري، وسط هدير جزازات العشب الدائرة في الحي: «أنا أحب الناس حقاً. عندما أكون وسط مجموعة كبيرة أميل إلى رفع صوتي لمستوى أعلى، لكن بعد ذلك سأعود للمنزل في صمت تام. وقد لا أتحدث مع أي شخص على امتداد أيام عدة».

بدأت هنري مسيرتها في مجال الكتابة عبر تأليف روايات موجهة للشباب، وكانت تعكف على كتابة أول رواية لها بعنوان «الحب الذي قسم العالم (Love That Split the World)»، في الصباح قبل أن تذهب للعمل بصفتها كاتبة فنية لدى شركة للهاتف والإنترنت والتلفزيون، وكانت مسؤولة عن اللغة الغامضة فوق صناديق الكابلات، ولم يكن هذا العمل ممتعاً لها.

وعليه؛ استقالت هنري بمجرد حصولها على سلفة كتابها الافتتاحي؛ وهو كتاب متواضع، وفق ما ذكرت، ثم كتبت أو شاركت في تأليف 3 كتب أخرى للجمهور الأصغر سناً.

تقول: «وصلت إلى لحظة في أثناء كتابتي لجمهور البالغين الأصغر سناً شعرت عندها بالإرهاق. لم يكن لديّ أي شيء جديد لأقوله».

أما كتابها الأول للبالغين، «بيتش ريد (Beach Read)»، فكان فرصة لها كي تكتب من دون ضغوط الجمهور صغير السن. ورغم أن كثيرين رأوا هذا أبسطَ مشكلة يمكن أن يواجهها أي كاتب، فإن هنري تنصح اليوم الكتاب الطموحين بالاستمتاع بخصوصية العمل على مشروع ما دون إقحام القراء في الأمر. وقالت: «من المتعذر أن نعود يوماً إلى هذا الشعور نفسه من المتعة».

صدرت رواية «بيتش ريد» في 19 مايو (أيار) 2020، تقريباً قبل أسبوع من تجاوز أعداد ضحايا جائحة «كوفيد19» داخل الولايات المتحدة عتبة المائة ألف. وبطبيعة الحال، كان أقرب إلى المستحيل تنظيم فعاليات تتضمن التفاعل مع الجمهور. وبدا الموقف منطوياً على مفارقة بالغة، بالنظر إلى أن الرواية كان المقصود منها أن يستمتع القراء بمطالعتها على رمال الشاطئ.

ومع ذلك، ورغم استمرار إغلاق كثير من الشواطئ العامة، فإن الرواية حققت نجاحاً ساحقاً عبر «تيك توك». ويوماً بعد آخر، زحفت الرواية نحو قائمة أفضل الكتب مبيعاً حيث ظلت لأكثر من عام.

في هذا الصدد، قالت أمادنا بيرجيرون، مسؤولة التحرير لأعمال هنري لدى «بيركلي»: «في ذلك الوقت، كان كثيرون يتطلعون إلى شيء يضفي على حياتهم شعوراً بالإشراق والراحة والدفء، وفي الوقت نفسه لا يخجلون من التعبير عن الحزن. وبالفعل، وفرت رواية (بيتش ريد) للقارئ كل هذه الأشياء».

وشكل ذلك سابقة جرى الحفاظ عليها عبر الروايات الثلاث التالية لهنري: «أشخاص نلتقيهم في الإجازة (People We Meet on Vacation)»، و«عشاق الكتب (Book Lovers)» و«مكان سعيد (Happy place)». وبمرور الوقت، زادت المبيعات؛ كتاباً وراء كتاب، بينما ظلت هنري داخل كنف منزلها في سينسيناتي.

تقول: «أعتقد أنني لو كنت قد قمت بجولة ترويجية للرواية، أو لو أن (بيتش ريد) لم تصدر في فترة الجائحة، لكان فريق العمل قد اعتقد أن المبيعات تزداد بفضل الجولات التي أقوم بها. وبالتالي، كانوا سيطلبون مني إنجاز مزيد منها. إلا إنه بالنظر إلى أن كل شيء كان ناجحاً من دون اضطراري إلى تنظيم جولات، فقد تعاملوا بمرونة مع رغبتي في البقاء داخل المنزل».

يذكر أنه في وقت مبكر من عملها الأدبي، واجهت هنري ضغوطاً للخروج إلى العالم عبر نافذة «تيك توك». وعن هذا، تقول: «أعلنت رفضي الفكرة. عندما يموت (إنستغرام)، سأموت معه. هذا آخر حساب لي عبر شبكات التواصل الاجتماعي».

وتضيف: «بدأت تداعب خيالي أحلام؛ لو أنني بدأت مشوار الكتابة قبل عصر شبكات التواصل الاجتماعي. في تلك العصور، لم أكن لأعلم كيف يبدو كاتبي المفضل، ولم أكن لأعبأ أو حتى أفكر في الذهاب إلى فعالية يشارك فيها. من الغريب أن تحلم بالكتابة وهي في صورة ما، ثم تكبر وتبدأ مسيرة الكتابة بالفعل لتجد أنها تحولت إلى صورة أخرى مختلفة تماماً».

وتنسب هنري وبيرجيرون ودانييل كير، مساعدة مدير شؤون الدعاية لدى «بيركلي»، جزءاً من الفضل في النجاحات التي حققتها روايات هنري إلى تصميمات الأغلفة العصرية والبراقة التي صممتها ساندرا تشو، خصوصاً الاهتمام الذي توليه للألوان ولغة جسد الشخصيات.

في رواية «قصة طريفة»، بذلت تشو مجهوداً كبيراً للوصول إلى الوضعية المثالية لجسد الشخصية الرئيسة بالرواية. وشرحت تشو أن «دافني»، أمينة مكتبة أطفال، بدت «متعجرفة بعض الشيء في البداية». في النهاية، نجحت تشو في تصويرها على نحو يعكس التوازن الصحيح بين الذكاء والحذر. وبناءً على طلب هنري، اختارت تشو أن ترسم «دافني» بملابس بسيطة، مع ارتدائها حذاء «كروكس» أصفر.

والآن، هل ثمة احتمال أن تخوض هنري جولات للترويج لأعمالها الجديدة، خصوصاً مع عودة الجولات الترويجية من جانب كتاب آخرين؟

عن هذا الأمر، تجيب كير: «ندرس دوماً هذه الفكرة، لكننا نركز اهتمامنا، في نهاية المطاف، على سبل مثيرة ومبتكرة للترويج لإيميلي ورواياتها، والتفاعل مع الجمهور والوصول إلى قراء جدد».

بمعنى آخر؛ نوقش الأمر بالفعل، لكن لم يُقَر جدول زمني محدد لأية جولات ترويجية بعد.

من ناحية أخرى، ظهرت هنري في 3 برامج تلفزيونية ـ «غود مورنينغ أميركا» و«توداي» و«تامرون هول». واستلهاماً من تجربة روائيين آخرين غالباً ما ينظمون حفلات في ساعات متأخرة من الليل، احتفالاً بإطلاق كتاب جديد، ساعدت «بيركلي» في تنظيم أكثر عن 200 فعالية احتفالية بإصدار رواية «قصة طريفة» عبر مكتبات بمختلف أرجاء البلاد. ونُظّم أكثر من 50 منها عند منتصف الليل.

في هذا السياق، عبرت ليا كوك، مالكة دار «ذي ريبيد بوديس»، المختصة في الأعمال الرومانسية، عن اعتقادها بأن «قراء الأعمال الروائية الخيالية يشكلون فئة مميزة بحد ذاتها، من حيث الولاء. وقد نفدت نسخ الرواية لدينا في 3 أيام فقط».

في 22 أبريل (نيسان) الماضي، تدفق أكثر من 100 من القراء المتحمسين على متجر الدار في حي بروكلين بنيويورك. وكانت هناك أطباق من الشوكولاته، ومطبوعات فنية مستوحاة من رواية «قصة طريفة» ومحيط بحيرة ميتشغان الذي تدور أحداث الرواية في أجوائه... وفجأة، ظهرت هنري نفسها تتجول وسط الحشد مثل ضيف آخر مبتهج. وكانت ترتدي ملابس بسيطة براقة تعكس أجواء الشاطئ والبحر.

وفي مقطع فيديو، ظهر القراء وهم يستقبلونها بسعادة غامرة وحماس وتصميم على التقاط هذه اللحظة بهواتفهم الخاصة. وتعالت صيحات إحدى المعجبات: «يا إلهي! يا إلهي!». أما هنري، فرحبت بالقراء، بينما حمل وجهها شعوراً بالانتصار والارتياح.

تقول لنا: «كان هناك أشخاص تعرفت عليهم بعدما تابعتهم سنوات وهم يروجون لكتبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كانت تلك لحظة مميزة ورائعة للغاية، لكن الشيء الجميل حقاً في قرائي أنهم شيء خارج عني؛ إنهم مجتمع قائم بذاته».

يُنسب جزء من الفضل في النجاحات التي حققتها روايات إيميلي هنري إلى تصميمات الأغلفة العصرية والبراقة

يذكر أن النسخة ذات الغلاف المقوى لرواية «قصة طريفة» باعت نسخاً أكثر بنسبة 850 في المائة خلال الأسابيع الأربعة الأولى من إصدارها، مقارنة بالنسخة ذات الغلاف الورقي في الفترة ذاتها، رغم أن تكلفتها تبلغ نحو الضعف. وبحلول أواخر مايو (أيار)، كانت لا تزال في مقدمة الكتب داخل كثير من مكتبات سينسيناتي.

ومع ذلك، فإنها عندما همت بمغادرة مقهى «كوفي إمبوريم» برفقة زوجها للعودة إلى المنزل، لم تكن هنري تتبختر في مشيتها مثل شخصية مهمة أو بارزة أو حتى شخص تجذب كتبه القراء إلى المكتبات في منتصف الليل؛ وإنما كانت تسير بجدية تليق بكاتبة عاقدة العزم على العودة إلى العمل.

خدمة «نيويورك تايمز»