إدوار الخراط ومى التلمساني يتشاركان «صدى يوم أخير»

نموذج للكتابة الروائية المشتركة نشرته مجلة «سيدتي»

إدوار الخراط ومى التلمساني يتشاركان «صدى يوم أخير»
TT

إدوار الخراط ومى التلمساني يتشاركان «صدى يوم أخير»

إدوار الخراط ومى التلمساني يتشاركان «صدى يوم أخير»

تنهض الكتابة الإبداعية في القصة والرواية والشعر على جهد ذات مبدعة، تنفعل بما يدور في واقعها والعالم من قضايا وأفكار وصراعات، تعبّر عنها من منظور خاص وبرؤية فنية كاشفة تمتد لتشمل ما هو أعمق من حيث قوة الانفعال وكيفية اختيار الموضوع ونوعية الدلالات والرسائل التي تكمن خلف ظاهر النص؛ ما يجعل الإبداع في هذا المجال ظاهرة فردية بامتياز.

كل هذه المفاهيم التي تبدو بديهية ومسلّماً بها يتمرد عليها الكاتبان المصريان إدوار الخراط ومي التلمساني وينجزان معاً رواية مشتركة تحمل عنوان «صدى يوم أخير» صدرت مؤخراً عن دار «الشروق» بالقاهرة.

تتناول الرواية منحنيات المد والجذر والصعود والهبوط في علاقة غرام مجهضة بين «ليلى» الصحافية التي اندفعت بكل مشاعر لتقع في حب الفنان البوهيمي الوسيم، متعدد العلاقات، «إدريس». تجمع بينهما الموهبة الشديدة، هى في النقد والكتابة وهو في النحت البارع.

وكشفت مي التلمساني في مقدمة الرواية بعض كواليس تلك التجربة الأدبية النادرة، وأشارت إلى أن البداية كانت بين عامي 2002 - 2003 من خلال الكاتب إدوار الخراط الذي شرع في كتابة حلقات أدبية مسلسلة لمجلة «سيدتي» وهي إحدى المجلات العربية الشهيرة المهتمة بشؤون المرأة. وبعد أن انتهى من كتابة الفصل الأول، قام بترشيحها للكتابة معه رغم وجودها في كندا في ذلك الوقت. تفاجأت مي، لكنها رحبت بالطبع، لكن المشكلة أنه مع تنقلها للعيش في أكثر من بيت، ضاع منها المخطوط الأصلي، ولم تتذكره إلا عند وفاة إدوار الخراط، ثم وجدته بالصدفة أثناء بحثها على شهادة ميلاد نجلها زياد.

وتشير إلى أن إدوار الخراط كان شخصاً شغوفاً بالمغامرة والتجريب ورغم أنه ينتمي إلى جيل الستينات بينما هي تنتمي إلى جيل التسعينيات، فإنه لم يدخل التجربة بروح سلطوية ولكن بروح شخص يعرف بشكل مطلق الحقيقة الكاملة وسيدلي بدلوه في النص الأدبي، وكان هذا يعطيها مساحة من الحرية حول تجربة فكرة جديدة من خلال الرواية المشتركة.

وتطرقت مي التلمساني إلى ملابسات اختيار عنوان الرواية، موضحة أن الخراط وضع لها الكثير من العناوين، منها «النحات والصحافية» و«الفنان والصحافية» ثم «غرام وانتقام»، وتم نشره العمل بهذا العنوان في المجلة، لكنها استقرت على «أصداء يوم أخير» الذي استلهمته من فصل كتبه الخراط، حيث وجدت أنه أكثر تعبيراً عن روح العمل لا سيما «الألعاب المخفية في العلاقات الإنسانية».

وأضافت: لم نتحدث أنا وإدوارد مرة واحدة عن تلك التجربة في أثناء الكتابة، لم نتهاتف ولم نتكاتب، لم نطرح أسئلة أو نقترح خطة عمل أو نرسم مساراً محدداً للشخصيات. كنا نعمل في غيبة تامة كل منا عن الآخر معتمدين كل الاعتماد على وسائط قديمة أبرزها جهاز الفاكس.

وتوضح: اليوم أحب أن أطلق على هذه التجربة تعبيراً أستلهمه من المفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي هو «الكتابة بيدين»، كنا إذن نسعى عن طريق «الكتابة بيدين» للانفلات من وطأة العمل وحدنا ولو إلى حين. نبحث عن خط انفلات من أنفسنا ونجده في نهاية المطاف في منطقة بين بين، أشبه بمنطقة الرسائل ولكن من دون النبرة الذاتية، منطقة تسمح باللعب ولا تصادر على النتائج أو هذا ما أتصور أننا سعينا له.

وتتسم تلك الرواية القصيرة أو «النوفيلا» بسرعة الإيقاع والتصاعد الدرامي اللاهث مع بساطة اللغة وجاذبية القصة من خلال علاقات الحب. ويبدو أن توجه النص في البداية إلى قارئ مجلة أسبوعية يبحث عن الترفيه هو ما أثر على بنية العمل وطبيعة اللغة.

عاش الخراط في الفترة من 1926 حتى 2008، وصدر له أكثر من 50 كتاباً بين القصة والرواية والشعر والنقد والترجمة. شكلت إبداعاته عند ظهورها نهاية الخمسينات منعطفاً في السرد العربي، حيث ابتعدت عن الواقعية التقليدية وركزت على وصف الأرواح المعرّضة للخيبة. وصك مصطلحات جديدة في النقد مثل «الحساسية الجديدة» و«الكتابة عبر النوعية» وعرف بانحيازه للتجريب وانفتاحه على تجارب الأجيال الجديدة. حصل على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية، وجائزة ملتقى القاهرة للرواية، ومن أبرز أعماله «رامة والتنين» و«ترابها زعفران».

وتقيم مي التلمساني في كندا منذ 1988 وهى روائية وناقدة من أبرز أعمالها «هليوبوليس» و«أكابيلا» و«الكل يقول أحبك». حازت في 2021 وسام الآداب والفنون برتبة فارس من الحكومة الفرنسية.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كانت الحفلة قد شارفت ذروتها، تلك أكثر اللحظات إمتاعاً. اللحظة التي تأتي مباشرة قبيل الذروة، لعلها أمتع وأكثر إرواءً من لحظة الذروة نفسها. عندما دق جرس الباب بإصرار وإلحاح متصل جعلنا جميعاً نتوقف لبرهة خاطفة عما كنا بسبيله من أكل وحديث وغزل بريء وننظر إلى الباب بترقب.

دخل إدريس بقامته الشامخة ووجهه الصخري المنحوت وخطوته الوئيدة يحمل شيئاً ملفوفاً في ورق أصفر خشن ملفوف بدوبارة ويبدو وكأنه هدية يوم ميلاد. ولكن كما يُنتظر من إدريس، المظروف غير مغلف بالورق اللامع المنقوش بزخرفات زاهية.

لم يلق إدريس سلاماً ولا كلاماً، بل ذهب مباشرة إلى ليلى ومن غير كلمة مزق الورق الأصفر الكابي عن هديته وكشف عنها. كانت ليلى في اللوحة تنظر إلينا رائعة وفاتنة. قامت البنية المحروقة في نحولها الرشيق متكئة براحته تكشف لنا دون أدنى خجل وربما بشيء من الزهو المكتوم عن أنوثتها مرهفة الجوانب.

ليلى في اللوحة التي صورها إدريس بحب وبصيرة تبدو قادرة على تملك حريتها، على تملك قسماتها وتطلعها الحر الذي لا يدين بشيء ولا بأحد غير ذاته. قامتها في رقتها ونعومتها الخفية ليست ملكاً لأحد ولا حتى لصاحب اللوحة، ليست ملكاً إلا لذاتها ولكن من غير مباهاة ولا ادعاء، بل ببساطة متخلصة من كل زيف ومن كل التباس».


مقالات ذات صلة

كاثرين ستوكيت... امرأة بيضاء تتحدث بصوت امرأة سوداء

ثقافة وفنون كاثرين ستوكيت

كاثرين ستوكيت... امرأة بيضاء تتحدث بصوت امرأة سوداء

بعد 15 عاماً من صدور روايتها الناجحة «المساعدة» التي أثارت الكثير من النقاش والنقد بسبب تصويرها حياة الخادمات السود في الجنوب

ألكسندرا أولتر
ثقافة وفنون «الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة

«الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة

عن دار «البشير»، صدر كتاب «الحيوان في القرآن الكريم - دراسة دلالية» للباحث د. محمد حمدي درويش الذي يستعرض جانباً مهماً ولافتاً من جوانب الإعجاز البلاغي

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
ثقافة وفنون رواية تونسية عن «الهرب المستمر من القدر»

رواية تونسية عن «الهرب المستمر من القدر»

صدر حديثاً عن «دار نوفل / هاشيت أنطوان» رواية «رأس أنجلة» للكاتبة التونسية إيناس العباسي، وفيها تروي حكاية شقيقتين تونسيتين تهاجران لأسباب مختلفة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو

تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو

يتأمّل الكاتب والناقد المغربيّ صدّوق نور الدين العالَمَ الأدبيّ لعبد الفتاح كيليطو، الكاتب والروائيّ المغربيّ المعروف من خلال كتاب صدوق الجديد «القارئ والتأويل»

«الشرق الأوسط» (عمّان)
كتب إيمانويل تود

إيمانويل تود في «هزيمة الغرب»: أميركا وصلت إلى «العدمية»

كتب عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود، عندما كان لا يزال طالباً عام 1976 متوقعاً انهيار الاتحاد السوفياتي، وصدقت نبوءته بعد 15 عاماً.

سوسن الأبطح

إيمانويل تود في «هزيمة الغرب»: أميركا وصلت إلى «العدمية»

إيمانويل تود
إيمانويل تود
TT

إيمانويل تود في «هزيمة الغرب»: أميركا وصلت إلى «العدمية»

إيمانويل تود
إيمانويل تود

كتب عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود، عندما كان لا يزال طالباً عام 1976 متوقعاً انهيار الاتحاد السوفياتي، وصدقت نبوءته بعد 15 عاماً. من حينها بقي اسم هذا الأكاديمي مرتبطاً بقراءته المبكرة للأحداث. هذه المرة أطلق من خلال كتابه «هزيمة الغرب»، الذي صدر في فرنسا، منذ ما يقارب السنة، نبوءةً جديدةً، وهي أن «روسيا لن تُهزم» في حربها مع أوكرانيا، عكس كل ما كان يتردد في الإعلام، وشرح أن الغرب في مرحلة انحدار سريع، ونكران، لا بل في طور «العدمية» وفقدان القيادة، مما ينذر بالأفول.

هذه الآراء الجريئة، جعلت مؤلّف تود «هزيمة الغرب» يتصدر الكتب الأكثر مبيعاً، ويثير نقاشاً واهتماماً في أوروبا وأميركا، حيث ترجم إلى مختلف اللغات، وجلب لصاحبه من القراء والمعجبين بقدر ما حصد من عداوات. وصفته «نيويورك تايمز» بأنه «الأكاديمي الرؤيوي»، وكتابه «فريد من نوعه»، فيما رأت مجلة «لوبوان» الفرنسية أنه «كتاب يهزّ اليقينيات».

حسناً فعلت «دار الساقي» أن ترجمت الكتاب إلى العربية، في وقت تطالب فيه أميركا الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأن يوقع اتفاقاً يقر بالهزيمة. فهل بدأت توقعات تود بالتحقق من جديد؟

الكتاب ليس تحليلاً سياسياً، ولا قراءة لخبير عسكري، بل بحث أكاديمي علمي صرف، كما يصرّ صاحبه، رافضاً تسميتها بالتوقعات، لأنها مبنية على دراسة وتحليل لتركيبة الهياكل العائلية في المجتمعات، على مدى نصف قرن من الزمان. ومن بين ما يأخذه بعين الاعتبار بيانات الخصوبة في كل بلد، والتعليم، ومتوسط الأعمار، وانتشار الأمراض، ومستوى الخدمات الصحية، وحركة المجتمع التي تشكل المحرك الحقيقي للشعوب ولسياساستها بعد ذلك.

وتود مؤرخ وأنثروبولوجي من أصل يهودي مجري، تلميذ نجيب لعالمي الاجتماع الكبيرين ماكس فيبر وإيميل دوركهايم، لا يدعي الإصلاح ولا إعطاء النصح، بل تطبيق مناهج أساتذته القديمة المعروفة، بشكل صارم وجدي، ومن ثم قراءة النتائج.

وقد وصل إلى نتيجة مفادها أن أميركا تحوّلت إلى «إمبراطورية عدمية»، ولم تعد أمة وبلداً له حدوده الواضحة، بل اختلط الداخل بالمصالح الخارجية بشكل يهدد كيان الدولة. وأصبح الاقتصاد مرهوناً بالآخرين، والعجز التجاري كبيراً، ويتصاعد بسرعة. منحنى الانحدار بدأ منذ منتصف ستينات القرن الماضي. والحمائية التي تنشدها أميركا اليوم، سببها انعدام المركزية الثقافية وفقدان القيادة الأمينة لماضيها، وتاريخها وتقاليدها. وهو ما بدأنا نرى الكثير من تجلياته في أوروبا أيضاً.

ويعتقد الكاتب أن الإصلاح صعبٌ، إن لم يكن مستحيلاً، بسبب عمق الأزمة. وهو يعلن باستمرار أنه رجل لا ديني، لكنه لا يستطيع أن يهمل كدارس اجتماعي الدور الذي لعبه الدين، خصوصاً البروتستانتية في التأسيس لنهضة الحضارة الغربية. ويفرد لذلك مساحة شارحاً أن حرص البروتستانتية على قراءة الإنجيل والتفقه الديني من قبل أتباعها، كان وراء انتشار التعليم في أوروبا وتشييد المؤسسات المعرفية. وهو ما يفسر الدور الذي لعبته ألمانيا وإنجلترا وأميركا في بناء النهضة الصناعية الغربية. ويلفت إلى أن ماكس فيبر عدَّ أن البروتستانتية هي التي منحت الرأسمالية ديناميكيتها. بالتالي فإن العامل الديني الذي كان أحد عناصر تأجيج المعرفة العلمية، فقد وهجه اليوم.

أما من يصلون إلى السلطة في أميركا، فهم وإن كانوا بروتستانت، فإنهم فقدوا جذور القيم البروتستانتية. ويصل تود إلى حد اعتبار أن «البروتستانتية أصبحت بمستوى صفر». صحيح أن أميركا تتمتع بنظام وقوة عسكرية هائلين، لكنها بلا قيادة مركزية وقيم توجهها، وتلك هي المشكلة. أي أنها قوة ضاربة فقدت بوصلتها.

ومن بين الأمور الرئيسية التي يعدُّها سبباً في تقهقر الغرب غروب الأخلاقيات ذات الجذور الدينية، وهو ما تسبب بحالة من الضياع القيمي عند الناس. الإحساس بالفراغ لم يُملأ، وأحدث خلخلة اجتماعية. ويلفت كأنثروبولوجي متعمق إلى أن التركيز على مسألة التحول الجنسي، واعتبار أنه يمكن تحويل الرجال إلى نساء والعكس، خلق حالة غير واقعية، وشكل نهاية للمسيحية محركاً أخلاقياً في المجتمعات الغربية، بعد أن كانت جميعها بحلول عام 2015 قد شرعت زواج المثليين بقوانينها.

«أؤمن بالبرغماتية الأنجلوساكسونية، وكنت أظن أن هذه المجتمعات ستصحح مسارها ولكن بالعكس الأمر يتفاقم»، يقول تود: «لفتني ليس فقط وضع الغرب ككل. ولكن ما حدث في ولاية ترمب الأولى التي لم تكن ناجحة، كذلك (بريكست)، وقد تأتت عنه نتائج سيئة. بلدان غربيان رئيسيان يعانيان أزمات كبرى، وهناك في المجتمعين انتصار ساحق للعموم على النخب».

عناصر كثيرة، يوضح من خلالها تود أن الأزمة هي في الغرب وليست عند روسيا التي تلقى عليها الاتهامات في حربها مع أوكرانيا. «الغرب ليس مستقراً، لا بل مريض، ويعاني من أزمة يشغل موقعاً مركزياً فيها. فوزنه، سواء الديموغرافي أو الاقتصادي يفوق وزن روسيا، من سبع إلى عشر مرات، كما أن تقدمه التكنولوجي، وسيطرته الآيديولوجية والمالية الممتدة من عام 1700 يقودنا نحو افتراض أن أزمة الغرب هي أزمة العالم».

أما روسيا، في المقابل، فهي دولة استرجعت توازنها، وتبذل ما في وسعها من أجل الحفاظ عليه. الغرب وقع في فخ هذه الحرب وخسرها ليس بفعل قوة روسيا، بل بسبب انحداره التدريجي الذي بدأ منذ وقت طويل. على عكس الدول الغربية في روسيا زاد معدل الأعمار، كذلك ارتفعت نسبة الخصوبة، بعد أزمة التسعينات، هناك تحسن واضح في كل المؤشرات الروسية.

فمنذ بداية حكم بوتين إلى عام 2000، انخفض معدل الوفيات بسبب الكحول من 25 في المائة إلى 8 في المائة، والانتحار من 39 إلى 13، والقتل من 28 إلى 6. أما بالنسبة لمعدل وفيات الرضع، فقد انخفض من 19 في الألف إلى 4.4. وهو أفضل من المعدل الأميركي. ومع أن عدد سكان روسيا هو نصف عدد سكان الولايات المتحدة، فإنها تنتج ضعف كمية القمح، فيما أميركا، تعتمد على الخارج في معظم قدرتها الإنتاجية. ومن الأرقام اللافتة أن 23 في المائة من الروس في التعليم العالي يدرسون الهندسة، مقابل 7 في المائة في الولايات المتحدة، وهو ما ساعد الأولى على تحقيق تطور مذهل في مجالي الزراعة والصناعة.

يرفض الكاتب فكرة أن روسيا لها أطماع توسعية خارج حدودها التاريخية، ويعتبر أن الشعب الروسي سيادي، وهمه استقلاله، والحفاظ على حدوده. فكيف لشعب لا تتجاوز نسبة الخصوبة لديه 1.5 لكل امرأة أن يكون غازياً وطامعاً في التمدد؟ وكيف لبلد عدد سكانه 144 مليون نسمة، يعيشون على مساحة 17 مليون كم مربع، أن يفكروا بالتوسع، ولديهم كل هذه الأراضي الشاسعة، التي يحتاجون حمايتها والحفاظ عليها. لذا فإن كل الكلام الغربي الذي يضخه الإعلام للتخويف من روسيا هو نوع من الفانتازيا لا بل فكرة سخيفة ، ليس أكثر. وللتدليل على ذلك يشرح كيف أن روسيا هي التي أرادت التخفف من الدول التي التحقت بالاتحاد السوفياتي، وأن التخلص منها ومنحها استقلالها كان إحدى الغايات الروسية، خصوصاً بولندا التي شكلت حملاً ثقيلاً.

يرى تود أن الغرب وقع في فخ حرب أوكرانيا وخسرها ليس بفعل قوة روسيا بل بسبب انحداره التدريجي الذي بدأ منذ وقت طويل

في مطلع الكتاب يتحدث تود عن مفاجآت عديدة للحرب الأوكرانية - الروسية، بينها أن أوروبا التي اعتبرت نفسها بعيدة عن الحرب أصبحت جزءاً منها، ثم أن الصمود العسكري الأوكراني أذهل الروس فعلاً. لكن الذي أذهل العالم أجمع هو الصمود الاقتصادي الروسي، في مواجهة عقوبات كان يفترض أن تركّع الروس، لكنهم عكس ذلك استطاعوا أن يتكيفوا مع العقوبات بشكل كبير، واستعدوا سلفاً للاستقلالية في المجال التكنولوجي وحتى المالي، بحيث إن العقوبات المصرفية الكبيرة لم تنل منها كما كان متوقعاً. أما إحدى أهم المفاجآت فجاءت من أميركا حين ظهرت تقارير مصدرها البنتاغون عام 2023 تقول إن الصناعة العسكرية الأميركية تعاني عجزاً، وأنها لا تتمكن من تأمين القذائف لحماية حليفتها. أما الصدمة الكبرى للغرب، فكانت عدم تجاوب دول الجنوب مع مطالب أميركا لخنق روسيا. بل على العكس فإن الغرب وجد نفسه في عزلة عن العالم، الذي لم ير بارتياح كل الإجراءات العدائية التي اتخذت ضد روسيا.

أما في نهاية الكتاب، فيشرح بالتفصيل كيف سيقت أميركا، ووقعت في الفخ الأوكراني. ويعدُّ أن سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991 على عكس الادعاء الغربي لم يكن بسبب هزيمة روسيا فقط، بل لأن أميركا كانت لم تعد قادرة على المواجهة. وبما أن الجميع صدق الكذبة، خصوصاً الغرب، فقد استمرت أميركا في مغامراتها التوسعية من العراق إلى أفغانستان، فيما كان الفقر والوفيات يتفاقمان في الداخل. وبينما كانت الولايات المتحدة تتخبط في حروبها، تركت الصين تُنهك الصناعة الأميركية، وكانت روسيا تتعافى.

ويرى الكتاب أن الحمائية الأميركية لا يمكن أن تنجح، «لأن أميركا ضعيفة جداً صناعياً. فهي لا تنجح في تطوير صناعة بديلة للواردات. ولم تعد العمالة الماهرة موجودةً لديها». وحتى نوعية الأسلحة الأميركية إذا ما دخلت حرباً حقيقيةً مع الصين مثلاً، فلربما لا تصمد طويلاً. إذ ماذا تفعل حاملات الطائرات الأميركية التي تستعرض في المتوسط أمام الصواريخ الصينية الفرط صوتية، ألم تجعلها بالية وغير قادرة على الدفاع عن تايوان؟

حرب غزة التي ينتهي بها الكتاب، يعتقد تود أنها «كانت مفيدة لأميركا كي ينسى العالم أنها تخسر في أوكرانيا، ولكي تنسى هي نفسها ذلك».

أما الخلاصة السوداء التي يوصلنا إليها، فيتركها مفتوحةً بوسع ضبابية المشهد لأن «الحالة السوسيولوجية صفر لأميركا، تحول دون أي تنبؤ متعقل بالقرارات الأخيرة التي سيتخذها قادتها». لذلك ينصحنا تود بالتالي: «دعونا نبقى يقظين، لأن العدمية تجعل كل شيء، كل شيء على الإطلاق ممكناً».