مسارات النظر النقدي الغربي ومناشئ السرد الشرقية

مسارات النظر النقدي الغربي ومناشئ السرد الشرقية
TT

مسارات النظر النقدي الغربي ومناشئ السرد الشرقية

مسارات النظر النقدي الغربي ومناشئ السرد الشرقية

«كيف يمكن لكتابة سردية لم يمض على التجريب في قالبها سوى وقت قصير، وتصير فجأة جنساً مستقلاً له أصول خاصة وقواعد محددة؟!»، بهذا التساؤل يفتتح كتاب «الأقلمة السردية مخابرها الغربية - مناشئها الشرقية» للباحثة نادية هناوي، الصادر حديثاً عن «مؤسسة أبجد للترجمة والنشر». ويستكمل الكتاب حلقات مشروع هناوي في الأقلمة الذي بدأته بكتاب «أقلمة المرويات التراثية»، ثم «الأقلمة السردية من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر».

وجهت المؤلفة مسعاها في كتابها الجديد نحو تتبع ما أنتجته مخابر الدرس السردي العالمية من فكر نقدي، والهدف هو الإفادة منه في الكشف والاستدلال على ما في السرد القديم من نظام، وما في هذا النظام من تقاليد. وترى المؤلفة أن تتبع هذه التقاليد هو الطريق لفهم الكيفيات التي بها تمت أقلمة تلك التقاليد في السرد الأوروبي بعد أن تغلغلت فيه، وما طرأ عليها من تحوّل بعد ظهور جنس الرواية، ثم ما قام به منظرو السرد الروائي من تفسيرات، وما قدموه من مفاهيم، بها وجّهوا هذا التجنيس توجيهاً نقدياً خاصاً، بدءاً من مطلع القرن العشرين وانتهاءً عند العقدين الأولين من هذا القرن. وهم يتوزعون بين ثلاث فئات: فئة منظري الرواية وفئة منظري السردية وفئة منظري علم السرد.

وتطرح المؤلفة في كتابها الذي يقع في بابين يضمان سبعة فصول، إشكالية عدم إقرار النقاد الغربيين بوجود تقاليد سردية راسخة وسابقة بزمن بعيد، بل عندهم أن الروائي الأوروبي جرب في الفراغ أموراً لم يسبقه السابقون إليها. وهو ما ترفضه قوانين الإبداع ونظرية المحاكاة، فالسرد نشاط ذو حلقات موصولة لا انقطاع فيها، وما مارسه الإنسان في الماضي الغابر يمكن له أن يستعيده في الواقع الحاضر.

ومما تناقشه د. هناوي في الباب الأول من الكتاب توصلات مخابر الأقلمة السردية في الغرب، فترى أن علم السرد البنيوي قصر في موضوعاته ومناهج أبحاثه، وصار هدفاً لمشروع سردي جديد، معه توسعت النظرية السردية. واتجهت إلى التعامل مع تخصصات أخرى والتداخل معها، الأمر الذي سمح بتطوير منظورات المدرسة الأنجلوأميركية، بدءاً من عام 1998 وفيه نشأ علم سردي جديد يختلف من ناحية التعدد والتوازي والتداخل عن سابقه.

ومن المفكرين الذين تناولتهم المؤلفة بالدراسة الأميركي ديفيد هيرمان الذي رسم خريطة سردية تكشف عن الفارق بين تطوير الشكلانيين وتطوير النقاد الجدد. فما من منهج تفسيري أو مدرسي في السرد، وإنما هي حقول ذات صلات تتطور وتتداخل. ولقد جُمعت تلك الاشتغالات والاهتمامات في موسوعة هي الأولى من نوعها في نظرية السرد، أطلق عليها «موسوعة روتلدج».

وتشير د. هناوي إلى أن مسارات النظر النقدي الغربي في سعيها إلى تطوير آفاقها تشهد نزوعاً قوياً وواضحاً باتجاه تعميق الفكر النظري، فمناهج النقد الأدبي التي يمتد تاريخها إلى أكثر من قرن تظل بحاجة إلى الابتكار والتجريب في الأبنية الأدبية بوجه عام، والأبنية السردية بوجه خاص ومختلف.

ويؤشر الكتاب في بابه الثاني مناشئ السرد الشرقية ودور اللاواقعية في بناء النظام السردي القديم. ومن الإشكاليات التي يناقشها: أصول السرد من أين أتت؟ وما طبيعتها؟ وهل تكون الواقعية هي أصل السرد؟ وما علاقتها باللاواقعية؟ وكيف أن الحكاء في العصور الغابرة قد أدرك ذلك بحدسه الفطري، على أساس أن العالم غريب وغير مفهوم، والمنطق الوحيد لفهمه هو أسطرته وتخريفه.

ومما تراه المؤلفة أن السرد الأوروبي سار على اللاواقعية، ثم أضاف إليها خطاً واقعياً متسقاً معها، وهو ما عرفته أعمال القصاصين الأوروبيين في الحقبة الكلاسيكية، وجرب بعضهم البناء الواقعي على قاعدة اللاواقعية، الأمر الذي ساعد في الاهتداء إلى أجناسية الرواية، لكن النهج الواقعي أخذ يزداد مقابل خفوت النهج غير الواقعي، فصارت الواقعية هي الأساس في تمثيل الواقع الموضوعي كتجارب إنسانية معيشة وتصورات جمالية عميقة أو متواضعة العمق. وغدت الواقعية هي النظام، والنظام هو الواقعية، وأن أكثر الروايات واقعية هي أكثرها استقراراً في نظامها، بيد أن الرواية في مرحلتها ما بعد الحداثية خلخلت هذا الاستقرار فاستعادت اللاواقعية.


مقالات ذات صلة

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

كتب دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

يضم الكتاب مجموعة من البحوث والدراسات الأكاديمية وموضوعات وقراءات تتعلق بالجانب الاجتماعي - الاقتصادي

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
كتب بعض واجهات المكتبات

موجة ازدهار في الروايات الرومانسية بأميركا

الصيف الماضي، عندما روادت ماي تنغستروم فكرة فتح مكتبة لبيع الروايات الرومانسية بمنطقة فنتورا بكاليفورنيا

ألكسندرا ألتر
كتب الرواية الخليجية... بدأت خجولة في الثلاثينات ونضجت مع الألفية

الرواية الخليجية... بدأت خجولة في الثلاثينات ونضجت مع الألفية

يتناول الناقد والباحث اليمني د. فارس البيل نشأة وجذور السرد الإبداعي في منطقة الخليج وعلاقة النص بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة

رشا أحمد (القاهرة)

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق
TT

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

صدر حديثاَ للباحث د. هاشم نعمة فياض، كتاب بعنوان «موضوعات اجتماعية - اقتصادية معاصرة مع التركيز على حالة العراق»، عن دار أهوار للنشر والتوزيع في بغداد، وهو يقع في 224 صفحة.

ويضم الكتاب مجموعة من البحوث والدراسات الأكاديمية وموضوعات وقراءات تتعلق بالجانب الاجتماعي - الاقتصادي مع التركيز على حالة العراق. ويعالج الكتاب قضايا مثل نمو سكان المناطق الحضرية في العراق وآثاره الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك يتناول الكتابات الماركسية الجديدة والنمو الحضري في البلدان النامية، اللاجئون العراقيون في أوروبا: تحليل مقارن، اتجاهات الهجرة الطلابية من البلدان العربية وتحولاتها، تزايد حاجة أوروبا للعمالة المهاجرة، العلاقة بين الخصوبة السكانية ومكانة المرأة في المجتمع، العراق مثالاً، وجفاف الدلتا في العراق وآثاره.

ومن المواضيع الأخرى صعود الليبرالية الجديدة وسقوطها، والعلاقة بين الديمقراطية والتنمية، والتعافي الاقتصادي بعد الجائحة، وعصر التنوير والجغرافيا، والجغرافيا والثقافة، وغيرها.

ويقول المؤلف إن هذه الموضوعات كُتبت أو تُرجمت في أوقات مختلفة، وارتأى جمعها في كتاب واحد لتكون في متناول الباحثين والقراء عموماً.

يركز الباحث على تحليل تطور نمو سكان الحضر في العراق زمانياً ومكانياً، ويمهد لذلك بخلفية نظرية تخص التحضر الهامشي وعلاقته بتوسع النظام الرأسمالي، ويتناول توزيع سكان الحضر على مستوى المحافظات، ويحلل مكونات النمو الحضري خصوصاً الهجرة الريفية - الحضرية إلى المدن الكبيرة مثل بغداد، ومدى مساهمتها في تضخم عدد سكانها، ويدرس الهجرة القسرية، ويتوقف عند التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن نمو سكان الحضر وما أفرزته من مشكلات كبيرة على مستوى أزمة السكن، خصوصاً السكن العشوائي والفقر والبطالة، ومساهمة ذلك بعد عام 2003 في تغذية الموقف السلبي من قبل الشباب تجاه الأحزاب الدينية والسياسية الحاكمة، وعلاقة ذلك باندلاع «انتفاضة تشرين 2019»، كما يعالج إشكالية هيمنة المدن الكبيرة على الشبكة الحضرية ونتائجها.

وبالنسبة إلى هجرة العراقيين يذكر الباحث أن هناك كثيراً من الأسباب المتشابكة التي تقف وراء موجات هجرة العراقيين القسرية في مراحل مختلفة من تاريخ العراق. ولعل أبرز الأسباب يكمن في فشل الدولة العراقية الحديثة والخلل في بناء الدولة - الأمة، وعدم الاستقرار السياسي نتيجة تعاقب الأنظمة المستبدة الفاقدة للشرعية التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، وإقامة نظام الحزب الواحد المتمثل في حزب البعث وانتهاجه سياسات القمع السياسي والفكري والتبعيث القسري والتمييز القومي والديني والمذهبي والمناطقي، والحروب الداخلية والخارجية التي ساهم هذا النظام في اندلاعها، وكذلك احتلال العراق في عام 2003 وما تبعه من تفكك مؤسسات الدولة وإقامة نظام يتبنى المحاصصة الطائفية والإثنية، وشيوع ظاهرة الإرهاب والفساد وارتفاع معدلات البطالة وتدني الخدمات الأساسية، مما دفع آلاف العراقيين وخصوصاً الشباب، إلى طلب اللجوء لأوروبا خاصة.