معرض الشارقة للكتاب ينطلق وسط مشاركة 1.5 مليون عنوان

تكريم الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني شخصية العام الثقافية

الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة خلال إلقاء كلمته في افتتاح معرض الكتاب (وام)
الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة خلال إلقاء كلمته في افتتاح معرض الكتاب (وام)
TT

معرض الشارقة للكتاب ينطلق وسط مشاركة 1.5 مليون عنوان

الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة خلال إلقاء كلمته في افتتاح معرض الكتاب (وام)
الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة خلال إلقاء كلمته في افتتاح معرض الكتاب (وام)

انطلقت، اليوم، فعاليات الدورة الـ42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يقام تحت شعار «نتحدث كتباً»، وذلك بمشاركة أكثر من 2033 ناشراً من 109 دول، منها 1043 دار نشر عربية، و990 دار نشر أجنبية، تعرض أكثر من 1.5 مليون عنوان. ودشّن الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المعرض الذي يقام حتى الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

اللغة العربية

وأكد حاكم الشارقة، خلال كلمة ألقاها في حفل افتتاح المعرض، أن اللغة العربية هي اللغة الأصل لكل لغات العالم، مشيراً إلى وجود بعض الأمور غير الصحيحة تاريخياً في دراسة اللغات واللسانيات في العالم، التي يجب أن يتم تصحيحها، وهو ما سيشتمل عليه «قاموس لغات العالم» الذي سيصدر لاحقاً، وذلك ضمن جهوده وبحوثه العلمية في تاريخ اللغة العربية لحمايتها ونشرها، متناولاً أهمية المعجم التاريخي للغة العربية. وتحدث الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عن أبرز ما جاء في المعجم التاريخي للغة العربية، وقال: «أُطلق عليه اسم (المعجم التاريخي للغة العربية)، ويعرض تاريخ هذه اللغة منذ بداياتها؛ حيث تمرّ بك الأحداث والوصف في كل شيء، في الشعر والأدب وغيرهما... وهذا المعجم لا يكشف فقط عن الكلمة ومعناها وإنما يقدم وصفاً شاملاً».

المعجم التاريخي

ولفت إلى الجهد الكبير الذي يُبذل لتنفيذ المعجم التاريخي، مستعرضاً مقارنة حول القاموس اللغوي لمملكة السويد الذي عمل عليه 137 شخصاً لمدة 140 سنة، وكان نتاجه 39 مجلداً و33 ألف صفحة، بينما المعجم التاريخي للغة العربية يعمل عليه 500 من العلماء والمدققين والمحررين وعلى مدى 6 سنوات سينهون 110 مجلدات وعدد صفحاته 81 ألف صفحة. وأشار حاكم الشارقة إلى أنه يعمل في الوقت الحالي على مشروع جديد يستفيد منه العالم أجمع، وقال: «أنا الآن أقوم على قاموس جديد اسمه (لغة العالم)، وهي كلها مصدرها واحد، ونعطي اسماً لهذه اللغة التي وضعناها في 110 مجلدات ونقول من أين أتت هذه التسمية لها؟ قيل إن هذه اللغات متشابهة، منها الحبشية والبابلية والعبرية، ولو أخذنا هذه اللغات وقارناها نجد أن الكلمات مشتركة، وأن الفعل هو الأساس في الجملة لأنه مركز الجملة، وقالوا تسميتها اللغات السّامية. من أين أتوا بهذه التسمية؟ فتسميتها الصحيحة لغة آدم»، لافتاً إلى أنه تناول قصة هذه التسمية بشكل كامل في كتابه «تاريخ عمان من الاستيطان البشري»، وداعياً العلماء إلى عدم تداول هذه التسمية.

شخصية العام الثقافية

وكرم حاكم الشارقة، الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني، شخصية العام الثقافية في المعرض لهذه الدورة، كما كرّم الفائزين بـ«جائزة الشارقة للترجمة» (ترجمان) في دورتها السابعة، التي تمنحها «هيئة الشارقة للكتاب» للإصدارات المترجمة من اللغة العربية إلى أي لغة أخرى؛ حيث نال جائزة دار النشر سويسرية (يونون فيلسغ Unionsverlag) عن ترجمة رواية «طوق الحمام» للكاتبة السعودية رجاء عالم الصادرة في طبعتها العربية الأولى عن دار النشر المغربية (المركز الثقافي العربي). من جهته، ألقى أحمد العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، كلمة تناول فيها التطورات والمنجزات التي حققها معرض الشارقة الدولي للكتاب، وقال إن «المعرض يستضيف أكثر من نصف بلدان العالم، من خلال الناشرين والعارضين الذين يمثلون 109 دول عالمية، ما يؤكد أن المعرض انتقل خلال السنوات الماضية من حاضر في المشهد، إلى صانع وقائد يمتلك رؤية ويعرف في أي الاتجاهات يمضي بالثقافة العربية والعالمية».

السعادة

من جانبه، ألقى الكاتب والروائي إبراهيم الكوني كلمة بمناسبة تكريمه بشخصية العام الثقافية، وتحدث الكوني عن أن السعادة لا تعتمد على نوع العمل الذي يقوم به الإنسان، ولكن على مدى إتقانه وحبه للعمل، وأضاف: «لأن الرهان ليس على جنس العمل، ولكن على مدى القدرة على إتقاننا فيه، بحيث يستعير هذا العمل مؤهّلاً رساليّاً، يجعله جديراً بلقب ما نسمّيه (الواجب)». من جانبه، قال يون شون هون، رئيس جمعية الناشرين الكوريين: «اختارت كوريا شعار (خيال بلا حدود) لتعبر عن رسالتها وروحها الثقافية التي تسعى إلى تحويل المستحيل إلى شيء ممكن وإلى عالم من الابتكار والسلام».



«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس
TT

«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس

يطيح «كتاب وخنجر: هكذا أصبح الأكاديميون وأمناء المكتبات الجواسيس غير المتوقعين في الحرب العالمية الثانية» للباحثة الأميركية إليز غراهام بالنموذج التقليدي الذي غلب على أذهان الجمهور حول شخصيّة الجاسوس عميل الاستخبارات، والتي تكرّست عبر مئات الروايات والأفلام السينمائيّة والمسلسلات التلفزيونيّة على مثال «جيمس بوند» - بطل روايات الكاتب البريطاني إيان فلمنغ - فيقدّم من خلال سيرة أربع من عملاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) - كان نواة تأسيس وكالة الاستخبارات الأميركيّة لاحقاً - الذين لم يأتوا من خلفيات أمنية أو عسكريّة، ولا حتى من أقسام الفيزياء والتكنولوجيا بالجامعات الأميركية والبريطانية المرموقة - كما كان الحال في مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية، بل من أقسام الأكاديمية النظريّة في الأنثروبولوجيا والتاريخ واللغات، فكأنما تضع «أقل الناس لمعاناً في العالم، في المهنة الأكثر بريقاً في العالم»، على حد تعبير المؤلفة.

تعود بدايات هذه العلاقة غير المتوقعة بين العلوم النظريّة ووكالات الجاسوسية إلى أيّام الحرب العالميّة الثانية، التي دخلتها الولايات المتحدة دون جهاز استخبارات مدني كما كان الحال في بعض أمم أوروبا - تأسس جهاز الاستخبارات البريطاني في عام 1909 – إذ اعتمدت دائماً لجمع المعلومات الاستراتيجية والحساسة من العالم على جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الأميركي.

على أن الحاجة إلى نهج جديد يوسع دائرة جمع المعلومات لما وراء الإطار العسكري بدت ماسة بعد اندلاع الحرب على البر الأوروبي في 1939 مع غزو ألمانيا لبولندا، فعمد الرئيس فرانكلين روزفلت إلى تكليف المحامي البارز ويليام دونوفان بتأسيس ما سمي وقتها بمكتب الخدمات الاستراتيجية الذي استمر في نشاطه عامين بعد انتهاء الحرب عام 1945 ليخلفه في مهماته وكالة الاستخبارات المركزية من 1947 والتي تعد اليوم أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم على الإطلاق.

غلاف الكتاب

وتقول غراهام إنّ تصور دونوفان عن جهاز مدني للاستخبارات تمحور حول بناء منظومة لجمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها للوصول إلى استنتاجات ذات فائدة، مما يحتاج إلى مهارات احترافيّة في التعامل مع المعلومات والأرشيف إلى جانب أساسيات العمل الميداني، ولذلك استقصد البحث عن مهنيين متخصصين من عالم الأكاديميا والسعي لتجنيدهم كعملاء.

كان أساتذة الجامعات وأمناء المكتبات وخبراء الأرشيف منجماً غنياً للمواهب التي يمكن أن تلعب دور الجاسوس المفترض ببراعة: أذكياء ويمكنهم التعلّم بسرعة، يحسنون التعامل مع المعلومات، ومعتادون على العمل المضني، ويتسمون عادة بالتحفظ في سلوكياتهم، مما يسهل ذوبانهم في الأجواء من حولهم دون لفت الانتباه، ومنهم بنى دونوفان أول شبكة تجسس أميركيّة محترفة في الفضاء المدنيّ.

تتبع غراهام في «كتاب وخنجر» دونوفان بينما يتصيد هذه المواهب في أروقة الكليّات النظريّة للجامعات الأميركيّة، وتضئ على قصص أربع منهم ممن تم تجنيدهم بأسلوب أدبي رفيع يمزج بين حقائق التاريخ ورومانسيّة الدراما، لتكون الولادة الأولى للجهد الاستخباراتي الأميركي في أجواء من الرّفوف المديدة من الكتب ورائحة الورق، وصناديق الوثائق والبحث عن معلومة في كومة من البيانات بعيداً عن الأنظار بدلاً من الصورة التلفزيونية لمطاردات العميل رقم 007 بالسيارات الرياضيّة الفارهة، والقفز من الطائرات، وترك المغلّفات للعملاء في نقاط الالتقاط. وبالنسبة للمؤلفة فإن كتابها بمثابة تذكّر لهؤلاء الكوادر الذين ساعدوا الولايات المتحدة على كسب الحرب، وتالياً مد مظلّة الهيمنة الأميركيّة على العالم لعقود.

الشخصيّات الأربعة التي اختارتها غراهام لسرد هذه المرحلة كانوا لدى تجنيدهم قد سلكوا في حياتهم خطوطاً مهنيّة أكاديمية في عدد من جامعات النخبة عندما تحدث إليهم موظفون فيدراليون لطلب مساعدتهم في المجهود الحربيّ. جوزيف كيرتس كان يدرّس اللغة الإنجليزية في جامعة ييل، وأديل كيبري أستاذة تاريخ العصور الوسطى في جامعة شيكاغو والخبيرة بعبور الأرشيفات وأقسام المحفوظات، وكارلتون كون أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة هارفارد، وأيضاً شيرمان كينت الباحث الملحق بقسم التاريخ في جامعة ييل.

تلقى المجندون الأكاديميون الجدد تدريبات مكثّفة على أساليب الخداع، ومراوغة المطاردين وطرائق التشفير وأساسيات القتال الفردي، ويبدو أنهم لم يجدوا صعوبة في التقاط هذه المهارات الجديدة، لكن الجزء الأصعب كما لاحظ مدربوهم كان تعليمهم نسيان خلفيّة اللياقة والتهذيب التي قد تمنعهم من ضرب الخصم تحت الحزام أو استغلال نقاط ضعفه.

أرسل بعدها كيرتس وكيبري تحت غطاء مهمّة أكاديمية لشراء الكتب من دور النشر المحليّة. كيرتس إلى إسطنبول - التي كانت تمور بالجواسيس من كل الدّول - وكيبري إلى استوكهولم - للبحث في مكتبات دولة محايدة عن مواد ألمانية قد تكون ممنوعة من التوزيع في مناطق أخرى من أوروبا: مثل الصحف والمجلات، والصّور، والخرائط.

أكوام المواد الأوليّة التي جمعتها كيبري كانت بحاجة إلى تنظيم وتحليل، وتلك كانت مهمة أوكلت لكينيث، الذي قاد فريقاً من المحللين تولى مثلاً تحديد مواقع المطارات ونقاط توزيع الكهرباء ومحطات السكك الحديدية ومكاتب التلغراف على امتداد الأراضي الفرنسيّة للعمل على منع قوات الاحتلال النازي من الانتفاع بها، وفي الوقت ذاته تحديد مبانٍ ومساحات قد يتسنى للحلفاء الاستفادة منها عند الحاجة لإنشاء مستشفيات ميدانيّة ونقاط ارتكاز.

وتقول غراهام إن فريق كينت نجح مستفيداً من الخرائط السياحيّة وأدلة الأعمال التي أرسلتها كيبري في تحديد مواقع معامل تنتج مكونات أساسيّة لصناعة أسلحة المحور والتي استهدفها الحلفاء بالتخريب بشكل ممنهج. أما كون فيبدو أنّه لم يكن مفيداً كثيراً خلال فترة الحرب، وكانت أفضل فكرة له كما تقول غراهام هي إخفاء العبوات الناسفة في أكوام الفضلات التي تتركها البغال على جوانب الطرق.

عاد هؤلاء الأكاديميون إلى جامعاتهم بعدما وضعت الحرب أوزارها: كيرتس استعاد وظيفته أستاذاً في جامعة ييل، واستأنفت كيبري عملها في عبور المجموعات الأرشيفية المغلقة التي تحتفظ بها الحكومات ومراكز البحث وجهات ذات حيثية مثل الفاتيكان. أما كينت فلم يعد يجد نفسه في عالم الأكاديميا، فالتحق بعد عدّة سنوات بوكالة الاستخبارات المركزية وأسس مجلتها البحثية الداخلية، «دراسات في الاستخبارات»، فيما تورط كون في نشر نظريات أنثروبولوجيّة ذات نفس عنصري ما لبثت أن فقدت قيمتها العلميّة خلال الخمسينيات فخسر سمعته وانتهى إلى الإهمال.

وتقول غراهام إن هذه البدايات المشجعة للتقاطع بين عالمي الكتاب والخنجر جعلت من مجموعة جامعات النخبة الأميركيّة - التي تسمى برابطة اللبلاب - بمثابة مزارع مفتوحة لاستقطاب المواهب المميزة إلى العمل الاستخباراتي، وهو الأمر الذي لا أحد ينكر أنه مستمر إلى الآن.