عايدة فهمي... صفحة مجهولة من نضال المرأة المصرية

أول نقابية نجحت في تحقيق مطالب الحركة النسائية

عايدة فهمي... صفحة مجهولة من نضال المرأة المصرية
TT

عايدة فهمي... صفحة مجهولة من نضال المرأة المصرية

عايدة فهمي... صفحة مجهولة من نضال المرأة المصرية

يتضمن كتاب «عايدة فهمي - امرأة من طراز خاص» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب شهادة نادرة لأول امرأة نقابية بالقطاع الصناعي في مصر، ويسلط الضوء على صفحة مجهولة من نضال المرأة في سياق نضال أشمل؛ وذلك في سعيها لانتزاع حقوقها في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، فضلاً عن نيل الاستقلال من المحتل البريطاني. وكانت «فهمي» قد أدلت قبيل وفاتها عام 2005 بتلك الشهادة، والتي تركز على نضالها النقابي دون التطرق لحياتها الشخصية، لمؤلفة الكتاب الباحثة انتصار بدر.

وتشير الكاتبة والناقدة فريدة النقاش في تقديمها للكتاب إلى أن ما نقرأه في هذه السيرة الغنية، ليس فقط حكاية عايدة فهمي النقابية وإنما هو أيضاً حكاية وطن ومجتمع على نحو يؤكد لنا كيف أن السير الذاتية والأدب هي مصادر بالغة الثراء لمعرفة أي مجتمع ودراسته والتقاط عناصر التحولات كبيرها وصغيرها، وليست مصادفة أن يلجأ كبار علماء الاجتماع والمفكرون إلى تلك السير والإبداعات بكونها مصادر أولية لدراستهم.

وُلدت عايدة رياض فهمي القشلاوي في 1918 بمنطقة «وسط البلد» بالقاهرة. آمنت بقضية المرأة وحقوقها بعيداً عن الشعارات أو السياسة، ونذرت حياتها الشخصية للنضال في العمل حتى التحقت في 1949 بنقابة «موظفي شركة شل - آبار الزيوت الإنجليزية - المصرية» التي أصبحت حالياً شركة «النصر للبترول». وهي المرة الأولى التي تتقدم فيها امرأة للعمل النقابي بشركات الإنتاج الصناعي الكبرى. ولم تقف عند هذا الحد، بل واصلت تقدُّمها مواقع نقابية أخرى بقطاع البترول كانت مغلقة تماماً على الرجال مثل اتحاد عمال البترول والنقابة العامة للبترول، إلى أن وصلت لعضوية المجلس الاستشاري الأعلى للعمل عام 1956 لتصبح أول امرأة تفوز بعضويته منذ تأسيسه عام 1933. واستطاعت أيضاً الانتقال بمطالب الحركة النسائية في حقوق متساوية للعاملات إلى حيز التنفيذ وإقرارها بشكل رسمي في عقد العمل الجماعي بشركتها وفي لائحة خدمات الصندوق الطبي بها قبل إقرارها في قوانين العمل.

ولم يقف نشاط عايدة فهمي عند حدود العمل النقابي، بل إنها تقدمت لانتخابات مجلس الأمة 1957 التي شاركت فيها، لكن لم يحالفها التوفيق. وعلى المستوى النقابي، أكدت وجودها على الساحة بأداء رفيع المستوى، حيث اتصفت بالكفاءة والحنكة والقدرة على حشد القوى العاملة في القضايا المصيرية، والقدرة على إدارة الأزمات بذكاء حاد وكسب المعارك بكل ما يمتلكه النقابي من أوراق سواء عبر التفاهم الودي والتفاوض أو النزاع القانوني وانتهاء بالتلويح بالإضراب. كل ذلك أكسبها احترام زملائها في العمل ومنحها موضعاً متميزاً داخل الحركة النقابية الوحيدة آنذاك. كما استطاعت عبر هامش الحماية القانونية والانحياز النسبي للعمال الذي أتاحه مجلس قيادة الثورة في أوائل الخمسينات الانتقال بنقابتها إلى وضع أفضل من حيث الموارد والتفاف الجمعية العمومية حول النقابة، ونجحت في فترة توليها منصب السكرتير العام لنقابة «موظفي شل آبار الزيوت» في رد الاعتبار لنقابتها وتحييد النزعة الانفصالية التي ألصقها بها مؤرخو الحركة العمالية وإعادة الروح التضامنية لها بخاصة في القضايا المصيرية للعمال.

لم تقف جهود عايدة فهمي عند حدود المهام النقابية، بل انطلقت إلى تحقيق آمال العمال في الحصول على الرعاية الصحية عبر تجربة جماعية للنقابات أوائل الخمسينات لفتت انتباه القيادة السياسية آنذاك لأحد أهم مطالب الطبقة العاملة وهو التأمين الصحي والمعاش الدائم.

وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه لا يوثق لتجربة عايدة في العمل النقابي وحسب، لكنه أيضا يوثق لمرحلة من مراحل تقدم المرأة إلى العمل خلال عمليات التمصير إبان فترة الانتداب البريطاني على مصر وسيطرة الأجانب على الاقتصاد المصري واحتكارهم له ولأغلب الوظائف الحكومية ووظائف الشركات الأجنبية والمرافق الحيوية.



«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»
TT

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون. يحمل الكتابان العنوانين «حكايات من العراق القديم»، و«ملوك الوركاء الثلاثة»، وترجمهما الإعلامي والكاتب ماجد الخطيب، المُقيم في ألمانيا. وسبق أن نُشر الكتابان في لندن سنة 2006، وجذبا انتباه القراء بصياغتهما المعاصرة التي «تُقدم النصوص الرافدينية القديمة بشكل جذاب إلى جمهور واسع خارج دائرة المؤرخين والباحثين المتخصصين»، حسب رأي الشاعر الراحل سعدي يوسف في حوار معه بمجلة «بانيبال».

صدر الكتابان في طبعة أنيقة، بالورق المصقول، وغلافين ملونين، حافظا على تصاميم ورسومات وصور الكتابين الأصليين؛ تحقيقاً لرغبة الكاتبة فران هزلتون.

تُقدم لنا الباحثة في الكتابين حكايات وأساطير من العراق القديم؛ يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 4000 سنة. هي قصص نقلها الخبراء الإنجليز عن الألواح الطينية المكتوبة بالحروف المسمارية مباشرة من الأرشيف البريطاني الخاص ببلاد ما بين النهرين.

تكفي نظرة إلى عدد الأساتذة الذين أسهموا في ترجمة هذه النصوص من المسمارية إلى الإنجليزية، عن الألواح الطينية القديمة، لمعرفة الجهدين، الأدبي والفني، الكبيرين اللذين بذلتهما فران هزلتون في كتابة هذه النصوص، وتنقيحها وردم الثغرات في بعضها.

واعترافاً بهذا الجهد، قدَّمت المؤلفة شكرها في مقدمة الكتاب إلى قائمة من الأساتذة هم: البروفسور ثوركيلد جاكوبسون، والدكتور جيرمي بلاك، والدكتور غراهام كننغهام، والدكتورة إليانور روبسون، والدكتور غابور زويومي، والدكتور هرمان فانستفاوت، والبروفسور أندرو جورج، والدكتورة ستيفاني دالي والبروفسور بنجامين ر.فوستر.

يحتوي الكتاب الأول «حكايات من العراق القديم» على 13 حكاية وأسطورة سومرية وأكدية، تكشف للقارئ كثيراً من جوانب الحياة في بلاد الرافدين في تلك الأزمنة الغابرة، وتوضح لنا كيف كان الناس يعيشون، وعلاقتهم بالآلهة، وجوانب تفصيلية من الحياة الروحية والثقافية في أور ونيبور وأرتاتا وأريدو وكيش وشوروباك... إلخ.

كتبت الباحثة في تاريخ العراق القديم، ستيفاني دالي، في مقدمة الكتاب قائلة: «تخبرنا هذه الحكايات بالكثير عن المجتمع في ميزوبوتاميا في بواكيره الأولى. يحكم الملك الجالس على عرشه في القصر بصولجان يرمز إلى سلطته، ويبعث رسله للحوار حول صفقات تجارية، تعززهم تهديدات باستخدام القوة. كان الملوك والآلهة ما انفكوا يقيمون على الأرض، لأنهم لم ينسحبوا بعد إلى السماء، وكانت شهيتهم -وغضبهم ومتعتهم بالطعام والشراب، ورغباتهم وغرورهم- مماثلة لمثيلاتها بين الفانين، رغم أن معبوداً فقط قادر على تقرير مصائر المدن، والتصرف بصفته راعياً للملك في هذه المدينة أو تلك».

يتناول الكتاب الثاني قصص ملوك الوركاء الثلاثة إينْمركار ولوغالبندا وجلجامش؛ أي الجد والأب والحفيد. تحكي قصة إينمركار كيف أن هذا الملك أخذ حفنة من الطين النقي في يده وعجنه على شكل لوح، ثم سطر عليه رسالته إلى أينسوغريانا ملك مدينة أرتاتا الواقعة في الجبال القريبة (ربما إيران). هي أول إشارة في الأدب المكتوب إلى «كتابة رسالة»، ويعتقد العلماء، لهذا السبب، أن الكتابة اكتشفت في زمن هذا الملك.

ومن اللافت أيضاً في الكتابين التماثل الغريب بين بعض هذه الحكايات وحكايات «ألف ليلة وليلة»، رغم الفارق الزمني الكبير بين الاثنين. موضوعات السحر والآلهة، والسرد على لسان الطير، والطيران على ظهر نسر ومؤامرات النساء والخدم... إلخ. وتسرد إحدى القصص يوم نزول إنانا (عشتار) إلى الأرض، وقضاء ليلتها مع الملك، ومن ثم تصف الموكب الذي يجتاز شارع الموكب وبوابة عشتار، على هذا النحو:

«يظهر في البداية الفتيان الوسام، الذين يزينون شعورهم المصففة بالأطواق، ثم تأتي العجائز الحكيمات، فترافق الملك أكثرهن حكمة في موكب إنانا، ثم يأتي الطبالون يقرعون الطبول بعصي مقدسة، ويستعرضون في الموكب لإنانا. ثم يأتي الجنود بسيوفهم وحرابهم المشرعة يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذين عباءاتهم بوجهين أحدهما أنثوي والآخر ذكري، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذي يتنافسون في الدوران والالتفاف والمناورة بمباخر من كل الألوان، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي الأسرى مقيدين بأطواق العنق الخشب ينشدون نشيدهم، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم تأتي بنات المعابد بشعورهن المتوجة، يستعرضن في الموكب لإنانا، ثم يأتي الكهنة يرشون الدم يميناً ويساراً من خناجر مغموسة بالدم، يستعرضون في الموكب لإنانا».

بأسلوب سلس؛ يجمع بين الفكاهة والمفارقة، يُقدم الكتابان حكايات وأساطير من تاريخ العراق القديم، شكّلت جذباً لجمهور واسع من القراء خارج دائرة المؤرخين والمختصين.

يشار إلى أنه بالتعاون مع جمعية «ZIPAG» سردت فيونا كولينز وتارا جاف وبديعة عبيد هذه القصص في كثير من الأمسيات التي أقامتها جمعية «إنهدوانا» في بريطانيا. وترى الناقدة ستيفاني ديلي، من معهد الاستشراق البريطاني، أن هذه الحكايات السومرية تمتعت بالقدرة على إسعاد قراء العصر الحديث بفكاهاتها ومفارقاتها ورؤيتها البراغماتية لأفعال الخالدين والفانين، التي يشتبك فيها الخير والشر. وتتساءل: كانت استجابة الجمهور الحديث مدهشة، رغم فارق العصور والثقافات الهائل، كيف يمكننا تفسير هذا التعاطف الذي يتجاوز كل الحدود؟ تكمن بعض الأجوبة في الثيمة الأساسية، التي تتعلق بالحياة والموت المُعبر عنها في الاستعارة الأسطورية؛ حيث تجسد الآلهة قوى الطبيعة، مثل الخصوبة والعقم والدهاء والغباء.

كتبت فران هزلتون في مقدمة الكتاب أن النسخة الأولى من «حكايات من العراق القديم صدرت سنة 2006، وكانت إشادة بأسلافنا الثقافيين المشتركين: قصصيي العراق القديم. ستسهم هذه الطبعة، كما أتمنى، في الإشادة ليس بحكواتيي العراق القديم فحسب، وإنما أن تصبح أيضاً أداة بيد الذين ارتضوا تحدي أن يصبحوا ساردي حكايات رافدينية حديثين».