الهوة الواسعة بين التأصيل النظري للشرعة الحقوقية وتطبيقها العملي

«العرب وثقافة حقوق الإنسان في عالم متغيّر» لعبد الله تركماني

الهوة الواسعة بين التأصيل النظري للشرعة الحقوقية وتطبيقها العملي
TT

الهوة الواسعة بين التأصيل النظري للشرعة الحقوقية وتطبيقها العملي

الهوة الواسعة بين التأصيل النظري للشرعة الحقوقية وتطبيقها العملي

صدر عن الشركة البريطانية للنشر (Ltd Kutub-e)، كتاب بعنوان «العرب وثقافة حقوق الإنسان في عالم متغيّر (الواقع والطموحات في سوريا)»، أهداه المؤلف، الدكتور عبد الله تركماني، للناشطة السورية المجهولة المصير رزان زيتونة، مع إشارته لاختطافها وزملائها الثلاثة سميرة الخليل وناظم الحمادي ووائل حمادة، وتغييبهم قسرياً منذ ديسمبر (كانون الأول) 2013.

يزيد الكتاب على 200 صفحة من الحجم المتوسط، ويتضمّن مقدمة وأربعة فصول. ويُشير المؤلف في مقدمته إلى كونية حقوق الإنسان، المولودة من تلاقح الثقافات الكبرى والكفاح التاريخي للبشرية ضد أشكال الظلم، تتيح تمتّع أي إنسان بهذه الحقوق بغض النظر عن دينه، أو عرقه، أو لونه، أو جنسه وجنسيته، أو أي اعتبار آخر.

وفي مطلع الفصل الأول «حقوق الإنسان في عالم متغير»، أعاد المؤلف التأكيد على كونية الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، بعد دراسته الوثائق والمواثيق الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان. وناقش خلال هذا الفصل، معيارية حقوق الإنسان في قياس تقدُّم الدول، مع أهم التحديات التي تواجه تفعيل مواثيق حقوق الإنسان، ومنها أسبقية الأمن والنظام على ما سواهما من الحاجات الإنسانية، مع رهن قضايا حقوق الإنسان لأولويات السياسة الدولية، مستشهداً على ذلك بجريمة الصمت الدولي على استخدام نظام الأسد في سوريا السلاح الكيماوي ضد الأبرياء والمدنيين في الغوطة الشرقية بريف دمشق صيف عام 2013، مشيراً إلى الهوة الواسعة بين التأصيل النظري الملموس للشرعة الحقوقية وبين التطبيق العملي لها. كما ناقش خلاله، دور المجتمع المدني العالمي في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، الذي أضحى عاملاً مهماً ومؤثراً في المجتمع الدولي، لا سيما أنه يعمل وفق شبكة تضامنية وطنية وإقليمية وعالمية.

وفي الفصل الثاني، المعنون «العرب وثقافة حقوق الإنسان»، أشار المؤلف إلى كتابات رواد النهضة العربية الحديثة في هذا المجال، التي كانت متفاعلة مع ما يشهده العالم الغربي في هذا المجال، مع فاعليتها فيه ضمن حدود البنية الثقافية العامة وتفاعلاتها مع البنيتين السياسية والاقتصادية؛ إذ إنّ الشرعة الحقوقية لم تكن حكراً على الغرب، بل وجدت في الحضارات الأخرى، ومنها العربية - الإسلامية، ولعل تفوّق الغرب الحالي فيها، كما يرى، وتجذيره لها في المؤسسات والمجتمعات الغربية، مرده لفارق الانطلاقة التاريخية لكل من مشروع الحداثة الأوروبي ومشروع النهضة العربية، مشيراً خلال هذا الفصل إلى ضعف شرعية أغلب الحكومات العربية، وإلى فقدان النخب الحاكمة لمعنى المسؤولية وتفرّدها بتقنين معايير القيادة ومهامها.

ويتحدث المؤلف في هذا الفصل عن المعوقات النابعة من الهيكل القانوني والتشريعي في الأقطار العربية، وضعف البنية الثقافية - الاجتماعية، بوصف ذلك من أهم المعوّقات لتطور حقوق الإنسان في العالم العربي. فالارتباط بين الهيكل القانوني الوطني والشرعة الحقوقية الدولية ضعيف وظاهر في الدول العربية، مع تخمة منظومة القوانين الوطنية بالقوانين الاستثنائية، التي تتناقض مع ضمانات الشرعة الحقوقية الدولية، بالإضافة لتمدد سلطات أجهزة الدولة، ما أثّر سلباً على المهام الرقابية لمؤسسات الدولة، لا سيما القضائية والبرلمانية والإعلامية، خاتماً حديثه، في هذا الفصل، عن مقدمات الربيع العربي، وأن انتهاك حقوق الإنسان، بما تتضمنه من اعتقال أصحاب الرأي والتعذيب والقتل خارج القانون، بالإضافة للفساد والمحسوبية والهيمنة على القضاء والتفاوت الطبقي واختطاف الثروات الوطنية وتراجع التعليم والتنمية وتعثر الإصلاح وانسداد الأفق السياسي، أسباب كافية لاندلاع الثورات العربية، إلا أن نتائج انتقالها إلى البر الديمقراطي غير مضمون، إذا قصرت وظيفتها على إسقاط النظام فقط، دون الذهاب إلى تغيير بنية الثقافة السياسية، مع إحداث تغيير جذري في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وفي الفصل الثالث، واقع «حقوق الإنسان في سوريا»، يُشير المؤلف إلى عدم تقادم حقوق الإنسان، ما يعني إمكانية محاسبة مرتكبي الجرائم مستقبلاً، بعد الخذلان الحالي لهم من قبل المجتمع الدولي. وبعد إيراده أهم التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا المعاصرة، والمنظمات الحقوقية السورية، ينوه المؤلف بأنّ الدستور السوري بإشارته إلى المنظومة العالمية لشرعة حقوق الإنسان، يغيّبها على أرض الواقع، من خلال اختزال مؤسسات الدولة بشخص وقرارات ورغبات رأس النظام، القائم على أحادية السلطة. وعليه، فإنّ أزمة حقوق الإنسان في سوريا، باتت، إلى جانب كونها مشكلة ثقافية واجتماعية، مشكلة تشريعية وقانونية، وتقابلها مسألة الضمانات اللازمة لتفعيل النصوص الدستورية أو القانونية في حال إقرارها، في ظل كم التحديات التي واجهت وتواجه مسيرة تطورها، بدءاً من قانون الطوارئ إلى غياب الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتغوّل الأخيرة على السلطتين الأوليين، وإخضاعهما لمعايير سياسية وأمنية في مجال التعيين أو الترشّح إلى إحداهما، مع وجود قائمة طويلة من القوانين الوطنية المتعارضة مع مبادئ الشرعة الحقوقية، إلى جانب انعدام حق التعبير وتأسيس الأحزاب والجمعيات، بالإضافة لكم هائل من انتهاكات يندى لها الجبين مورست بحق السوريين قبل عام 2011، أما بعد عام 2011، فقد ذكر أهم الانتهاكات التي مارسها النظام وبعض فصائل المعارضة.

وفي الفصل الرابع والأخير «حقوق الإنسان في سوريا بعد التغيير» يورد المؤلف السيناريوهات المحتملة في سوريا ووضعية حقوق الإنسان فيها، لينتقل بعدها للحديث عن المعوقات المعترضة لحقوق الإنسان في سوريا الجديدة، التي تتمحور حول آثار ديمومة الاستبداد لأكثر من خمسين عاماً، وغياب الثقافة الديمقراطية والحقوقية لأغلب أحزاب المعارضة، والبنى التقليدية للمجتمع السوري، وما ترسّخ فيه من موروثات تقليدية معيقة، مع اهتزاز ثقة السوريين بالشرعة الحقوقية والمجتمع الدولي، والآثار التي خلّفتها سنوات الثورة، بالإضافة للمعوقات الذاتية والموضوعية لمنظمات حقوق الإنسان السورية.

وكان د. تركماني قد نشر كتباً عدة في هذا المجال، منها: «جدل التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي (1995)»، و«أضواء كاشفة على الثورة السورية المغدورة (2023)»، و«العرب وحقوق الإنسان في عالم متغيّر/الواقع والطموحات في سوريا (2023)». كما أسهم في نشر 28 كتاباً جماعياً

* كاتب سوري



دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق
TT

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

دراسات اجتماعية - اقتصادية مع التركيز على العراق

صدر حديثاَ للباحث د. هاشم نعمة فياض، كتاب بعنوان «موضوعات اجتماعية - اقتصادية معاصرة مع التركيز على حالة العراق»، عن دار أهوار للنشر والتوزيع في بغداد، وهو يقع في 224 صفحة.

ويضم الكتاب مجموعة من البحوث والدراسات الأكاديمية وموضوعات وقراءات تتعلق بالجانب الاجتماعي - الاقتصادي مع التركيز على حالة العراق. ويعالج الكتاب قضايا مثل نمو سكان المناطق الحضرية في العراق وآثاره الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك يتناول الكتابات الماركسية الجديدة والنمو الحضري في البلدان النامية، اللاجئون العراقيون في أوروبا: تحليل مقارن، اتجاهات الهجرة الطلابية من البلدان العربية وتحولاتها، تزايد حاجة أوروبا للعمالة المهاجرة، العلاقة بين الخصوبة السكانية ومكانة المرأة في المجتمع، العراق مثالاً، وجفاف الدلتا في العراق وآثاره.

ومن المواضيع الأخرى صعود الليبرالية الجديدة وسقوطها، والعلاقة بين الديمقراطية والتنمية، والتعافي الاقتصادي بعد الجائحة، وعصر التنوير والجغرافيا، والجغرافيا والثقافة، وغيرها.

ويقول المؤلف إن هذه الموضوعات كُتبت أو تُرجمت في أوقات مختلفة، وارتأى جمعها في كتاب واحد لتكون في متناول الباحثين والقراء عموماً.

يركز الباحث على تحليل تطور نمو سكان الحضر في العراق زمانياً ومكانياً، ويمهد لذلك بخلفية نظرية تخص التحضر الهامشي وعلاقته بتوسع النظام الرأسمالي، ويتناول توزيع سكان الحضر على مستوى المحافظات، ويحلل مكونات النمو الحضري خصوصاً الهجرة الريفية - الحضرية إلى المدن الكبيرة مثل بغداد، ومدى مساهمتها في تضخم عدد سكانها، ويدرس الهجرة القسرية، ويتوقف عند التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن نمو سكان الحضر وما أفرزته من مشكلات كبيرة على مستوى أزمة السكن، خصوصاً السكن العشوائي والفقر والبطالة، ومساهمة ذلك بعد عام 2003 في تغذية الموقف السلبي من قبل الشباب تجاه الأحزاب الدينية والسياسية الحاكمة، وعلاقة ذلك باندلاع «انتفاضة تشرين 2019»، كما يعالج إشكالية هيمنة المدن الكبيرة على الشبكة الحضرية ونتائجها.

وبالنسبة إلى هجرة العراقيين يذكر الباحث أن هناك كثيراً من الأسباب المتشابكة التي تقف وراء موجات هجرة العراقيين القسرية في مراحل مختلفة من تاريخ العراق. ولعل أبرز الأسباب يكمن في فشل الدولة العراقية الحديثة والخلل في بناء الدولة - الأمة، وعدم الاستقرار السياسي نتيجة تعاقب الأنظمة المستبدة الفاقدة للشرعية التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، وإقامة نظام الحزب الواحد المتمثل في حزب البعث وانتهاجه سياسات القمع السياسي والفكري والتبعيث القسري والتمييز القومي والديني والمذهبي والمناطقي، والحروب الداخلية والخارجية التي ساهم هذا النظام في اندلاعها، وكذلك احتلال العراق في عام 2003 وما تبعه من تفكك مؤسسات الدولة وإقامة نظام يتبنى المحاصصة الطائفية والإثنية، وشيوع ظاهرة الإرهاب والفساد وارتفاع معدلات البطالة وتدني الخدمات الأساسية، مما دفع آلاف العراقيين وخصوصاً الشباب، إلى طلب اللجوء لأوروبا خاصة.