رواية «المرقّش» للسعودي صالح اليامي توّظف الذكاء الصناعي

نجح الباحث والروائي السعودي صالح بن عايض اليامي، في توظيف إحدى أعظم قصص العشق والحبّ العذري بنهايتها المأساوية وفصولها الممتلئة بالدراما والحزن والتأسي على الذات، بشكل روائي، مع إعادة توظيف خوارزميات الذكاء الصناعي لتكوين أقرب صورة للحقيقة من خلال سيرة «المرقّش» أحد أبرز شعراء الجاهلية وأحد أبطال حرب البسوس.

حملت الرواية عنوان «المرقّش»، وصدرت قبل أيام عن دار «نينوى» للدراسات والنشر، وهي هذه الرواية الثامنة لليامي وسبقتها: «أرملة مهندس»، و«شآبيب»، و«الغياف»، و«كفانا حزناً»، و«قيادة الأفكار تعلمك القيادة»، و«رقصة الهرداء»، و«مذهب الأمل 2022».

ومن المعروف، أنه اختلطت في سيرة «المرقّش» البطولة والعشق والشعر بعد أن حرمه عمه عوف من حبيبته أسماء، وتزويجها من رجل من مراد (قرن الغزال) في غيابه، والادعاء بأنها ماتت. وبعد أن اكتشف الحقيقة رحل إلى نجران، مثلما يقول حفيده طرفة بن العبد:

فَلَمّا رَأى أَن لا قَرارَ يُقِرُّهُ

وَأَنَّ هَوى أَسماءَ لا بُدَّ قاتِلُه

تَرَحَّلَ مِن أَرضِ العِراقِ مُرَقِّشٌ

عَلى طَرَبٍ تَهوي سِراعاً رَواحِلُ

إِلى السَروِ أَرضٌ ساقَهُ نَحوَها الهَوى

وَلَم يَدرِ أَنَّ المَوتَ بِالسَروِ غائِلُه

وكانت نهايته من خلال خيانة رفقائه، وقبل أن يداهمه الموت طلب إرسال خاتمه في وعاء من حليب مع الراعي إلى حبيبته أسماء، فعرفت أنه المرقش، الذي مات ضحية للحب والوفاء وخلد حقبة من الزمان إلى الأبد.

قصة «المرقّش» تثري الخيال مع تقاطع العديد من الشخصيات في تلك الحقبة، فالمرقش يقع في أسر المهلهل، وابن شقيقه عمرو بن قميئة، وكذلك عمرو بن سعد المرقش الأصغر صاحب بنت المنذر، وكذلك طرفة بن العبد، وامرؤ القيس، الذي أخذ عمرو بن قميئة في رحلته إلى بيزنطة.

أعاد صالح اليامي في «المرقّش» سرد التاريخ من خلال توظيف خوارزميات الذكاء الصناعي، كما ذكرنا، للوصول إلى أقرب صورة للحقيقة في عهد ما قبل الإسلام، ومحاولة تصحيح سير الشخصيات وترابطها الزمني في ذلك الزمن. إنها رواية تسرد التاريخ من منظور شامل تكاملي، وكأنها تقول إن الحقائق ليست مكتملة إلا بتفكيكها وإعادة بنائها بكل تجرد، والحق لا يمكنه أن يجادل الباطل، ولا توجد بينهما جدلية مشتركة، والحب جسر ممتد لا يمكن لأحد هدمه ولكنه قائم على التضحية العظمى.

ضمت الرواية شخصيات عدة، منها «مسعد» الذي يقوده الفضول للسقوط في حفرة التاريخ، فغاص في أعماقها حد الثمالة، كأنما «ضرب على مسامعه»، فلم يفق من نومه رغم كافة محاولات المستشفى والأطباء وبكاء شقيقه على رأسه أشهراً. كان في سكرة العشق العذري. لقد أسكره المرقش بعشقه لأسماء، أثناء بحثه عن سر عشقه لمدينه نجران، فوجد أن هناك من سبقوه، (أحببت حب الخير)، مما جعل «سعيد» يأخذ على عاتقه البحث عن حل، بمساعدة صديقه «سالم»، المتخصص في قراءة الدماغ البشري بتقنية الرنين المغناطيسي، وبتوجه من رأس الحكمة والمعرفة «أبو صالح».

هؤلاء قاموا ببناء آلة مدعومة بالذكاء الصناعي تعيد سرد أحداث التاريخ والحروب، وتقوم بتهيئة وتوظيف كافة المعلومات في الإنترنت لتستلهم الماضي وتعيد بناءه، وكانت الشخصية الرئيسية هي المرقش عمرو بن سعد البكري، الذي كان موضوع بحث مسعد قبل غيبوبته، والغاية كانت لأجل معرفة السبب وراء غيبوبة مسعد الذي لا يريد الإفاقة.

وبناء على نصيحة أبو صالح، فإن الآلة إذا اكتشفت الفكرة التي يفكر فيها ربما يتم التواصل معه.

كانت حقبة المرقش صفيحاً ساخناً في عالم العرب: قباذ والمزدكية، المنذر بن ماء السماء وحروبه مع الغساسنة ومطاردته ملوك كندة، أوج الخلافات المسيحية والاختلاف على طبيعة المسيح، النساطرة واليعاقبة، توافق شمعون الأرشمي والمرقش في مجلس المنذر أثناء وصول وفد ملك حمير ذو نواس ليخبرهم بمحرقة نجران وقصة الأخدود، جدلية الخلافات ومن يقف وراءها، الشعر وقيادته للفكر ودور يهود طبرية في تأجيج الفتن والسيطرة على إنشاد الشعر في الحانات ونشره لبث الفرقة وتأجيج الفتن، ودور يهود طبرية في محرقة نجران وحادثة الأخدود، والحوار الخالد بين ذو نواس والقديس الحارث بن كعب.

ولم يفق إلا بعد قرع كلمات المرقش في أرجاء نجران يرددها شقيقه سعيد، حيث أخذ سعيد يردد الشعر دون وعي منه، وكان الأكثر تأثيراً على نفسه وأسلسلها وأقربها للنفس:

أغالبك القلب اللجوج صبابة

وشوقاً إلى أسماء أم أنت غالبه

يهيم ولا يعيّا بأسماء قلبه

كذاك الهوى إمراره وعواقبه

وسرى الرعب في أوصال «سعيد» وهو يسمع «مسعد» يكمل القصيدة:

وأسماء هم النفس إن كنت عالماً

وبادي أحاديث الفؤاد وغائبه

من أجواء الرواية، نقرأ هذه المقاطع المؤثرة:

«كانت الرحى ينبعث منها صوت مبحوح حزين كأنما هي أم تئن على جوع أبنائها وموتهم الواحد تلو الآخر ولا حيلة لها، إلا الصبر، لم تكن لتركع أو تتوانى أمام أهوال هذه الدنيا.

تنبع رائحة القمح المهشم على الصخر لتنثر رائحة عطرية مزيجاً من الشهوة والحياة.

هل تعلم أسماء إلى أي مكانة أرفعها؟

إن الزهر يتنفسها، إن همساتها كامنة في نشيد الرعاة،

من شدة شوقي إليها يتجسد منها طيف في الهواء، فتنبع النسائم الباردة على الوجه العطشى، كأنما خلقت تزين الكون وأنا أتألم ليشفق علي الحجر فيوحي إلى من حوله بأن أنشدوه له قصيدة تعالج جراحه المثخنة لعله يسلى قليلاً فينبثق من روحه مجد للكلمات.

إن المعذب هو أم كل مجد للكلمات، كلما كان الصمود والصبر كلما كان الجذب للخلد أشد.

إنني وإن كنت عاشقاً

إلا أن الحياة أوسع من كائن

لا يمكننا رؤيتها إلا به

ولكن الرؤية ليست كل شيء

الصورة تنبت في الروح العامرة

لتلد كوناً أفسح

وحياة عطافتها أجمح

لكنني قد ألفت أن توقد ناري أسماء

ومع الزمن آمنت بها كآلهة لناري

وتعد هذه الرواية الثامنة ضمن مؤلفات صالح اليامي وسبقتها: «أرملة مهندس»، و«شآبيب»، و«الغياف»، و«كفانا حزناً»، و«قيادة الأفكار تعلمك القيادة»، و«رقصة الهرداء»، و«مذهب الأمل 2022».