تستعيد «رواية بقايا يوم صيفي» للكاتبة الآيرلندية كريستين دوير هيكي قصة حياة الفنان التشكيلي الأمريكي إدوارد هوبر (1882 - 1967)، لذلك يمكن تصنفيها بأنها رواية سيرة ذاتية بامتياز. وفازت الرواية بجائزة «والتر سكوت» للرواية التاريخية 2020، وصدرت نسختها العربية حديثاً بترجمة هند عادل، عن دار «العربي» للنشر بالقاهرة.
تقودنا الرواية بأسلوب سردي سلس لمتابعة مسيرة الرسام الأمريكي الشهير إدوارد هوبر، الذي هرب من حياة المدينة إلى الشاطئ البعيد في «كيب كود» بولاية «ماساتشوستس»، لكي يحاول أن يرسم ويخرج طاقته الفنية من جديد ومعه «جو» زوجته الفنانة التي تغار منه وعليه، و دائماً تعيش داخل قوقعتها التي ملأتها باليأس من عدم قدرتها على التأقلم معه. يقابلان «كاثرين»، المرأة الجميلة التي كتب لها القدر حياة أليمة يملؤها المرض، لكنها بروحها الحالمة تجذب انتباه إدوارد وتلهمه فينجذب إليها أكثر، وتظل الزوجة تعاني من غيرتها الشديدة.
تروى السيرة من خلال عيني طفل صغير غريب الأطوار يعاني مشكلة في التأقلم مع مجتمعه الجديد، اسمه «مايكل»، ألماني الجنسية ومن أيتام الحرب، وهو يقضي الصيف مع العائلة الأمريكية الغنية حيث ترسله أمه بالتبني إلى هناك بالقطار وتوصيه بالكثير، وأهم الوصايا هي ألا يتحدث الألمانية أمام الآخرين. وتغريه باللعب مع «ريتشي» الفتى الغني المدلل الذي تربيه أمه الجميلة وجدته وعمته، والذي مات والده في الحرب، لكنه لم يتقبل بعد فكرة الحياة من دونه كما لا يتقبل «مايكل»، الذي جاء دخيلاً على حياته. على هذه الخلفية يتقابل الطفلان مع الفنان وزوجته اللذين يعيشان بعيداً.
و يعد «هوبر» رساماً واقعياً يصور المشاهد العادية من حياة المدن وتجسد لوحاته الفنادق والقطارات والناس الوحيدين مجهولي الهوية في المدن الكبرى، والعزلة والصمت واغتراب الإنسان في المدينة، معتمداً على التلاعب بالمساحات والضوء والظل واللون لخلق بعد درامي. واستوحى الفنان الشخصيات الأنثوية في لوحاته من زوجته «جوزفين نيفيسون»، التي كانت زميلته في مدرسة الفنون. ومن أكثر لوحاته الشعبية شهرة لوحة «صقور في الليل»، رسمها في عام 1942، وتظهر أناساً في مطعم بوسط المدينة في ساعة متأخرة من الليل، وأثرت تلك اللوحة في الفن الأمريكي حيث تمت محاكاتها وتقليدها في عدد من الأعمال الأدبية والسينمائية والغنائية والمسرحية.
يقول عنه أحد النقاد : «لقد استطاع هوبر أن يجعل من واقعيته شيئاً يفوق في جوهره أكثر اللوحات السريالية خيالاً».
أما مؤلفة العمل كريستين دوير هيكي، فهي روائية وكاتبة قصص قصيرة حاصلة على عدد من الجوائز الأدبية. و تعد «تاتي» أكثر رواياتها مبيعاً، وقد صدرت ترجمتها إلى العربية عن دار «العربي» عام 2016 واختيرت واحدة من أفضل 50 كتاباً آيرلنديا في العشر سنوات الأخيرة، كما فازت روايتها «عين النعيم باردة» بجائزة العام للرواية الآيرلندية عام 2012.
من أجواء الرواية نقرأ:
«حاول أن يسير بأبطأ ما يمكنه خلال العشب الطويل حتى يصل إلى قمة التل وعندما تأكد من أنه بعيد عن أنظارهم بدأ يجري بسرعة وكأنه لا يستطيع التوقف. كان سعيداً وفخوراً بنفسه جداً، نزل التل حتى وصل إلى الحديقة ودار بين الطاولات والكراسي والمقاعد. أخذ يركض على سلم البلكون طلوعاً ونزولاً ثم لوح لفرانك وكابتن والت الواقفين عبر الباب الكبير المفتوح. جرى إلى الحديقة الأمامية وقفز على المنصة الخشبية الصغيرة التي وضعها روبن حول الشجرة ثم رفع ذراعيه ونادى على كاثرين. لوحت له حين رأته من باب شرفتها الزجاجي فرد ذراعيه مثل أجنحة الطائرة وهو يقفز من المنصة الخشبية إلى العشب الطويل في مقدمة المنزل. أخذ يحرك ذراعيه لأعلى ولأسفل مثل أرجوحة التوازن وطار إلى خلف النزل، موازناً بين حركة ذراعه اليمنى واليسرى. رأى فرانك يقف ويسير إلى البلكون ليشاهده، طار بين الأشجار ودار عائداً ليواجه المنزل ثم طار نحوه مباشرة. نبض قلبه بقوة حتى شعر بحركة كل نقطة دماء وهي تضغط عل جلده من الداخل. أراد أن يحيط البيت بذراعيه وأن يفرك وجهه في الشرفات والنوافذ والجدران وكل لوح خشب وقطعة زجاج فيه. أراد أن يدفن أنفه في عشب الحديقة ويأكله وكأنه حصان لأنه في هذه اللحظة يحب البيت وكل ما فيه، ريتشي وأمه وصاحبتها السخيفة أنيتا. يحب كل من سيصلون إلى الحفل وكل الأشخاص البعيدين مثل هاري والخالة». يجسد هوبر في لوحاته حياة المدن الكبيرة بفنادقها وقطاراتها والناس الوحيدين مجهولي الهوية الذين
يعيشون فيها