«معرض أبوظبي للكتاب» ينطلق غداً وسط عرض أكثر من 500 ألف عنوان

النسخة الحالية تعدّ الكبرى من حيث المساحة والمشاركات... وتركيا ضيف شرف واحتفاء بابن خلدون

جانب من النسخة الماضية لـ«معرض أبوظبي الدولي للكتاب» (وام)
جانب من النسخة الماضية لـ«معرض أبوظبي الدولي للكتاب» (وام)
TT

«معرض أبوظبي للكتاب» ينطلق غداً وسط عرض أكثر من 500 ألف عنوان

جانب من النسخة الماضية لـ«معرض أبوظبي الدولي للكتاب» (وام)
جانب من النسخة الماضية لـ«معرض أبوظبي الدولي للكتاب» (وام)

تنطلق، غداً، فعاليات الدورة الـ32 من «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، بمشاركة واسعة من 1300 عارض من 85 دولة، يقدمون ما يربو على 500 ألف عنوان، في الوقت الذي عُدّت فيه هذه الدورة الكبرى في تاريخ المعرض، من ناحية المساحة وعدد المواقع الثقافية.

ووفق المعلومات الصادرة اليوم، فإن المعرض، الذي يبدأ غداً ويستمر حتى 28 مايو (أيار) الحالي - كما أن كثيراً من المواقع الثقافية يستضيف ما يزيد على ألفيْ فعالية ثقافية وأدبية ومعرفية وفنية - يشهد أيضاً مشاركة أكبر عدد من العارضين والناشرين.

وستحلّ تركيا ضيف شرف المعرض، هذا العام، حيث سيجري تقديم برنامج للتعريف بالثقافة التركية وألوانها الأدبية ومجالاتها المعرفية، ضمن جناح خاص يحتضن عدداً من الفعاليات والندوات التي تبحث التبادل الثقافي بين تركيا والعالم العربي، وسبل تعزيز الحوار بينهما، بالإضافة إلى محاضرات وجلسات تأخذ زُوار الجناح في رحلة عبر تاريخ الأدب التركي، والشعر العربي ونظيره التركي، والترجمات الأدبية بين اللغتين.

وستتضمن حوارات وندوات حول موضوعات عدة، منها «النساء تغيّر قواعد اللعبة»، و«الفلسفة للأطفال»، و«ثقافة الطهي التركية»، إلى جانب الاستماع لمؤلّفين مشهورين مثل بشير أيفاز أوغلو، ومحمد حقي صوتشين، كما يضم الجناح التركي عدداً من أبرز الناشرين والشركاء، من بينهم وزارة الثقافة والسياحة التركية، وغرفة تجارة إسطنبول.

ويحتفي المعرض كذلك بإنجازات الفيلسوف العربي، من القرن الرابع عشر، ابن خلدون، مؤسّس علم الاجتماع، باعتباره «الشخصية المحورية» لهذه الدورة، من خلال مناقشات تاريخية وفلسفية وأدبية تركّز على أعماله وتراثه.

وتضم قائمة المتحدّثين نخبة من النقّاد والأساتذة والمؤرّخين، مثل المؤرخ وعالِم الآثار التونسي الدكتور إبراهيم شبوح، الذي عُرف باهتمامه بتحقيق أعمال ابن خلدون، والفيلسوف والمفكر الدكتور أحمد برقاوي، والكاتب البريطاني أنتوني ساتين.

ويحتفي المعرض بمفهوم «الاستدامة» فكرةً محورية، لدورته الـ32، تماشياً مع إعلان دولة الإمارات عام 2023 عاماً للاستدامة، وقبيل استضافتها فعاليات مؤتمر «الأطراف» في «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)»، في نوفمبر المقبل، حيث يُخصص ندوات وجلسات حوارية حول تفعيل الاستدامة بمفهومها الشامل في شتى المجالات، مثل المناخ، والأمن الغذائي، ويبحث سبل تعزيز وعي الشباب بتحقيق التنمية المستدامة.

وتتناول الفعاليات محورين مهمين للقطاع الثقافي، هما الاستدامة في صناعة النشر، ودور المتاحف في تعزيز مفهوم الاستدامة لدى الجمهور.

وينتظر تنظيم ما يزيد على 130 جلسة في البرنامج الثقافي، إلى جانب سلسلة متنوعة من الجلسات الحوارية، والندوات، والأمسيات الأدبية والثقافية والفكرية، بمشاركة أكثر من 800 ضيف ومتحدث من أبرز الأدباء والمفكرين والرواد في مختلف المجالات.

ويتضمن البرنامج المهني 46 جلسة تسلط الضوء على أهم الموضوعات ذات الصلة بالثقافة وقطاع النشر، مثل التسويق، والترجمة، والشراكات، وصناعة المحتوى.

ويقدم المعرض أيضاً عروضاً لمختارات من أجمل الأفلام، ضمن فعاليات «سينما الصندوق الأسود»، في حين يُطلَق، للمرة الأولى، «بودكاست من أبوظبي»؛ بهدف منح الجمهور فرصة التعرف إلى نجوم مقدمي البودكاست في العالم العربي عن كثب، ومشاهدة تسجيلهم حلقاتهم مباشرة.

وتحتضن هذه الدورة حفلاً يُحييه الفنان علي الحجار في المجمع الثقافي؛ احتفاءً بالشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي، حيث يغني مجموعة من الأغاني التي جمعتهما معاً.

وبالتزامن مع «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، انطلقت، اليوم، الدورة الثانية من «المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية»، والذي يتخذ من موضوع «تطويع السرد القصصي» محوراً لفعالياته، هذا العام، بمشاركة من الناشرين والمترجمين وصُناع المحتوى وروّاد الأعمال من المنطقة والعالم، والذين يستعرضون، خلال جلسات وندوات وورش عمل على مدار يومين، أحدث التوجّهات في قطاع النشر والصناعات الإبداعية.



«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.