اغتراب ★★★2/1
إخراج: مهدي حميلي
تونس | دراما عن رجل
يبحث عن حقيقة
الحكاية نفسها مشوّقة، وكان يمكن لها أن تأتي في سياق بوليسي حول جريمة قتل لم تقنع المحقق الذي سيعيد فتح القضية. لكن المخرج اختار سياقاً مختلفاً لسرد هذه الحكاية التي لا تزال، في جوهرها الأساسي، بوليسية.
عوض المحقق الرسمي، هناك محمد (غانم زريلي) الذي يعمل في مصنع ينفث دخانه ويطلق على الدوام هدير محركاته. قضية محمد هي أن صديقه عدلي مات أثناء عمله نتيجة خطأ وقع فيه. هكذا جاء في التحقيق، لكن محمد لن يصدّق الرواية الرسمية وسيلجأ إلى استنطاق رفاق العمل ومسؤولين وكل من يعرف صديقه، بمن فيهم زوجته (مرام بن عزيزة).
هذا البحث المضني سيعرّض محمد إلى أوجه مختلفة من المعاناة النفسية والبدنية، ومردّه إلى أن صداقته لعادل كانت عاطفية. محمد سيسبر غور التحقيق بمفرده، قبل أن يبدأ بقتل من يعتبرهم مسؤولين.
عند هذه النقطة، يخفق السيناريو في منح شخصية بطله ما يلزم من أدوات إقناع. يختار السيناريو ترك محمد يفعل ما يشاء من دون تردد أو رهبة، ويضعه في مواقف عنيفة من دون تقديم تمهيد يشخص دوافعه. بطله، تبعاً لذلك، ينتقل بين الحالات المختلفة بتمثيل «مونو»، دون تعابير أو ردود فعل واضحة. لا تطوّر من حالة إلى أخرى.
إخراج حميلي ملهم. يختار أماكن تصويره بدقة، ويزيّنها بتصاميم وديكورات تنقل وحشة تلك الأماكن، سواء كانت داخلية أو خارجية. الصورة دائماً (ما عدا مشهد وصول محمد إلى مدينة أخرى) داكنة وذات لون صفراوي شاحب. الدمج بين اللقطات هادئ، كذلك أسلوب تصويره (بما في ذلك اللقطات البعيدة التي تبرز وحدة بطل الفيلم). في باطن كل ذلك، رغبة في كشف فساد إداري وتعاون بين جهات مختلفة لتحقيق الثروة، بينما يعاني العمال جراء ذلك.
بعض التطويل لم يكن ضرورياً، ولو أنه ينتمي إلى أسلوب المخرج في تشكيل فيلم فني يغلّف الحكاية بدلاً من سردها مباشرة.
FRANZ ★★★1/2
إخراج: أغنييشكا هولاند
بولندا | سيرة حياة فرانز كافكا
لمعرفة كيف يمكن لمخرج سرد حياة شخصية ما من دون ترتيب زمني متدرّج أو انتقال من مرحلة إلى أخرى، يمكن التعلّم من أغنييشكا هولاند وفيلمها الجديد حول الكاتب الذي كان محور أفلام سابقة فرانز كافكا.

طريقتها في السرد لا تنتمي إلى التقليد المتبع في أفلام بيوغرافية عديدة أخرى. تمارس نوعاً مختلفاً يبتعد عن «الكليشيهات» المعروفة ويتعامل مع السيرة الذاتية لا كقصة حياة، بقدر ما هي مناسبة فكرية وثقافية. وبقدر مماثل في الإجادة، تنبري المخرجة للتصدي لتلك المناطق المضطربة التي مر بها كافكا. في ساعتين، تسرد كل ما هو كافكاوي حياة ونتاجاً.
جزء كبير من نجاح الفيلم في توفير هذه السيرة هو تمثيل إيدان ڤايز للدور. يجمع تفاصيل الشخصية كما يوفّرها السيناريو ويترجمها إلى أداء غير مفتعل. طبعاً، لا أحد يستطيع الوثوق في كيفية تصرف كافكا، ولو أن الإجماع على لمعان فكره وموهبته مؤكد. لذلك، يعتمد أداء ڤايز على معادلة تستند إلى المتداول كما إلى ما يوفره النص من تحديث.
إنجاز المخرجة البولندية (آخر أعمالها كان عملها الممتاز «حدود خضراء») يتمثّل في أنه لا شيء يضيع وسط تلك النقلات المتسارعة بين أوجه حياة الكاتب التشيكي وزمنه وأماكن حياته. يُفعَّل ذلك بتوليف ممتاز، حيث ينتقل بين الأزمنة وبين أوجه حياة كافكا بلا كلل. اختيارات المخرجة تدفع باتجاه تجديد المعالجات المعتادة لسير الشخصيات، وتأكيد سلطتها على الموضوع بحيث لا تقع تحت عبئه.
الجانب غير الناجح في كل ذلك هو أن الفيلم يخلق حالة تشويش للبعض، ولو كان ذلك مقصوداً. كذلك، فإن بناء هولاند فيلمها بوصفه سرداً مختلفاً عن المعتاد، جعل عملها يفقد بعض العاطفة بين الفيلم والشخصية، مما يخلق مسافة بينها وبين الفيلم، وبالتالي بين الفيلم وبين مشاهديه هناك أيضاً برود في التعامل مع العمل ككل. إنه مثل إجراء جراحة ناجحة، لا مكان فيها للتعديل أو الإضافة.
لكن هذا لا يعني أن الفيلم يحمل أي ركاكة أو رداءة فنية. وعلى المُشاهد أن يسبر غور المَشاهد بعين المراقب والباحث. هناك ما يكفي من المناسبات التي نتعرف خلالها على الشخصية، وهي تنبري بصوتها الهادئ لبث عالمها من خلال عملها. أهم مشهد هو لكافكا وهو يقرأ على الحضور بعض كتاباته. إنه مشهد جيد في تنفيذه، يختلف عن مشاهد أخرى تمر بأقل مما يوفره هذا المشهد من انضباط.
ليس كل ما نراه يتعامل مع الفكر الكافكاوي بالطبع، لكن هناك ما يكفي لإدراك منهج شخص وتفكيره. هناك أيضاً اهتمام بوضعه الاجتماعي، صغيراً ثم كبيراً، عندما يقع في الحب.
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز






