شاشة الناقد: صلة الصداقة والقرابة

سوينتن ومور في «الغرفة المجاورة» (إل ديسيو)
سوينتن ومور في «الغرفة المجاورة» (إل ديسيو)
TT

شاشة الناقد: صلة الصداقة والقرابة

سوينتن ومور في «الغرفة المجاورة» (إل ديسيو)
سوينتن ومور في «الغرفة المجاورة» (إل ديسيو)

THE ROOM NEXT DOOR ★★★

«الغرفة المجاورة»... فيلم الإسباني بدرو ألمادوڤار، الروائي الطويل الأول باللغة الإنجليزية.

كان سبق له إخراج فيلمين قصيرين بالإنجليزية هما «Strange Way of Life» («طريقة غريبة للحياة»، مع إيثان هوك وبدرو باسكال)، و«The Human Voice» («الصوت الإنساني» مع تيلدا سوينتن). لكنه ارتأى هذه المرّة نوعاً من التباين عن أعماله السابقة، خصوصاً أن موضوع فيلمه يتحدّث عن امرأتين غير أسبانيّتين تؤديهما جوليان مور وتيلد سوِينتن. ليس أن الحكاية نفسها كان يمكن أن تنضم إلى أفلامه الإسبانية، لكنه، على الأرجح، رغب في العمل مع ممثلتين مرموقتين، ولم يكن من الطبيعي دبلجة حوارهما إلى الإسبانية أو لأي لغة أخرى. هذا لجانب أن الفيلم الناطق بالإنجليزية، لأي مخرج أوروبي، يتمتع بمساحة عروض أكبر، وإذا ما كان المخرج بشهرة المادوڤار فإن الاندفاع صوب موسم الجوائز بعدما اختطف جائزة أفضل فيلم في مهرجان «ڤينيسيا» أمرٌ محتم.

سوينتن في «الغرفة المجاورة» هي مارتا المصابة بالسرطان وليس لديها كثيراً من الأيام قبل أن تودّع الدنيا. تختار لصحبتها فيما تبقى لها من حياة الروائية إنغريد (جوليان مور)، صداقتهما القديمة تدفع إنغريد للموافقة. تستأجر مارتا منزلاً في الريف لكليهما على أن تعيش إنغريد في غرفة قريبة (ليست مجاورة كما يقترح العنوان).

كثير من المناجاة والعزف المادوڤاري المعهود على شخصياته النسائية. يعالجهنّ بحنانٍ ومودّة ويجعل الحوار بينهما كاشفاً عن آراء ووجهات نظر في الحياة والصداقة والعمل. لكن اهتمام الفيلم الأول، ككتابة درامية، هو موقع الموت من الحياة. كيف أنه الصدمة الإنسانية الأكبر. التحدي الذي لا ينتصر فيه أحد.

يتعرّض الفيلم لنكسة كبيرة عندما يدخل، ولو لحين في فصل تحقيق البوليس مع إنغريد بعد موت صديقتها كما لو كانت مسؤولة عن وفاتها، ثم يترك الفيلم هذا الشأن الدّخيل ويستدير لتقديم ابنة إنغريد التي لم تكن على ودٍ مع والدتها. الفيلم ينتهي بصداقة جديدة قيد النشوء بين إنغريد وتلك الابنة التي تبدو كما لو أنها تتصرّف، من دون علم، كوالدتها.

على الرغم من تفاصيل الديكور وتوفير الألوان الأساسية (أحمر، أصفر، أخضر... إلخ) وتقديم الحكاية على نحو بصري جيد، لا يرتفع الفيلم كثيراً عن مستوى أعمال أخرى لألمادوڤار. هو أفضل من فيلمه السابق «Parallel Mothers» («أمهات متوازيات»، 2011)، لكن نبرته السّاكنة، وضعف تبريره لما يقع (لا يتجاوز سرداً ما كُتب بل يمضي فيه ببعض التنوّع)، يتركان الفيلم في موقع غير مريح.

* عروض: مهرجان ڤينيسيا (2024).

NEVER LET GO ★★

الأم (هالي بَري) وولديها التوأم نولان (بيرسي داغز)، وسامويل (أنطوني ب. جنكينز) يعيشون في منزل عتيق في إحدى الغابات معزولين عن العالم في زمن ما بعد نهايته. هناك شياطين وزومبيز وثعابين في الغابة التي تحيط بهم. حين يخرجون بحثاً عمّا يأكلونه، على الأخوين استخدام حبل لأن الحبل (وهو جزء مما هو مقصود في العنوان)، سبيلهم لتفادي الخطر. إذا ما تخلوا عنه ولم يحافظوا عليه خرجت عليهم تلك الشياطين والرموز الشريرة لتؤذيهم. في ثلث الساعة الأولى نتلقّف مثالاً. أحد الشقيقين يفكّ حبله ويغار من أخيه فيدوس على حبله مسبباً سقوطه في جزءٍ مسكون من الغابة. حتى ولو كان الحبل استعارة مجازية لما يمكن تفسيره بالرابطة العائلية في زمن الخطر يبقى استخدام الحبل تفعيلة ضعيفة.

Never Let Go (تونتي وان لابس).

هذا الضعف يلتقي مع ثغرات عدّة تجعل الفيلم أوهن من أن يقف على قدمين ثابتتين. أجا (وهو مخرج فرنسي ينفّذ أفلامه في الولايات المتحدة منذ سنوات عدّة) يفتقد القُدرة على الإمساك بموضوعه وتطويره جيداً ومفاداته في أن الشّر الكامن حول هذه العائلة يريد إفساد العلاقة بين الشقيقين، تلعب دوراً مهمّاً ولو محدوداً. هو الجانب الديني الذي عادة ما نراه في أفلام الرّعب الأميركية حيث الصراع بين الإيمان وبين الشر ينتقل من فيلم لآخر بوجوه متعددة.

الشقيقان التوأم لا يُشبهان بعضهما بعضاً. أمرٌ قد لا يتوقف عنده كثيرون لكنه أهم من ألا تتم الإشارة إليه. أمّا هالي بَري فهي مثال الممثلة التي لم تعد تجد أعمالاً جيدة فتنحدر إلى مثل هذا الفيلم. أفضل منه كان «Quiet Place» لجون كرازينسكي (2018) الذي تحدّث عن عائلة في عالم وخطر شبيه لكنه صاغ عملاً تشويقياً منفّذاً بإحكام من أوله لآخره.

• عروض: تجارية.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)
يوميات الشرق صناع الفيلم بعد العرض الأول في المهرجان (القاهرة السينمائي)

مخرج مصري يوثّق تداعيات اعتقال والده في الثمانينات

يوثق المخرج المصري بسام مرتضى في تجربته السينمائية الجديدة «أبو زعبل 89» مرحلة مهمة في حياة عائلته.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين

يسري نصر الله: أفلامي إنسانية وليست سياسية

قال المخرج المصري يسري نصر الله، إنه لم يقدم أفلاماً سياسية في مسيرته سوى فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» الذي تحدث عن العيش والحرية والكرامة.

انتصار دردير (القاهرة )

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
TT

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)

يُقيم «مهرجان القاهرة» الذي بدأ دورته الـ45 يوم أول من أمس، ندوة خاصة عن المخرج والمنتج مصطفى العقاد الذي كان رحل في مثل هذه الأيام ضحية عملية إرهابية في عمّان قبل 19 سنة.

مُخرج «الرسالة»، عن نشأة الإسلام، و«عمر المختار»، عن مناضل في سبيل استقلال بلاده، كانا، ولا يزالان، أكبر إنتاجين عربيين- عالميين عرفته السينما.

المناسبة تستحق الاهتمام أولاً لإعادة التّذكير بمخرج عربي اخترق الجدار الصّامت حول تاريخ العرب والإسلام في فيلميه «الرسالة» (1976)، و«أسد الصحراء» (1980). وثانياً، لأنه المخرج العربي الوحيد الذي نجح في تحويل أحداث تاريخية عربية إلى الشاشة بنظام 70 مللم بانافيجين كما أفلام البريطاني ديڤيد لين، وفي مقدّمتها «لورنس العرب» (1962) الذي جمع ممثلين عالميين (أنطوني كوين، وبيتر أو تول، وأليك غينس، وجاك هوكينز، وكلود رينز) إلى جانب عمر الشريف وجميل راتب من مصر.

بعد عرضه الخاص في «مهرجان القاهرة» سينطلق في عروض عربية عديدة في جدّة، والدوحة، ودبي، والقاهرة والسعي جارٍ لتوسيع الرقعة عربياً وعالمياً.

مصطفى العقاد يتوسط عبد الله غيث وأنطوني كوين خلال تصوير «الرسالة» (فالكون إنترناشيونال)

خبرات ومواهب

لم يكن سهلاً على الممثلين الذين ظهروا في فيلمي العقاد تسليمَ مقادير مهنتهم آنذاك لمخرج عربي غير معروف، كلّ ما كان لديه لتقديمه - لجانب طموحه - أنه اشتغل مساعد إنتاج وإخراج في بعض المحطات التلفزيونية الأميركية. لكن العقاد فاز بالثقة سريعاً مع احتمال أن يكون الموضوعان المثاران في هذين الفيلمين عنصرَي جذب إضافي. الأول دار حول رسالةٍ (عن الدين الإسلامي) لم يتعرّف عليها الغرب في فيلم سابق، بل بقيت مودوعة في دراسات أكاديمية وكتب. الثاني ثورة ليبية ضدّ الاستعمار الإيطالي صاغها العقاد بعناية وتوازن. وراعى فيه جودة التقديم أيضاً.

«الرسالة» تم بنسختين منفصلتين واحدة عربية أمّ تمثيلها بعض أفضل الخبرات المصرية والمغاربية والسورية واللبنانية، وواحدة بالإنجليزية وكلاهما كانا نجاح عمل مدروس رغم صعوبة تنفيذه.

الفيلم الثاني حكى أن هناك ثورات أخرى وقعت خلال احتلال أجزاءٍ من العالم العربي وأن الموت الجماعي حاذى سواه ممّا حول العالم.

ما إن وقّع أنطوني كوين وإيرين باباس على العقد المبرم لهما، حتى تداعى الآخرون أمثال مايكل أنسَارا وداميان تومس ومايكل فورست.

لاحقاً، عندما خرج «الرسالة» إلى عروض عالمية شملت بلداناً عربية وغربية عديدة، حتى صار من الأسهل جذب نجوم آخرين تقدَّمهم، مرّة ثانية، أنطوني كوين في دور عمر المختار. حينها قال كوين لهذا الناقد في مقابلة: «لم أكن أعرف شيئاً عن التاريخ العربي. العقاد فتح عينيّ على هذا التاريخ المجهول بفيلميه، وبرؤية ثاقبة، وكيفية إنتاج مناسب لفيلم تاريخي كبير. بصفتي ممثلاً أرى أن كلّ شيء كان في مكانه الصحيح».

«المسألة الكبرى» (المؤسسة العامة للسينما والمسرح)

محاولات غير مجزية

لا يمكن إغفال حقيقة أن الأفلام التاريخية - الدينية العربية كان لها حضور سابق لـ«الرسالة». نتحدّث عن «واإسلاماه» للأميركي أندرو مارتون الذي أُنتج في مصر سنة 1961 وخاض بطولته كلٌ من لبنى عبد العزيز (في دور شجرة الدر)، وأحمد مظهر ورشدي أباظة ويوسف وهبي ومحمود المليجي وكاريوكا وعماد حمدي وفريد شوقي.

قبله بعشر سنوات أقدم إبراهيم عز الدين على تحقيق «ظهور الإسلام» بإمكانات محدودة مع كوكا وعماد حمدي وأحمد مظهر وسراج منير بين آخرين. ثم بعد 10 سنوات على ظهور «واإسلاماه» أنجز صلاح أبو سيف «فجر الإسلام». الذي استفاد من خبرة أبو سيف ولو أنه في النهاية بقي إنتاجاً محلياً للسوق العربية.

هناك أيضاً «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين (1963)، الذي وظّف فيه المخرج أفضل طاقاته وطواقمه ما ساهم، بجانب اسمه المعروف، في انضمام هذا الفيلم إلى باقي ما ذُكر في عالمٍ عربيٍّ كان يتطلّع إلى مثل هذه الأفلام الترويجية لموضوعاتها باهتمام كبير يناسب كل ذلك الجهد الذي شهدته هذه الأعمال.

أدركت السينما العراقية أن هناك طريقاً لإنتاجات تصبو للعالمية بموازين ونُظم إنتاج برهن العقاد أنها ممكنة. في هذا الصّدد حقّق المخرج صلاح أبو سيف «القادسية» في عام 1981 بطلب من الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية. الفيلم جاء كبير الإنتاج كما أُريد له أن يكون، ركيكاً في نواحيه الفنية، ودعائياً فيما تبقى.

مؤسسة السينما العراقية التي أنتجته كانت التفتت سنة 1980 إلى المخرج المصري الآخر توفيق صالح، وأصرّت على أن يُنجِز «الأيام الطويلة»، الذي عاد إلى تاريخٍ أقرب ليسرد جزءاً من سيرة حياة الراحل صدّام حسين.

في عام 1983 حقّق العراقي محمد شكري جميل «المسألة الكبرى» (1983) عن ثورة العراقيين ضد الاحتلال البريطاني. جلب المخرج مدير التصوير جاك هيلديارد، الذي كان عمل مع العقاد على فيلميه، والممثل أوليڤر ريد الذي كان اشترك في بطولة «أسد الصحراء»، لكن هذه الأفلام بقيت محدودة الانتشار ولم تتجاوز حدود العرض في بعض الدول العربية.

ما حدّ من انتشار هذه الأفلام عالمياً هو معضلة إنتاجات عربية كثيرة حينها، هي سطو «القضية» على المعالجة الفنية، هذا إلى جانب أن العقاد فَهِم وهضم قواعد الإنتاجات العالمية أكثر من سواه.