شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف

فيلم خارج التصنيف

شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف
TT

شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف

شاشة الناقد: فيلم خارج التصنيف

فيلم خارج التصنيف

الصف الثاني (ممتاز)

فيلم خارج التصنيف لمخرج اعتاد التميّز والاختلاف

* إخراج: حميد بن عمره (فرنسا، 2024)

هذا الفيلم هو عن «مولان روج» والتدريبات التي تسبق حفلاته. لا. هو عن الممثل الهايتي جيمي جان - لوي وراقصة المسرح كوكو جو، كما عن المخرج الأميركي لاري كلارك. أيضاً لا. هو عن فن الموسيقى، وأدب بوشكين، والقارة الأفريقية، وعن العنصرية. وربما هو عن الأدب، والموسيقى، والسينما، والتاريخ، والحاضر.

«الصف الثاني» هو كل هذه الأمور مجتمعة في فيلم درس فيه المخرج بن عمره («هاجس الممثل المنفرد بنفسه»، «كيوكو، موسم حصاد الأحلام»... إلخ) إطار كل لقطة وكل مدلول ممكن طرحه على تعدد الشخصيات التي يعرضها ويستعرض لها. يختلف هذا الفيلم عن أفلام المخرج السابقة من حيث عدد الشخصيات وتوغلها في ثقافات متعددة: فرنسية، وروسية، وأفريقية، وأميركية. ما تتحدث فيه شخصياته يمزج التجارب الخاصة بالرؤى العامّة وينتقل ما بين جوانبها الذاتية وآرائها في الثقافة والفن والسياسة.

وسط ذلك، هناك مساحة لمشاهد شعرية، وكم هو جميل ذلك المنظر للممثلة الروسية أولغا كابو، وهي تنزل البحر برداء أحمر بروية. الكاميرا تقف بعيداً ولا تتدخل واللقطة تجمع بين البحر والأنوثة والفضاء العام الذي يختزل كلامها قبل المشهد وبعده. تقرأ بوشكين كما لو كانت تقرأ اسمها أو جزءاً عزيزاً من تاريخ حياتها.

كما الحال في أفلام بن عمره السابقة، ليس المبدأ هو تصوير فكرة حاضرة، تسبقها كتابة سيناريو ليكون الدليل الوحيد للعمل قبل تصويره. السيناريو الأخير، كما كتبت ذات مرّة، يُكتب في مرحلة توليف الفيلم من خلال ما يكوّنه المخرج من لقطاته ممتزجة برؤيته وشهادته لما يقوم به. الناتج ثراء في المعاني الفنية والفكرية وأبعاد تحتية مثيرة للاهتمام.

تذكر إحدى الشخصيات (الإثيوبي فيليب جوديث غوزلان)، أن الحكايات التي تحتوي على الفصول الثلاثة (بداية، وسط ونهاية) هي للأطفال. المهام الأصعب، يمكن للناقد أن يُضيف، هو كيف تسرد الفيلم الذي تريد لاغياً ذلك الاعتبار الذي سارت ولا تزال تسير عليه جل الأفلام السينمائية (غربية وعربية).

يتألف «الصف الثاني» من مئات الصور وكثير من الانتقالات بين الشخصيات، وبينها وبين مشاهد لأماكن أو لقطارات أو لبعض الوثائقيات (أحدها مقابلة سابقة مع المخرج يوضح فيها أنه ليس صحافياً ليؤسس فيلمه على طريقة سؤال الشخصيات وتلقّي الإجابات). هذه الانتقالات تحتاج إلى تركيز شديد، خصوصاً كونها أيضاً انتقالات بين آراء وأفكار ودلالات. لكن بن عمره لا يطلب من مُشاهد مدمن على أفلام مبوّبة أو نمطية سوى الجرأة على الخروج من العادي إلى المميّز. على ذلك، لا بدّ من تسجيل صعوبة قراءة الفيلم لمن لم يسبق له أن تعرّف على تنويعات المخرجين - المؤلفين وأساليبهم التي تتجاوز، كهذا الفيلم، كل نمط معروف.

* عروض: خاصّة.

«حب وقح» (يوميوري تليكاستينغ)

RUDE TO LOVE

(جيد)

حياة امرأة تحب زوجها وتكاد تخسر نفسها من أجله

* إخراج: يوكيرو موريغاكي (اليابان، 1962)

هناك دقّة في الوصف والمتابعة تتكامل والوضع الذي تجد فيه بطلة الفيلم نفسها فيه. تناوئ الدقة، في النصف الثاني منه، حقيقة أن الفيلم يدخل سرداباً مختلفاً عن معظم ما سبق يؤدي به إلى حافة خسارته حكايته إذا ما ذهبت في اتجاه جديد، لكن ذلك، من حسن الحظ، لا يحدث أن يترك بعض الأثر.

حكاية زوجة اسمها موموكو (تقوم بها ببلاغة نوريكو إيغوشي) متزوجة بلا أولاد، تعيش في منطقة سكنية متواضعة، ترعى زوجها جيداً وترعى كذلك والدته التي تعيش في البيت المجاور. من البداية تدرك أن هناك نقصاً ما في حياتها، هذا قبل أن نتعرّف على المشكلة التي واجهتها عندما حبلت من زوجها وأسقطت.

حين يعترف لها زوجها بأنه يحب امرأة أخرى وأن هذه المرأة حبلى تجد نفسها في وضع يكاد يفقدها رجاحة عقلها. يطلب الزوج موافقتها على الطلاق، تثور. لن تعدّد له ما قامت به من واجبات تجاهه وتجاه والدته، لكنها ترفض طلب الطلاق. المرأة الأخرى فتاة شابّة حبلى الآن

تشتري موموكو منشاراً آلياً وتحفر في غرفة الجلوس حفرة كبيرة لغرض لم يتوضّح تماماً سوى أنها حين تختبئ في تلك الحفرة تسمع حديث الابن وأمه ما يزيدها ثورة. الضعف العام يبدأ من تلك النقطة المتأخرة من الفيلم، لكن المثير هو أن الفيلم لا يخسر نقطة اهتمام واحدة. يواصل إثارة المُشاهد فيما تقوم به بطلة الفيلم وكيف. يوزّع المخرج بعض التفاصيل التي توهمنا بأن أشياء معينة ستحدث لكنها لا تقع. مثل الشاب الذي يرمقها بنظرات عندما تخرج من البيت، قطتها التي اختفت وتلك الحرائق التي يشعلها أشخاص في الزبالة. هي نواحي عامة بسيطة، لكنها ذات دلالات. الكاميرا محمولة (للأسف) لكنها لا تفرض نفسها دوماً (من حسن الحظ). يخص المخرج موريغاكي بطلته بكل أنواع وأحجام اللقطات، لكنه يبقى بعيداً عن سواها.

* عروض: مهرجان كارلوڤي ڤاري.



شاشة الناقد: سينما مستقاة من الواقع

«أغورا» (إكزيت برودكشنز)
«أغورا» (إكزيت برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: سينما مستقاة من الواقع

«أغورا» (إكزيت برودكشنز)
«أغورا» (إكزيت برودكشنز)

أغورا ★★

* فيلم جديد من المخرج التونسي علاء الدين سليم | تونس (2024)

* عروض: مهرجان لوكارنو.

‫وفّر فيلما ‬المخرج علاء الدين سليم السابقان، «آخرنا» (2016) و«تلامس»، (2019) جديداً في نطاق سينما الرمزيات المستقاة من الواقع. تمحورا حول صعوبة التفاهم بين أبطاله، واللغزية الخاصة بمصائر شخصيات تلتقي وجدانياً وذهنياً بعدما لجأت إلى أماكن مقفرة بعيدة. وفّرا كذلك نظرة على بيئة بديلة لواقع المدينة تتميّز باللجوء إليها والصمت شبه المطبق.

هنا، في فيلمه الثالث، يبدو المخرج كما لو فقد جزءاً من أسلوب معالجة تلك الدلالات. السيناريو الذي كتبه دفن في طياته المعاني المقصودة وعمّق دلالاتها بحيث بات من الصعب الاتفاق على قراءتها. في الواقع الفيلم أكثر دكانة وغموضاً من أي من أفلامه السابقة ولو أنه معالج فنيّاً بجمالية بصرية مشهودة.

يبدأ الفيلم بحوار مكتوب بالفصحى بين اثنين:

- «هل كنت تحلم؟»،

- «لا، وأنت؟»،

- «لا أرى سوى الكوابيس في الآونة الأخيرة».

- «أنا أيضاً. أشعر بكارثة قادمة».

كلا المتحاورين يقرران بأن القادم أسوأ. لكن ما هو هذا القادم؟ لماذا تكرار الآذان وترداد نباح الكلاب؟ ما دلالات السمك الميّت الذي تجرفه مياه البحر إلى الشاطئ؟ ومن هما أساساً؟

هذه الأسئلة وسواها تتوزع طوال الفيلم لكن السبيل إلى فهمها وتحديد معانيها على نحو يساعد المتلقي على قراءة العمل والانفعال معه مسدود. تنتقل القصّة من بال المخرج إلى صوره من دون كثير اكتراث للمرور جلياً. محورها ثلاثة أشخاص (بينهم امرأة) عادوا من البحر بعدما كانوا غرقوا فيه قبل سنين. كيف ولماذا هو سؤال آخر ينطلق من أن العائدين ليسوا موتى وليسوا أحياء أيضاً والتحري فاتح (ناجي قنواتي) يحقق طارقاً أبواب احتمالات عدّة كلّها مخزونة في لغز يربط الماضي بالحاضر وبمستقبل أسوأ. معه في البحث طبيب لا يملك بدوره أجوبة وابن مدينة اسمه عمر (ماجد مستورة) يصل القرية بعدما تناهى إليه ما ألمّ بالقرية الصغيرة.

ما بين الصورة والكلمة يمضي الفيلم معتمداً على ما يوفره المخرج من دلالات تصل إلى منتصف الطريق وتتوقف. لا يبقى سوى جماليات التصوير الداكن وإيحاء بأن هؤلاء العائدين من الموت ما زالوا يطلبون عدالة مفقودة تبعاً لأحداث مرّوا بها.

LES INDÉSIRABLES ★★★

* مهاجرة أفريقية تتصدى لمحافظ حي يخطط لهدم مجمع سكني.

* عروض: تجارية ومنصّات.

‫من الجو تبدو بلدة Batiment 5 عادية لا تختلف كثيراً عن الأحياء المنتشرة حول باريس (وداخلها إلى حد). لكن، حسب الفيلم، هي مكان لا يُحتمل. مبانٍ قذرة وأرصفة من المخلّفات والقمامة وسكّان متنوّعون في الأصول يعيشون حياة بؤس لا فكاك منها. فقراء متبرّمون من وضع لا يستطيعون تغييره. هذا هو لب الفيلم الجديد للادج لي، الذي كان قدّم قبل خمس سنوات ورقة اعتماده في «البائسون» (Les Misérables) بنجاح.‬

«غير المرغوبين» (سراب فيلمز)

يمكن اعتبار فيلمه الجديد، «غير المرغوبين»، فصلاً ملحقاً لاهتمامات المخرج المالي الأصل في هذه الطبقة من الناس الذين يعيشون ظروف الوضع المجتمعي من القاع.

الحياة صعبة لدى أفراد وعائلات مجمع سكني حكومي مزدحم بالحد الأقصى من الأفراد الذين يعانون التهميش، ومن صعوبة البحث عن كيفية تحسين أوضاعهم المعيشية. وعندما يتولّى محافظ جديد (ألكسيس ماننتي) منصبه ينظر إلى سكان المجمّع كعقبة تواجه تطوير الحي وجعله أكثر جذباً للمستثمرين فيصدر قراراً بالهدم. هناك مهاجرة أفريقية اسمها هابي (زنتا دياو) ذات شخصية قوية تقود حملة مواجهة هذا القرار والمواجهة تتحوّل من مجرد معارضة إلى لقاءات عاصفة بينها وبين المحافظ الذي يستهين بها في مطلع الأمر. حين يسعى لإيجاد حل وسط يقترح إقامة مبنى سكني آخر، لكن ما يطرحه هو مبنى أصغر حجماً، مما يعني أن العديد من سكان المجمّع الحالي سيجدون أنفسهم بلا مأوى.

رغب المخرج من بطلته تأدية الدور بانفعال وقوّة وحققت ذلك بالتأكيد ربما أكثر بقليل من المطلوب في بعض المشاهد، لكن الوضع الذي تجد نفسها فيه مدافعة عن حقوق مهدورة يسمح لها وللفيلم بذلك. ما لا يخدم كثيراً الاتكال على ميكانيكية الأحداث متجاوزة بعض الثغرات لجانب أن ما يعرضه المخرج يتوقّف على ما يخدم الفيلم في سياقه الحدثي الحالي من دون امتداد صوب أصول الوضع السياسي الذي كان يحتاج لبعض الطرح. على ذلك ينجح الدمج بين الموضوع المجتمعي وبين الشكل التشويقي على نحو الفيلم ويساعده على تجاوز تلك الثغرات.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★ ★: جيد | ★★ ★ ★جيد جداً | ★★ ★★★: ممتاز