كونتِن تارنتينو يُلغي فيلمه المقبل ولا جديد

قراره غامض كما عدد أفلامه

كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)
كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)
TT

كونتِن تارنتينو يُلغي فيلمه المقبل ولا جديد

كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)
كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)

قرر المخرج كونتِن تارنتينو إلغاء مشروع فيلم كان أعلن عنه قبل أكثر من سنة تحت عنوان «The Movie Critic». لم يصرّح مخرج «ذات مرّة في هوليوود» و«بالب فيكشن» عن السبب ولم يردّ على المكالمات التي رغبت في الحديث معه في هذا القرار المفاجئ.

بالنسبة لمخرج له مكانته وشهرته الكبيرة، فإن إلغاء مشروعٍ ما له حجمه من الأهمية، خصوصاً، أن أعماله متفرقة وقليلة. هذا الفيلم المُلغى كان من المفترض به أن يكون الفيلم الروائي العاشر (كما أُعلن) في مسيرته والأخير له. حسب تصريحات سابقة ذكر تارنتينو أنه سيتوقف عن الإخراج بعد فيلمه هذا لينصرف إلى كتابة الكتب النقدية والروائية.

حال أعلن ذلك احتج المعجبون بأفلامه السابقة. النقطة التي التقى حولها معظمهم هي، أن الأسباب الدّاعية لقراره ليست مبرّرة ولا تأخذ بعين الاعتبار ما كان حققه لنفسه من شهرة. لكن تارنتينو لم يستجب أو يغيّر موقفه، وردّه الوحيد حينها كان أنه يرغب في التقاعد حال بلوغه الستين من العمر.

أوما ثورمن في «أقتل بل 1» (ميراماكس)

آنذاك، أي حين أعلن رغبته في الاعتزال، كان بلغ الـ57 من العمر. وهو حالياً في الواحدة والستين، فما الذي يدفعه لإلغاء فيلمه العاشر؟ هل سيتوقف فعلاً عن العمل مكتفياً بـ9 أفلام مُعلنة (هناك سواها)، أم سينتقل إلى مشروع جديد يكمل به مسيرته؟ هل عدل تماماً أو ما زال على رأيه؟

10 أو أكثر؟

‫ليس هناك من رد جازم إلا إذا تبرّع هو به. لكن ما هو مؤكد أن هذا الفيلم المُلغى كان من المفترض به أن يُباشر بتصويره قبل نهاية العام الحالي وخلال مطلع العام المقبل تحت عنوان جديد هو «الناقد»، والذهاب به إلى مهرجانه المفضل «كان». وكان من المفترض حينها، أن يلعب براد بيت بطولته في ثالث لقاء بينه وبين تارنتينو من بعد «Inglourious Basterds» سنة 2009 و«hollywood Once Upon a Time...in» سنة 2019.‬

لكن هل كان هذا الفيلم الملغى هو فيلمه العاشر فعلاً؟ هل أخرج تارنتينو 9 أفلام روائية فقط خلال رحلته التي بدأت سنة 1992 بفيلم «مستودع الكلاب» (Reservoir Dogs)؟ كيف نحسب أعماله التي تزيد عن 10 أفلام في الواقع؟ ومن ثَمّ ماذا عن نحو أفلام أخرجها مع آخرين؟

لو اكتفينا بأفلامه التي حقّقها منفرداً لبلغت 11 فيلماً وليس 9 كما أحصاها البعض بناءً على أقواله.

في الأساس، لم يكن «مستودع الكلاب» أول فيلم له كما يُشاع. هو أول فيلم لافت وأول فيلم عرضه له «مهرجان كان» سنة 1991، لكنه الثاني لأن تارنتينو أخرج قبله بأربع سنوات فيلماً كوميدياً عنوانه «عيد ميلاد أفضل أصدقائي» (قام تارنتينو بدور أول فيه). ذلك الفيلم متوفر للمشاهدة على «يوتيوب» في نسخة من 30 دقيقة، لكنه تألف في الأصل من 69 دقيقة.

ليوناردو ديكابريو «ذات مرّة في هوليوود» (كولومبيا)

بعد «مستودع الكلاب» أنجز سنة 1994 «بالب فيكشن»، وفي سنة 1997 حقق «جاكي براون»، ثم فيلمي «أقتل بل 1» (بطولة أوما ثورمن) و«أقتل بل 2». صحيح أنه دمجهما معاً لاحقاً، لكن الأول عُرض منفصلاً سنة 2003 والثاني عرض منفصلاً أيضاً، كأي مسلسل سينمائي، بعد ذلك بعام.

الفيلم السابع هو «بُرهان موت» (Death Proof) ورد سنة 2007، تلاه «أبناء العاهرة المشينين» (Inglourious Basterds) بعد عامين، ثم فيلمه الوسترن الأول «دجانغو بلا قيد» (Unchainged Django) سنة 2012، وفيلمه الوسترن الثاني «الثمانية الكارهون» (The Hateful Eight) في عام 2015، واختتم هذه المسيرة (حتى الآن) بـ«ذات مرة في هوليوود» (2019).

ساهم بتحقيق 3 أفلام أخرى تكوّنت من أجزاء أو ساعد في الإشراف على إخراجها وهي «أربع غرف» (1995)، ثم «مدينة الخطيئة» (Sin City) سنة 2005، وعنه مُنح لقب غريب وهو «مخرج ضيف خاص» (Speical Guest Director)، ثم «غرينهاوس» (Grindhouse) سنة 2007.

الخطوة التالية

حتى عام مضى كان الفيلم الجديد، «الناقد»، موضوع على روزنامة الإنتاج. فاتَح براد بيت فيه واتصل بالممثلة أوليڤيا وايلد التي التقته في جلسة عمل، كذلك تواصل مع الممثل ديفيد كرومهولتز (له دور في فيلم «أوبنهايمر») والممثل بول وولتر هاوزر الذي شوهد في فيلم سبايك لي الساخر«BlackKklansman» سنة 2018.

خلف الكاميرا تحدّث مع ستايسي شر (Sher) التي أنتجت فيلميه الوسترن. بالتالي بدا كل شيء ممنهجاً للبدء بالتصوير، بل جمع له من لجنة «كاليفورنيا فيلم كوميشن» 20 مليون دولار جزءاً من الميزانية.

وفي حين حافظ المخرج على سريّة الموضوع، فإن الدّلالات تشير إلى أن «الناقد» يدور حول ناقد سينمائي جيد، لكنه مغمور يعمل في مجلة «بورنو» بعدما أخفق في إيجاد فرصة عمل في صحف أو مطبوعات أولى.

الأمر الثاني المعروف هو أن الأحداث تقع في السبعينات، مما يجعله أقرب إلى فيلم تارنتينو الأخير «ذات مرّة في هوليوود»، الذي دار حول ممثل (ليوناردو ديكابريو) و«دوبليره» (براد بِيت).

هذا علماً بأن علاقته مع النقد والنّقاد غامضة. في بعض تصريحاته السابقة هاجم ما وجده نقداً غير صائبٍ لبعض أفلامه. في أخرى أعلن غبطته بأن أفلامه وجدت بين غالبية النقاد كل هذا القدر من الإعجاب.

الواقع أن النقاد الأميركيين والفرنسيين العاملين في الصحف الرّسمية منحوا معظم أفلامه تقديرات عالية. على سبيل المثال، حصد «بالب فيكشن» 95 في المائة من النقد الإيجابي. هبط المعدّل في «جاكي براون» إلى 62، ثم ارتفع مجدداً إلى 83 حين عرض «اقتل بل 2». لكن فيلمه الأخير، «ذات مرة في هوليوود» حصل على 69 في المائة.

لكن إذا ما أُلغي هذا الفيلم لسبب لا يعرفه سوى تارنتينو، ماذا في جعبته بديلاً؟

هل سيقلع عن العمل نهائياً منصرفاً إلى تأليف الكتب كما قال، أم سينقلب على قراره ويختار فيلماً آخر؟

في رأس تارنتينو حبكات أفلام متعددة. حسب مقالٍ في العدد الورقي الشهري من مجلة «ذَ هوليوود ريبورتر» فإن هذه الحبكات قد تتبلور إلى أعمال مؤكدة.

من بينها تحقيق جزءٍ ثالث من «أقتل بل». أو العودة إلى فكرة خطرت له بعدما أخرج «دجانغو بلا قيد»، وهي الجمع بين شخصية دجانغو وبين شخصية زورو المكسيكية. وكانت الأخبار تداولت سابقاً أنه عرض تحقيق جزءٍ جديدٍ من المسلسل الخيالي العلمي «Star Trek». هذا قد يعود إلى الواجهة أيضاً إذا ما قرر خطوته التالية.


مقالات ذات صلة

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)
سينما «بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)
«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)
TT

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)
«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

BEETLEJUIC BEETLEJUICE

(وسط)

* إخراج: تيم برتون | بطولة: مايكل كيتون، كاثرين أوهارا، وينونا رايدر (خارج المسابقة، الولايات المتحدة)

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات وليس بعيداً عن موجة قصيرة المدى حين كان التلفزيون يعرض حلقات مُعادة من «عائلة أدامز» التي نُقلت إلى الشاشة الكبيرة في عام 1991، وبنجاح أيضاً.

جمهور اليوم شاهد كثيراً من الأفلام التي عنت حينها أكثر ما تعنيه للجيل الجديد، وهذا الفيلم واحد منها. يعمد إلى التركيبة نفسها، ورسم الشخصيات نفسها، بل يضيف إلى كل ذلك المزيد من الغرابة الدّاكنة والشخصيات ذات النوازع الغريبة حتى عندما تبدو كما لو كانت طيبة في مكان ما من القلب.

قبل 36 سنة لعبت ليديا (وينونا رايدر) دور فتاة صغيرة. الآن نراها كبرت ولديها برنامج تلفزيوني، لكنها ليست بالضرورة سعيدة كونها ترى أمواتاً بينهم معجب سابق يتواصل معها ذهنياً. المعجب الآتي من بعيد هو بيتلجوس (مايكل كيتُون) الذي يقرر إدخال الرّعب والتفرقة بين عائلة ليديا حال عودتها إلى البيت المهجور الذي شهد أحداث الفيلم السابق.

الفكرة وراء العودة هي الرغبة في بيع المنزل الذي ترعرعت فيه ليديا ووالدتها. لقد توفي والدها ولم يعد هناك داع للاحتفاظ بالمنزل، لكن البيت ما زال يُثير الوحشة والمخاوف وتزوره أرواح شريرة.

فكرة هذا الفيلم تصل شبه ميّتة بسبب أن الجديد المروي هنا ليس مثيراً بحد ذاته، والحكاية تتعرض لالتواءات وتقاطعات تجعل متابعة الفيلم مثل فرض مدرسي على المشاهد حِفظُه. ينتقل بلا تردد بين أحداث ومفارقات متوالية بحيث يسبب وجود كثيرٍ من الأحداث تدور في وقت واحد دون أن يجد الفيلم محوراً يجمعها ويرويها بقدر أقل من التقاطعات.

المشكلة الناتجة عن كل ذلك أن الفيلم مشغول بخطوطه القصصية المتعارضة، وعليه توفير عدد كاف من المشاهد ليوفي شخصياته حقها. هذا ما يجعل العمل أقرب إلى «استكشات» منه إلى قصّة ذات سرد متواصل.

كلّ ما سبق لا يمنع أن للفيلم نبرة كوميدية سوداء من تلك التي اشتهر بها المخرج برتون في أفلامه السابقة مثل «فرانكنويني» (Frankenweenie) 1984، و«عروس الجثة»، (Corpse Bride) 2005.

«بيتلجوس بيتلجوس» (بلان ب إنترتايمنت)

‫NONOSTANTE

(وسط)

* إخراج وبطولة: فاليريو ماستندريا | إيطاليا (مهرجان ڤينيسيا، قسم آفاق).

‫«بالرغم من» (أو «أشعر بتحسن»، (Feeling Better) كما عنوانه المختار للتسويق عالمياً) فيلم ثاني للمخرج المتحوّل من التمثيل فاليريو ماستندريا الذي لديه شعبية لا بأس بها في موطنه الإيطالي بين هواة الأفلام الكوميدية.

هذا الفيلم لديه اتجاهان مجتمعان: معالجة كوميدية وموضوع جاد عن النائمين في «كوما» في أحد المستشفيات.

ليس سهلاً معالجة هذا الموضوع إلّا من خلال مفتاح خاص يستطيع دخول تلك الشخصيات ورؤاهم. بطل الفيلم لوي (ماستندريا) وباقي «النائمين» ليسوا بالفعل في سبات عميق. نراهم يعيشون حياة موازية. هم في الظاهر نائمون دائمون وفي الغيب أحياء طبيعيون. وضعٌ يُشبه التقمّص كما لو أن كل واحد من هؤلاء يستغلّ سباته ليحلم بأنه ليس محكوماً عليه، وحتى حين، بالنوم المتواصل.

يقترح الفيلم أن سباتهم ذاك هو نعمة، فهم متحرّرون من مسؤوليات الحياة وواجباتها وما زالوا يستطيعون بناء حياة جديدة. لوي في الواقع يجدها فرصة فريدة للوقوع في الحب من جديد. لكن الأمور ليست دائماً كما يحب أن تكون حتى في تلك الحياة الموازية. في أحد المشاهد يتحوّل لقاؤه بالمرأة التي تعرّف إليها (تؤديها الأرجنتينية دولوريس فونزي) يتحوّل اللقاء إلى عاصفة من الجدال الغاضب. إنه أحد أفضل المشاهد أداءً.

الحبكة التي يحملها الفيلم أثقل من أن تمكّن ماستندريا من الوصول إلى نهاية الفيلم بعد 90 دقيقة من دون تعب. صعب تركيب حكاية كوميدية ودرامية معاً تدور حول حياة مزدوجة وصولاً لنهاية ذات معنى. لكن حسنة الفيلم توحيد الموضوع المطروح مع بصرياته وألوانه، ولو أن ذلك ليس كافياً للارتفاع به صوب وضع مهم على صعيد ما.