جوزيف لوزاي المخرج الذي ضلّ طريقه وسط متاهاته

هرب من «المكارثية» وفتح صفحة جديدة

جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)
جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)
TT

جوزيف لوزاي المخرج الذي ضلّ طريقه وسط متاهاته

جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)
جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)

بعد نحو شهر تمرّ الذكرى الأربعون على وفاة المخرج جوزيف لوزاي عن 75 سنة قضاها بين المسرح والسينما، وبين العمل في الولايات المتحدة وبريطانيا غالباً. هذا مخرج ما زال يُثير اللغط بين منتقدين ومؤيدين، العدد الجديد من مجلة «سايت أند ساوند» يطرحه عملاقاً بين أترابه. هو بالتأكيد مهم في زمنه ويستحق اليوم إعادة اعتبارٍ، لكنه نوع من المخرجين الذي أصاب وخاب أكثر من مرّة.

لن تمرَّ الذكرى من دون مواكبة. أحد أبرز أفلامه، «مستر كلاين» سيُعاد عرضه في بعض الصالات الكندية في الأسبوع الأخير من الشهر المقبل، ومن المتوقع أن يُقيم «معهد الفيلم البريطاني» عروضاً لعدد من أفلامه، بما فيها «الحادث» و«الخادم»، اثنان من أشهر أعماله في الستينات.

جين مورو وألان ديلون في «مستر كلاين» (ليرا فيلمز)

كذلك يرِد ذكر لوزاي في فيلم جديد عرض في تظاهرة أقامتها السينما الفرنسية في معهد الفيلم الأميركي في مطلع هذا الشهر عنوانه (Little Blue Girl) للمخرجة مونا أكاش وبتعليق من الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار.

هو فيلم عن الممثلة كارول أكاش (عُرفت أيضاً باسم كارول لانغ) التي انتحرت، صمتاً، في عام 2016 بعد أن شهدت أفول أحلامها أن تصبح ممثلة معروفة، ناهيك عن أن تكون مشهورة. جرّبت العمل في السبعينات، لكنها بقيت من الممثلات اللواتي يمرّن تحت رادار الشهرة. ذِكر جوزيف لوزاي يأتي واحداً من المخرجين الذين أسندوا لكارول أكاش دوراً في أحد أفلامهم.

الفيلم هو «مستر كلاين»، إنتاج فرنسي - إيطالي عن الفترة التي احتلت ألمانيا فرنسا في الحرب العالمية الثانية. أخرجه لوزاي سنة 1978. والدور كان فعلاً ثانوياً يمكن لأي ممثلة أخرى القيام به.

لأسباب قد لا تكون محض سينمائية، اعتُبر هذا الفيلم من بين أفضل أفلامه في تلك الفترة. هو بالتأكيد أفضل من أفلامه السابقة في السبعينات ومنها «اغتيال تروتسكي» (1972) و«منزل دُمية» (A Doll’s House). بعده. وفي حين تم تدريس فيلمه «الخادم» (1963) في «لندن إنترناشيونال فيلم سكول» وشبع عروضاً في مواسم احتفائية بالمخرج، إلا أن التباين بين فيلم وآخر، من حيث القيمة الفنية، تنوّع كثيراً.

حكاية تزوّجت شيوعياً

في الثلاثينات كانت موسكو واحدة من المحطات الفنية التي أراد عدد من المثقفين والفنانين الأميركيين التعرف عليها من كثب. لوزاي كان واحداً منهم سنة 1935 وهناك تعرّف على برتولت بريشت والموسيقار هانز إيسلر وحين عاد إلى نيويورك استكمل ما كان بدأه وهو الإخراج المسرحي، متأثراً، حسب كتاب ديفيد كوت «جوزيف لوزاي: انتقام ضد الحياة» (1994) ببعض ما تعرّف عليه في تلك الزيارة ثقافياً وسياسياً.

القول إنه كان يسارياً أمر شائع، وهو تعرّض للحملة المكارثية في أواخر الخمسينات بعدما عُرف عنه انتماؤه للحزب الشيوعي الأميركي. حينها كان لوزاي يعمل لحساب شركة RKO التي قام هوارد هيوز بشرائها وهيوز أراد التأكد من ولاء المخرجين الذين يعملون للشركة ومعرفة ميولهم السياسية، أهي وطنية أم لا، فعرض على 13 منهم مشروع فيلم معاد للشيوعية عنوانه «تزوّجت من شيوعي» (I Married a Communist) وفي البال أن من سيرفض إخراج هذا الفيلم لا بدّ لديه ميول شيوعيّة.

من «الوسيط» (إي أم آي)

لوزاي من بين الذين رفضوا المشروع قبل أن يعلم أنها مصيدة (وافق على إخراجه روبرت ستيفنسن) وفي حين عرض عليه محاميه أن يتطوّع للإدلاء بشهادته أمام المحكمة المكارثية، فضّل لوزاي مغادرة أميركا إلى بريطانيا وبذلك كان واحداً من ثلاثة مخرجين معروفين تركوا هوليوود إلى أوروبا. الآخران هما تشارلي تشابلن وجولز داسين.

أحد أفلامه الأولى كان «الصبي ذو الشعر الأخضر» الذي أريد به أن يكون رمزياً لحق اختلاف صبي (دين ستوكوَل) عن الآخرين ثقافياً. فيلمه اللاحق (1949) كان «الخارج عن القانون» (The Lawless)، الذي قدّم فيه حكاية عمّال مكسيكيين متّهمين بارتكاب جريمة قتل. ليس أن المخرج أدان العنصرية البيضاء فقط، بل أظهر عداءه لعصبة من الشبّان البيض الذين يقتحمون غرفة صحافي أبيض ويبعثرون محتويات مكتبه في رمز آخر يُراد به القول إن اليمين معادٍ للثقافة والمثقفين.

حقبة جديدة

في بريطانيا، سعى لوزاي لبداية جديدة. ويُلاحظ أنه عمد في بعض أفلامه الأولى هناك لتغيير اسمه، فهو أندريا فرزانو عندما حقق «غريب خفي» (1952) وجوزيف والتون في «أصبح الاتهام» (1956) وسحب اسمه بالكامل من فيلم عنوانه «إكس المجهول» (X the Unknown) سنة 1956.

أعماله المحسوبة بجدارة بدأت في «الملعون» (1962) الذي تبعه بفيلم جيد آخر (ضمن حدود تلك الفترة على الأقل) وهو «إيڤ»، وفيه يلتقي المخرج مع بطله (ستانلي بايكر) في انعكاس مثير للاهتمام. فبايكر في الفيلم كاتب مشهور وناجح، لكنه يعلم في داخله أنه ليس بالقيمة الأدبية التي يحيكها الآخرون عنه. هذا يكاد أن يكون موقف لوزاي من نفسه مخرجاً بدأ يضع قدميه على طريق الشهرة بوصفه واحداً من جيل الستينات البريطانية (الحقبة التي شهدت ولادة «السينما البريطانية الجديدة» مع توني رتشردسن، وليندساي أندرسن، وكارل رايز) لكنه يحمل في داخله شكوكاً عن جدارته وهويّته الفنية وكيف سيحققها.

لكنه حقق نفسه عندما أخرج «الخادم» (1963) عن خادم (ديرك بوغارد) يبدأ العمل لدى رجل ثري (جيمس فوكس)، سريعاً ما يبدأ الخادم بممارسة الرغبة في استحواذ صاحب البيت وتلبيته بأي شكل. في أكثر من مشهد يحاول استبعاد خطيبة فوكس (سارا مايلز) راغباً في أن يحلّ محلها حتى عاطفياً.

بعد هذا الفيلم تدحرج لوزاي صوب أعمال اعتُبرت من أسوأ ما مرّ على شاشات تلك الفترة ومنها «ملك ودولة» (1964) و«مودستي بليز» (Modesty Blaise) (1966).

هذا الأخير كان محاولة من لوزاي لدخول سينما البطولات القائمة على الخيال المطلق. بطلته (مونيكا ڤيتي) هي من سلالة الشخصيات الكوميدية التي ظهرت في هوليوود قبل هذا الفيلم وبعده. المدافعون عن الفيلم، وهم قلّة، اقترحوا أن المخرج أراد السخرية من البطولة الفارطة، لكن الآخرين أشاروا إلى أن السخرية عليها أن تأتي ضمن مستوى فني مسؤول، وليس تبعاً لمنهج فوضوي لم ينجُ المخرج منه.

أعمال كبيرة

الصراع في «مودستي بليز» هو، مثل «إيڤ» و«الخادم» صراع على من يمسك السُلطة. من هو الأقوى؟ من له اليد العليا أو من يحاول محاذاته؟ «حادثة» (1967) كان كذلك من هذا النوع. يشترك مع «الخادم» في أكثر من منحى. هو واحد من أفلام لوزاي الأفضل دراما، وهو من كتابة المسرحي هارولد بنتر كحال الفيلم السابق، ويدور حول علاقات عاطفية تمتد بالطول والعرض. الأستاذ ستيفن (بوغارد) يخون زوجته. زميله في التعليم (بايكر) يستغل غياب ستيفن عن منزله ليمارس الحب مع الطالبة آن (جاكلين ساسارد) المخطوبة لطالب آخر هو ويليام (مايكل يورك) الذي يُقتل في حادثة سيارة قد تكون مدبّرة.

خروج لوزاي من ورطة صعود وهبوط مستويات أفلامه كان ضرورة أدّت إلى تبنيّه أعمالاً أكبر حجماً من تلك السابقة وأكثر اعتماداً على مصادر تاريخية وأدبية.

في 1971 أخرج «الوسيط» (The Go-Between) عن رواية لسلي هارتلي بالعنوان نفسه تنتمي إلى أدب مطلع القرن العشرين تاريخ أحداث وتدور حول الانتقال من سن البراءة إلى فترة الاكتشاف العاطفي. جوليا كريستي وآلان بايتس تقاسماً البطولة. السيناريو لهارولد بنتر (ثالث مشاركة) والفيلم كان نقلة صوب الرومانسية كما لم يفعل لوزاي من قبل.

اختياره الكبير الثاني كان «اغتيال تروتسكي» الذي لم يتميّز إلا باسمين كبيرين: جوزيف لوزاي مخرجاً، وريتشارد برتون ممثلاً دور الشيوعي المغضوب عليه. عوض الثقة بالتاريخ الذي نهل منه المخرج ما أراد، ميّع لوزاي الموضوع بحيث عكس وجهة نظر غير ثابتة لا تعادي ولا تؤيد ولا حتى تعرف إلى أين تتجه.

بعد أربع سنوات حاول لوزاي العودة إلى التاريخ وهذه المرّة بقدر من التعاطف مع الشخصية الرئيسية (آلان ديلون) في أزمتها إذ يعيش تحت خطر الاعتقال من قبل السلطات النازية أو الفرنسية المتعاونة معها كونه يهودياً.

تطلّب الأمر نوعاً من مراجعة الذات قبل أن نرى لوزاي يستعيد بعض قدراته السابقة، لكنها ليست استعادة كافية. الفيلم هو «السلمون» (La Truite) مع إيزابيل أوبير وجين مورو (التي مثلت تحت إدارته في أكثر من فيلم). حكاية الفتاة الفقيرة من الريف الفرنسي وكيف تسلقت سلّم الشهرة والمال، لكنها انتهت للعمل في مزرعة سمك كتلك التي انطلقت منها. القصة بكاملها غير مثيرة ولا تستأهل 20 عاماً يقول المخرج إنه أمضاها يحلم باليوم الذي ينقل فيه رواية روجيه ڤيلان إلى الشاشة.

رغم كل متاعبه مع نفسه وبحثه الذي عمد إليه عن قيمة فعلية دائمة، تعثّر لوزاي في خطواته أكثر من مرّة. أفلامه الجيدة القليلة وتلك التي خرجت عن سكة الحديد لأسباب تتعلّق برغبات فنية لم يستطع توفيرها تعكسان فناناً ما زال يستحق الدراسة وبعض هذا الاستحقاق يتبلور اليوم من بعض النقاد الذين يعاودون مشاهدة أعماله لأجل تقييم مختلف وصعب.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
TT

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)

يُقيم «مهرجان القاهرة» الذي بدأ دورته الـ45 يوم أول من أمس، ندوة خاصة عن المخرج والمنتج مصطفى العقاد الذي كان رحل في مثل هذه الأيام ضحية عملية إرهابية في عمّان قبل 19 سنة.

مُخرج «الرسالة»، عن نشأة الإسلام، و«عمر المختار»، عن مناضل في سبيل استقلال بلاده، كانا، ولا يزالان، أكبر إنتاجين عربيين- عالميين عرفته السينما.

المناسبة تستحق الاهتمام أولاً لإعادة التّذكير بمخرج عربي اخترق الجدار الصّامت حول تاريخ العرب والإسلام في فيلميه «الرسالة» (1976)، و«أسد الصحراء» (1980). وثانياً، لأنه المخرج العربي الوحيد الذي نجح في تحويل أحداث تاريخية عربية إلى الشاشة بنظام 70 مللم بانافيجين كما أفلام البريطاني ديڤيد لين، وفي مقدّمتها «لورنس العرب» (1962) الذي جمع ممثلين عالميين (أنطوني كوين، وبيتر أو تول، وأليك غينس، وجاك هوكينز، وكلود رينز) إلى جانب عمر الشريف وجميل راتب من مصر.

بعد عرضه الخاص في «مهرجان القاهرة» سينطلق في عروض عربية عديدة في جدّة، والدوحة، ودبي، والقاهرة والسعي جارٍ لتوسيع الرقعة عربياً وعالمياً.

مصطفى العقاد يتوسط عبد الله غيث وأنطوني كوين خلال تصوير «الرسالة» (فالكون إنترناشيونال)

خبرات ومواهب

لم يكن سهلاً على الممثلين الذين ظهروا في فيلمي العقاد تسليمَ مقادير مهنتهم آنذاك لمخرج عربي غير معروف، كلّ ما كان لديه لتقديمه - لجانب طموحه - أنه اشتغل مساعد إنتاج وإخراج في بعض المحطات التلفزيونية الأميركية. لكن العقاد فاز بالثقة سريعاً مع احتمال أن يكون الموضوعان المثاران في هذين الفيلمين عنصرَي جذب إضافي. الأول دار حول رسالةٍ (عن الدين الإسلامي) لم يتعرّف عليها الغرب في فيلم سابق، بل بقيت مودوعة في دراسات أكاديمية وكتب. الثاني ثورة ليبية ضدّ الاستعمار الإيطالي صاغها العقاد بعناية وتوازن. وراعى فيه جودة التقديم أيضاً.

«الرسالة» تم بنسختين منفصلتين واحدة عربية أمّ تمثيلها بعض أفضل الخبرات المصرية والمغاربية والسورية واللبنانية، وواحدة بالإنجليزية وكلاهما كانا نجاح عمل مدروس رغم صعوبة تنفيذه.

الفيلم الثاني حكى أن هناك ثورات أخرى وقعت خلال احتلال أجزاءٍ من العالم العربي وأن الموت الجماعي حاذى سواه ممّا حول العالم.

ما إن وقّع أنطوني كوين وإيرين باباس على العقد المبرم لهما، حتى تداعى الآخرون أمثال مايكل أنسَارا وداميان تومس ومايكل فورست.

لاحقاً، عندما خرج «الرسالة» إلى عروض عالمية شملت بلداناً عربية وغربية عديدة، حتى صار من الأسهل جذب نجوم آخرين تقدَّمهم، مرّة ثانية، أنطوني كوين في دور عمر المختار. حينها قال كوين لهذا الناقد في مقابلة: «لم أكن أعرف شيئاً عن التاريخ العربي. العقاد فتح عينيّ على هذا التاريخ المجهول بفيلميه، وبرؤية ثاقبة، وكيفية إنتاج مناسب لفيلم تاريخي كبير. بصفتي ممثلاً أرى أن كلّ شيء كان في مكانه الصحيح».

«المسألة الكبرى» (المؤسسة العامة للسينما والمسرح)

محاولات غير مجزية

لا يمكن إغفال حقيقة أن الأفلام التاريخية - الدينية العربية كان لها حضور سابق لـ«الرسالة». نتحدّث عن «واإسلاماه» للأميركي أندرو مارتون الذي أُنتج في مصر سنة 1961 وخاض بطولته كلٌ من لبنى عبد العزيز (في دور شجرة الدر)، وأحمد مظهر ورشدي أباظة ويوسف وهبي ومحمود المليجي وكاريوكا وعماد حمدي وفريد شوقي.

قبله بعشر سنوات أقدم إبراهيم عز الدين على تحقيق «ظهور الإسلام» بإمكانات محدودة مع كوكا وعماد حمدي وأحمد مظهر وسراج منير بين آخرين. ثم بعد 10 سنوات على ظهور «واإسلاماه» أنجز صلاح أبو سيف «فجر الإسلام». الذي استفاد من خبرة أبو سيف ولو أنه في النهاية بقي إنتاجاً محلياً للسوق العربية.

هناك أيضاً «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين (1963)، الذي وظّف فيه المخرج أفضل طاقاته وطواقمه ما ساهم، بجانب اسمه المعروف، في انضمام هذا الفيلم إلى باقي ما ذُكر في عالمٍ عربيٍّ كان يتطلّع إلى مثل هذه الأفلام الترويجية لموضوعاتها باهتمام كبير يناسب كل ذلك الجهد الذي شهدته هذه الأعمال.

أدركت السينما العراقية أن هناك طريقاً لإنتاجات تصبو للعالمية بموازين ونُظم إنتاج برهن العقاد أنها ممكنة. في هذا الصّدد حقّق المخرج صلاح أبو سيف «القادسية» في عام 1981 بطلب من الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية. الفيلم جاء كبير الإنتاج كما أُريد له أن يكون، ركيكاً في نواحيه الفنية، ودعائياً فيما تبقى.

مؤسسة السينما العراقية التي أنتجته كانت التفتت سنة 1980 إلى المخرج المصري الآخر توفيق صالح، وأصرّت على أن يُنجِز «الأيام الطويلة»، الذي عاد إلى تاريخٍ أقرب ليسرد جزءاً من سيرة حياة الراحل صدّام حسين.

في عام 1983 حقّق العراقي محمد شكري جميل «المسألة الكبرى» (1983) عن ثورة العراقيين ضد الاحتلال البريطاني. جلب المخرج مدير التصوير جاك هيلديارد، الذي كان عمل مع العقاد على فيلميه، والممثل أوليڤر ريد الذي كان اشترك في بطولة «أسد الصحراء»، لكن هذه الأفلام بقيت محدودة الانتشار ولم تتجاوز حدود العرض في بعض الدول العربية.

ما حدّ من انتشار هذه الأفلام عالمياً هو معضلة إنتاجات عربية كثيرة حينها، هي سطو «القضية» على المعالجة الفنية، هذا إلى جانب أن العقاد فَهِم وهضم قواعد الإنتاجات العالمية أكثر من سواه.