سينما المؤلف تخسر في المواجهة

9500 سبب لعدم فوز سكورسيزي بالأوسكار

امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)
امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)
TT

سينما المؤلف تخسر في المواجهة

امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)
امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)

حفلت المواقع العربية والعالمية بتساؤلات عن السبب (أو ربما الأسباب) التي منعت فوز «كيليرز أوف ذَ فلاور مون» بأوسكار أفضل فيلم عنوة عن «أوبنهايمر»، أو فوز مخرجه مارتن سكورسيزي بدلاً من فوز مخرج كريستوفر نولان عن «أوبنهايمر».

التعليقات تختلف كثيراً في أسلوبها وأسبابها في العالم العربي عنها في الغرب.

عربياً، هناك قناعة من أن فيلم سكورسيزي أفضل في كل أوجهه من فيلم «أوبنهايمر» وعدم فوزه يعود إلى أن الفيلم الفائز يتناول يحتوي على دعاية يهودية و«هذا سبب فوزه الوحيد»، كما ذهبت إحدى التعليقات العاطفية.

مع وجود أكثر من 9500 مقترع ينتمون إلى الأكاديمية بوصفهم أعضاء في جميع المهن، من المستحيل معرفة لماذا فاز فيلم على آخر على نحو محدد. كل ما يمكن قوله هو أن التصويت حرّ من التبعية وأن عواطف بعض المعلّقين العرب كثيراً ما تتبنى نظريات وتُهم الانحياز من دون تحليل كامل لمعطيات أي من الأفلام الفائزة أو تلك التي نافستها.

وسترن حديث

هناك تحفّظات على الفيلمين معاً لا تداخلها المواقف السياسية لأي منهما إلا بحدود كيفية ما طُرح في هذين الفيلمين: سيرة حياة مخترع الذرّة من دون إدانة فعله مقابل دراما تعرض ولا تنتقد قيام عصبة بيضاء تقتل أثرياء القبائل الهندية. توفّر سرد الأحداث من وجهة نظر الجلادين وليس الضحايا مع ما يعنيه ذلك من فارق كبير.

فنياً، كل من الفيلمين يحتوي على عناصر فنية لافتة، لكن الجهد المبذول والتآلف بين كل هذه العناصر لخلق عمل يشمل أزمنة مختلفة وتفعيل لأسلوب يتجاوز مجرد السرد القصصي أمران يميّزان «أوبنهايمر».

لكن هناك جانباً بعيداً جداً عن التداول حتى الآن لا علاقة له بالجوائز، بل بفيلم سكورسيزي نفسه.

تقع أحداث «كيلرز أوف ذَ فلاور مون» في مطلع القرن الـ19 في الغرب الأميركي. صحيح أنه ليس عن رعاة بقر لكنه، من بين تصنيفات قليلة أخرى، هو فيلم وسترن حديث من مخرج لا تنتمي أعماله السابقة إلى هذا النوع من الأفلام. هذا قد لا يجعله أقل إدراكاً لعالم الفترة ومقتضياتها، بل يوعز باختياره لما يهمّه من الحكاية التي يسردها وهو تقديم «القتلة» في العنوان في الصدارة كما فعل في أفلام العصابات التي حققها وفي «ذئب وول ستريت» عندما صوّر، على نحو غير نقدي على الإطلاق، نجاح بطله في اللعب على القانون وجمع ثروته الطائلة بطرق غير شرعية (لعب ليوناردو ديكابريو بطولة ذلك الفيلم أيضاً).

هذه الرغبة في سرد حكاية تقع في الغرب الأميركي من دون أن تكون تقليدية، مبررة لكنها متكررة والأفلام الحديثة التي عمدت إلى هذه المحاولة كلها فشلت في نقل صورة الغرب الأميركي حتى على النحو الذي يعزز ما تذهب إليه من مفادات.

قبل فيلم سكورسيزي بنحو عام ونصف العام شاهدنا «قوّة الكلب» (The Power of the Dog) للنيوزيلاندية جين كامبيون وفيلم «أخبار العالم» (News of the World) للآيرلندي بول غرينغراس، وقبل ذلك بنحو 6 سنوات حقق الأخوان غووَل وإيثن كووَن فيلمهما «إنشودة بستر سراغز» (The Ballad of Buster Scruggs) وأخرج الفرنسي جاك أوديار «ذَ سيسترز برذرز» (The Sisters Brothers) سنة 2018.

الجامع بين هذه الأفلام، بما فيها «كيلرز أوف ذَ فلاور مون»، هو انتماء كل منها إلى مخرج يحمل لواءً فنياً خاصاً به أو، كحال غرينغراس، يجمع في أعماله بين الفن والتجارة على نحو ناجح غالباً.

كل هذه الأفلام كشفت عن رؤى تنتمي إلى مخرجيها وليس إلى الواقع وحقائقه الفعلية المرتبطة بثقافة تلك الفترة وزمنها. إلى نوع مستحدث من الوسترن يختلف عن أنواعه السابقة. تلك التي بدأت كحكايات بطولة وصراع تقليدي بين الأخيار والأشرار في الأربعينات والخمسينات، وصولاً إلى النضج الثقافي والفني الذي صاحب موضوعاتها في النصف الثاني من الستينات وطوال السبعينات، قبل أن يتحوّل النوع مناسبات متباعدة العروض على الشاشات الكبيرة ومتوالية، ببعض الزخم، بالنسبة إلى أفلام تتوجه مباشرة للمنصّات وسوق الأسطوانات.

مشاكل عائلية

يكشف فيلم جين كامبيون عن التباعد الشديد بين ماهية فيلم الوسترن وبين استغلال فترته الزمنية لسرد آخر. حتى ولو وضعنا في الحسبان حرية الفنان في اعتماد هذا التمازج، إلا أن معالجة الفترة ذاتها وثقافتها وسلوكياتها مختلفة كثيراً عن الواقع كما كان متداولاً.

لقطة مع كريستين دانست في«قوّة الكلب» (نيوزيلاند فيلم كوميشن)

في فيلم كامبيون «قوّة الكلب» تسود الرغبة في الحديث عن شخصيات تائهة تعيش معاً فوق مزرعة، يعمد إلى الانشغال بعناصر درامية متعددة بتعدد شخصيات الفيلم الرئيسية وتوظيف المكان وجمالياته الموحشة لخدمة هذا المنهج. الفيلم هو رؤية ذاتية من قِبل المخرجة للغرب الأميركي كما تريد فهمه. رؤية شخصية مع قدر واضح من الافتراض والتكلّف لقصة حول شقيقين يملكان مزرعة في ولاية مونتانا (رفضت المخرجة التصوير في الولاية وصوّرت الفيلم في نيوزيلاندا). أحدهما (بندكت كمبرباتش يدير أعمال المزرعة وخيولها وجورج الشؤون المالية، وعندما يتزوّج جورج من صاحبة مطعم (كرستن دنست) يكشف فيليب عن عدائه للمرأة التي تشعر بأنها غير محبوبة وتداوي مصيرها بالشرب. والأحداث تتوالى صوب توجّهات خالية من القدرة على دمج المُشاهد مع ما يدور درامياً أو مع الشرط العريض للمكان والزمان ودلالاتهما كفيلم وسترن.

واكيم فينكس في «ذ سيسترز برذرز» (واي نَت برودكشنز)

مثله في هذا البعد عن العناصر الفعلية للنوع فيلم جاك أوديار «ذَ سيسترز برذرز» (سيسترز هو اسم عائلة الأخوين جون س. رايلي وواكيم فينكس) الذي دار حول شقيقين يعملان في مهمّات القتل لقاء أجر ينطلقان صوب هدفهما الجديد، لكنهما ينقبلان على من قام بإسناد المهمّة إليهما.

لا مشاكل في الحكاية، لكن الكثير من تصنّع الأبعاد الجمالية والفكرية سريعاً ما يؤدي إلى عمل متكلّف وقليل التأثير. بكلمة أخرى، يفقد الفيلم ملامحه الواقعية ليدخل في إطار الرغبة في سيادة الفكرة ومنهج المخرج - المؤلّف.

جرأة حقيقية

أما «أنشودة بستر سراغز» فمشكلته أكبر بكثير. هذا فيلم وسترن للأخوين غووَل ونتان كووَن الذي تعود النقد الغربي على تقدير كل لقطة من معظم ما قاما بتحقيقه معاً. فيلم مؤلّف من قصص شتّى تبغي تقديم وجهة أخرى للغرب الأميركي يقوم على السخرية من ثقافته وتاريخه وشخوصه. بعض القصص أفضل إخراجاً من أخرى، لكنه في كلّه يندثر تحت ستار تلك السخرية حتى عندما تخفق الحكايات ذاتها في منح معالجاتها العناصر الأسلوبية الصحيحة لمثل هذا الفعل.

لديهما فيلم وسترن أفضل حققاه سنة 2010 بعنوان «جرأة حقيقية» (True Grit) عن ثلاثة (رجل وشاب وفتاة في الرابعة عشر) يقومون برحلة للقبض على قاتل والد الفتاة و- بالمرّة - قتل آخرين يشكلون عصابة مطلوبة من قِبل القانون.

الفيلم مأخوذ عن فيلم سابق بالعنوان ذاته حققه سنة 1969 هنري هاذاواي، أحد أهم مخرجي أفلام الغرب الأميركي. القصّة ذاتها مع اختلافات ارتآها الأخوان، لكنها وإن كانت ليست مضرّة هي أيضاً ليست نافعة. الباقي استنساخ مقبول، لكنه لا يصل إلى تميّز وجودة الأصل.

يكاد «أخبار العالم» لبول غرينغراس أن ينتمي إلى قصص الغرب الأميركي لولا أنه يقص حكايته ببرود ويوفر بعض المشاهد التي تحتاج إلى مبررات كافية للقبول بها. حكاية رجل (توم هانكس) يعمل قارئ صحف متنقلاً (!) يلتقط فتاة صغيرة هاربة من إحدى القبائل ويحاول إيداعها في عهدة خالتها المتزوّجة من رجل سيعامل الفتاة باحتقار. في هذا الفيلم استخدام واضح للنوع لتمرير رسالة لا تنضوي على جديد أو مميّز وتسقط في أتون من التغرّب وعدم الأهمية.

في السياق نفسه، سنلاحظ أن محاولة صوفيا كوبولا لتقديم فيلم عن «المرأة» في حكاية كُتبت لغاية مختلفة لم تشهد النجاح بدورها. الفيلم هو The Beguild حول الجندي الشمالي، خلال الحرب الأهلية الأميركية في ستينات القرن التاسع عشر، الذي يلجأ إلى مدرسة بنات تقع في الجزء الجنوبي المعادي له. تسعفه الإناث في تلك المدرسة من جروحه ويتعافى، لكنه يوهم بعضهن بالحب. حين يكتشفن أنه غير صادق يخططن للانتقام منه.

هذا الفيلم، بدوره، مأخوذ عن فيلم أفضل أنجزه دونالد سيغل من بطولة كلينت ايستوود سنة 1971. مرّة أخرى، الفيلم السابق أقرب لمفهوم الغرب ومتحرر من الرغبة لإبراز ذاتية المخرج.

بالعودة إلى فيلم سكورسيزي، فإن الاهتمام بالقصّة وشخصياتها البيضاء (مقابل تهميش الآخرين الذين هم لب الموضوع بأسره) مسألة اختيار، لكن حتى في هذا الإطار فإن دخول فترة زمنية معينة تشترط قدراً من التعامل معها وهو ما تجنّبه فيلم سكورسيزي على نحو يخلق المزيد من التباعد بين الحكاية وما كان مفترضاً بها أن تأتي به من وقائع.

عشرة أفلام وسترن لا غنى عنها

1943: The Ox‪-‬Bow Incident إخراج: وليام أ. ولمن

1950: Winchester ‪‬73 إخراج: أنطوني مان

1952: High Noon إخراج: فرد زنمَن.

1953: Shane إخراج: ‪جورج ستيڤنز

1956: The Searchers إخراج: جون فورد

1966- The Good the Bad and the Ugly إخراج: سيرجيو ليوني

1969: The Wild Bunch إخراج: سام بكنباه

1976 The Outlaw Josey Wales ‫إخراج: كلينت ايستوود

‬1973: Pat Garrett and Billy the Kid إخراج: سام بكنباه

1990: Dances With Wolves إخراج: كَيڤن كوستنر


مقالات ذات صلة

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)
سينما «بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

قراءة في موجة «سينما الأمس» الفرنسية البوليسية

إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)
إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)
TT

قراءة في موجة «سينما الأمس» الفرنسية البوليسية

إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)
إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)

تفتح وفاة الممثل ألان ديلون نافذة على حقبة معيّنة من الأفلام لعب دوراً أساسياً فيها مع عدد كبير من الممثلين الذين، في وقت ما، كانوا أيضاً من عماد الشاشة الفرنسية والنوع البوليسي تحديداً. المجال نفسه يوفر استعراض بعض تلك الأفلام التي لمعت (وبعضها لا يزال) ما بين مطلع الستينات ونهاية السبعينات. الحقبة التي كانت (بدورها) أهم إنجازات السينما العالمية في كثير من الدول.

أحزان ورغبات

ألان ديلون كان شريكاً في هذه الورشة التي عمد إليها بعض أفضل مخرجي السينما الفرنسية من كلود سوتيه، وألان كورنو، إلى جان - بيير ملڤيل، وجاك ديراي، وهنرى ڤرنووَل، وبيير - غارنييه، وفيليب د بروكا، وجوزيه جيوڤياني... من بين آخرين.

السّمة المشتركة بين هذه الأفلام لا تنحصر في معالجات جادة تختلف 180 درجة عمّا نشاهده اليوم من أفلام تدمج الحكاية البوليسية بالكوميديا أو تنتحي بها صوب مدارات فانتازية؛ بل تشمل كذلك فعل الإخراج المدروس واللون المنتمي إلى الواقع قدر الإمكان، كما أن ممثلي هذا النوع كانوا من جهابذة الفنانين الفرنسيين: جان غابان، ولينو ڤنتورا، وميشال بوكيه، وإيڤ مونتان، وجان - لوي ترتنيان، وميشال كونستانتين، وميشال سيرو، وطبعاً ألان ديلون.

أفلام هؤلاء لم تحتفِ بالمجرمين كأبطال يفرضون على المشاهدين سوء أفعالهم، كما تفعل أفلام التسعينات وما بعد. ليس هناك ذلك التلذّذ حول كيف تكون مجرماً دون عقاب. على العكس، كثير منها، استمد من تلك الشخصيات متاعبها وأحزانها ورغباتها المتوجة بالإخفاق.

كلود شابرول وستيفن أودران في «قبل منتصف الليل» (ليبرا فيلمز)

خذ مثلاً نهاية فيلم «الدائرة الحمراء (Le cercle rouge)» لجان - بيير ملڤيل (1970)، تصوّر مقتل الأشقياء الثلاثة ألان ديلون، وإيف مونتان، وجيان - ماريا ڤولونتي بعد نجاحهم في سرقة محل مجوهرات خَصّص له المخرج نحو ربع ساعة مفصّلة ومشوّقة. الشعور المكتسب لدى المشاهد هو أن حياة هؤلاء مصير لا يتوقف من المعاناة الفردية الصامتة (لا يشي بها أي حوار) بحيث يتركك المشهد وفي الحلق غصّة وشعور بذنب الاصطفاف معهم.

مثل شخصيات أخرى في أفلام بوليسية أميركية وفرنسية كثيرة هم ليسوا أشراراً، لذلك يقع المشاهد في حبّهم. كذلك الحال في فيلم ملڤيل الآخر «الساموراي» (1967) حيث يحاول ألان ديلون إبعاد شبح الوشاية والهزيمة عنه حتى آخر نفس.

هذه أيضاً نهاية لينو ڤنتورا في «المخاطرة الكبرى (The Big Risk)» لكلود سوتيه. ڤنتورا المطارد من قِبل البوليس عليه أن يجد مكاناً يؤمن فيه حماية زوجته (ساندرا ميلو) وابنهما، يساعده جان - بول بلموندو ويشي به مارسيل داليو وينتهي بمقتله.

لينو فنتورا وجان-بول بلموندو: «المخاطرة الكبيرة» (نيووِن برودكشنز)

شابرول المختلف

ألان ديلون متورّط في سرقة مجوهرات، مثلما فعل في «الدائرة الحمراء»، في فيلم هنري ڤرنووَل «العصبة الصقلية (Le Clan des Siciliens)» الذي يدور كذلك حول خطة محكمة لسرقة مجوهرات تنتهي على عكس ما يرغب المشاركون فيها. لينو ڤنتورا هنا ينتقل إلى دور المحقق وجان غابان رئيس العصابة.

وهناك رغبة انتقام في فيلم جان بكَر (Becker) «رجل اسمه روكا (Un Nommé la Rocca)» (1961)، من بطولة جان - بول بلموندو الذي كان قبل عامين لعب بطولة فيلم بوليسي لجان-لوك غودار هو (À bout de souffle) «بلا نفس» مؤدياً شخصية شاب قتل شرطياً لكن عوض أن يهرب عاد إلى باريس ليلتقي المرأة الأميركية التي يحب (جين سيبرغ). هذه تشي به وتشهد نهايته وهو الذي كان قال لها خلال اللقاء: «الرجل تقتله المرأة التي يحب».

كتب هذا الفيلم زميل غودار حين كانا من نقاد مجلة «كاييه دو سينما» فرنسوا تروفو الذي داعب الفيلم البوليسي في عام 1960 بتحقيق فيلم بوليسي من صنف مختلف (كما حال فيلم غودار ومعظم أفلام زميلهما الثالث من صفحات تلك المجلة كلود شابرول) هو «أقتل لاعب البيانو» (Shoot the Piano Player) مع شارل أزناڤور في البطولة.

بالنسبة لكلود شابرول نراه عمد إلى أسلوب تشويقي خاص به في مختلف أفلامه في تلك الفترة وما بعدها، فقدّم سنة 1969 «زوجة غير مخلصة» (La femme infidèle) حول زوج (ميشال بوكيه) يرتاب بزوجته (ستيفاني أودران) ويكتشف أن شكوكه في مكانها فيقتل عشيقها.

في العام التالي أخرج شابرول «الجزّار» (The Butcher)، حيث ذلك اللحّام (جان يان) الذي قد يكون المجرم الذي ينقل مهارته في الذبح إلى البشر.

أحد أفضل أفلامه على نحو مطلق هو «قبل حلول الليل» (Juste avant la nuit) الذي سلّم قيادته أيضاً إلى ميشال بوكيه في دور رجل يقتل عشيقته التي هي زوجة أقرب أصدقائه وينفد من العقاب بعدما قررت زوجته غض النظر عن فعلته.

يقترب فيليب لابرو من منوال شابرول في «من دون دافع واضح» (sans mobile apparent)، الفيلم الذي أخرجه ببراعة سنة 1971 عن جرائم قتل مجهولة الدوافع من بطولة جان- لوي ترتنيان. أحد أفلامه الملائمة في هذا النطاق (L'Alpagueur) الذي عُرض عالمياً بعنوان «الصياد سيصل إليك» (The Hunter Will Get you)، من بطولة جان- بول بلموندو مازجاً البوليسي بالأكشن كما غالبية أعماله.

بلموندو أيضاً ظهر في فيلم جوزي جيوڤاني La Scoumoune. إنتاج من عام 1972 عرضته صالات لندن سنة 1974 تحت عنوان Hit Man، وهو عن رواية كتبها جيوڤاني، وهي ذاتها التي كان جان بكَر حققها سنة 1961 بعنوان «رجل اسمه روكا» كما تقدّم.

كل ما سبق طمح (وكثيراً ما حقق) الرغبة في تصوير عالم داكن من الحكايات البوليسية التي تصوّر حياة المجرمين، وقد أحيطت بدائرة من النوازع الشخصية والمصائر القدرية. وإذا كان لا بد من جملة أفلام تلخّص هذا الجانب بوضوح ومهارة فلتكن تلك التي حققها جان-بيير ملڤيل مما تم ذكره هنا لجوانب أخرى لم يتسع المجال لها.