شاشة الناقد: في تسجيلي عن باربي أخرى

من «المُرهَقون» (أدنيوم برودكشنز)
من «المُرهَقون» (أدنيوم برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: في تسجيلي عن باربي أخرى

من «المُرهَقون» (أدنيوم برودكشنز)
من «المُرهَقون» (أدنيوم برودكشنز)

في الأسبوع الماضي عرضنا فيلماً ليبياً «دونغا»، وهذا الأسبوع نعرض فيلماً من اليمن. كلاهما نتاجان نادِرَين لحدوث نسبة لغياب صناعة فعلية.

المُرهَقون ★★★★

إخراج: عَمرو جمال | دراما عائلية | اليمن | 2023‫ ‬

بعض المشاهد في هذا الفيلم اليمني، الذي شاركت السعودية بتمويله، تترك تأثيراً فورياً ومثيراً للاهتمام، كذلك المشهد الذي يبكي فيه الزوج أحمد (خالد حمدان). تأسيس المشهد نصّ على أن يقف الزوج في جانب من المطبخ وقد أدار ظهره لزوجته إسراء (عبير محمد)، التي تغسِل بعض أدوات المطبخ وظهرها لزوجها أيضاً. الموقف لافت كون الزوج يبكي آسفاً على تعنيف زوجته. رغم بعد الكاميرا منه وغياب وجهه عن عين المشاهد، يشعر المُشاهد بصدق العاطفة، بينما يوفّر المطبخ صِدق التوقيت.

هناك بضعة مشاهد لافتة مثل هذا المشهد، وكلّها صادقة ليس لأن الفيلم اقتبسها، كما يقول في مقدّمته من «قصّة حدثت بالفعل»، بل لأن معالجة المخرج لها طبيعية على الدوام.

الحكاية، بدورها، جديدة. الزوجان لديهما ثلاثة أطفال، وهي حامل بالشهر الرابع منذ نحو شهر. هو فقد عمله بعدما أغلق التلفزيون أبوابه بسبب الحرب. لكي يعيل عائلته، على أحمد أن يعمل سائق سيارة أجرة، وينقل العائلة من منزل متواضع لآخر أكثر تواضعاً. فوق ذلك، عليه وزوجته التخلص من الجنين قبل اكتماله روحاً. هنا تكمن الصعوبة اجتماعياً ودينياً، ويجد الزوجان نفسيهما في نزاعٍ مع المحيط الطبّي، كما - لاحقاً - تحت تأثير الظّرف الصّعب الذي دَفع الزّوج لضرب زوجته، ومن ثَمّ البكاء لفعلته.

حين يبدأ الفيلم في مشاهده الأولى يُثير المخاوف من أن التصوير البعيد للأمكنة سيُحيل الفيلم إلى عملٍ آخر من تلك الأعمال التي لا تعتمد الإبداع، بل تلجأ إلى تفعيل ذلك الأسلوب المحاكي للفيلم غير الروائي من النوع الذي يكتفي بالتسجيل وحده.

لكن الذي يحدث بعد نحو ثلث ساعة هو تبلور الموضوع على نحوٍ هادفٍ. بالتدرّج غير المستعجل، يجد المرء نفسه أمام ما هو أعمق من مجرد تلك الزوايا والمسافات البعيدة. لا يلبث الفيلم أن يأسر الاهتمام بسبب مزيجٍ واحدٍ يجمع بين التمثيل المُرهف والبعيد جداً عن الأداء العاطفي والدرامي وأسلوب التصوير. هذا ما يجعل تلك اللحظات التي ذكرتُ واحداً منها مهمّة، ويمنح الفيلم صدقاً في الوقت الذي يضع فيه الإصبع لا على تلك المشكلة الرئيسية (موضوع إنجاب طفل رابع يثير قلق الأب في ذلك الظرف الصعب) فحسب، بل أيضاً ما يعرضه من أوضاع الفقر والبطالة ومآلات الحروب الدائرة.

إذ تقع الأحداث في مدينة عدن، لا يُسارع المخرج لوصفٍ مكانيٍّ أو سياحيٍّ. يكفيه إبقاء كل شيء في مكانه الطبيعي. الكاميرا، في أكثر من مرّة، منصبّة من طابق علوي على جزءٍ من الحي، يلتقط الناس والسيارات والمباني كما هي. إذ لا يمكن القول بأن هذا إنجاز بحد ذاته، فإنه يدلف تحت غطاءِ معالجةٍ واقعية لحكاية اجتماعية جاذبة ومؤثرة بمعالجة ذكية.

• عروض خاصة

‪THE ABYSS‬ ★★

إخراج: ريتشارد هولم | كوارثي | دنمارك | 2024‫ ‬

في محاولة عقيمة للنقاد إلى عقلية أميركية حاضرة، يحشد الفيلم الدنماركي كلّ ما يمكن لحكاية استخدامه من قنوات. بطلة الفيلم فريغا (توفا نوفوتني) رئيسة جهاز السّلامة لعمّال المناجم امرأة قوية الشكيمة. لديها عشيق اسمه كبير أيوبي (قدر رزازي) وزوج سابق (بيتر فرانزن) وسيتنافسان عليها. لديها كذلك فتاة شابّة اسمها ميكا (فيلسيا مكسيم) مُثلية. لاستكمال «أمركنة» الفيلم تتردّد الكلمة التي تبدأ بحرف F نحو 15 مرّة في الدقائق الـ15 الأولى؛ وهي تتردد في النسخة الناطقة بالإنجليزية، أمّا تلك الدنماركية فتدلّ عليها إشارات تتوسّط الحوار المطبوع، ما يعني أنها قيلت، وإن لم تُعرف نسبة تكرارها.

«الهاوية» (أس أف ستديوز)

لكن لا شيء من كل هذا ينفع كثيراً، لا في طرح الفيلم بوصفه واقعاً ولا ضرورة درامية. إنه عن مدينة دنماركية اسمها كيرونا وهناك، قبل بداية الفيلم، وكما تخبرنا الكلمات المطبوعة، حادثة وقعت في منجم نتج عنها هزّات أرضية وفجوات. سرعان ما نجد اختفاء شابين وفتاة عندما تنزلق بهم أقدامهم ليسقطوا في الهوّة. أحدهم هو ابن فريغا، التي تمضي الوقت تسأل عنه بعدما اكتشفت أنه لم يمضِ ليلته الأولى في المنزل. هذا سبب وجيه لإحداث توتر على سطح الفيلم، يتبعه توتر آخر بين العشيق والزوج السابق. (تقول عنه بطلة الفيلم إنه «سابق»، لكنها لم توقّع أوراق الطلاق بعد).

يمنح الفيلم هذه المسألة وضع ديوك متناحرة، وامرأة تحاول حلّ إشكالاتها في الوقت الذي تحاول فيه أيضاً حل وضعٍ متأزم في أحد المناجم المهددة بالانهيار تبعاً لزلزال محتمل. تريد فرض ترحيل أهل البلدة لسلامتهم، بينما تعيش وضعاً عاطفياً بين رجلين كل منهما يُعدّ نفسه الأولى بها.

يعرقل هذا الصراع أحداث الفيلم. يُطيح بالمنطق لجانب أنها تفعيلة بالية استُخدمت منذ كل تلك العقود السابقة بفارق أنهم حينها كانوا يعرفون كيف يستغلّونها لترد في لُحمة الفيلم وليس كنتوءٍ فيه.

هذا هو الجانب الضعيف من الفيلم، تلك الدراما التي يؤسّسها تمهيد مهزوز، كما الأرض التي يصوّرها والتي تنذر بعواقب وخيمة. ما أن يصبح من العبث التعامل مع تلك الأوضاع العاطفية على حساب هوية الإنتاج بوصفه فيلم كوارث، يتحسّن الوضع جيداً.

بداية، يرتفع منسوب التوتر عندما يشتّد الخطر، وينتقل الفيلم من ضعفِ سياقه إلى مجموعة من المشاهد المتقنة على صعيد الصنعة التقنية. مثل «الطيور» لألفريد هيتشكوك، تبدأ المخاطر بالحدوث على نحو فردي في البداية (صبي صغير يشهد سقوط جزءٍ من أرض الحديقة في الهاوية، وسرعان ما ينزلق بدوره. بعد ذلك تنزلق البلدة كلها في سلسلة من الفواجع الأكبر حجماً المنفّذة جيداً.

• عروض: نتفليكس.

‪BLACK BARBIE‬ ★★★

إخراج: لاغيريا ديفيس | وثائقي | الولايات المتحدة | 2024‫ ‬

في عام 1980 طرحت شركة «ماتل» المتخصصة بصنع الدُّمى الشهيرة باسم «باربي»، دمية سوداء بالاسم نفسه. وكان الطرح الأول بعد 31 سنة من إطلاق باربي الشقراء التي سعى فيلم «باربي» لغريتا غرويغ إلى تسويقها من جديد، وتسويق نفسه بنجاح مماثل أدّى إلى حصد أكثر من مليار دولارٍ في بضعة أشهر كما بات معلوماً.

«باربي سوداء» (جست أ رَبل)

الفيلم الجديد ليس ردّاً على الفيلم السابق، وليس بوارد تقديم حكاية درامية عن دمية سوداء تنتقل - أو لا تنتقل - من عالم الدمى إلى عالم البشر في استطلاع لمجتمعهم المزحوم بوجهات النظر والاعتبارات والتقاليد. «باربي السوداء» مختلف في كل شيء، وفي مقدّمة اختلافه أنه فيلم وثائقي قائم على حقائق متعدّدة تطرح السؤال في سبب تأخير إطلاق باربي أفرو - أميركية لأكثر من ثلاثة عقود. ومن ثَمّ كيف اقتنعت «ماتل» لاحقاً بضرورة هذه التجربة والإقدام عليها.

لا تتحدث المخرجة لاغيريا ديفيس عمّا لا تعرفه، فعمّتها بيولا كانت من بين الأفرو - أميركيات اللواتي عمِلن في ذلك المصنع. وجدت وظيفة في «ماتل» سنة 1955، وتقاعدت سنة 1999 بعدما روّجت، بدءاً من الستينات، لفكرة صنع باربي سوداء للأفرو - أميركيين الفخورين بلون بشرتهم.

يتوقف عند هذه النقطة، ومن خلال استعراض وافٍ لتاريخ عايشته عمّتها بيولا، الأفرو - أميركية، خلال سنوات عملها في الشركة.

في الستينات انبرت بيولا لمحاولة إقناع الشركة بصنع دمية سوداء البشرة. لكن هذا لم يحدث إلا بعد نحو عقدين من الزمن طُبخت خلالها الفكرة على نار هادئة أكثر من اللازم، وساعدت في تكوينها بضع عاملات ومصمّمات قبل أن تُطلق في مطلع الثمانينات، ما حقق إضافة نوعية لمجموعة الدّمى المتداولة، ونجاحاً لا بأس بحجمه.

تستعين المخرجة بكثير من الوثائقيات المصوّرة والمطبوعة، وتكتشف في سياق ذلك، أن المشكلة كانت في أن ذوي البشرة السوداء أنفسهم أحبّوا الدّمى الشقراء. هذا يتم، كما يكشف الفيلم، عبر اختبار أُجري في الأربعينات عندما عُرضت أربعة دمى، منها اثنتان بيضاء واثنتان سوداء، على مجموعة كبيرة من الأطفال الأفرو - أميركيين وسؤالهم، أي من الدمى يجدونها أكثر جذباً. النتيجة كانت الدمى البيضاء.

ربما أدّى ذلك إلى صعوبة إقناع «ماتل» في إنتاج دمى سوداء، لكن ما أن اقتنعت الإدارة بذلك حتى بدأ البحث عن موديل يعزّز التسويق، وكانت النتيجة ابتداع باربي سوداء مستوحاة من ملامح وشخصية مغنية الصول الأميركية دَيانا روس.

في الوقت الذي أسهم فيه ذلك الاختبار بتأجيل إطلاق دُمى بشخصيات سوداء حتى الثمانينات، لا يسع الفيلم إلا أن يُشير، بصواب، إلى حقيقة أن الاختبار نفسه كان عنصرياً، وشعر ذوو البشرة السوداء بأنهم معزولون عن المجتمع الذي يهتمّ بتوفير عناصر ترفيه بيضاء، على الرغم من أن المجتمع نفسه يتألف من نسبة كبيرة من السود.

لا تطرح المخرجة هذه المسألة نظرياً، بل تدفع إلى الواجهة بكثير من المقابلات التي تؤيّد ما يذهب الفيلم لتأكيده، وهو أن العنصرية مُورست حتى في مثل هذه النماذج التي تبدو لنا، بوصفنا مثقفين، ساذجة، لكنها فاعلة على الصعيد العام. «باربي سوداء»، بهذا القدر من المعلومات والوثائقيات، يُدين لا «باربي البيضاء - الشقراء» ولا صانعها تحديداً، بل المحيط الاجتماعي الذي توارث أصناف العنصرية طويلاً، قبل أن يبدأ هو تغييراً لم يكتمل حتى الساعة.

• عروض: متوفر على النت.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

سينما أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

عد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك.

محمد رُضا (نيويورك)
يوميات الشرق من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)

أفلام مصرية جديدة تراهن على موسم «رأس السنة»

تُراهن أفلام مصرية جديدة على موسم «رأس السنة»، من خلال بدء طرحها في دور العرض قبيل نهاية العام الحالي (2024)، وأبرزها «الهنا اللي أنا فيه»، و«الحريفة 2».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد حلمي مع زينة عبد الباقي ووالدها وأبطال فيلمها (الشركة المنتجة للفيلم)

نجوم مصريون يدعمون ابنة أشرف عبد الباقي في تجربتها الإخراجية الأولى

حرص عدد كبير من نجوم الفن المصريين على دعم المخرجة الشابة زينة عبد الباقي ابنة الفنان أشرف عبد الباقي خلال العرض الخاص لفيلمها الروائي الطويل الأول «مين يصدق»

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان أمير المصري في «مهرجان القاهرة السينمائي» (صفحته على «إنستغرام»)

أمير المصري لـ«الشرق الأوسط»: خضت تدريبات شاقة من أجل «العملاق»

أكد الفنان المصري - البريطاني أمير المصري أنه يترقب عرض فيلمين جديدين له خلال عام 2025، هما الفيلم المصري «صيف 67» والبريطاني «العملاق».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

شاشة الناقد: ‫ THE CROW

من «جلال الدين» (مهرجان مينا).
من «جلال الدين» (مهرجان مينا).
TT

شاشة الناقد: ‫ THE CROW

من «جلال الدين» (مهرجان مينا).
من «جلال الدين» (مهرجان مينا).

هناك صنف من الأفلام العربية والغربية على حد سواء تتبنى الرغبة في تقديم موضوع بهدف أخلاقي وتعليمي أو إرشادي يتداول موضوع القيم المجتمعية والإنسانية والدينية على نحو إيجابي.

الرغبة تغلب القدرة على توفير فيلم بمعايير وعناصر فنية جيدة في أغلب الأحيان. يحدث هذا عندما لا يتوخى المخرج أكثر من تبني تلك الرغبة في حكاية توفر له تلك الأهداف المذكورة. لعله غير قادر على إيجاد عناصر فنية تدعم فكرته، أو لا يريد تفعيل أي وسيلة تعبير تتجاوز الحكاية التي يسردها.

هذا ما يحدث مع فيلم حسن بنجلون «جلال الدين»، فهو، في غمرة حديثه، يستند إلى الظاهر والتقليدي في سرد حكاية رجل ماتت زوجته بعد معاناة، فانقلب حاله من رجل يشرب ويعاشر النساء ويلعب القمار، إلى مُصلِح ورجل تقوى ودين.

يبدأ الفيلم برجل يدخل مسجداً وينهار مريضاً. لن يتجه الفيلم لشرح حالته البدنية، لكننا سنعلم أن الرجل فقد زوجته، وهو في حالة رثاء شديدة أثّرت عليه. ننتقل من هذا الوضع إلى بعض ذلك التاريخ وعلاقته مع زوجته الطيّبة وابنه الشاب الذي يبدو على مفترق طرق سيختار، تبعاً للقصّة، بعض التيه قبل أن يلتقي والده الذي بات الآن شيخاً.

في مقابلاته، ذكر المخرج بنجلون أن الفيلم دعوة للتسامح وإبراز القيم الأخلاقية والإنسانية. هذا موجود بالفعل في الفيلم، لكن ليس هناك جودة في أي عمل لمجرد نيّته ورسالته. هاتان عليهما أن تتمتعا بما يتجاوز مجرد السرد وإبداء النصيحة وإيجابيات التطوّر من الخطأ إلى الصواب. في «جلال الدين» معرفة بكيفية سرد الحكاية، مع مشاهد استرجاعية تبدو قلقة لكنها تؤدي الغرض منها. لكن ليس هناك أي جهد إضافي لشحن ما نراه بمزايا فنية بارزة. حتى التمثيل الجيد توظيفياً من ياسين أحجام في دور جلال الدين له حدود في رفع درجة الاهتمام بالعمل ككل.

«الغراب» (ليونزغايت)

فيلم حسن بنجلون السابق لهذه المحاولة: «من أجل القضية»، حوى أفكاراً أفضل في سبيل سرد وضع إنساني أعلى ببعض الدرجات من هذا الفيلم الجديد. حكاية الشاب الفلسطيني الذي لا يجد وطناً، والصحافية اليهودية التي تتعاطف معه، لم تُرضِ كثيراً من النقاد (على عكس هذا الفيلم الجديد الذي تناقل ناقدوه أفكاره أكثر مما بحثوا في معطياته الأخرى) لكنه كان أكثر تماسكاً كحكاية وأكثر إلحاحاً. بدوره لم يحمل تطوّراً كبيراً في مهنة المخرج التي تعود إلى سنوات عديدة، لكنها كانت محاولة محترمة لمخرج أراد المزج ما بين القضية الماثلة (بطل الفيلم عالق على الحدود بين الجزائر والمغرب) وتلك الدعوى للتسامح التي يطلقها الفيلم الجديد أيضاً.

• فاز بالجائزة الأولى في مهرجان مينا - هولاندا.

‫ THE CROW

ضعيف

أكشن عنيف لغراب يحمل قضية بلا هدف

بعد ساعة وربع الساعة من بداية الفيلم يتحوّل إريك (بل سكارغارد) إلى غراب... ليس غراباً بالشكل، بل - ربما، فقط ربما - روحياً. أو ربما تحوّل إلى واحدة من تلك الشخصيات العديدة التي مرّت في سماء السينما حيث على الرجل قتل مَن استطاع من الرجال (وبعض النساء) لمجرد أنه يريد الانتقام لمقتل شيلي (ف. ك. أ. تويغز)، الفتاة التي أحب، والتي قتلوها. لم يقتلوها وحدها، بل قتلوه هو أيضاً، لكنه استيقظ حياً في أرض الغربان وأصبح... آسف للتكرار... غراباً.

يستوحي الفيلم الذي أخرجه روبرت ساندرز حكايته من تلك التي وضعها جيمس أو بار الذي وُلد، كبطل شخصيّته، يتيماً وماتت صديقته في حادثة سيارة. لكن لا الحكاية الأولى (من سلسلة «الكوميكس» بالعنوان ذاته) مُعبّر عنه في هذا الفيلم ولا يستوحي المخرج ساندرز من أفلام سابقة (أهمها فيلم بالعنوان ذاته حققه سنة 1994 أليكس بروياس بفاعلية أفضل). كذلك هناك إيحاء شديد بأن شخصية كرو مرسومة، بصرياً، لتشابه شخصية جوكر في فيلم تود فيلبس الشهير، كما قام به يواكيم فينكس.

في الـ75 دقيقة الأولى تأسيس للشخصيات. إريك صغيراً شهد مقتل حصانه المفضل. بعد 3 دقائق هو شاب في مصحة ما تريد تهيئة مَن فيها لحياة أفضل، لكنه يفضل الهرب مع شيلي التي كانت هربت من الموت على يدي أحد رجال الشرير ڤنسنت (الممثل داني هيوستن الوحيد الذي يعرف ما يقوم به). كانت شيلي تسلمت على هاتفها مشاهد لعصبة ڤنسنت، لذلك لوحقت وقُتلت. لكن عصبة كهذه يقودها رجل لا يموت (حسب الفيلم) لِمَ عليها أن تخشى صوراً على الهاتف؟ ليس أن الفيلم يحتاج إلى مبرر واقعي، بل يفتقر إلى تبرير حتى على هذا المستوى.

مشاهد الأوبرا التي تقع في خلفية الفصل الذي سيقوم فيه إريك بقتل أكثر من 30 شريراً من أزلام الرئيس، ويتلقى أكثر من ضعف ذلك العدد من الرصاصات التي لا تقتله (لأنه ميت - حي ومن نوع نادر من الغربان التي لا تموت) قُصد بها التزاوج بين مقطوعة فنية ومقطوعة من العنف المبرح. لكن كلا الجانبين يتداخل مع الآخر من دون أثر يُذكر.