شاشة الناقد: علاقة غريبة في فيلم عن رامبو والنجف

لقطة من فيلم «في أرض القديسين والخطاة»
لقطة من فيلم «في أرض القديسين والخطاة»
TT

شاشة الناقد: علاقة غريبة في فيلم عن رامبو والنجف

لقطة من فيلم «في أرض القديسين والخطاة»
لقطة من فيلم «في أرض القديسين والخطاة»

بينما يواصل ليام نيسن تنفيذ عمليات قتل أعدائه ولو في فيلم أفضل... فيلم إسرائيلي يبحث عن علاقة بين رامبو والنجف

IN THE LAND OF SAINTS AND SINNERS ★★★

إخراج: روبرت لورنز | تشويق | ايرلندا | 2024‫ ‬

الذين ما زالوا معجبين بالممثل ليام نيسُن لكنهم يشتكون من تشابه أدواره في السنوات العشر الأخيرة لديهم مفاجأة سارة هنا: ليام نيسُن في أفضل فيلم له منذ ثلاثية «Taken» التي كان آخرها سنة 2014.

إنه قاتل مسلّح كالعادة، يعمل في تنفيذ عمليات مُسندة إليه، كما في معظم أفلامه الأخيرة، لكن الحكاية من ناحية، وشخصيّته المرسومة له من ناحية أخرى مختلفتان تماماً.

تقع الحكاية سنة 1974؛ فنبار مورفي (نيسُن) يعيش في بلدة آيرلندية ساحلية صغيرة. ينفّذ آخر عملية قتل ويستقيل. سيتفرغ، كما أخبر جارته (نيام كوزاك)، للزراعة التي لا يعرف عنها شيئاً. هناك فتاة صغيرة يكتشف فنبار أن رجلاً يتحرش بها جنسياً. الرجل هو الشاب كيرتس (دزموند إيستوود) الذي نراه في مطلع الفيلم يشترك في عملية لحساب «آيريش ريبابك آرمي (IRA)» مع شقيقته دوارين (كيري كوندون) تودي بحياة أطفال لجانب مَن أرادت المنظّمة اغتيالهم. يشعر فينبار بالغضب لتعرّض فتاة صغيرة لا تستطيع البوح لأحد لهذا الوضع، فيقتل الشاب ويدفنه. تبحث دوارين عن قاتل أخيها. الباقي يدخل في نطاق قتال مسلّح يكاد فينبار ألّا ينجو من ضراوته.

المخرج لورنز (كان ظهر ممثلاً في فيلمين لكلينت إيستوود، هما: «ميستيك ريفير» و«أميركان سنايبر») يحب الطبيعة الآيرلندية ويلتقط لها مناظر بديعة تساعد على ترميم أجواء الفيلم وتبعث فيها غرابة المكان ورمزه التاريخي العميق.

شخصية فينبار مكتوبة جيداً؛ فيه خير الملائكة وشر الخاطئين. رجل ذو مبادئ يرتكب في سبيلها القتل. ليس بالسهولة التي قد تعكسها هذه الكلمات. ما يقوم به نيسُن تشخيص حال الرجل الذي يدرك ما قام به من جرائم، لكنه لا يزال يأمل في المغفرة.

ما لا ينجح هنا البحث عن مواقع يستطيع الفيلم تطويرها في هذا الاتجاه عوض الانشغال في دقائقه العشر الأخيرة بتنفيذ المعارك العنيفة التي يختم الفيلم أحداثه بها.

إشارة صغيرة إلى تلك اللهجة الآيرلندية المحبَّبة. تلقائياً تمنح الفيلم ميزة إيجابية تمتزج مع المكان وزمانه.

• عروض مهرجان «فينيسيا»، حالياً على المنصّات.

‪UNDER THE BLUE SUN‬ ★★★

إخراج: دانيال مان | تسجيلي | إسرائيل | 2024‫ ‬

ما العلاقة بين سيلفستر ستالون والقضية الفلسطينية؟ لم يطلق الممثل تصريحاً يؤيد فيه أي طرف، لا في هذه الحرب الدائرة اليوم ولا في أي حرب سابقة. على ذلك، هناك خيط رفيع يوظّفه المخرج الإسرائيلي لصالح فيلمه التسجيلي «تحت الشمس الزرقاء»؛ ففيلم «رامبو 3» لبيتر ماكدونالد صُوّر في النجف لجانب مواقع عديدة في ولاية أريزونا. في إسرائيل، استغلّت الجبال العارية في تلك المنطقة استغلالاً جيّداً لتقارب طبيعتها وأشكالها من تلك الأفغانية حيث يدور «رامبو 3».

«تحت الشمس الزرقاء» (لابَت)

يبدأ «تحت شمس زرقاء» بمقابلة خلال تصوير «رامبو 3» لستالون وهو يتحدّث عن أن الطقس الحار جعل الجميع متوتراً، وهذا «جيد للفيلم».

لكن يبدو أن أحد العاملين الإسرائيليين في ذلك الفيلم قال له إن 91 هجوماً «إرهابياً» تم خلال وجوده في المنطقة؛ إذ نسمعه يكرر ذلك بقوله: «كان هناك 91 هجوماً (لم يقل إرهابياً) أُعلن عن 5 منها في (الميديا) فقط».

من خلال حقيقة أن بعض ذلك الفيلم الذي دار حول نضال الأفغان ضد الاحتلال الروسي وقيام رامبو بدوره المنفرد في مواجهة كل القوّة المعادية (دبابات وجنود وطائرات... إلخ) صُوّر في الأراضي المحتلة، ينفذ فيلم دانيال مان (ليس دانيال مان المخرج الأميركي من الخمسينات) إلى تصوير فيلمه الذي كان يمكن أن يكتفي بقدر أقل من الربط غير المتقن بين موضوعه و«رامبو 3».

يدور «تحت شمس زرقاء» في الواقع حول الفلسطيني البدوي بشير أبو ربيعة، وليس عن ستالون. أبو ربيعة شارك بالعمل في ذلك الفيلم الذي استأجرت شركة «كارولكو» الأميركية خدمات الجيش الإسرائيلي كمجاميع وخبرات لتصوير تلك الأحداث التي كان لا بدّ من تصويرها هناك.

أبو ربيعة يتحدث (بالعبرية طوال الوقت باستثناء 3 كلمات في نهاية الفيلم) عن الأرض التي احتلتها إسرائيل. حسب وصف مؤلم، مُنح بدو المنطقة، الذين ينتمي إليهم المتحدّث، وقتاً قصيراً لمغادرة المكان الذي أصبح فيما بعد محمية عسكرية. مَن تأخر في المغادرة أطلقت القوات الإسرائيلية النار ترهيباً، ومن ثمّ حرقت خيامه وجماله.

يدخل أبو ربيعة إلى منزله في القرية التي أوى و11 ألفاً ممن بقوا أحياء أو لم ينزحوا للعيش في الضفة الغربية (من بين 30 ألف فرد، حسب المتحدّث)، ويتحدّث عن رسوماته وعن الأفلام العديدة التي يشاهدها («مشهد واحد من فيلم أكيرا كوروساوا يساوي مائة فيلم آخر»، كما يقول). تصاحبه الكاميرا إلى تلك الأرض العارية غالباً من أثر الحياة، ونجده واقفاً يتحدّث عن شجرة تقف وحيدة في ذلك المكان المقفر متحدّيةً نقص الماء.

هناك حب للمكان وحب للطبيعة، يعبّر أبو ربيعة عنه بكلمات ونظرات. حسنة المخرج (مان) أنه يحسن التقاطها ولا يغفلها مطلقاً. الكاميرا تبقى على وجه أبو ربيعة حتى بعد أن يصمت ناقلة مشاعره وتلك الآلام الداخلية التي تصاحب البوح.

ينجح الفيلم، الذي أُنتج قبل الحرب الحالية، في إيفاء الموضوع حقّه من الاهتمام. يتفهّم ولا يُناقش بل يستمع ويتركنا نستمع أيضاً.

ما لا ينجح به هو محاولة أن يكون، فنياً، أعلى من المُتاح، خصوصاً عندما يصر على سماع صوت المخرج وهو يكتب لسيلفستر ستالون اليوم ليخبره عن مشاغل غير مهمّة. يفعل ذلك لأنه يريد توطيد علاقة ما بين موضوعه وموضوع فيلم «رامبو 3» وبطله.

ما يرتسم في خلفية كل شيء أن «رامبو 3» كان ضد الاحتلال الروسي لأفغانستان، وفيلم دانيال مان هو (إلى حد معيّن) ضد احتلال تلك المنطقة من فلسطين. في مشهد لا يستمر طويلاً الكاميرا تقع من بين يدي مصوّر يعتدي عليه رجل إسرائيلي. بذلك، الكاميرا التي أتاحت للفيلم الأميركي أن يكون بروباغاندا هي الأداة التي يُراد لها أن تُمنع من تصوير وضع آخر.

• عروض مهرجان روتردام هذا الشهر...

PROUD VALLEY ★★★★

إخراج: بن تنيسُن | دراما | بريطانيا | 1940

عدّ المعنيون أن السينما الواقعية الجديدة (ما القديمة؟) وُلدت في النصف الثاني من الأربعينات بإيطاليا الخارجة من الحرب العالمية الثانية، في مهب متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.

هذا إلى حد صحيح، لكن يجب ألا يعني ذلك أن أحداً، في مكان ما حول العالم، لم يسبق تلك الموجة بأخرى واقعية مماثلة. فيلم بن تنيسُن (واحد من ثلاثة أفلام له فقط أخرجها ما بين 1939 و1940 قبل موته في حادثة طائرة) «وادي الفخر» واقعي بدوره، وإن استخدم ممثلين محترفين في الواجهة (التمثيل بحد نفسه من قِبل غير المحترفين عنصر واحد مما ألّف الواقعية الإيطالية). هذا الفيلم سبق تلك الإيطالية بسنوات، وتضمّن مشاهد واقعية التنفيذ والأسلوب إلى حد بعيد.

بول روبسن في «وادي الفخر» (كاباد)

يبدأ ببحار أميركي أسود (بول روبنسن) يصل إلى بلدة صغيرة في منطقة ويلز البريطانية تعيش على منجم فحم في الجوار. يجد عملاً بسبب صوته الأوبرالي. حين ينهار المنجم تسود البطالة، ولإنقاذ الوضع يسير مع بعض العمال من هناك إلى لندن لمقابلة أصحابه وجهاً لوجه، ومطالبتهم بإعادة فتح المنجم الذي سيساعد بريطانيا في حربها المعلنة ضد ألمانيا آنذاك.

ليس فيلماً وطنياً، بل محض دراما اجتماعية تعتمد على تواجد أفرو - أميركي في مجتمع منطقة ربما لم ترَ رجلاً أسود البشرة من قبل. المفارقة جزء أساسي من الفيلم. قبوله واحداً من أفراد المجتمع يمرّ من دون توقف عنده. (إلا عبر رأي معارض واحد)، ربما كان لهذا الموضوع حضور أوفى، لكن الحكاية ليست عن وضع عنصري أساساً؛ ما يمنح الفيلم عذراً. إنه عن الفقر بين عمّال المناجم وقسوة الظروف ومخاطر العمل (مع قصّة عاطفية بين عامل شاب وفتاة يريد الزواج منها لولا البطالة).

ما يحتل المرتبة الأولى من حسنات هذا الفيلم المعايشة الواقعية فوق سطح الأرض وتحته في أنفاق المنجم. والكاميرا التي تعلم تماماً لماذا هي هنا ولماذا تتحرّك هكذا. كمثال بسيط، هناك ذلك المشهد حيث الكاميرا أمام مجموعة من النساء والرجال الذي يغنون في كنيسة. بعد نحو 30 ثانية تتراجع الكاميرا عنهم وتصعد لتشملهم في مشهد عام. خلال ذلك الارتقاء والابتعاد ينخرط دور الكاميرا بالمعاني الدينية على أفضل وجه. إخراج تنيسُن ماهر، وما يثيره من أجواء واقعية طبيعي وليس مفتعلاً. وليست هناك حاجة لبلورة أسباب للتشويق؛ كون الحكاية وما يقع خلالها تتولى ذلك.

• عروض: DVD ومنصات.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )

روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيه

روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
TT

روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيه

روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)
روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)

يعود المخرج السويدي روبن أوستلند إلى الشاشات في العام المقبل بفيلم جديد عن الترفيه... أو - بالأحرى - عن عدمه.

الفيلم يحمل عنواناً دالاً «نظام الترفيه معطل» (The Entertainment System is Down)، وهو من بطولة مجموعة كبيرة من نجوم أميركا وأوروبا من بينهم وودي هارلسون وكيانو ريڤز وكريستين دانست وسامنتا مورتون ودانيال برول وجول إدجرتن.

بوصلة الفعل

العنوان هو إشارة لعبارة مطبوعة تظهر على شاشات الطائرات المتلفزة خلال الرحلات إذا ما أصاب عطل تقني البث في كل أقسام الطائرة.

الرحلة طويلة من غرب الولايات المتحدة إلى أوروبا، والركاب جميعاً تعوّدوا على مشاهدة ما تعرضه محطات الطائرة من أفلام وبرامج ترفيهية أو رياضية أو أخبار أو أغانٍ وموسيقى. هكذا اعتادوا وهكذا يتأمّلون في زمن قلّ فيه عدد من يعمد على الكتب ليقرأها. إنه الزمن نفسه الذي لم يعد بالإمكان مطالعة الصحف والمجلات فيه، لأنها محدودة أو ممنوعة في الرحلات الجويّة.

«الميدان» (بلاتفورم برودكشن)

السؤال الظاهر الذي يطرحه الفيلم الجديد: ماذا سيفعل الركّاب في رحلة ستستغرق 10 ساعات أو أكثر ما بين عاصمتين متباعدتين.

السؤال الضمني هو ماذا فعل حب الترفيه بنا بحيث لم نعد قادرين على الحياة من دونه؟

هذا السؤال من مخرج تخصّص في الأسئلة الصعبة، كما حاله في «الميدان» (The Square) سنة 2017. و«مثلّث الحزن» (Triangle of Sadness) في 2022. كلاهما نال السّعفة الذهبية من مهرجان «كان» العريق. كل منهما ألقى نظرة ساخرة على أنماط الحياة التي نعيشها اليوم.

في «الميدان» شاهدنا أوستلند ينبري في معالجة غير متوقعة لتقديم حكاية مشرف على متحف في ستوكهولم يتعرّض لسرقة محفظته وهاتفه المحمول وهو في طريقه لعمله. فهو في سبيل حضور احتفاء فني يدعو فيه الناس لتحمّل مسؤولياتهم حيال الفن والمجتمع. الفيلم، في جزءٍ منه، يدور حول كيف أننا قد نفقد بوصلة الفعل الصحيح حال وقوع حادث مفاجئ. بطل الفيلم (كليز بانغ) يتصرّف من دون وعي ويجد نفسه سريعاً مع مديري المتحف الذين صرفوا ميزانية كبيرة على هذا المشروع.

لم يسرد الفيلم حكايته بتسلسل متواصلٍ أو بمشاهد هي بالضرورة متتالية على منهج منظّم، بذلك هو، في غالبيّته، عبارة عن مشاهد غير مترابطة تشبه فن النقش أو مثل مرايا تحيط بالمكان الواحد ومن فيه، بحيث تعكس ما ترويه من زوايا متعددة وليس على نحو متتابع بخط جلي واحد.

طرفا نزاع

لفيلمه التالي، «مثلث الحزن» انتقل إلى سؤال آخر يوجهه إلى مشاهديه.

يدور الفيلم أساساً حول الشاب كارل الذي جرى قبوله للعمل عارض أزياء (هاريس ديكنسن) وصديقته يايا (شاريبي دين). يبدأ الفيلم بمشاهد ساخرة لعملية انتقاء المرشّحين للعمل عارض أزياء ثم ينتقل بكارل وصديقته إلى عشاء في مطعم. الطاولة ليست الوحيدة التي تفصل بينهما، بل أيضاً منهج تفكير يرمي لطرح موضوع التوازن الذي يبدو مفتعلاً في علاقات اليوم. فهو يصرّ على أن تدفع هي ثمن العشاء. عندما توافق بعد تردّد يصر على أن يدفع. بين الموقفين وتبعاتهما هناك ما يبدو نزعة غير ناضجة لتأكيد الذات الذكورية أو، بنظرة أكثر شمولاً، نزعة صوب فرض معاملة بالمثل يلجأ إليها الطرفان في عالم اليوم.

هاريس ديكنسن في «مثلث الحزن» (إمبرتڤ إنترتاينمنت)

بعد ذلك هما على ظهر يخت في عرض البحر حيث سيستعرض المخرج شخصيات متعددة من ذوي الثراء. كارل ويايا لا ينتميان إلى تلك الزمرة، لكنهما لا يمانعان ممارسة حلم التقرّب والتماثل بما إنهما مدعوان (مجّاناً) لذلك. عبر هذا كله يرسم الفيلم صورة عن الطبقات وسوء التصرّفات حين الأزمات وكيف يعيش البعض منا في أوهام ترضيه.

الملل... الملل

الفيلم الجديد سيُعالج مسألة الملل إذا ما وقع ما هو غير متوقع في حياتنا اليومية. في فيلمه الأسبق، يتعرّض بطل الفيلم للسرقة فتنقلب حياته رأساً على عقب. في الثاني يجد بطلا الفيلم نفسيهما مثل حمامتين وسط الصقور. هنا السؤال حول كيف سنتصرّف إذا ما وجدنا أنفسنا بلا قدرة على ملء فراغ حياتنا بالترفيه.

بعض ركّاب تلك الطائرة معرّضون لحالة إفشاء الأسرار على العلن. من بينهم الزوجان كريستين دَانست ودانيال برول اللذان كانا يعيشان في شرنقة من الخداع العاطفي، فكل منهما خان الآخر في علاقات عاطفية جانبية.

من دون أن يكشف المخرج عن تفاصيل الحكاية ودور باقي الشخصيات فيها، فإن الفيلم (الذي يُصوّر حالياً في طائرة فعلية من دون مشاهد خارجية) هو عن عاصفة أخرى تضرب الطائرة ومن فيها.

على أن سرد الحكاية وحدها ليس من عادة المخرج أوستلند كما برهن سابقاً.

موضوع الترفيه (ذَ إنترتاينمنت) بوصفه وسيطاً بين الإنسان وعالم آخر يجذبه ولا يستطيع دخوله فعلياً هو أكثر من رمزٍ قائم لحالة أي منا قد يجد نفسه محروماً، لسبب أو أكثر، من متابعة الترفيه ليكون خطاً يسير متوازياً مع حياته الواقعية. بالتالي، قد نتعرّض، حين مشاهدة الفيلم، إلى السؤال الأصعب: ماذا لو أن السينما وأفلامها اختفت من الظهور؟ ماذا لو أدّى التقدّم التقني لتعطيل الإنترنت الذي بتنا نصرف عليه ساعات حياتنا الثمينة؟ إنهما سؤالان جديران بالطرح، وأوستلند يتولّى ذلك في «نظام الترفيه معطّل».