السينما قبل 50 سنة تجلّت في نجاحات رائعة

تحفل بكوارث غير طبيعية ومؤامرات

آل باتشينو: «العراب 2» (باراماونت)
آل باتشينو: «العراب 2» (باراماونت)
TT

السينما قبل 50 سنة تجلّت في نجاحات رائعة

آل باتشينو: «العراب 2» (باراماونت)
آل باتشينو: «العراب 2» (باراماونت)

مخرجان فقط من بين الأسماء المتداولة حالياً بعد إعلان ترشيحات الأوسكار كانا من بين الأسماء التي صنعت أفلاماً جديرة بالمشاهدة قبل 50 سنة. لم يكن هناك بعد يورغوس لاتيموس ولا جوستين ترييه ولا برادلي كوبر أو مارغوت روبي ولا كوثر بن هنية أو رايان غوسلينغ.

أما هذان الاسمان فهما مارتن سكورسيزي وفم فندرز. واحد أميركي من أصل إيطالي، والآخر ألماني حقق بعض أفلامه في الولايات المتحدة وقليلاً منها في اليابان (بما فيها «يوم مثالي» المرشّح لأوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية).

سكورسيزي كان أخرج، في سنة 1974 «أليس لم تعد تعيش هنا» الذي كان فيلماً نادراً بالنسبة إليه آنذاك، وإلى اليوم كونه فيلماً رومانسياً، أما فيم فندرز فكان لديه «أليس» أخرى في فيلم درامي (كمعظم أعماله) بعنوان «أليس المدن» (Alice in the Cities).

عمر الشريف في «جغرنوت» (يونايدت آرتستس)

عصابات ومؤامرات

كل من فندرز وسكورسيزي كانا مجرد اسمين بين عدد كبير من المخرجين الذين حققوا أفلاماً رائعة (عديد منها أفضل من الفيلمين المذكورين) شهدت نجاحات نقدية وجماهيرية ممتازة، وبعضها ما زال من الممكن مشاهدته اليوم بالإعجاب نفسه كونها لم تخسر شيئاً من قيمتها الفنية أو حضورها كإنجازات سينمائية باهرة.

أبهرها فيلم عصابات لم يقع مثله لا قبل ولا بعد عنوانه «العراب 2». دون كارليوني (مارلون براندو)، كان سلّم مهام إدارة المنظّمة إلى ابنه مايكل (آل باتشينو)، الذي خطط للانتقام من كل من تآمر على أبيه (في الجزء الأول قبل عام). إنه بداية دون جديد. أما القديم، ذلك الأب الذي لا تمنعه رئاسته لإحدى عائلات المافيا، من التمسك بمبادئ أخرى. الكاميرا تلاحقه، في الجزء الثاني وهو في حديقة منزله يلاعب حفيده وسط الأشجار وفجأة... انتهى دوره. سقط ميّتاً.

في العام التالي، خطف «العرّاب 2» أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل مخرج وأوسكاراً للممثل روبرت دينيرو أفضل ممثل مساند. دينيرو هذا العام هو أيضاً من بين المرشّحين لأوسكار أفضل ممثل مساند عن «قتلة ذَا فلاور مون» لسكوسيزي.

كان لكوبولا فيلم آخر في عام 1974 هو «المحادثة» مع جين هاكمن في البطولة. هذا كان فيلم مؤامرات يرمز ولا يتهم السُلطات العليا بالتجسّس على المواطنين.

في ظل تيار من أفلام المؤامرة برز كذلك فيلم ألان ج. باكولا «بارالاكس فيو» مع وورن بَيتي في دور الصحافي الذي يكتشف وجود دولة عميقة مسؤولة عن مقتل عدد من القضاة المستقلين. اكتشافاته تضعه في خطر الاغتيال بدوره.

بيرت رينولدز: «ذا لونغست يارد» (باراماونت)

الحديث عن الزعامات، من «العرّاب 2» إلى تلك الخفية في «بارالاكس فيو» شمل كذلك «أحضر لي رأس ألفريدو غارسيا» للعتيد سام بكنباه و«ذا لونغست يارد» لروبرت ألدريتش.

في فيلم باكنباه أميركي عاطل عن العمل ويعيش حالياً في بعض ريف المكسيك (وورن أوتس) يوافق على مهمّة لقاء مبلغ كبير من المال وهي قتل وإحضار رأس الشخص الهارب من سلطة زعيم مكسيكي كبير (إميليو فرنانديز). يحضر الرأس لكن النهاية تبقى غير متوقعة.

الفيلم الثاني عن رئيس سجن اعتاد على الزعامة يطلب من لاعب كرة «رغبي» سابق (بيرت رينولدز) تدريب فريق من المساجين لكي يواجهوا فريقاً من حراس السجن على أن يخسر فريق المساجين عمداً. إما هذا، يقول له مدير السجن، أو «تبقى في هذا السجن للأبد».

4 كوارث

بيرت رينولدز كان نجماً في ذلك الحين كذلك كلينت إيستوود، لكن الثاني انتهى إلى فيلم لم يؤثر عنوانه «ثندربولت ولايتفوت»، الذي كان الفيلم الأول لمايكل شيمينو («صائد الغزلان») وراء الكاميرا. بينما لم يسجل فيلم إيستوود/ شيمينو نجاحاً يُذكر، احتل «ذا لونغست يارد» المرتبة الثامنة بين الأفلام العشرة الأولى التي سجلت أعلى إيراد في عام 1974.

كان 1974 مناسبة لإطلاق تيار من الأفلام الكوارثية: هناك طائرة مدنية من دون طيار ستهوي فوق الرؤوس إلا إذا استطاع شارلتون هستون التسلل إليها وهي في الأجواء العليا عبر طائرة أخرى تلتصق بها. هذا في «طائرة 2» (أو Airport 1975 كما عنوانه التسويقي) الذي أخرجه جيداً - بصرف النظر عن فانتازيّته - قادم من التلفزيون اسمه جاك سمايت.

لم يكن «طائرة 2» الفيلم الكوارثي الوحيد، بل صاحبه في التنافس على محبي المخاطر من الجمهور «جوغرنوت» كما أخرجه ريتشارد ليستير مع عمر الشريف (كابتن الباخرة) وريتشارد هاريس وآنتوني هوبكنز من بين آخرين. المعضلة هنا هي وجود باخرة بحجم «تايتانك» زرع فيها إرهابي (أبيض) ست قنابل ستنفجر واحدة تلو الأخرى إلا إذا دفعت الحكومة الأميركية فدية مالية ضخمة.

لكن الفيلم الكوارثي الأنجح أكثر من سواه كان «جحيم برجي» (Towering Inferno) للبريطاني أيضاً جون غيلرمن مع ستيف ماكوين وبول نيومان وفاي داناواي ونصف دزينة من النجوم الآخرين. الخطر هنا صادر عن حريق في طابق علوي من ناطحة سحاب، والسؤال هو كيف سيتصرّف سكان الطوابق الأعلى من خطر الموت؟

شمل هذا التيار كذلك فيلماً كوارثياً رابعاً هو «زلزال» لمخرجه لمارك روبسون (وبطولة متعددة الأسماء قادها شارلتون هيستون أيضاً. في هذا الفيلم يقع الزلزال الموعود لمدينة لوس أنجليس، ويتابع الفيلم مصائر ومواقف شخصيات مختلفة. لإنجاحه أكثر، وزّعت شركة «يونيفرسال» على صالات السينما من بيروت إلى نيويورك، ومن باريس إلى ساو باولو أجهزة لإيهام المُشاهد بأن كرسيه يتحرك به في تلك اللحظات الحاسمة عندما يقع الزلزال وهزاته اللاحقة.

لم يكن هناك نقص لا في عدد المخرجين ولا في عدد النجوم الكبار. ولم يكن الأمر بالنسبة للفريقين إلا نتيجة جهد لإثبات فعل الفن في جوار التجارة أو أمامها. رومان بولانسكي وجاك نيكلسون فعلا ذلك مناصفة في «تشايناتاون» في 1974 لكنه لم يتسلق سلّم العشرة الأكثر نجاحاً الذي احتل فيه «العراب 2» المركز السادس تجارياً والأول فنياً.

من أفلام الجريمة «جريمة في قطار أورينت إكسبرس» لسيدني لومِيت و«ياكوزا» لسِيدني بولاك و«رغبة موت» لمايكل وينر.

جيمس بوند أطل في حلقة أخرى من مغامراته عبر «الرجل ذو المسدس الذهب»، وعلى نحو مختلف من المغامرات تابعنا «الرحلة الذهبية للسندباد» لغوردون هيسلر.

أوروبا، بدورها، كان لها نصيب كبير في توفير تلك الأفلام الفنية المرموقة. نتحدث عن «علي: الخوف يأكل الروح» لراينر فاسبيندر، و«سيلين وجولي في رحلة يخت» للفرنسي جاك ريفيت. و«صانع الساعات» لبرتران تافرنييه و«لانسيلوت البحيرة»، ومن ثمّ «نادا» لكلود شابرول، و«فنسنت، فرانسوا، بول والآخرون» لكلود سوتيه.

الشيخ وشاهين

في السينما المصرية، كانت هناك أفلام عديدة تستحق الإشارة اليوم: «الهارب» لكمال الشيخ الذي كتبه رأفت الميهي وشارك في بطولته حسين فهمي وكمال الشناوي وشادية ومريم فخر الدين. هذا الفيلم لم يخلُ من السياسة، ناقلاً صورة عن السلطات في مطاردتها لمعارض. في السياسة نفسها، لكن من بابه الخاص، قدّم يوسف شاهين «العصفور»، الذي دار حول الفترة العصيبة التي تلت هزيمة 1967 وما صاحبها من شعور بالأسى.

هذه بعض الأفلام ذات المتن الثقافي والفني، أما على صعيد التجارة في السينما المصرية فلربما يكفي في هذا الاستعراض الموجز الإشارة إلى أن أربعة من أفلام الميلودرامية في ذلك العام كانت جيدة وهي «العذاب فوق شفاه تبتسم»، و«عجايب يا زمن»، و«حكايتي مع الزمن»، وفيلمه الأنجح بينها «بمبة كشر».

أوسكار 74

نتائج الأوسكار في 1974 لم تشهد حضور أي فيلم من هذه المذكورة، وذلك لأن الأفلام التي تشترك في التنافس على جوائز الأكاديمية هي من نتاج العام السابق، 1973. هذا لا يمنع من عبور سريع على بعض الفائزين والمرشحين في ذلك العام.

في التمثيل خطف الجائزة جاك ليمون عن دوره الدرامي في فيلم «أنقذ النمر». وجده المقترعون أفضل شأناً من جاك نيكلسون في «التفصيلة الأخيرة» ومن آل باتشينو في «سربيكو» وروبرت ردفورد في «اللذعة».

نسائياً فازت بالأوسكار البريطانية الراحلة في العام الماضي غليندا جاكسون عن «لمسة ذات مستوى» (A touch of Class) وخسرتها باربرا سترايساند عن «كيف كنّا».

سعيد الحظ في مجال أفضل إخراج كان جورج روي هِيل عن «اللذعة»، وهو تقدّم على برناردو برتولوشي عن «التانغو الأخير في باريس» وإنغمار برغمان عن «صرخات وهمسات»، وجورج لوكاس عن «أميركا غرافيتي»، وويليام فرايدكن عن «طارد الأرواح».

أجنبياً فاز بها فرنسوا تروفو عن «ليلة أميركية»، وهو أوسكاره الوحيد لكنه نال جائزة «بافتا» في العام نفسه كأفضل مخرج وعن الفيلم نفسه.

توب تن 1974

‫1- The Towering Inferno‬ كوارثيّ.

2- Blazing Saddles كوميديّ وسترن.

3- Young Frankestein كوميديا.

4- Earthquake كوارثيّ.

5- The Trial of Billy Jack دراما ومحاكمات.

6- The Godfather Part II دراما عصابات.

7- Airport 1975 كوارثيّ.

8- The Longest Yard دراما سجون.

9- Death Wish بوليسيّ.

10- The Life and Times of Grizzly Adams مغامرات.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز