شاشة الناقد

من «ناقة» (نتفليكس)
من «ناقة» (نتفليكس)
TT

شاشة الناقد

من «ناقة» (نتفليكس)
من «ناقة» (نتفليكس)

الكاميرا بديعة في فيلم ومتكلّفة في فيلم آخر. وكلاهما عن كارثة يختلف حجمها. الفيلم الثالث تراجيديا ذلَّل تأثيرها مخرج يريد أن يقدم أغاني واستعراضات.

Leave the World Behind ★★★★

إخراج: سام إسماعيل

الولايات المتحدة | 2023

هناك خطر كبير إذا ما أقدم فيلم ما على إخفاء أسباب الأزمة التي يعرضها. لكن فيلم سام إسماعيل (له خلفية تلفزيونية أميركية ناجحة) يجرؤ على إخفاء تلك الأسباب وتحويل ما نراه إلى لغز متواصل من دون أن يشكل ذلك أي نقص أو تقصير. على العكس، ربما إبقاء ما يدور من دون إفصاح عن هويّته أو هيئته أفضل مما لو فعل، لأن تغييب هذه الحقيقة يساعد الفيلم على إتقان تشويقه، وربما على نحو مضاعف.«اترك العالم خلفك» فيلم خيال علمي عن غزو الأرض من دون أن نعرف مَن هو الغازي. ما نراه تأثير الغزو؛ من قطع اتصالات، والتسبب في كوارث طيران وسير، وعزل الناس بضعهم عن بعض.

عائلة ساندفورد المؤلفة من الزوج (إيثان هوك) والزوجة (جوليا روبرتس) وابنهما الشاب آرتشي (تشارلي إيفانز) وابنتهما الصغيرة روز (فرح مكنزي) ينتقلون من مدينة نيويورك إلى بيت استأجروه يقع على ساحل الولاية. في مشهد مبكر تلحظ روز باخرة ضخمة متّجهة إلى الشاطئ، لا لترسو في الميناء بل لتصل إلى رمال الشاطئ نفسها. يهرع مَن على الشاطئ هرباً أو ابتعاداً. لا شيء يشي بأن هناك حياة مأهولة فوق تلك الباخرة. في ساعة متأخرة من الليلة نفسها، يسمع الزوجان طرقاً على الباب. الطارق هو أفرو - أميركي: سكوت (ماهرشالا علي) وابنته روث (ميهالا). هو صاحب البيت، ويبرر حضوره بأن الطرقات مسدودة، ولا يبدو أن حياة من أي نوع في تلك الليلة.

يوظف الفيلم ذلك القدوم المفاجئ لسكوت من حيث إن الزوجة أماندا لم تكن تتوقع أن يشاركها أحد في هذا المنزل، حتى ولو كان صاحبه. الزوج كلاي أكثر تفهماً، لكن جزءاً لا بأس به من الحبكة يدور حول هذا الوضع من قبل أن يكتشف الجميع أن الوضع كارثي، وأن هناك غزواً ما غير معروفِ المصدر. الهواتف والمحطات التلفزيونية وأي نوع من التواصل على الإنترنت مقطوعة.

في مشهد دالٍّ، يقول جار لهما (الجيد على قصر دوره كيفين بيكين) إن مصدر الغزو سيبراني في الأساس، من فعل كوري - صيني، لكن الزوج كلاي في محاولته قبل يوم واحد البحث عن مكان مأهول يلتقط منشوراً ساقطاً من السماء مكتوباً فيه بالعربية: «الموت لأميركا». لاحقاً ما يعرب سكوت عن رأيه في هذا الموضوع: «أميركا خلقت لنفسها عداوات دولية كثيرة. ربما اجتمعت للنيل منها». لا يكشف الفيلم ماهية هذا الغزو، لكنه لا يُبقي المسألة خارج نطاق المقارنة بين الحقيقة الغائبة ونظرية المؤامرة التي اشتغلت عليها أفلام السبعينات.

يذكّر الفيلم بأعمال م. نايت شيامالان، منها: «القرية» 2004. و«علامات» 2002. و«الحاسة السادسة» (1999) لكن المميّز في هذا الفيلم عن مجمل ما حقّقه شيامالان هو تأمين وصول شحنة التشويق صافية. لا يهم ما الذي يحدث في الخفاء وحده، بل كيف يتصرّف الناس تبعاً لذلك. أيضاً يفعّل إسماعيل العلاقات بين أبطاله على نحو مدروس. هناك شخصيات حقيقية بمخاوفها المبررة وتمثيل ممتاز من جوليا روبرتس وإيثان هوك وماهرشالا علي. في الواقع الفيلم مسرود بقوّة شخصياته وما تتبادله من مواقف، وسام إسماعيل يفعل كل ذلك بمقدرة ممتازة من دون أن يفلت منه أي خيط. التشويق مضمون من البداية وحتى آخر 5 دقائق. بعد ذلك هناك خاتمة مخيبة للآمال.

عروض: على المنصّات الإلكترونية

The Color Purple ★★

إخراج: ‪ بليتز بازاوولي‬

الولايات المتحدة | 2023

في عام 1985 حقّق المخرج والمنتج ستيفن سبيلبرغ فيلماً مأخوذاً عن ذكريات وضعتها أليس ووكر في كتاب عنوانه «اللون الأرجواني» تحدّثت فيه عن مشاق حياتها ومحاولتها البحث عن خلاص مِن وضع جائر سببه سوء معاملة زوجها لها وإحباطات نفسية أخرى. فيلم سبيلبرغ كان استعطافياً بدا فيه المخرج كما لو أنه يريد التأكيد على ليبراليّته وشعوره الإيجابي حيال مأساة المرأة الأفرو - أميركية.

بعد كل هذه السنوات يُنتج سبيلبرغ هذه النسخة الأخرى المستخلصة لا من الرواية فقط، بل من معالجة مسرحية قُدمت على مسارح نيويورك ولندن. هذه المعالجة المسرحية هي «ميوزيكال» أيضاً، وهذا ما سعى لتحقيقه المخرج الغاني الذي كان هاجر إلى أميركا ليثبت حضوره في عوالم مختلفة؛ فهو مغنٍّ ومؤلف أغانٍ وفنان فيديو وبصريات، والآن مخرج ومنتج. الرواية صادقة في موضوعها ومؤلمة. فيلم سبيلبرغ يحاكيها ولو تصنّعاً، لكن الفيلم الجديد يوفرها كملهاة من الأغاني والاستعراضات. ما بين الأغنية والأخرى هناك هامش تمثيلي علينا متابعته. إذا كنت من هواة «الميوزيكال»، فستنتظر المقطوعة التالية، وإذا لم تكن فإن الدراما لن توفّر إلا القليل من المشاهد العاطفية. التمثيل من تراجي بي هينسون، ودانييلا بروكس، وفانتازيا بارينو (التي تلعب دور المرأة الضحية) جاء صادقاً، لكن ما عدا ذلك ليس في الفيلم ما يجذب المُشاهد الراغب في مشاركة بطلاته ذلك الشعور بالتعاطف. ما على الشاشة حركة وحكاية ولا شيء في العمق. التراجيديا الشخصية ماثلة لكن بلا شعور يصاحبها.

يُمنّي الفيلم نفسه بتحقيق الغاية العاطفية من ورائه، لكنه يخفق في التنفيذ، كحال العديد من الأفلام المماثلة في طموحاتها غير المنجزة.

ناقة ★★

إخراج: ‪ مشعل الجاسر‬

السعودية | 2023

يبدأ الفيلم بوعد لا يتحقق: لقطات من زوايا متعددة تحيط بالمكان، ومن ثَمّ بشخص مسلّح ببندقية يدخل غرفة اجتمع فيها بعض الأطباء لطمأنة امرأة على وضعها الصحي ووضع طفلها الوليد. يطلق الرجل رصاص بندقيّته الرشاشة على الجميع، ويرديهم قتلى.

إلى هنا، ينتهي الوعد ويبدأ الفيلم. سارة (عدوة بدر)، تقابل صديقاً لها: سعد (يزيد المجيول)، الذي يريد التوجه بها إلى حفل مُقام في الصحراء قريباً من مدينة الرياض. يتوقفان قبل ذلك عند منطقة تشرف على الطريق الممتدة ويشهدان بعض الشغب قبل أن ينطلقا مجدداً بالسيارة. يتوقفان عند سيارة لبيع المثلّجات، ويشاهدان سوء معاملة شلّة من الرجال للعامل المسكين. سارة تريد العودة إلى البيت تلافياً للتأخر عن موعد الالتزام بالبيت؛ هي تعيش في عائلة محافظة والأب لا يسمح لابنته بالبقاء خارج البيت لما بعد ساعة معيّنة، لكن سعد (الذي يبدأ المُشاهد بالشك في مآربه) يصرّ على استكمال الرحلة خلال مشادة على الطريق، حين يصطدم في عتمة الليل بناقة وليدة عن غير عمد. يكملان الطريق إلى مضرب من الخيام حيث المخدّرات مباحة وأنواع اللهو الأخرى. تصرّ سارة على العودة، ولو منفردة، والطريق محفوفة بالمخاطر. لبّ الفيلم محاولتها العودة وحيدة ليلاً ومن دون هاتف يعمل.

الحكاية تشويقية، وحبكتها اجتماعية ناقدة. ما يفسد الكل ذلك أن المخرج ومدير تصويره يختاران حركات كاميرا مختلفة المهام بهدف مزج الموضوع (الذي يحتوي على هلوسات) بالشكل المناسب (افتراضاً) له. بذلك تصاحب الهلوسات كاميرا مرتبكة (عن قصد)، والهروب بكاميرا مهزوزة للزوم التشويق. لكن هذه الحركات لا تؤدي مفعولها على النحو الذي بدأ الفيلم به، لأنها لم تعد جمالية، بل متكلّفة؛ ما يطيح، عملياً، بقيمة المضمون الذي يحاول الفيلم طرحه.

عروض: مهرجانات البحر الأحمر وتورونتو

وحالياً على «نتفليكس».



مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
TT

مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)

يعود مهرجان «ڤينيسيا» إلى الأضواء مجدداً في 27 من الشهر المقبل وحتى 11 من الشهر التالي، ومعه يعود الحديث عن أحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم، والحدث الأول في عداد الاهتمام بتوفير النوعية بعيداً عن اللمعان الخاطف والبهرجة المعهودة لمهرجانات أخرى. المهرجانان الآخران هما «برلين» و«كان». الأول يقف على أهبة تغيير شامل حالياً لكي يعاود إطلاقاً جديداً بعد سنوات من تآكل البرمجة، والثاني يشبه قطار إكسبرس جامح ملئ بالأنوار والإغراءات الإعلامية وعقود البزنس.

اختلاف «ڤينيسيا» يبدأ بالتقدير الكبير الذي يكنّه له نقاد السينما العالميين، وذلك تبعاً لما ينتخبه من أفلام ويوفره من برامج.

الحال أن الدورة الـ81 لا تختلف مطلقاً عن الدورات السابقة في هذا المجال. أفلام عديدة، وأسماء كبيرة وأخرى جديدة واعدة، وأقسام تتنقل بينها وكل منها يوفر متعاً بصرية مختلفة.

مايكل كيتون ووينونا رايدر في «بيتلجوس» (بلان ب انترتاينمنت)

بداية ونهاية

الافتتاح سيكون من نصيب الفيلم الأميركي (Beetlejuice Beetlejuice) «بيتلجوس، بيتلجوس» لتيم بَرتون، الذي أنجز بدوره «بيتلجوس» الأول سنة 1988 حين كان لا يزال في بداياته. الآن يعاود طرق باب هذه الفانتازيا التي منحته مكانة لدى النقاد مع ممثلين جدد (مونيكا بيلوتشي، وويليم دافو، وجينا أورتيغا، داني ديفيتو)، وقدامى لعبوا أدوارهم في الفيلم السابق (مايكل كيتُن، كاثرين أوهارا، ووينونا رايدر).

فيلم الختام إيطالي للمخرج بوبي أڤاتي بعنوان «الحديقة الأميركية» (L‪’‬orto americano) مع ثلاثة ممثلين في القيادة ينتمون إلى الجيل الجديد، هم كيارا كازيللي، وفيليبو سكوتي، وأندريا رونكاتو. كلا الفيلمان يعرضان خارج المسابقة.

بين الافتتاح والختام 21 فيلماً في المسابقة الرسمية من بينها فيلم جديد للإسباني بيدرو ألمودوڤار بعنوان «الغرفة المجاورة» (The Room Next Door) مع تيلدا سوينتون، وجوليان مور.

في «ساحة المعركة» (Campo di Battaglia) للإيطالي جياني أميليو سنجد الإنفلونزا الإسبانية اجتاحت المدينة التي تقع فيها الأحداث خلال الحرب العالمية الأولى وتنافُس طبيبين على حب ممرضة.

المخرج التشيلي بابلو لاران (الذي استعرضنا له قبل أسابيع قليلة فيلمه الجديد الآخر «الكونت») لديه جديد بعنوان «ماريا» عن المغنية الشهيرة ماريا كالاس (تؤديها أنجيلينا جولي) وهو، حسب ما صرّح به المدير العام للمهرجان ألبرتو باربيرا، قد يكون آخر أعمال المخرج المستندة إلى شخصيات حقيقية التي بدأت سنة 2016 بفيلم «نيرودا».

من فيلم وولتر ساليس «لا زلت هنا» (فيديوفيلمز)

عودة ثنائية

هناك عودة من مخرج لاتيني آخر غاب طويلاً اسمه وولتر ساليس عبر فيلم «أنا لا زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) الفيلم يلعب على معنيين: الأول مشتق من ذكريات امرأة اختفى زوجها خلال حكم العسكر في البرازيل سنة 1964. والثاني حقيقة أن المخرج غاب لعشر سنوات كاملة تفصل ما بين هذا الفيلم وآخر أفلامه السابقة «جيا جانكي: رجل من فنيانغ». آخر مرّة شارك ساليس في هذا المهرجان كانت قبل 23 سنة عندما عرض - في المسابقة - «وراء الشمس» عن أحداث وقعت سنة 1910.

الإيطالي لوكا غوادانينو يوفر لمشاهديه فيلمه الجديد «غريب» (Queer) حول رجل يبحث عن آخر في مدينة نيو مكسيكو. البطولة لدانيال كريغ، ولسلي مانڤيل وجاسون شوارتزمان.

هناك فيلمان أميركيان قد يسرقان الضوء أولهما (The Order) «النظام»، والثاني (Joker‪:‬ Folie à deux) «جوكر، على حافة الجنون».

الأول للمخرج الأسترالي جوستين كورزل حول تحري في مدينة أميركية صغيرة تعاني من جرائم رهيبة. هو الوحيد الذي يؤمن بأن هذه الجرائم من ارتكاب عصابة إرهابية محلية. البطولة هنا لجود لو، ونيكولاس هولت.

أما «جوكر، على حافة الجنون» فهو الجزء الثاني من «جوكر»، الذي كان حصد الجائزة الأولى سنة 2019. المخرج تود فيليبس والبطولة ما زالت لواكيم فينكس، الذي يجسّد الدور كما لم يفعل «جوكر» آخر في أفلام «باتمان» السابقة. معه في الدور الرئيسي لايدي غاغا.

فيلم ثالث من أميركا يبدو أقل إثارة للاهتمام حالياً عنوانه «بايبي غيرل» من بطولة نيكول كيدمان، وهاريس ديكنسون، وأنطونيو بانديراس.

الاشتراك الأميركي موجود خارج المسابقة أيضاً. في هذا القسم، وإلى جانب «بيتلجوس، بيتلجوس» سنستقبل الفيلم التسجيلي الجديد «منفصلان» (Separated) الذي كان عرض سنة 2013؛ فيلمه الأسبق (The Unknown Known) «المعلوم المجهول» حول حرب العراق ودور وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد فيها.

هناك أيضاً «وولفز» (Wolfs)، الذي يجمع بين براد بِت وجورج كلوني في تشويق معاصر (العنوان الإنجليزي الوارد هنا هو المستخدم للفيلم عوض Wolves).

جبهتان ساخنتان

طبعاً لا يوجد مهرجان بهذا الحجم من دون سياسة. هناك حربان دائرتان في العالم حالياً؛ واحدة في فلسطين، والأخرى في أوكرانيا.

يعالج الأولى المخرج الإسرائيلي أمور غيتاي عبر فيلمه «Why War» (من دون إشارة السؤال)، ويطرح الثانية الفيلم التسجيلي الروسي «روسيا في الحرب» لأناستاسيا تروفيموڤا. فيلم آخر عن الموضوع الفلسطيني نجده في فيلم تسجيلي آخر «إسرائيل فلسطين على التلفزيون السويدي: 1958 - 1989» كما يكشف عنوانه.

حقيبة المهرجان العام الحالي مزدحمة بأنواع الموضوعات المطروحة، وبالفنانين الواقفين وراء كاميراتها. وإلى جانب من ذكرناهم، اليابانيان تاكيشي كيتانو، وكيوشي كوروساوا، والصيني وانغ بينغ، والفرنسيان إيمانويل موريه، وكلود ليلوش، والبريطاني عاصف قبضايا، الذي يوفر فيلماً وثائقياً عن المخرج كريس ماركر وفيلمه «المرفأ» (La Jetée) المُنتج سنة 1962 حول مصير العالم كما تخيّله ماركر آنذاك.