نوافذ سعودية مفتوحة أمام جميع الوافدين

أسباب ثلاثة لوصول المهرجان إلى مرحلة النضج

من الإمارات فيلم «دلما» لحميد السويدي
من الإمارات فيلم «دلما» لحميد السويدي
TT

نوافذ سعودية مفتوحة أمام جميع الوافدين

من الإمارات فيلم «دلما» لحميد السويدي
من الإمارات فيلم «دلما» لحميد السويدي

بعد تسعة أيام حافلة أسدلت الستارة على الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر»، الذي انطلق في 30 من الشهر الماضي واستمر لتسعة أيام عرض فيها قرابة 150 فيلماً في مختلف أقسامه التي يتقدمها، بطبيعة الحال، قسم المسابقة الرسمية التي يرأس لجنتها المخرج الأسترالي باز لورمَن.

في هذا القسم، وكما سبق أن أشرنا، فيلمان سعوديان ذَوَا أهمية وجودة هما: «نوره» و«مندوب الليل». وخارج المسابقة ما لا يقل عن 20 فيلماً سعودياً أخرى، من بينها تسعة روائية طويلة، بما فيها الفيلمان المذكوران.

تدلف بنا هذه الحال إلى ثلاث ملاحظات مهمّة تستدعي الاهتمام والتداول؛ لأنها منصبّة في إطار النشاط الذي تعيشه السينما السعودية اليوم.

الملاحظة الأولى هي أن العدد الغفير من الأفلام السعودية المعروضة في أكثر من قسم هو إعلان واضح عن نجاح المؤسسة الرسمية في خطّتها لدعم صناعة السينما المحلية. صار بالإمكان الحديث عن «سينما سعودية خالصة»، في مقابل ما كان الوضع عليه حتى سنوات قليلة سابقة حين كان التعبير عن وجود هذه السينما محدداً بعبارة «أفلام سعودية».

والملاحظة الثانية هي أن ما افتقده المخرجون السعوديون قبل ولادة هذا المهرجان الحيوي كان الفرصة لعرض الأفلام من حيث إنه إذا لم يكن هناك نافذة يطل الفيلم منها على الجمهور، من دون هذه النافذة، فلا تستطيع السينما السعودية تحقيق أي شيء ملموس.

من فيلم «إخفاء صدام حسين»

تعبير وعبور

لا يؤكد المهرجان هذه الحقيقة للمرّة الأولى؛ إذ سبق أن شاهدنا بدايات النهضة السينمائية السعودية عندما فتحت أربع مهرجانات سابقة له هذا المجال.

جميع هذه المهرجانات كانت إماراتية؛ أولها «أفلام من الإمارات» الذي وسّع عروضه ليحتوي على أفلام خليجية، و«مهرجان دبي السينمائي» و«مهرجان أبوظبي» (ولو بحدود أخف؛ كون معظم المخرجين الخليجيين فضلوا التعامل مع المدير الفني لمهرجان دبي مسعود أمر الله)، و«مهرجان أفلام الخليج» الذي كان امتداداً كبيراً للسينما الخليجية.

بعد توقف كل هذه المهرجانات، لأسباب مختلفة (رغم نجاحها) لم تُحرم السينما السعودية من منفذ تعبير وعبور وحدها، بل أصاب الوضع نفسه صناعة الأفلام الإماراتية، التي شعر مخرجوها بأن البساط سحب من تحتهم. الأمر نفسه بالنسبة للأفلام العراقية التي نشطت في مطلع هذا القرن مع ولادة مهرجان دبي، ثم انطفأت شعلتها مع نهاية تلك الفترة النشطة.

الملاحظة الثالثة تتكوّن من المخرجين أنفسهم.

معظمهم من الجيل الجديد تلا جيل هيفاء المنصور ومحمود صباغ. ليس أن فارق العمر كبير، لكن الظروف التي أدّت إلى تحقيق هذين المخرجين أفلامهما («وجدة» و«المرشّحة المثالية» للمنصور، و«عمرة والزواج الثاني» و«بركة يقابل بركة» للصبّاغ) قبل سنوات ليست بعيدة وليست كالظروف الحالية. آنذاك (قبل 10 سنوات فقط) كان الاندفاع لتحقيق «وجدة» و«عمرة والزواج الثاني» انطلق فردياً. عبّر بطبيعة الحال عن الخطوة التي ستعتمدها المملكة قريباً على نحو رسمي.

الظرف الجديد بالنسبة للمخرجين السعوديين خلال السنوات الأربع الأخيرة يختلف في أن خطوة المملكة باتت في حيّز التنفيذ. لم تعد طموحاً ولا رغبة ولا أملاً، بل واقعاً.

«هيئة الأفلام»، المؤسسة الرسمية التي يرأسها عبد الله آل العياف، الذي بدوره كان مخرجاً سينمائياً ممتازاً، تتعامل ضمن هذه الوثبة لإتاحة الفرص أمام المخرجين والمؤسسات الإنتاجية المختلفة.

الخطوة الكبرى كانت وضع السينما السعودية كلها تحت مظلّة واحدة اسمها تفعيل كل قطاع ممكن من أجل قيام صناعة سينمائية لا تشكو من أي نقص. وبالفعل هناك، لجانب الأفلام المنتجة محلياً، صندوق الدعم لإنتاجات عربية وأجنبية (مثل «جان دو باري» الفرنسي، و«أربع بنات» التونسي، و«إن شاء الله ولد» الأردني)، وإصدار كتب عن السينما، وإيجاد مجلة سينمائية متخصصة («كراسات السينما») ومهرجانان، عوض واحد هما «البحر الأحمر»، الذي يعنى بالصفة الدولية، ومهرجان «أفلام السعودية» الذي يتخصص في استقبال وعرض كل فيلم سعودي أنتج من سنة لأخرى.

أفلام العرب

هذه الملاحظات هي أيضاً الأسباب التي تقف وراء هذا النشاط الكبير للأفلام السعودية. وهي أسباب تكمّل بعضها بعضاً، ولا يمكن أن يغيب أحدها من دون أن يؤثر نوعياً ومادياً على ما تشهده السينما السعودية من انطلاقة فعّالة.

بالنظر إلى ما توفر من أفلام سعودية خلال هذه الدورة من «مهرجان البحر الأحمر»، فإن التعداد أكبر من إيجازه هنا. الحال نفسها بالنسبة لما لم نستعرضه بعد من أفلام المسابقة، فهناك سبعة أفلام عربية في المسابقة يستوقفنا منها فيلم «إخفاء صدّام حسين» للعراقي هلكوت مصطفى، الذي يحدد مراميه بالحديث عن الفلاح الذي أخفى رئيس العراق السابق في مزرعته تحت الأرض. يصرّ المخرج على أن الفيلم ليس سياسياً لكن السياسة تنساب منه كما سنرى في عرض لاحق له.

هناك كذلك، ومن الإمارات العربية المتحدة، «دلما» لحميد السويدي: دراما تشتغل عليها الكاميرا جيداً عن امرأة إماراتية ورِثت منزلاً فوق جزيرة صغيرة، فانتقلت من مدينة أبوظبي إلى ذلك المكان، حيث وحدتها تصبح حالة دائمة، وسبباً لمشكلة طارئة.

أفلام قصيرة

ما هو مثير للتقدير أيضاً أن الأفلام السعودية القصيرة تشكّل موقعاً مناسباً للتعبير عن أوضاع اجتماعية تتمحور حول الطامحين (والطامحات) لتحقيق الذات على نحو مزدوج. فمن ناحية، هي شخصيات داخل الأفلام، ومن ناحية أخرى هي تعبير عن محاولات المخرجين الوصول إلى تحقيق طموحات مشابهة.

نجد في «حوض» لريما الماجد ما يؤدي بنا إلى بعض ما سبق ذكره. بطلته فتاة تحلم بتحقيق فيلمها الأول. كتبت بنفسها السيناريو ووضعت فيه الكثير من ذاتها ثم سعت لإخراجه.

فيلم آخر يحمل همّ الفنان الباحث عن نفسه وهويّته نراه في فيلم جوانا الزهراني «الخيط الأخير»؛ إذ تجد بطلة الفيلم أن مهنتها ممثلة تتطلب منها تجاوز المعيقات الاجتماعية والمؤثرات الخارجية التي ستصطدم بها إذا ما أكملت مشروعها الفني.

التحديات المذكورة لا تأتي في نطاق بحث بعض الشابات عن مستقبلهن وهويّتهن كونهن فنانات يحاولن إثبات تجربتهن الشخصية عبر الفن. هناك أفلام كثيرة من بطولة المرأة في شتّى حالاتها، وفي فورمات مختلفة (قصيرة، طويلة، أنيميشن، وتسجيلي). بين أفلام الرسوم اللافتة «سليق» لأفنان باويان، و«وحش من السماء» لمريم خياط.

النشرة الضرورية

الجهود المبذولة من جانب إدارة المهرجان ومن جانب المخرجين الساعين لعرض أفلامهم فيه، هي بدورها أكبر من أن تُستعرض في خلاصات. على الجانب الأول هناك كل تلك المسائل التي على الإدارة (من القمّة وما دون) حلها أو مواجهتها إذا ما وقعت فجأة. وفي هذا الإطار، ورغم ملاحظات لمسائل على الدورات المقبلة مراعاتها، فإن التنظيم جيد، علماً بأن تنظيم مهرجان بهذا الحجم هو أضعاف ما يتطلّبه مهرجان أصغر حجماً أو طموحاً.

واحدة من المشاكل التي لا بدّ من بحثها هي كيف يمكن جذب المشاهدين لتنويع مشاهداتهم؟

الواقع أن الإقبال الأكبر على ثلاث هويّات سينمائية: الأفلام السعودية، والأفلام العربية، والأفلام الهندية. بالنسبة للأفلام السعودية، فإن هذا الإقبال حالة نجاح محسومة؛ لأن إحدى رسالات المهرجان الأهم، هي تشجيع السينما السعودية لا بالنسبة لعروضها فقط، بل صوب دفعها لتكون أول اهتمامات شركات التوزيع الأجنبية. أكثر من فيلم سعودي كان حقق هذه النقلة وآخرها «نوره» الذي وقّع منتجوه على عقد توزيع مع شركات «فرونت رو» لتوزيعه في عموم دول الشرق الأوسط والمغرب العربي.

الإشكال يقع في خانات الأفلام غير السعودية والعربية والهندية، حيث الحضور قد لا يتجاوز حفنة من المشاهدين. بعض ما يمكن فعله في هذا الاتجاه تمييز هذه الأفلام مسبقاً بكتابات إعلامية مسبقة تبين أهمياتها على الصعيدين الفني والدرامي.

وجود نشرة عربية يومية، وهو الأمر الغائب عاماً بعد عام، ضروري لمثل هذه المهمّة، كذلك تخصيص عروض مسبقة للصحافة والإعلام لأجل الكتابة عن هذه الأفلام مسبقاً لعروضها الجماهيرية.

حدث في هذه الدورة

• صرّح السفير الأميركي لدى السعودية مايكل راتني بأن المملكة حقّقت خلال السنوات الخمس الماضية «انفجاراً غير عادي في الفضاء الثقافي وبطموح غير عادي».

• كشفت الممثلة هالي بيري في حديثها خلال المؤتمر الذي عُقد خلال المهرجان عن أنها تستعد لمزاولة الإخراج قريباً بعد فيلم عنوانه «مود ف مود» (Maude v Maude).

• أدار المخرج ورئيس لجنة التحكيم باز لورمَن حواراً جيداً مع الممثل الأميركي (أصله أسترالي - كلورمَن) تحدّث فيه الممثل عن سنواته الفنية منذ انتقاله إلى هوليوود.

• نقلة مهمّة لمحطة «MBC» التي كانت قد دخلت مجال الإنتاج بقوّة منذ سنوات؛ إذ قررت توسيع رقعة اهتماماتها السينمائية بتأسيس قسم للخدمات التقنية والإنتاجية للأفلام الأجنبية.


مقالات ذات صلة

نوبات الهلع تطارد هيو غرانت خلال تصوير الأفلام

يوميات الشرق هيو غرانت (رويترز)

نوبات الهلع تطارد هيو غرانت خلال تصوير الأفلام

كشف الممثل البريطاني الشهير، هيو غرانت، عن أنه مرَّ كثيراً بنوبات هلع خلال تصوير الأفلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق إنجي الجمال في مشهد داخل القرية (الشركة المنتجة)

«عبده وسنية» يراهن على نوستالجيا «الأبيض والأسود» والسينما الصامتة

يترقّب المخرج المصري الأميركي عمر بكري عرض فيلمه الأول «عبده وسنية»، متمنياً أن يحوز إعجاب الجمهور في العرض العام.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق المخرج وائل أبو منصور وأبطال العمل أثناء العرض الخاص لفيلم صيفي بجدة (الشرق الأوسط)

السينما السعودية تستعد لاستقبال فيلم «صيفي»

يتطلع عشاق السينما في السعودية إلى يوم 26 ديسمبر، موعد عرض الفيلم السعودي المرتقب «صيفي» في دور السينما المحلية.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق السدحان يعرب عن سعادته الكبيرة بفيلم «ليل نهار» (إدارة مهرجان البحر الأحمر)

عبد الله السدحان لـ«الشرق الأوسط»: ابتعدت عن الإنتاج لأنه أرهقني

قال الفنان السعودي عبد الله السدحان إن مشاركته في السباق الدرامي الرمضاني لعام 2025 لم تحسم بعد لا سيما بعد ابتعاده عن الإنتاج وتركيزه على التمثيل فقط.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق ‎⁨ميلا الزهراني في مشهد من «هوبال» (الشرق الأوسط)⁩

ميلا الزهراني... مِن وجه جميل إلى نجمة في «هوبال»

في رصيد ميلا الزهراني 6 أفلام طويلة، و26 مسلسلاً، وتترقّب حالياً عرض فيلمها «هوبال» في 2 يناير المقبل بجميع صالات السينما السعودية.

إيمان الخطاف (الدمام)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز