الجمهور يحشد لسينما الرعب التي لا تنتهي

يتعاطف مع الضحية ويخاف مثلها

العنكبوت النووي على الطريق (يونيفرسال)
العنكبوت النووي على الطريق (يونيفرسال)
TT

الجمهور يحشد لسينما الرعب التي لا تنتهي

العنكبوت النووي على الطريق (يونيفرسال)
العنكبوت النووي على الطريق (يونيفرسال)

يبدأ الأسبوع الحالي عرض فيلم رعب جديد بعنوان «The Exorcist‪:‬ Believer». ليس لأنه الفيلم الوحيد الذي هبط في الأسواق حاملاً في جعبته الكثير من أدوات التخويف، ففي كل أسبوع هناك فيلم ينتمي إلى هذا النوع، لكنه الفيلم الذي يأتي بعد 50 عاماً على إطلاق الفيلم الأصل «The Exorcist»، الذي تبعه ثلاثة أجزاء من الطينة نفسها، آخرها العودة غير الموفقة لفيلم من إخراج رني هارلن سنة 2004 بعنوان «Exorcist‪:‬ The Beginning».

أرقام

الفيلم هو من إخراج ديفيد غوردون غرين، الذي شحذ سكينه في سلسلة أفلام «هالووين»، وهي بدورها أفلام رعب ومن بين أنجح ما حُقّق في تاريخ هذا النوع من الأفلام، إذ تقدّر مجمل إيراداتها، حسب سعر الدولار المختلف اليوم عما كان عليه بالأمس، وباختلاف سعر التذاكر المباعة من عقد لآخر، بأكثر من 800 مليون دولار. ليس أن غرين ابتدع شيئاً مختلفاً في تلك السلسلة التي أطلقها الراحل مصطفى العقاد في السبعينات، وتتابع على إخراجها عدد من المخرجين كان أوّلهم (وأفضلهم) جون كاربنتر الذي له باع طويل آخر في سينما التشويق عموماً.

«هالووين»: الأول والأفضل (كومباس إنترناشنال)

النوع منتشر بصورة لا تخلو من الغرابة. العام الحالي فقط، عُرض 130 فيلماً حتى الآن في الولايات المتحدة وحدها. لنقل إن باقي الدول أنتجت نصف هذا الرقم، فإن المجموع يصل إلى 195 فيلماً تتوجه إلى جمهور يتلقف هذه النوعية حباً وشغفاً بالخوف.

تختلف هذه الأفلام عن بعضها بالتأكيد.

هناك أفلام الأشخاص الذين تلبّسهم الشيطان (كحال فيلم «إكزورسيت: المؤمن»)، وتلك التي تقوم على حكايات مصاصي الدماء («نحن زومبيز»)، وتلك السيكولوجية (فيلم بعنوان Asvina وآخر باسم Birth‪/‬Rebirth).

هناك أفلام تتحدث عن أشباح من الماضي، وأخرى عن وحوش ما بعد القيامة. أفلام عن بيوت مسكونة، وأخرى عن مخلوقات تهبط من الفضاء أو تخرج من تحت الأرض؛ لجانب تلك التي تجمع بين أكثر من منوال.

الجمهور يطلبها وإن كان من الصعب عليها أن ترتقي الدرجات العليا في سلّم «التوب تين» في نهاية كل العام. إذا ما دخلت القائمة المذكورة تبقى في مراتب سفلى كما حدث في سنة 2021 بوصول «A َQuiet Place 2» إلى المركز الثامن، وقبله «It‪:‬ ChapterTwo» في سنة 2019 حقق المركز العاشر.

أسباب

في العام الماضي لم يدخل فيلم رعب قائمة العشرة الأولى، وليس من بين أفلام الرعب العام الحالي ما قد يدلف إلى هذه المجموعة. السبب هو أن هواة النوع ليسوا بالملايين نفسها لأولئك الذين يُقبلون على أفلام «السوبرهيرو»، وأفلام الرسوم والفانتازيات المختلفة (كوميكس، حروب الفضاء... إلخ)؛ هذه أكبر حجماً وأكثر ثراءً في توفير الدهشة والتشويق.

على ذلك، يحق السؤال فيما يجعل هواة النوع يرغبون في الشعور بالخوف. ما هي الأسباب التي تدفعهم لمشاهدة ما هو مبني على خرافة أو - على الأقل - على احتمالات بعيدة؟

ربما بدا الأمر عادياً: الجمهور المحب لهذا النوع هو، في نهاية الأمر، مثل جمهور موازٍ يحب أفلام الكوميديا، أو الأكشن، أو التاريخ، أو أي نوع من هذا القبيل.

أكثر من ذلك، الفئة الضخمة من الجمهور تحب أفلام الرّعب لأنها، ببساطة، تريد أن تخاف. هذا ما يبدو غريباً، ففي الحياة الحقيقية لا نجد من يرغب في أن يخاف. لا يوجد من يجوب الليالي في الظلمات والأزقة بحثاً عمن يعرّضه للخطر. لا يوجد من يريد دخول «بارك» في ساعة متأخرة، ولا البقاء في المقبرة لما بعد الدوام.

بذلك، فإن الجواب يكمن في أنه عوض تجربة الخوف في الواقع، فإن الناس يطمئنون أكثر لتجربته على الشاشة. بعضهم يتقزز، وبعضهم يغمض عينيه خوفاً، لكن الأخطر من يشعر بالنشوة.

طالبو الخوف يريدون، في شكل عام، اختبار الرعب من مكان آمن. لذلك هم، غالباً ما يتعاطفون مع الضحية؛ مع الشاب الذي يجد نفسه حبيساً، ويدرك أن القاتل سينال منه، أو مع الفتاة التي تشعر بأن قاتلاً يختبئ في غرفتها أو تُفاجأ به وقد اقتحم البيت؛ أو تلك المرأة التي تسير وحيدة وتنظر خلفها خوفاً من أن يكون «جاك ذَ ريبر» (أو من ماثله) يتعقبها. نادراً ما يصطف المشاهد لجانب القاتل سواء أكان وحش «هالووين»، أم وحش «الجمعة الثالث عشر»، أم «مذبحة تكساس المنشارية» (Texas Chain Massacre). هذا لأنه يعلم بأنه لا يستطيع لعب دوره في الحياة. هذا ما لا يريده لنفسه ولا هو راغب (أو حتى قادر) على تقليده.

إيحاءات وأشكال

هناك تفعيلات تتكرر كثيراً في هذه الأفلام. شخص يدخل المنزل، يحاول إنارة الغرفة لكن الكهرباء مقطوعة. آخر يريد الاتصال بالبوليس لكن الخط مفصول. أحياناً المسألة تختلف: عقرب سام يقترب من شخص نائم، أو مجموعة من الكلاب المسعورة تحيط بعائلة؛ هذه المشاهد تنقل المشاهد من حالة اطمئنان إلى حالة خوف. هي رحلة قطار يدخلها وهو آمن وسيغادرها وهو آمن أيضاً.

المشكلة هي أن أفلام اليوم في سعيها للتخويف، تميل إلى العنف الدموي ليس كسلاح أخير، بل كسلاح وحيد. وليس لدى مخرجيها القدرة على استحواذ المتطلبات التي قد تسبّب الرعب إيحاءً أو بتمهيد مدروس، فلا يبقى في البال سوى كسر العظام، أو التهام الأطراف، أو طعن الأبرياء بالسكاكين.

بالمقارنة، كانت أفلام الرعب في الأربعينات إيحائية غالباً؛ وفي الخمسينات أضافت الشكل الواضح: في «تارنتشولا» (1995) يهرب عنكبوت أسود من مختبر نووي ويكبر ليصبح بحجم مبنى من 10 طوابق. في «مخلوق من البحيرة السوداء» (1954) الوحش برمائي يقتل الرجال طمعاً في المرأة وحدها (كما كان حال «كينغ كونغ» الثلاثينات وبعدها).

في الوضع نفسه، هناك «The Blob» حيث يحاول ستيف ماكوين تنبيه البلدة بأن هناك مادة لزجة تتضخم كلما ابتلعت بشراً.

في هذه الأفلام المذكورة يتعاطف المشاهد مع الأبرياء الذين سيقضي عليهم الوحش، تماماً كما الحال في أفلام «الزومبيز»، ولو أن الفارق هو أن الخطر متمثّل في شيء غير بشري. هناك ذلك المشهد من «تارنتشولا»، حين يُوقف رجلان شاحنتهما على طريق ريفي في أريزونا لتناول الطعام. يجلسان على الأرض ويفتحان الصندوق ويبدآن الأكل، من فوق الجبل يطل العنكبوت الأسود ومن ثَمّ يهبط صوبهما لأنه هو أيضاً جائع. لا نرى كيف يُطعم نفسه، بل نطالع الرعب على الوجهين المذعورين، وهذا كافٍ لنقل الرعب إلى المشاهدين.

«مكان هاديء 2» وصل للمركز 8 (براماونت)‬

بينما كل هذه الأفلام ومئات سواها عبر العقود، تتمتع بطرح خطر لا مهرب منه (إلا بالنهاية السعيدة) هناك من يعمد إلى الرعب من أبواب أخرى.

هناك مثالان رائعان في المجال هذا، وكلاهما من إخراج ألفرد هيتشكوك. في «سايكو» تلجأ بطلة الفيلم (جانيت لي) إلى فندق منعزل لتنام. تتبادل حديثاً ودّياً مع عامل الفندق (أنطوني بيركنز) ثم تدخل غرفتها لتأخذ حماماً، لكن هناك من يدخل غرفتها وينقض عليها وهي تحت «الدُش»، ويمعن فيها طعناً. مشهد ما زال حياً نابضاً منذ أن عُرض أول مرّة سنة 1960.

حينها، كان هذا المشهد قمّة الرعب (ولمن يشاهد الفيلم لأول مرّة اليوم)، كون الضحية لا تستطيع فعل شيء وهي تقف تحت رذاذ الماء. تُحشر في خانة وتقضي بطعنات لا ترحم. ما هو مخيف أكثر هو أننا لا نرى لقطة طعن واحدة.

المثال الآخر هو فيلم «The Birds» بعده بعامين: بلدة ساحلية جميلة وهادئة، لكن طيورها غاضبة وتعبّر عن غضبها بالهجوم على الناس من دون تمييز. لا سبب ولا حل.

هذا الفيلم بدوره لا يترك المجال أمام تخمينات. هو أيضاً الجدّ الأكبر للأفلام التي استخدمت الحيوانات مصدراً للرّعب، مائية (أسماك قروش وبيرانا) أو بريّة (كلاب مسعورة، جرذان، ضفادع، أرانب مضخمة.... إلخ).

ما تتمتع به أفلام الرعب دون سواها، هو امتلاكها الكثير من أدوات التخويف كما ذكرنا. بعضها يطير وبعضها يختبئ تحت السرير.

اختيار الناقد لأفضل 10 أفلام رعب

1- Psycho | ألفرد هيتشكوك (1960): قاتل معقد نفسياً

2- Nosferatu | ف. و. مورناو (1922): مصاص دماء ألماني

3- The Birds | ألفرد هيتشكوك (1963): احذر طيور البحر

4- Night of the Living Dead | جورج روميرو (1968): زومبيز

5- The Shining | ستانلي كوبرِك (1980): جنون كاتب وحيد

6- Vampyr | كارل تيودور دراير (1932): زومبيز في قرية

7- Bram Stoker‪’‬s Dracula | فرنسيس فورد كوبولا (1992): القصّة الحقيقية

8- Hour of the Wolves | إنغمار برغمن (1968): المخرج الشهير عندما يُخيف

9- Don‪’‬t Look Now | نيكولاس روغ (1973): نبوءة موت في فينيسيا

10- Halloween | جون كاربنتر (1978): قاتل لا يموت.


مقالات ذات صلة

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مهرجان القاهرة السينمائي لتنظيم ورش على هامش دورته الـ45 (القاهرة السينمائي)

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

أعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عن تنظيم مجموعة متخصصة من الورش لصنّاع الأفلام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج معتز التوني يتوسط وأمينة خليل فريق العمل خلال العرض الخاص بالقاهرة (الشركة المنتجة)

«X مراتي» فيلم مصري جديد يراهن على «الضحك» فقط

يرفع الفيلم المصري «X مراتي» شعار «الضحك للضحك» عبر كوميديا المواقف الدرامية التي تفجرها قصة الفيلم وأداء أبطاله.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حورية فرغلي (إنستغرام)

حديث حورية فرغلي عن حياتها الشخصية يلفت الانتباه في مصر

لفتت الفنانة المصرية، حورية فرغلي، الانتباه في مصر بعد حديثها عن تفاصيل في حياتها الشخصية، والسبب الذي لأجله قالت إنها «تمنت الموت».

محمد الكفراوي (القاهرة )

مهرجانات العالم تصعد وتهبط أو تبقى حيث هي

حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
TT

مهرجانات العالم تصعد وتهبط أو تبقى حيث هي

حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»
حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين استقبل توم كروز في إحدى دورات مهرجان «دبي»

يحتفي مهرجان شيكاغو، في الشهر العاشر من هذا العام، بمرور 68 سنة على ولادته سنة 1956. هو بالطبع ليس أقدم مهرجان سينما في العالم، لكنه أقدم مهرجان سينمائي في الجزء الشمالي من القارة الأميركية.

المهرجان الأميركي العتيد تمتع بالفرادة عاماً واحداً، إذ انطلق على إثره في عام 1957 مهرجان كبير آخر هو سان فرانسيسكو.

كل منهما كان له شأن كبير في الستينات والسبعينات. لكنهما اليوم أقل استدعاء لعناصر النجاح وأقل شهرة من مهرجانات أميركية أخرى مثل «صندانس» و«بالم سبرينغز» و«سانتا باربرا» و«ترايبيكا».

المهرجانات الثلاثة الأولى (صندانس وبالم سبرينغز وسانتا باربرا)، كلها في ولاية كاليفورنيا، كذلك حال مهرجان سان فرانسيسكو، فهل يعكس ذلك أهمية الموقع الجغرافي بالنسبة لمهرجان ما؟ وإذا كان يفعل لماذا لا يواكب النجاح ذا الأمد الطويل مهرجانات أخرى تُقام في مدن وعواصم رئيسية مثل القاهرة وأثينا وطوكيو وروما؟

مهرجان «سان سيباستيان» نافس «كان» (سان سيباستيان)

حديث العالم

الأسئلة كثيرة وكاشفة عن أن النوايا لا تحقق النجاح بالضرورة. هناك باع واسع بينها وبين ما يمكن فعلاً تحقيقه، وبين ما يمكن تحقيقه لكن الممكن يتحوّل إلى المستحيل بسبب عوائق أهمها عدم الدراية والسرعة في محاولة إثبات الفاعلية والشهرة.

قبل 60 سنة أو ما يواكبها لم تكن المهرجانات في الأساس غزيرة العدد (نحو 9 آلاف مهرجان حسب موقع IMBd معظمها صغير لكنه منتظم) مما جعل المهرجانات الموجودة في ذلك الحين قادرة على البروز واحتلال المكان المتقدّم في خريطة المهرجانات. لكن حتى في ذلك الحين كانت هناك مهرجانات ترتفع عن سواها وأخرى تهبط كالمصاعد الكهربائية. على سبيل المثال شكّل مهرجان سان سيباستيان السينمائي (الذي احتفى بمرور 60 سنة على إنشائه العام الحالي) شوكة في خاصرة مهرجان «كان» في مطلع الستينات ولبضع سنوات. كان أشهر وأكبر وتحلّى بميزانية أوفر وجمع أفلاماً أهم.

شيكاغو وسان فرانسيسكو كانا حديث العالم في ذلك الحين تماماً كمهرجانات أوروبا. إلى حدٍ كبير بقي هذان المهرجانان في مرمى اهتمام العالم. السينما الفرنسية اختارت شيكاغو سنة 1972 لعرض نسخة مرممة من فيلم «بونابرت والثورة» لآبل غانس، وروسيا اختارته ليكون العرض الأول لفيلم غريغوري كزنتزيف «الملك لير» (ما زال أحد أهم الإنجازات الفيلمية عن ذلك النص الشكسبيري الذي لا يُهزم).

على الجانب الأوروبي أحاط مهرجان موسكو نفسه بهالة كبيرة من النجاح مستقبلاً أفلاماً شرقية وغربية. وقف وراء نجاحه حقيقة أن العالم المنقسم على نفسه بين يسار ويمين وجد فيه ضالة فريدة من حيث رغبة ذلك المهرجان الدفع إلى الواجهة في سينما تقدمية سياسياً وجيدة فنياً.

لم يكن التنويع أمراً سهلاً في البداية. رغم ذلك، وفي إطار الدورة الرابعة سنة 1956 (حين كان لا يزال يُقام كل عامين بالتناوب مع مهرجان كارلوڤي ڤاري في تشيكوسلوڤاكيا، سابقاً) جاءت الأفلام من النادي الأوروبي الشرقي: بلغاريا، ورومانيا، وألمانيا الشرقية والمجر كما من السينمات الغربية مثل إيطاليا وبريطانيا والدنمارك وفنلندا والولايات المتحدة).

السينما العربية وجدت في موسكو ملاذاً جيّداً منذ الستينات وما بعد، فعرض فيه مخرجون عرب لامعون أفلامهم. من بينهم المصريون، حسين كمال، وصلاح أبو سيف، وحسام الدين مصطفى، والسوري صلاح ذهني، والجزائريان محمد بوعماري ومرزاق علواش، وعديدٌ غيرهم؛ صلاح أبو سيف، ومديحة يسري، ويوسف شاهين كانوا من عداد لجان التحكيم الرئيسية في تلك الآونة.

للملاحظة، كان وجود حسام الدين مصطفى في مهرجان موسكو أمراً غير متوقع بسبب مواقفه السياسية، لكنه عرض هناك فيلمه «سونيا والمجنون» (المأخوذ عن رواية «الجريمة والعقاب» لفيودور دوستويفسكي)، ما يبرر رغبة المخرج في الذهاب به إلى ذلك المهرجان.

طبعاً كان مهرجان موسكو محطة سياسية الهدف، لكن المهرجانات الكبرى الثلاث، فينيسيا وكان وبرلين، كانت بدورها ردات فعل سياسية حيال أحداث وتطوّرات من هذا النوع ألمّت بالعالم قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها.

«سونيا والمجنون» لحسام الدين مصطفى (ستديو مصر)

صعود وهبوط

بالممارسة وتبعاً للمتغيّرات، تهاوت العناصر السياسية جانباً كسبب لإطلاق مهرجان أو نجاحه. مهرجانات الثمانينات والتسعينات وما بعد أقيمت لغايات أخرى في صدرها الرغبة في أن يكون للمدينة أو للبلد الذي تنتمي إليه موقعاً بين هذه الاحتفالات الكبيرة. في هذا السياق نجد نشأة معظم المهرجانات الدولية مثل مهرجانات القاهرة وإسطنبول وأثينا وروتردام وتورونتو ونيويورك وساراييڤو ونيودلهي ومهرجانات أخرى من تلك المذكورة آنفاً.

وعى العالم العربي أهمية المهرجانات باكراً: قرطاج في مطلع الستينات ثم دمشق والقاهرة وصولاً إلى دبي وأبوظبي ومراكش ثم، في السنوات العشر الأخيرة، البحر الأحمر والجونة وعمّان وبغداد وسواها.

في مضمار ما يتناوله هذا الاستعراض ارتفعت مهرجانات عربية عديدة وهبطت. الحال أن «القاهرة» بدا فاعلاً أساسياً في هذه المنطقة من العالم، وكوّن لنفسه صدى طيّباً لجانب ذاك الذي اشتهر به مهرجان قرطاج بوصفه مناسبة لجمع الأفلام العربية والأفريقية. لكن الطموح الكبير للقاهرة لم يصاحبه معرفة الكيفية الصحيحة للإدارة فتحوّلت المناسبة إلى غاية بحد نفسها.

مع «دبي» و«أبوظبي» ارتفعت الآمال بمهرجانين حدثيين في العالم العربي خصوصاً «دبي»، الذي استفاد سريعاً من خبرة من عملوا فيه ومن حقيقة أن مدينة دبي تجذب، طبيعياً الإعلام ولها موقع جيد بوصفها مدينة مزدهرة ومختلفة. شهرة مهرجان «دبي» وقيمته الفنية والإعلامية سادت طوال سنوات إقامته التي امتدت لـ10 سنوات قبل إيقافه وهو في أوج نشاطه.

بينما تسهر الكفاءات اليوم على دفع جميع المهرجانات، عربية وغير عربية، إلى صف أمامي أول، لا بدّ الإشارة إلى أن كلمة «العالمي» لا تعني شيئاً أكثر من التعريف بتصنيف الأفلام التي يعرضها. نحن نبلغ العالمية عندما يختار مهرجاناتنا صانعو الأفلام قبل سواها.