مهرجان فينيسيا: إضراب هوليوود قد يُضعف البريق

رجل ينظف السجادة الحمراء قبل افتتاح مهرجان فينيسيا في إيطاليا (أ.ف.ب)
رجل ينظف السجادة الحمراء قبل افتتاح مهرجان فينيسيا في إيطاليا (أ.ف.ب)
TT

مهرجان فينيسيا: إضراب هوليوود قد يُضعف البريق

رجل ينظف السجادة الحمراء قبل افتتاح مهرجان فينيسيا في إيطاليا (أ.ف.ب)
رجل ينظف السجادة الحمراء قبل افتتاح مهرجان فينيسيا في إيطاليا (أ.ف.ب)

بسبب الإضراب المستمر منذ أشهر في هوليوود، ستكون السجادة الحمراء في انطلاق مهرجان فينيسيا السينمائي بنسخته الثمانين مساء اليوم (الأربعاء)، خالية من النجوم والإبهار التقليدي، مع فيلم إيطالي اختير للعرض الافتتاحي في الساعات الأخيرة ليحل محل عمل أميركي.

وكان مقرراً أن تفتتح نجمة هوليوود المحببة الجديدة زندايا المهرجان مع فيلم «تشالنجرز» للوكا غوادانيينو، غير أن التحرك الاحتجاجي التاريخي الذي يشل السينما الأميركية حال دون ذلك.

من اليسار الممثل تيموثي شالاماي والمخرج دينيس فيلينوف والممثلة زندايا في حفل عرض الجزء الثاني من فيلم «ديون» في لاس فيغاس في أبريل الماضي (أ.ف.ب)

وقد انضم الممثلون الهوليووديون الشهر الماضي إلى كتّاب السيناريو في حركتهم الاجتماعية، مطالبين بتحسين الأجور ووضع ضوابط لاستخدام الذكاء الاصطناعي. وتمنع نقابتهم القوية «ساغ-أفترا» جميع أعضائها، حتى الأكثر شهرة منهم، من تصوير أي أعمال أثناء الإضراب، ولكن أيضاً من المشاركة في الترويج للأفلام.

كما أن الـ«موسترا»، عميد المهرجانات السينمائية العالمية والحدث المحبب لدى أوساط هوليوود التي تتخذه منصة لإطلاق أعمالها قبل موسم الجوائز، بات أول ملتقى عالمي للفن السابع يدفع ضريبة هذا الإضراب.

غير أن مدير المهرجان الإيطالي العريق ألبرتو باربيرا طمأن في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية بأن «تأثير الإضراب سيكون محدوداً جداً لأننا لم نفقد سوى فيلم واحد من البرنامج الرسمي للحدث، وهو فيلم (تشالنجرز)». وأضاف: «سنشهد مع ذلك مرور نجوم كثيرين على السجادة الحمراء».

مدير المهرجان الإيطالي العريق ألبرتو باربيرا (إ.ب.أ)

وسيكون فيلم «فيراري» لمايكل مان البالغ 80 عاماً، أحد أبرز الأعمال المعروضة في المسابقة. ويَفيد هذا العمل، وهو سيرة ذاتية لمؤسس ماركة السيارات الشهيرة إنزو فيراري يحمل توقيع صاحب فيلمي «هيت» (Heat) و«كولاتيرال» (Colliteral)، من استثناء منحته النقابة، مما قد يسمح لممثليه، آدم درايفر وبينيلوبي كروز، بالمجيء إلى البندقية للمناسبة.

ويتنافس أيضاً على جائزة «الأسد الذهبي»، التي فازت بها العام الماضي مخرجة الأفلام الوثائقية لورا بويتراس (أول ذي بيوتي أند ذي بلودشد)، كل من ديفيد فينشر وصوفيا كوبولا.

وسيكون «كومندانته» مع بييرفرانشيسكو فافينو، الأربعاء أول فيلم يُعرض في قصر السينما على جادة ليدو الشهيرة في مهرجان فينيسيا. ويتناول العمل محطة غير معروفة على نطاق واسع من الحرب العالمية الثانية، قرر خلالها قائد غواصة إيطالية إنقاذ طاقم مركب بلجيكي بُعيد غرقه قبالة سواحل ماديرا البرتغالية.

التحضيرات النهائية لمهرجان فينيسيا في إيطاليا (إ.ب.أ)

كما أن عرض أحدث أفلام ويليام فريدكين خارج المنافسة سيكون بلا شك لحظة عاطفية، بعد أسابيع من وفاة هذا المخرج المعروف خصوصاً بفيلمه «ذي إكزورسيست» (The Exorcist).

لكن قائمة الأعمال المشاركة في المسابقة تعكس قبل كل شيء العودة إلى الشاشة لسينمائيين وُجهت إليهم اتهامات في قضايا اعتداء جنسي ينفون صحتها.

ومن بين هؤلاء، يعيش رومان بولانسكي (90 عاماً) في أوروبا بمأمن من القضاء الأميركي الذي يهرب منه منذ أكثر من 40 عاماً بعد إدانته بتهمة الاغتصاب.

وبعدما بات شخصاً غير مرغوب فيه بهوليوود، شهد هذا الاسم الكبير في الفن السابع «روزميريز بايبي» و«ذي بيانيست» تغيراً لوضعه في فرنسا منذ الجدل الدائر حول منحه جائزة سيزار السينمائية الفرنسية عن فيلمه «جاكوز».

المخرج الفرنسي البولندي رومان بولانسكي (أرشيفية - أ.ف.ب)

وبات يعدُّه جزء كبير من العاملين في المهنة أحد رموز الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالعنف الجنسي، وقد ظل بعيداً عن الأنظار.

غير أن مهرجان فينيسيا السينمائي يعيده إلى الأضواء، إثر اختيار فيلمه «ذي بالاس» (The Palace) خارج المنافسة، وهو عمل من بطولة فاني أردان وميكي رورك، صُوّرت مشاهده في غشتاد (سويسرا). لكن بولانسكي لا ينوي المجيء إلى البندقية.

يواجه وودي آلن (87 عاماً)، بدوره مقاطعة شبه كاملة من قطاع السينما بعد اتهامات بالاعتداء الجنسي على ابنته بالتبني، وهو الأمر الذي ينفيه ولم ينجح أي تحقيق في إظهار حقيقته.

وسيقدّم آلن فيلمه الخمسين «Coup de Chance» (كو دو شانس)، الذي صُوّر في باريس باللغة الفرنسية ويضم لو دو لاج وفاليري لوميرسييه وملفيل بوبو ونيلز شنيدر.

المخرج الأميركي وودي آلن (أرشيفية - أ.ف.ب)

وسيشهد مهرجان «موسترا»، الذي يترأس لجنة تحكيمه المخرج داميان شازيل (لا لا لاند)، عودة المخرج الفرنسي لوك بيسون إلى المنافسة مع فيلم «دوغمان».

وشهد مخرج فيلمي «ليون» و«ذي فيفث إيلمنت»، وهو صاحب مسيرة مهنية متقلبة، إغلاق ملفه القانوني في نهاية يونيو (حزيران)، بعدما أسقطت محكمة النقض بشكل نهائي تهم الاغتصاب التي وجهتها إليه الممثلة ساند فان روي.

وبينما بدت قضايا مكافحة التمييز والعنف الجنسي تتقدم في السنوات الأخيرة في عالم السينما، عقب حركة «مي تو»، فإن هذه الاختيارات الرمزية للمهرجان أثارت غضب الناشطات النسويات. لكنّ رئيس مهرجان البندقية دعا إلى «التمييز بين الإنسان والفنان» في مقاربة هذه المسألة.

ومن ناحية المساواة بين الجنسين، تضم المسابقة الرسمية خمس مخرجات سينمائيات مقابل 19 رجلاً يتنافسون على جائزة «الأسد الذهبي»، التي تُمنح في 9 سبتمبر (أيلول)، وهي جائزة فازت بها مخرجات خلال السنوات الثلاث الماضية.

وأقرّ باربيرا بأن أفلام النساء «قليلة» في المسابقة، و«يجب بطبيعة الحال الكفاح من أجل تغيير الأمور».


مقالات ذات صلة

«الأقصر للسينما الأفريقية» في مرمى الأزمات المالية

يوميات الشرق مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية شهد حضور فنانين مصريين ومن دول أفريقية (صفحة المهرجان على «فيسبوك»)

«الأقصر للسينما الأفريقية» في مرمى الأزمات المالية

شهد معبد الأقصر، مساء الخميس، انطلاق فعاليات الدورة 14 من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وسط تحديات عدة أبرزها الأزمة المالية نتيجة تقليص ميزانية المهرجانات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان الذي يتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة ألوان زاهية (أ.ف.ب)

مناطيد الهواء الساخن تُزيِّن سماء النيبال

أطلقت بوخارا أول مهرجان لمناطيد الهواء الساخن يُقام في النيبال، إذ تحوّلت سماء المدينة لوحةً من الألوان الزاهية ضمن مشهد شكّلت ثلوج قمم «هملايا» خلفيته.

«الشرق الأوسط» (بوخارا (النيبال))
يوميات الشرق حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي (وزارة الثقافة)

«بين ثقافتين» التقاء الثقافتين السعودية والعراقية في الرياض

يقدم مهرجان «بين ثقافتين» الذي أطلقته وزارة الثقافة في مدينة الرياض، رحلة ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة.

عمر البدوي (الرياض)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
TT

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن لثلاثين سنة مقبلة.

بالنسبة لجوستن (نيكولاس هاولت) في جديد كلينت إيستوود «محلّف رقم 2» (Juror ‪#‬2) هناك طريقة ثانية. بوصفه محلّفاً في القضية المرفوعة في المحكمة سيحاول بعثرة قناعات المحلّفين الآخرين من أن المتهم هو مذنب بالفعل، وذلك عن طريق طرح نظريات (وليس براهين) لإثارة الرّيب في قناعات الآخرين. ليس أن قناعات الآخرين ليست مدفوعة بقصر نظر أو أنانيات أو الرغبة في الانتهاء من المداولات والعودة إلى ممارسة نشاطات أخرى، لكن المحور هو أن جوستن واثق من أن جيمس (غبريال باسو) لم يقتل المرأة التي تشاجر معها والمتهم بقتلها. جيمس لا يملك الدليل، لقد شُوهد وهو يعنّفها في تلك الليلة الماطرة واعترف بأنه وصديقته كثيراً ما تشاجرا، لكنه أكد أنه لم يلحق بها في تلك الليلة المعتمدة ويدهسها. من فعل ذلك، ومن دون أن يدري، هو جيمس وهو في طريق عودته إلى البيت حيث تنتظره زوجته الحامل.

ليوناردو دي كابريو في «ج. إدغار» (وورنر)

بدوره، لم يُدرك في ذلك الظلام وفي تلك الليلة الممطرة فوق ذلك الطريق خارج المدينة ما صدم. ظن أنه غزالاً عابراً. نزل من السيارة ونظر حوله ولم يجد شيئاً ركب سيارته وانطلق مجدداً.

لكنه الآن يُدرك أنه صدم تلك المرأة التي يُحاكم صديقها على جريمة لم يرتكبها. لذا يسعى لإصدار قرار محلّفين ببراءته.

محاكمات مفتوحة

يؤسّس إيستوود (94 سنة) في فيلمه الجديد (وربما الأخير) لما سبق، ثم يُمعن في إضافة تعقيدات على الحبكة تتناول موقف جوستن المصيري، موقف باقي المحلّفين حياله ثم موقف المدعية العامّة فايث (توني كوليت) التي لا يُخالجها أي شك في أن جيمس هو القاتل. في بالها أيضاً أن فوزها في هذه القضية سيساعدها على الارتقاء إلى منصب أعلى.

إنه فيلم محاكمات وليس فيلم محاكمة واحدة. كعادته يُلقي إيستوود نظرة فاحصة وناقدة على كل ما يرد في أفلامه. على بطله الذي تشبّع بالقتل خلال الحرب العراقية في «قنّاص أميركي» (American Sniper)، ومن خلاله حاكم الحرب ومسؤولية من أرسله إلى هناك.

«محلّف رقم 2» خلال المداولات (وورنر)

في «بيرد» (Bird) قدّم سيرة حياة عازف الجاز تشارلي بيرد بايكر الذي سقط مدمناً على المخدّرات، ومن خلاله الطقوس التي تُحيط بأجوائه والمسؤولة عن مصيره.

نراه في «ج. إدغار» (J‪.‬ Edgar) يعرض لحياة ج. إدغار هوڤر، واحد من أقوى الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، لكنه يمضي ليحاكمه باحثاً في استخدامه سُلطته لهدم الآخرين. وعندما تناول جزءاً من سيرة حياة المخرج جون هيوستن، ذلك الجزء الذي أمضاه في أفريقيا ببندقية اصطاد بها الفيلة، انتقد هذا المنوال ودوافعه وتبعاته.

أما في «سُلطة مطلقة» (Absolute Power) فخيّر المُشاهد ما بين الحكم على لص منازل أو الحكم على رئيس الجمهورية الذي شاهده اللص وهو يقتل عشيقته.

في الواقع كل أفلام إيستوود مخرجاً (من منتصف السبعينات وما بعد) كانت سلسلة من محاكماته للمجتمع. للسُلطة، للقانون، للسياسة، للإعلام وللمصالح التي تربطها مع بعضها بعضاً، ومن ثم الفرد الواقع ضحية كل ذلك التآلف.

في «محلّف رقم 2» يعمّق منظوره من دون أن يشعر المُشاهد بأي ثقل أو عناء. بالنسبة إلى إيستوود هو أستاذ في كيف يطرح الأفكار العميقة والحبكات المستعصية بأسلوب سهل تستطيع أن تأخذه كعمل تشويقي أو تذهب به لما بعد به متجاوزاً حبكته الظاهرة إلى تلك البعيدة.

المواقف في هذا الفيلم متعددة. جوستِن يضع عدداً من رفاقه المحلّفين في شكوك ويُثير غرابة عدد آخر. أحدهم يخبره بأنه يقرأه ككتاب مفتوح ملئ بالنظريات، لكن من دون براهين. يسأله لماذا. جوستن لا يستطيع الإجابة على هذا السؤال.

رقصات التانغو

هو دراما محاكمات، كما كثير من الأفلام من قبله ومن بعده، «12 رجلاً غاضباً» (12Angry Men) الذي حققه سيدني لومَت في 1957 ويُشار إليه أحياناً بأنه أفضل فيلم محاكمات (نظرة موضع نقاش)، لكن على عكس معظمها من ناحية طروحاتها وأبعادها من ناحية، وعلى عكسها على نحو جامع من حيث تخطيه الشكل المستطيل المعتاد لأفلام المحاكمات. مثال، عوضاً أن يقضي إيستوود الوقت في قاعة المحكمة، يقطع قبلها وخلالها وبعدها لمشاهد خارجية داعمة. وعوض تقديم الأحداث كمشاهد استرجاعية (Flashbacks) يوردها ضمن تداول المحكمة كمشاهد موازية لما يدور متجنّباً مشاهد داخلية طويلة.

لا يترك إيستوود نافذة مفتوحة ولا يستخدم مواقف للتخفيف ولا يضيّع الوقت في سردٍ مُعاد أو موقف مكرر. هو أذكى من الوقوع في رقصات التانغو التي تسميها هوليوود اليوم أفلاماً.

فيلم إيستوود، كمعظم أعماله، عمل راقٍ وجاد. لا مزح فيه ولا عواطف ملتاعة عملاً بمقولة أرسطو «القانون هو سبب وجيه من دون العاطفة». إنه كما لو أن إيستوود استوحى من هذا التعريف كيفية معالجة هذا الفيلم وطرحه لولا أنه دائماً ما عالج أفلامه على هذا النحو بصرف النظر عما يسرد فيه. حتى فيلما الوسترن الشهيران له وهما «The Outlaw Josey Wales» و«Unforgiven» حملا لجانب إتقان العمل البُعد النقدي للتاريخ وللمؤسسة.