«الحوريّة» تعود إلى الحياة... على هيئة امرأة حقيقية هذه المرة

فيلم «ديزني» الجديد يواجه التجريح رغم وفرة أدوات الجذب

ملصق فيلم «حوريّة البحر الصغيرة» بنسخته الجديدة (ديزني)
ملصق فيلم «حوريّة البحر الصغيرة» بنسخته الجديدة (ديزني)
TT

«الحوريّة» تعود إلى الحياة... على هيئة امرأة حقيقية هذه المرة

ملصق فيلم «حوريّة البحر الصغيرة» بنسخته الجديدة (ديزني)
ملصق فيلم «حوريّة البحر الصغيرة» بنسخته الجديدة (ديزني)

تبلغ «حوريّة البحر الصغيرة» (The Little Mermaid) هذا العام سنتها الـ34. تحتفي بها شركة «ديزني» التي ابتكرتها عام 1989، من خلال منحها ولادة جديدة ضمن إعادةٍ لأحد أفلام الرسوم المتحرّكة الأشهر على الإطلاق.

تعود «أرييل» في نسخة واقعية تجسّدها الممثلة والمغنية الأميركية الصاعدة هالي بايلي (23 عاماً)، إلى جانب مجموعة من الممثلين المعروفين مثل خافيير بارديم بدور «الملك ترايتون»، وميليسا ماكارثي التي تؤدي دور الساحرة الشريرة «أورسولا». تزيّن المشهد وتخفّف ظلاله شخصيات متحرّكة كالسلطعون «سيباستيان»، والسمكة «فلاوندر»، والطير «سكاتل».

«أرييل الجديدة»... ما لها وما عليها

قد يكون من الظلم بحقّ النسخة الواقعية المستحدثة، مقارنتها بالنسخة الأصلية المتحرّكة من «حوريّة البحر الصغيرة». فذاك الفيلم شكّل ظاهرة في عالم الرسوم المتحركة داخلاً التاريخ، كما أنه منح شركة «ديزني» نهضةً كانت بأمسّ الحاجة إليها في نهاية الثمانينات. أما ما يقوم به المخرج روب مارشال في النسخة الجديدة، فهو مزاوجة التقنيات الحديثة مع روح قصة الكاتب الدانماركي هانس كريستيان أندرسن.

ربما يبدو مستغرباً بالنسبة إلى جيلٍ عرف «أرييل» ورفاقها مرسومين، أن يشاهدهم بشراً حقيقيين يتحرّكون تحت المياه، كما لو أن الشاشة عبارة عن «أكواريوم». قد تصاب كذلك «النوستالجيا» بخيبة، لفرط استخدام المؤثرات والصور المبتكرة بواسطة الكمبيوتر. لكن يحق للجيل الجديد أن يكتشف الحكاية ويتعرّف إلى بطلتها في إطار متطوّر، يتماشى مع ما اعتادت عيونهم عليه من تقنيات حديثة.

يبدو مستغرباً بالنسبة إلى جيلٍ عرف «أرييل» ورفاقها مرسومين، أن يشاهدهم بشراً حقيقيين (ديزني)

مشاهد أعماق البحار داكنة في معظم الأحيان إلى درجةٍ تصعب فيها الرؤية ما يقتل سحر اللحظة، ولعلّ المنتجين لم يأخذوا في الحسبان أن ليست كل شاشة سيُعرض عليها الفيلم مزوّدة بنظام «دولبي» المتطوّر. هذا في الشكل، أما في المضمون فتُلام النسخة الجديدة على مدّتها المبالغ فيها (ساعتان وربع الساعة، مقابل ساعة و20 دقيقة للنسخة الأصلية). بعض الإضافات تبدو عديمة الفائدة، وبطيئة وطويلة.

رغم ذلك، يعوّض فيلم «الحوريّة» عن إخفاقات «ديزني» السابقة في نقل كلاسيكيات متحرّكة إلى نسخ واقعية، كما حصل مع «Lion King» و«Beauty and the Beast». هو الأنجح بين كل ما سبقه من محاولات، لا سيّما أنه حافظ على التناغم بين سحر الحكاية، وجاذبية الشخصيات، والصورة الجميلة، رغم بعض الهفوات.

المغنية والممثلة هالي بايلي في دور الحوريّة «أرييل» (ديزني)

عناصر الجذب

وحدها قصة الحورية الفضوليّة «أرييل» كافية لجذب الأنظار. من تمرّدها على والدها ملك البحار الذي لا يريد بينها وبين عالم البشر أي احتكاك، مروراً بالسحر الذي ترميه عليها عمّتها الشريرة «أورسولا» الطامعة بمملكة والدها، وليس انتهاءً بعلاقة الحب التي تجمع بينها وبين الأمير «إريك»، الذي يؤدي دوره البريطاني جوناه هاور كينغ.

للموسيقى في الفيلم حصّة كبيرة، وهو يستحق عن جدارة أن يوضع في خانة السينما الموسيقية، خصوصاً أن إعادات الأغاني التي طبعت «الحوريّة الصغيرة» فيها ما يكفي من المتعة السمعيّة والبصريّة. تفتتح بايلي بصوتها الناصع مجموعة أغانيها بنسخة ساحرة عن «Part of Your World»، ولأصدقائها السلطعون والسمكة والطير حصّتهم كذلك من الأداء اللطيف والمسلّي، كما في أغنية «Under the Sea».

إلى جانب الأغاني، يأتي أداء بايلي التمثيلي ليُدهش كلاً من النقّاد والمشاهدين. يليق بها دور الحوريّة السمراء بشعرها الأحمر الطويل، مهما علت الأصوات العنصرية الممتعضة من لون بشرتها. وتمدّ ميليسا ماكارثي «أورسولا» يدَها إلى بايلي لتمنحا معاً الفيلم بريقه. في المقابل، يبقى أداء الممثل الإسباني خافيير بارديم باهتاً بعض الشيء.

ومن بين عناصر الجذب، الرسائلُ الهادفةُ التي نجح الفيلم في تمريرها، كأزمة تلوّث المحيطات بالنفايات البشرية، التي تضيء عليها شقيقات «أرييل» الحوريّات الستّ ذات الزعانف الملوّنة البرّاقة. نَراهنّ وهنّ ينظّفن ما غرق من بقايا السفن، فيما تجمع «أرييل» الأغراض الغارقة وتخبّئها في مغارتها البحريّة التي تحوّلت إلى متحف للآثار البشرية.

ميليسا ماكارثي في دور الساحرة الشريرة «أورسولا» (ديزني)

الحوريّة في مواجهة العنصرية

دائماً ما تسحب المياه الحوريّة الصهباء إلى أعلى، ومن خلال وقوعها في حب الأمير الذي تنقذه من الغرق بعد احتراق سفينته، يمرر الفيلم رسالته الأساسية. ترمز حكاية «أرييل» و«إريك» إلى توحيد الاختلافات وتحويلها إلى نقاط ضوء.

تستحدث النسخة الجديدة من الفيلم تفصيلاً مهماً يقضي بأن يكون الأمير الأبيض، الابن المتبنّى للملكة السمراء. البشرة الملوّنة حاضرة إذن عبر هذه الشخصية وليس من خلال «أرييل» فحسب. من دون الغرق في المواعظ، يسجّل الفيلم هدفاً في مرمى التنوّع والتسامح. يجمع ما بين عالم البحار واليابسة المتخاصمين وفق مقتضيات السيناريو، أما وفق رؤية «ديزني» فيجمع ما بين الأعراق والألوان. وهو تقليدٌ درجت عليه الشركة منذ «بوكاهونتاس»، و«موانا»، و«إزميرالدا» وغيرهنّ.

إلا أن هذه المرة، لم تسلم «ديزني» ولا هالي بايلي من التجريح وسهام العنصرية. إذ ما إن انتشر خبر اختيار الممثلة السمراء لتكون «أرييل» الجديدة، حتى بدأت حملة مضادة وشرسة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار «هذه ليست أرييل». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ انسحب إلى ما بعد انطلاقة الفيلم في دور السينما.

انخفضت المراجعات الإيجابية على مواقع التقييمات، ومعها انخفضت الإيرادات. وقد اتّضح أن جيوشاً إلكترونية جُنّدت خصيصاً لإعطاء الفيلم تقييمات سلبية، ما اضطرّ موقع «IMDB» الشهير إلى تعديل نظام التصنيفات الخاص به.

بعد مرور 3 عقود على النسخة الأولى من أحد أشهر أفلام «ديزني»، تعايشَ المنتقدون مع فكرة حوريّةٍ تتحوّل زعانفها إلى قدمين بشريتين. غير أنهم فشلوا في تقبّل تحوّل بشرتها من بيضاء إلى سمراء.


مقالات ذات صلة

إلهام علي وخالد صقر لـ«الشرق الأوسط»: «الحب أعمى» يركّز على مضمون شريك الحياة

يوميات الشرق إلهام علي وخالد صقر يفتحان قلبَيهما لـ«الشرق الأوسط» على ضوء برنامجهما الجديد (إنستغرام)

إلهام علي وخالد صقر لـ«الشرق الأوسط»: «الحب أعمى» يركّز على مضمون شريك الحياة

اعتاد الجمهور مشاهدة الممثّلَين السعوديين؛ إلهام علي وزوجها خالد صقر، بوصفهما ثنائياً فنياً في عدد من البرامج والأفلام التي جمعتهما سوياً.

إيمان الخطاف (الدمام)
رياضة عالمية حفلة تايلور سويفت بملعب سانتياغو برنابيو التي جرت في الصيف تسببت بضجيج لسكان الحي (رويترز)

معركة قانونية بين ريال مدريد وجيران برنابيو بسبب «إزعاج الحفلات الموسيقية»

يقول خوسيه مانويل باريديس: «نحن مثل نملة صغيرة في كل هذا». لديك ريال مدريد، وملعب سانتياغو برنابيو، ومجلس بلدية مدريد، وشركة «ليغندز» الأميركية، وصندوق الاستثما

The Athletic (مدريد)
يوميات الشرق المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة (هيئة الترفيه)

تدشين «جائزة القلم الذهبي» بجوائز تصل لـ740 ألف دولار وإنتاجات سينمائية

أطلقت الهيئة العامة للترفيه في السعودية جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر قابلية للتّحويل لأعمال سينمائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق جانب من مراسم إعلان المشاريع التنفيذية والتخطيطية المشتركة بين وزارة الثقافة وهيئة الترفيه (الشرق الأوسط)

شراكة سعودية بين «الثقافة» و«الترفيه» لتنمية القدرات وتعزيز جودة الحياة

كشفت وزارة الثقافة وهيئة الترفيه في السعودية عن باقة من المشاريع التنفيذية والتخطيطية المشتركة بينهما، التي سيتم تنفيذها وفق أربعة مسارات رئيسية.

«الشرق الأوسط»
الاقتصاد منطقة بوليفارد الرياض سيتي (الشرق الأوسط)

تحويل «ويبوك» إلى منصة تدفع بأرباح منظومة الترفيه بالسعودية

تنوي الهيئة العامة للترفيه مضاعفة إيرادات «ويبوك»، المنصة الرسمية لتذاكر «موسم الرياض»، من خلال خدمات نوعية جديدة تضاف لأول مرة.

بندر مسلم (الرياض)

شاشة الناقد: سيرة حياة وهجرة

«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
TT

شاشة الناقد: سيرة حياة وهجرة

«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)

UNTSTOPABLE ★★★☆

* سيرة حياة رياضي تكاد لا تُصدّق

* عروض مهرجان تورونتو | الولايات المتحدة، 2024

هناك «كليشيهات» متعدّدة في الأفلام الرياضية: مثل مشاهد لصعود الرياضي من العدم، العقبات التي تواجهه، المشاكل النفسية التي يعاني منها، شكوك البعض من أنه سينجز النجاح المرتقب وفي النهاية النجاح المرتقب يقع فعلاً و«البطل» ينجز ما حلم به.

هذه وصفة «رامبو» وما قبله وبعده، وفيلم «لا يمكن إيقافه» لا يخلو منها. المميَز الوحيد هو أن هذا الرياضي هو المصارع الشاب أنطوني (جارل جيروم) الذي وُلد بساق واحدة. الكل، من مطلع الفيلم، لا يصدق أنه سينتصر في جولاته باستثناء والدته جودي (جنيفر لوبيز) التي تعلم كم عانى أنطوني في حياته وجهد لكي يدخل الحلبة رغم عاهته. بداية من أن زوج والدته (بوبي كاناڤالي) احتقره وأساء معاملته منذ كان أنطوني ولداً صغيراً.

تنضم صورة الأب (والفيلم مأخوذ عن كتاب وضعه أنطوني روبلز عن حياته) إلى صور متعددة لرياضيين عانوا من سطوة آبائهم من بينها «The Warrior» لكيڤن أوكونور عام 2011، و«The Iron Claw» لشون دوركن 2023. لكن بسبب هذه المتاعب يزداد إصرار أنطوني على التحدي والفوز في مبارياته متّبعاً أسلوباً خاصاً به يحوّل عاهته إلى ميزة. تأثيرها على المُشاهد هو مزيج من التأييد والخوف عليه (هكذا أيضاً موقف والدته). الممثل جيروم لم يقم بتأدية مشاهد الحلبة بل جيء بالرياضي روبلز ليؤدي تلك المَشاهد.

هذا هو الفيلم الأول لوليام غولدنبيرغ الذي اشتغل سابقاً وراء طاولة التوليف (المونتاج) وهو يدمج حكاية تراجيدية في أصلها ومواقفها الصّعبة بخيط من الرغبة في الوصول إلى الجمهور الواسع الذي سيجد أن بطولة روبلز تستحق المشاهدة.

ANYWHERE, ANYTIME ★★★

* دراما عن أفريقي آخر يعاني من ويلات الهجرة الأوروبية

* عروض مهرجاني ڤينيسيا وتورونتو | إيطاليا - 2024

المخرج ميلاد تنغشير إيراني المولد، ترك البلاد وهاجر إلى أوروبا ونجح في تحقيق بضعة أفلام مرّت تحت الرادار. فيلمه الجديد يختلف في أنه يستقطب اهتماماً لا بأس به حالياً.

بعض هذا الاهتمام ربما يعود إلى أن حبكة فيلمه تمشي بخط موازٍ مع ذلك الذي اعتمده المخرج الإيطالي الواقعي ڤيتوريو دي سيكا عندما حقق فيلمه الأشهر «سارقو الدرّاجات» في عام 1948. ذلك لأن دراجة بطل هذا الفيلم التي هي سبيل معيشته الوحيد سُرقت منه خلال العمل، كما سُرقت دراجة الأب في الفيلم السابق. لا ينتهي التشابه عند هذا الحد لأن الفيلمين يجولان في الأسلوب الواقعي رغم اختلاف الحكاية.

من «أي مكان، أي وقت» (ڤيڤو فيلمز)

بطل هذا الفيلم عيسى (إبراهيم سامبو) سنغالي مهاجر إلى إيطاليا بلا أوراق شرعية. يُطرد من عمل مؤقت لهذا السبب. يحاول صديقه مساعدته عبر شراء دراجة هوائية يستخدمها في تسليم الأطعمة حسب الطلب. هذا ما يؤدي بنا في الفيلم لحالة تشابه أخرى مع فيلم «قصة سليمان»، الذي تناولناه بتاريخ التاسع من الشهر الماضي. ذاك أيضاً كان عن أيام من حياة مهاجر أفريقي إلى فرنسا حققه بوريس لوبكينو بجدارة ونجاح في الإمساك بما يجعل من العمل إيقاعاً جيداً وأداءات معبّرة. أمران لا يحسنهما الفيلم الجديد.

عيسى يعمل في مهنة تسليم الأطعمة في تلك الشوارع المزدحمة، وقد تتوقع أن يقع له حادث ما خلالها لأن المخرج تنغشير يجيد رصد الحركة تاركاً المجال لوقوع أي شيء. الأمر الأول الذي يقع عاطفي حيث يتعرّف عيسى على فتاة أفريقية أيضاً (سوكيس إدماكيوتا) كخطوة أولى صوب حياة عاطفية. الأمر الثاني سرقة دراجته دافعاً بعيسى لمأزق حياة غير متوقع ويتقاطع مع آماله بأن يستطيع التغلب على مشاكله المادية والعاطفية.

هذا فيلم لديه نوايا جيدة معظمها يصل إلينا في الدقائق الأولى وبعضها يبقى، لكنه كان يحتاج إلى مناخ أثرى ومعالجة مختلفة أكثر حدة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز