ثلاثة أفلام من «كان» السادس والسبعين

غموض الدوافع والوقوف عند الذاكرة

مشهد من «وحش» (كان)
مشهد من «وحش» (كان)
TT

ثلاثة أفلام من «كان» السادس والسبعين

مشهد من «وحش» (كان)
مشهد من «وحش» (كان)

تطالعنا في صباح كل يوم قوائم أفلام جديدة تُضمّ إلى قوائم الأيام السابقة. يفحص الناقد ما سيختاره منها ثم يُشاهدها والفاصل بين الاختيار والمشاهدة مسألة حظ. قد يأتي الفيلم بما يحمل المُشاهد فوق الريح معجباً أو يتركه منطوياً أو متسائلاً.

بالأمس، على سبيل المثال، هرعت أفواج الحاضرين لالتقاط رحيق الفيلم الجديد للمخرج الياباني هيروكازو كوري - إيدا «وحش» (Monster) المعروض داخل المسابقة: دراما في ساعتين و6 دقائق تتحاشى الإجادة المطلقة وتنجح في ذلك. لكن الجمهور صمد ولم يسجل خروج سوى اثنين. في اليوم التالي، كتب من كتب ملاحظاته وشبه الإجماع هو أن الفيلم جيد بسبب غموضه لكنه لا يصل إلى مستوى ما حققه المخرج قبل أعوام قليلة تحت اسم Shoplifters وحاز عليه جائزة مهرجان كان سنة 2018.

«وحش» هو أول فيلم لكوري - إيدا يحققه في اليابان بعد خمس سنوات من العمل في إطار السينما الكورية.

الوحش في الفيلم ليس رجلاً يبعث الخوف بأفعاله الوحشية، كما قد يوحي العنوان. على العكس قد يكون ذلك الولد الذي تتمحور حوله العديد من المشاهد سواء في حضوره أو غيابه. الفيلم في ثلاثة فصول: فصل عن أم الولد، التي تبحث عن جواب في المدرسة بعدما وجّه إليه الأستاذ كلمة تحقير (قال له «لديك دماغ خنزير») وعاقبه بالضرب أيضاً. بعد استيفاء الموقف من وجهة نظر الأم، ننتقل إلى الحدث من وجهة نظر المعلّم، ثم، وفي الفصل الثالث يعرض الفيلم وجهة نظر الولد، أو لنسمّها الأحداث، كما يعتقد الفيلم أنها وقعت للولد أو بفعله بحيث يمكن اعتبارها وجهة نظر.

مثلما فعل أكيرا كوروساوا في فيلمه الشهير «راشامون» (1950) هي القصة ذاتها من خلال التطرّق لها من أكثر من جانب. على عكس ذلك الفيلم النص يغلب الصورة في أكثر من مناسبة والتوجّه للبحث عن الواقع (وليس عن الحقيقة بالضرورة) يسود فوق العناية بالمعالجة فنياً. هذا يعني أن السرد يُثير الاهتمام بسبب مضمونه أكثر مما يُثير الاهتمام بالكيفية التي عالج فيها المخرج تلك الحكاية من ثلاثة جوانب.

يفتح الفيلم على نار تلتهم النصف الأعلى من بناية تقع في بلدة ناغانو المشرفة على ساحل بحيرة كبيرة. النار ترمز إلى الوحش بدورها. لا يبحث الفيلم مطلقاً في الفاعل (رغم اشتعال النار في عمارتين لاحقتين)، ولا يتم الحديث عنها كثيراً بين الشخصيات. في المقابل، هناك تصوير بديع للماء. للبحيرة أولاً ثم للمطر والعواصف العاتية التي تهاجم البلدة من دون رحمة. شلال من السماء يهطل فوق الجميع بلا هوادة. العاصفة بدورها قد تكون الوحش المعني. المشكلة هي أن هذا البعد لا يعرف الوضوح، مما يعزز احتمال أن يكون الوحش ذلك الصبي الذي تعرّض لاعتداءات لفظية أثّرت على رغبته في أن يكون مقبولاً لدى الآخرين وعدائياً صوبهم.

لذلك يبقى السؤال الكبير واحداً: عمّن يكون هذا الوحش مع افتراض كبير بأن المقصود هو ذلك التصرّف الداكن، الذي يعيش داخل الإنسان ذاته. التيمة جديدة كقصّة لكنها ترتاح أكثر مما يجب بين فقراتها وعدم سردها على خط واحد يبعث السأم والاهتمام على نحو متوازن.

عطلة وذاكرة

العائلة الأفريقية في «العودة» (كان)

دراما أخرى في مسابقة المهرجان نجدها في Homecoming. لكاثرين كورسيني. فيلم عن عطلة لعائلة أفريقية متمثلة في الأم خديجة (عيشاتو ديالو سغنا)، التي تتسلم مهام رعاية أولاد عائلة (بيضاء) تسكن جزيرة كورسيكا خلال غياب الزوجين عن البيت. إنها فرصة لخديجة لكي تقضي مع ابنتيها ما يشبه العطلة في تلك الجزيرة، إنها الزيارة الثانية لها، إذ يبدأ الفيلم بمشهد يقع زمنياً قبل خمس عشرة سنة عندما هربت خديجة من كورسيكا بابنتيها اللتين كانتا طفلين صغيرين آنذاك.

يكشف الفيلم لاحقاً عن سبب الحدث الذي دفع العائلة للهرب من الجزيرة، فقد توفي زوج خديجة (ووالد الفتاتين) في حادثة لا يود الفيلم الكشف عنها سريعاً. لكن لا تود المخرجة كورسيني تحويل حكايتها إلى بحث تشويقي. ترضى بعدم تعريض الفيلم لحكاية متسعة زمنياً لأكثر من مناسبة محدودة. تجد غايتها في الإحاطة الرومانسية بين الشخصيات والمكان وبين الشقيقتين المراهقتين وملامح الحب الأول لكل منهما.

هناك نوع يرتاح إليه الجمهور الفرنسي، ويطلبه كثيرون من المخرجين الفرنسيين وهو نوع أفلام العطلة. تبدو جذّابة. طبيعية. هادئة لكنها لاحقاً ما تحتوي على عواصف عاطفية ونفسية مرهقة. في هذا الصدد، لا يختلف «العودة» عن سواه من الأفلام، ولا حتى في نواحٍ أخرى باتت تقليداً متوقعاً. قصتا الحب اللتان نراهما خلال هذا الفيلم لا تختلفان إلا قليلاً عن حبكات بعض أفلام الراحل إريك رومير، لكن الجديد فيها أنها تقع على خلفية لون البشرة السمراء. بالتالي يتابع المُشاهد مفارقات اعتاد عليها إذا ما كان شاهد أعمالاً مماثلة من قبل. هناك لمسات رقيقة إضافية لكنها لا تكفي لصنع فيلم جيد.

ذكريات مدينة باردة

خارج المسابقة عرض المخرج البريطاني ستيف ماكوين فيلمه الجديد «مدينة مُحتلّة» (Occupied City). سبق لهذا المخرج أن قدّم أعمالاً روائية مثيرة للاهتمام مثل «عيب» (Shame) و«جوع» (Hunger) وفيلمه الفائز بالأوسكار «12 سنة عبداً» (‪12 Years a Slave‬).

لكن يؤثر هنا الانتقال إلى صرح السينما غير الروائية في فيلم من أربع ساعات يؤرخ فيه لمدينة أمستردام التي احتلها الألمان، خلال الحرب العالمية الثانية، لخمس سنوات متعاقبة.

يستقي المخرج معلوماته من كتاب وضعته زوجته الهولندية (وإحدى منتجي هذا الفيلم) بيانكا ستيغتر تحت عنوان «أطلس لمدينة محتلة، أمستردام». كانت ستيغتر أخرجت فيلماً بعنوان «ثلاث دقائق: تطويل» (Three Minutes‪:‬ A Lengthening) والرابط بين الفيلمين هو طرح مسألة الهولوكوست من زاويتين متشابهين. المختلف هو أن فيلمها اكتفى بـ58 دقيقة بينما شهد «مدينة محتلة» ذلك «التطويل» الوارد في عنوان فيلم زوجته.

أربع ساعات عن موضوع واحد لا يتغير ولا يشهد اندماج المخرج فيما يعرضه ولا الكثير من الرغبة في تتويجه بأسلوب معيّن سوى تصوير العديد من المواقع التي تم فيها تجميع نحو 60 ألف يهودي لنقلهم إلى حيث يتم إعدامهم.

طريقة صنع هذا الفيلم لا تخلو من التحدي: هو فيلم كبير الحجم أراده المخرج ماكوين نوعاً من الرثاء يشبه ذلك الذي حققه في «12 سنة عبداً» الذي تناول فيه - درامياً - سنوات الرق والعبودية التي عاشها السود في الولايات المتحدة قبل الحرب الأهلية. كذلك من التحدي بمكان كبير ألا يستعين المخرج بوثائق أرشيفية. كذلك يستغني عن المقابلات (وهي بعض أسس معظم أفلام الهولوكوست) وعن التعليق الصوتي لشهود عيان أو ناجين (عنصر رئيسي آخر في مثل هذه الأفلام).

هذا التحدي (مصحوباً بالتصوير في نحو 130 موقعاً)، بينها تلك التي كان يتم تجميع اليهود وشحنهم منها، سبب في أن الفيلم يأتي أطول بكثير مما كان يمكن له أن يسرده في ساعة ونصف أو ساعتين. حتى ولو اعتبرنا أن الساعات الأربع ملائمة لموضوع تاريخي كهذا (عرض التسجيلي كلود لانزمان فيلمه «شواه»، Shoah في تسع ساعات و40 دقيقة سنة 1985 بطيئة ومملّة لكنها كاشفة) فإن خلوّ فيلم ماكوين من موقف المخرج حيال التاريخ (سلباً أو إيجاباً) يجعل الفيلم عبارة عن سلسلة من المشاهد الطويلة التي تكرر مفاداتها على نحو مستمر ولا تمنح جديداً فعلياً تضيفه لما سبق للعديد من الأفلام (روائية ووثائقية) تحدثت فيه.

ينتقل المخرج بين سنوات الاحتلال وسنوات الحاضر ليسجل كيف أصبحت بعض أماكن الاعتقال مقاصد سياحية تؤمها عائلات للتزلج واللهو. المهم هو أن هذا التنويع والانتقال بين فترات مختلفة لا يعفي الفيلم من برودة أوصال، ولا يضيف قيمة تذكر بل يعكس ترهل الفيلم على موضوع كان يمكن أن يكون أكثر فعلاً لو تخلى مخرجه عن رغبته في إخراج ملحمة لم تتحقق.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز