سنوات السينما: فيلم جوزيف لوزان الهارب من المكارثية

ديرك بوغارد في «حادث» (رويال أفنيو تشلسي)
ديرك بوغارد في «حادث» (رويال أفنيو تشلسي)
TT

سنوات السينما: فيلم جوزيف لوزان الهارب من المكارثية

ديرك بوغارد في «حادث» (رويال أفنيو تشلسي)
ديرك بوغارد في «حادث» (رويال أفنيو تشلسي)

شهد فيلم جوزيف لوزاي «حادث» (1967) حين عروضه التجارية التي بدأت في بريطانيا وامتدت إلى الولايات المتحدة بنجاح، تجاذباً بين من أعجب بقرار المخرج الأميركي بالابتعاد عن أسلوبه الاستعراضي، الذي ساد أعماله منذ أن حلَّ في بريطانيا قبل أقل من عشر سنوات من إنجازه هذا الفيلم هرباً من المكارثية. لهؤلاء جاء قرار لوزاي بتنفيذ فيلم مؤسس على مشاهد ثابتة تقدّماً في مجال تأكيد حضوره كمخرج درامي أول.

لكن هذه النقطة تحديداً هي ما استخدمها من لم يعجبه الفيلم أو لم يؤخذ كثيراً بهذا التعديل، واعتبر أن الكاميرا الثابتة في معظم مشاهد الفيلم هي نوع من الاسترخاء الفني. هؤلاء كانوا أكثر ميلاً وتقديراً لفيلم لوزاي السابق «الخادم» (The Servant) الذي كان حققه قبل ثلاث سنوات من هذا الفيلم.

هناك قدر كبير من التعقيد في رواية نيكولاس موسلي، الذي اقتبس منها المسرحي والسينمائي هارولد بنتر هذا السيناريو. بدوره لم يعتمد بينتر على مشاهد كانت أكثر حدّة في مكوناتها الدرامية، بل خفّض سقف التوقعات. كان كتب كذلك «الخادم» عن رواية لروبرت موهام، الذي لعب بطولته ديرك بوغارد. والجاذب لكل من لوزاي وبينتر في هذين العملين ذلك التشابك الحاد بين ثلاثة أشخاص يعيشون تحت سقف واحد.

لكن دور بوغارد يختلف في كل من هذين الفيلمين. في «الخادم»، هو الخادم الذي يسطو على السُلطة في بيت توني (جيمس فوكس) يتحوّل هو إلى الآمر ويضع توني تحت إمرته. في «حادثة»، هو ستيفن الرجل المتزوّج والذي لديه ولدان والثالث على الطريق. يقع في حب الشابّة آنا (جاكولين باسارد) التي تحب ويليام (مايكل يورك). في الفيلم هناك ضحيّتان. في مطلعه مقتل تشارلي (ستانلي بايكر) بحادثة سيارة كانت آنا فيها. هذا هو سبب لجوئها إليه، الثانية هي مقتل ويليام الذي يُثير الشبهات.

على هدوء الكاميرا (لجيري فيشر) يبلور الفيلم توتراً كبيراً في حياة ستيفن. هذا الرجل الذي أخذ يعتبر أن آنا هي الملجأ العاطفي والجنسي الأخير قبل أن يعترف بتقدم العمر وفارق السنوات الفاصلة بينهما.

قبل تحقيق هذا الفيلم بحث لوزاي عن تمويل كافٍ لميزانية فيلم صغير. اتصل به المنتج سام سبيغل ودعاه إلى يخته الكبير وحاول إقناعه بالتخلي عن بوغارد وتعيين رتشارد بيرتون (الذي كان نجماً كبيراً حينها) لكن لوزاي رفض وسحب المنتج عرضه بتمويل الفيلم.


مقالات ذات صلة

داليا البحيري لـ«الشرق الأوسط»: لن أطرق باب أحد من أجل العمل

يوميات الشرق داليا تشدّد على أنها لن تطلب العمل من أحد (الشرق الأوسط)

داليا البحيري لـ«الشرق الأوسط»: لن أطرق باب أحد من أجل العمل

قالت الفنانة المصرية داليا البحيري إن التكريم الذي يحظى به الفنان يكون له وقع رائع على معنوياته إذ يُشعره بأنه يسير في الطريق الصحيح.

انتصار دردير (سلا (المغرب))
يوميات الشرق الفنان المصري محمود حميدة (صفحته على «فيسبوك»)

«الجونة السينمائي» يكرّم محمود حميدة بجائزة الإنجاز الإبداعي

أعلن مهرجان «الجونة السينمائي» في مصر عن تكريم الفنان محمود حميدة بمنحه جائزة الإنجاز الإبداعي في الدورة السابعة من المهرجان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
سينما «الرحلة 404» اشتراك مصري لهاني خليفة (فيلم كلينيك)

سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي بدأ عربياً وأجنبياً

لم تتقدّم بعد أي دولة عربية بفيلم لها في غمار سباق أوسكار «أفضل فيلم عالمي» (أفضل فيلم أجنبي)، وسيكون من الملاحظ أن الزحام الذي حدث في العام الماضي

سينما «خط أخضر» (ماد سوليوشن)

شاشة الناقد: حروب أهلية

خط أخضر - عودة إلى الحرب اللبنانية في فيلم تسجيلي بتوقيع سيلڤي باليو (لبنان، قطر، فرنسا - 2024).

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق أوطاننا تربّي القلق في أبنائها وتواجههم بأشكال النهايات (صور ماري لويز إيليا)

«الموت ومخاوف أخرى»... تمادي العبث اللبناني

الفيلم يتحوّل جماعياً بتبنّي حالة اللبناني المُدرِك أنّ خلف الفرح غصّة. وحين تقول صاحبته: «بِعتَل هَم انبسط»، فذلك لحتمية تسلُّل الأحزان من حيث لا ندري.

فاطمة عبد الله (بيروت)

ثلاثة أفلام تتحدّث عن إسرائيل من زوايا مختلفة

«عطلة سعيدة» (مهرجان ڤينيسيا)
«عطلة سعيدة» (مهرجان ڤينيسيا)
TT

ثلاثة أفلام تتحدّث عن إسرائيل من زوايا مختلفة

«عطلة سعيدة» (مهرجان ڤينيسيا)
«عطلة سعيدة» (مهرجان ڤينيسيا)

يسبح المتابع لأفلام مهرجان «ڤينيسيا» الذي يقترب حثيثاً من انتهاء دورته الـ81 يوم السبت، بين أفلام تتماوج في اتجاهات متعددة. يأخذنا كل فيلم صوب موضوع مختلف. رؤية خاصة، أسلوب عمل منفرد، مفادات متعددة. حتى عندما لا يكون أيّ من هذه الأفلام منفرداً في أسلوبه أو في موضوعه، بل حتى وإن لم يُنجِز المتوقع منه، فإن توالي التجارب مجتمعة هو ثراء ومتعة وأعمال زاخرة بالمعرفة.

لكن لا بد من القول إن أفلاماً كثيرة، ومن بينها ما هو جيد، باتت ترتاح لما يمكن وصفه بـ«مشاهد الصدمة». تلك التي تعمد لتأكيد ما تريد لفت النظر إليه باختلاق لقطات كان يمكن للرسالة المطلوبة الوصول لما تريد تحقيقه وقوله، لو نهجت أسلوباً يعتمد على تشكيل أبسط وأثرى وأكثر أصالة.

ليس أن المعنيّ هنا هو عدم الابتكار والتحديث، لكن لا بدّ أن يكون لهما (الابتكار والتحديث) رؤية فنية وقواعد سليمة تدفع حيال نجاح المعالجة وليس تكبيلها.

عائلة فلسطينية في يافا

واحد من الأفلام التي استعاضت عن السّهل الممتنع بالممتنع وحده، «عطلة سعيدة» للفلسطيني إسكندر قبطي (من عرب 1948) الذي عرض في مسابقة «آفاق»، فيلم خالٍ من مشاهد مفتعلة، لكن معالجته السّردية ليست مبرّرة.

دراما من 5 فصول كل منها يروي جانباً من قصّة واحدة. الطريقة ليست بالطبع جديدة (أكيرا كوراساوا عمد إليها في فيلمه الرائع «راشامون» سنة 1950)، لكنها في إطار ما يوفره الفيلم من أحداث لا تطرح الحل الأفضل لما هو معروض: المكان حيفا. الزمن الحاضر. رامي رجل فلسطيني عاشر امرأة يهودية اسمها شَلي والآن هي حبلى. يروي قبطي قصّته، ثم ينتقل إلى قصّة والدته ذات الشخصية المهيمنة التي لا تعرف شيئاً عن هذا الموضوع ومشغولة بعرس ابنتها التي تصرّ على أن يأتي حافلاً بالبهجة مهما كلّف مادياً. زوجها في ورطة مالية ويريد بيع البيت وهي تعارض. القصّة الثالثة تنقلنا إلى شَلي ووالدتها (ذات الشخصية القوية بدورها) التي تعارض أن تحبل ابنتها من عربي. ثم نحط مرّة أخرى في دار العائلة الفلسطينية لأن هناك بوادر حب مع طبيب فلسطيني وصديق لرامي. الفصل الخامس هو ما سيحصده المؤلف - المخرج من مفادات عن هذه الحكاية.

هذا فيلم جيد بمضمونه ينضح بالملاحظات التي تطرحها الحكاية أولاً، ثم الكاميرا بعد ذلك، مثل العلاقات المتشابكة بين الشخصيات الفلسطينية في الداخل والشخصيات اليهودية المرتبطة بالأولى بحكم العمل أو بحكم العلاقة الشخصية. المشكلة تقع في جانبين، تكرار دخول شريط الصوت التابع للمشهد اللاحق قبل انتقال الكاميرا ونحن إليه (هذا مُحتمل بضع مرّات، لكن أكثر من ذلك هو تكرار لا يضيف شيئاً)، وحقيقة أن الفيلم المليء برطل من الحوارات يريد التماثل بالأسلوب التسجيلي رغم أنه دراما ممتلئة بالاحتمالات الحاضرة أو الغائبة. هذا كله يجعل الاهتمام بما يدور يتفاوت من مشاهد لآخر.

المهندس المختلف

هناك معالجة متشابكة في فيلم آخر هو «الوحشي» (The Brutalist). لكن هذا التشابك بين ما هو معروض وبين ما كان يمكن أن يُعرض بنجاح أعلى، هو اللقاء النظري الوحيد بين الفيلمين.

من «الوحشي» (مهرجان ڤينيسيا)

«الوحشي» فيلم جيد بلا ريب، لكنه يبني ويهدم، ومن ثَمّ يبني من جديد مواقفه، وخلال ذلك يُكرّر ما كان يكفي ذكره في المرّة الأولى. يدور حول لازلو (أدريان برودي)، مهندس معماري من يهود المجر الذين هربوا من النازية إلى الولايات المتحدة. عند وصوله يستقبله قريب له (أليساندرو نيڤولا) الذي يملك شركة تعهدات معمارية. هذا التعاون يدلي بلازلو إلى التعرف على لي ڤان بورين (غاي بيرس) أحد كبار أثرياء ولاية بنسلفانيا الذي، يطلب منه بناء مجمع فوق أرضه يضمّ فيما يضم، كنيسة ومدرسة وجمنيزيوم ومكاتب. نمضي أكثر من ساعتين في متابعة قيام لازلو بالمشروع متمتعاً بمباركة ڤان بورين ومساندته رغم خلافات لازلو مع محيطين ببورين وبينهم ابنه. محامي بورين يساعده في جلب زوجته وإحدى قريباته.

تكاد التفاصيل أن تقتل فيلماً يقوم على مواجهة لازلو (ثم عائلته) لحياة يصعب له العيش فيها من دون التنازل والتأقلم معها. يقف الفيلم معه في هذه المواجهة فإذا به الشخص الوحيد الذي يمكن للمُشاهد القبول به. هذا على الرغم من أنه اعتاد سريعاً على الهيرويين، أمر يحدث غالباً بعيداً عن الكاميرا، لكنه في النهاية ينضح بقفزة صوب مشهد اغتصاب بورين له في بعض أنحاء إيطاليا خلال زيارة. يسأله بورين قبل ذلك «كيف تناهض ما تعرضت له من اضطهاد وتقبل إهانة نفسك؟». سؤال مهم كان يمكن أن يقع قبل ذلك المشهد أو بعده. هناك أيضاً تلك المؤثرات الصوتية التي تهدر وتستخدم مطارق وضرب على أنابيب فارغة (أو ما هو قريب منها) وأدوات أخرى مختلفة لخلق تأثير صادم. الناتج فيلم ضخم ببصرياته، مضج في صوتياته ودراما متكلّفة في السرد.

أين الحرب؟

لا يضع المخرج الإسرائيلي عاموس جيتاي علامة استفهام على عنوان فيلمه الجديد «لماذا الحرب» (Why War)، بذلك ينتقل بعنوانه إلى طموح لا ينجزه الفيلم وهو تفسير أسباب الحرب.

بدايته تنطلق بلقطة بكاميرا «ستدي كام» لمدّة 7 دقائق، واحدة تبدأ في شارع وتنتهي داخل تجمّع، لكنها لا تفضي إلى شيء. الفيلم مأخوذ جزئياً عن رسائل متبادلة بين سيغموند فرويد وألبرت أينشتاين وهذه بدورها لا تفضي إلى شيء.

إيرين جاكوب بطلة «لمَاذا الحرب» (شوتايم)

تظهر الممثلة الفرنسية إيرين جاكوب وهي تكتب رسالة (نسمعها تقرأها في الوقت نفسه) موجهة إلى المخرج، تتساءل فيها عن معنى الحرب. لا تصل إلى جوابٍ وينتقل الفيلم إلى لقاءٍ بين الفرنسي ماثيو أمالريك في دور فرويد، والإسرائيلي ميشا ليسكوت في دور أينشتاين. الأول بغليونه والثاني بباروكة شعر مضحكة. كذلك حال النظريات المتبادلة حول الحرب والثقافة والإنسان. تأتي وتذهب دون أن تترك أي أثر.