يعدّ عبد الرحمن الجندل من المخرجين السعوديين الشباب الذين حققوا نجاحات محلية وعالمية لفتت أنظار صناع السينما. وهو إلى جانب موهبته الإخراجية يملك أخرى تتمثل بالكتابة. ومن أحدث أعماله «شارع 105» المستوحى من قصة حقيقية. وقدمه المخرج السعودي الشاب ضمن شريط سينمائي شيق. وجرى عرضه في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي».
الفيلم نفسه سبق وحصد جوائز عديدة، ومن بينها «أفضل فيلم روائي قصير مستقل» من مهرجان «ايت إند أواردز» من روما بإيطاليا. وهي الثانية للفيلم؛ إذ سبق وحصل على الجائزة نفسها في مهرجان «سويت ديموكراسي» بمدينة كان الفرنسية.
ويعلق الجندل لـ«الشرق الأوسط»: «الفيلم من كتابتي وإخراجي، وأعدّه تجربة شيقة خضتها. فهيئة الأفلام في وزارة الثقافة السعودية دعمته مادياً بعد فوزه في مسابقة (ضوء)، مما سهّل الوصول إلى وزارة الداخلية التي أخذت على عاتقها دعم الفيلم لوجيستياً لإنتاجه. فهو أول عمل سينمائي سعودي من نوع دراما الأكشن. وتم إنجازه وصناعته بالكامل مع طاقم سعودي بامتياز».
ويرى الجندل أن شارع «105» حقق أصداء إيجابية في العروض الخاصة بوزارة الثقافة. وأنه أكمل المشوار نفسه في مهرجان الأفلام السعودية. «مشاركته أيضاً في (مهرجان البحر الأحمر السينمائي) كان لها وقعها الجيد. فالفيلم سبق وحاز على جوائز عالمية، ومن بينها لبطل الفيلم مهند الصالح الذي حصد جائزة أفضل ممثل في أحد مهرجانات باريس».
ويؤكد الجندل أن السينما السعودية تشهد حالياً تطوراً ملحوظاً في إنتاجاتها. «لقد ازدادت تألقاً منذ بدء هذه الصناعة في السعودية عام 2018، وبدأت تلاقي رواجاً لدى المشاهد السعودي، سيما وأنه صار يتمتع بخلفية بصرية على المستوى المطلوب. كل هذا يجعل المشهدية السينمائية المستقبلية مشرقة في البلاد».
يخبر الجندل «الشرق الأوسط» كيف استوحى فكرة العمل، فيقول إنه في نهاية عام 2017 وبداية 2018، انتشر فيديو مصور لحادثة إرهابية حصلت في حي الياسمين في الرياض. يومها أظهر الفيديو كيف تعرّض رجلان من الشرطة إلى هجوم إرهابي. وكان المهاجمون مدججين بالأسلحة والقنابل الناسفة. فواجههم الشرطيان واستشهد أحدهما، فيما الآخر بقي يقاوم الإرهابيين حتى تمكن من قتلهم. ويتابع الجندل: «لقد تم توثيق الحادثة من قبل فتاة استخدمت هاتفها المحمول لتصوير الحادثة من منزلها. وكان صوتها يرتجف خوفاً وهي تدعو رب العالمين لإنقاذ الشرطيين وتغلبهما على القتلة. فكانت نبرتها المذعورة هذه كفيلة بأن تدفعني للتفكير في الحادثة ولأبدأ كتابة فيلم (شارع 105)».
منذ بداياته، اختار عبد الرحمن الجندل أن يغرد خارج السرب سينمائياً. وحازت أعمال الآكشن على المساحة الأكبر من اهتمامه. فلماذا اختارها؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «الآكشن هو الذي اختارني، وأذكر أن أحد أساتذتي في الجامعة طلب منا في الصف مرة أن نكتب موضوعاً خارجاً عن المألوف. وعنى بذلك قصة عشناها أو حصلت مع أحد المقربين منا. عندها جاءتني فكرة فيلم «جابر» واستوحيتها من حياتي الشخصية. وتحكي عن علاقة الابن بوالدته، والعنوان الرئيسي لها كان عن التضحية. أما فيلم «غضب» فيحكي عن علاقة أخوين ببعضهما، وينفعلان عند الغضب كلٌّ على طريقته. وخرجت بفكرة رئيسية فيه تطبق المثل المعروف «اتق شر الحليم إذا غضب».
ويشير المخرج السعودي إلى أن جميع الأفلام التي ذكرها إضافة إلى «شارع 105» كان التركيز فيها على القصة، وليس على صنف المنتج. ولكن الأحداث الدرامية لتلك الحكايات تقف وراء الآكشن الذي يعتريها. ويوضح: «في فيلميّ (جابر) و(غضب) كان التحدي يكمن في تصميم لقطات قتال واقعي، ينفذ بأسلوب سينمائي مع الحفاظ على سلامة الممثلين. وهو أمر درسته في الجامعة وبحثت عنه جيداً قبل تنفيذه، مستنبطاً واقعيته من خلفيتي الرياضية».
هذا كان في فيلم «غضب»، أما فيلم «شارع 105» فحمل تحدياً من نوع آخر كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»: «كان عليّ تصميم وتنفيذ مشهد المواجهة بالأسلحة النارية بأسلوب واقعي، مع الحفاظ على سلامة الممثلين. فلعبت وزارة الداخلية دوراً بارزاً، في هذا الإطار».
وبالفعل عملت الوزارة على تدريب الممثلين على آلية قيادة المركبة خلال المطاردة. وكيفية إيقاف مشتبه به ومداهمة المنازل وحمل السلاح بالشكل الصحيح. كما وفرت للجندل سائقين محترفين لتأدية المشاهد الخطرة تحت إشرافه. ويتابع: «برأيي ليس هناك من صعوبات في عالم صناعة الشرائط السينمائية. فعلى من يقاربها أن يتمتع بمواهب عديدة. وأن يكون مطلعاً على المستجدات التقنية والإبداعية كي يطور مهاراته. فالأمر الوحيد الذي يمكنه منعك من صناعة فيلم معين هو الجهل».
تحديات كثيرة واجهها عبد الرحمن الجندل خلال تنفيذه «شارع 105». وتمثلت بالحصول على خطاب من وزارتي الثقافة والداخلية السعوديتين للمساهمة بتزويد الفيلم بمشهدية واقعية. فيما التحدي الثاني كان في الميزانية المخصصة للعمل وتعدّ قليلة نسبة لفيلم من نوع الآكشن. وهو ما أثّر على مدة تصوير الفيلم لتختصر بثلاثة أيام بدل ستة. كما أن توليه مهام كثيرة من كتابة وإخراج وإنتاج وإشراف على فنون القتال، تسبب له بتحديات من نوع آخر.
وعن خطوته الجديدة في المجال السينمائي يقول: «عملي المقبل طور التحضير، وهو كناية عن فيلم يحكي قصة رياضي. هو بطل مصارعة رومانية سعودي سابق يضطر للرجوع لهوايته، كي ينقذ والده من موقف صعب يواجهه. وسيتم إنتاج العمل ما بين روسيا ومدينتي الخبر والعلا السعوديتين». ومن المرجح تصوير هذا الفيلم الروائي الطويل مطلع عام 2025 بمشاركة نجوم عالميين ومحليين.
ومن ناحية ثانية، يحضر عبد الرحمن الجندل لإخراج مسلسل درامي بعنوان «ثانوية النسيم». ومن المتوقع أن يتم عرضه في بداية الربع الأول من العام الجديد.