الكاتب اللبناني أمين معلوف الأفضل حظاً لتبوّء منصب أمين عام «أبدي» للأكاديمية الفرنسية

معلوف يتنافس مع الكاتب والدبلوماسي السابق جان كريستوف ريفان

المتنافسان على منصب الأمين العام "الأبدي" للأكاديمية الفرنسية: اللبناني ــ الفرنسي أمين معلوف {يمين} وجان كريستوف ريفان (أ.ف.ب)
المتنافسان على منصب الأمين العام "الأبدي" للأكاديمية الفرنسية: اللبناني ــ الفرنسي أمين معلوف {يمين} وجان كريستوف ريفان (أ.ف.ب)
TT

الكاتب اللبناني أمين معلوف الأفضل حظاً لتبوّء منصب أمين عام «أبدي» للأكاديمية الفرنسية

المتنافسان على منصب الأمين العام "الأبدي" للأكاديمية الفرنسية: اللبناني ــ الفرنسي أمين معلوف {يمين} وجان كريستوف ريفان (أ.ف.ب)
المتنافسان على منصب الأمين العام "الأبدي" للأكاديمية الفرنسية: اللبناني ــ الفرنسي أمين معلوف {يمين} وجان كريستوف ريفان (أ.ف.ب)

بعد ظهر غدٍ الخميس، ستحسم معركة انتخاب أمين عام دائم جديد للأكاديمية الفرنسية المناطة بها مواكبة اللغة الفرنسية والمحافظة عليها وتحديثها التي تعد من أقدم المعاهد الأكاديمية في فرنسا، إذ يعود تأسيسها للقرن السابع عشر على يدي الكاردينال ريشليو. وأعضاء الأكاديمية التي لا يزيد عديدها في الوقت الحاضر عن الـ35 عضواً (من أصل أربعين وهو العدد الأصلي) وهم يسمون «الخالدين» وأمينها العام الدائم ينتخب لمدى الحياة. والسبب في الفارق بين العددين أن الأكاديمية فشلت في السنوات الأخيرة في ضم أعضاء جدد إليها، إذ إن بعض من تم التواصل معهم إما رفضوا معتبرين أن الأكاديمية محافظة جداً، لا بل متزمتة، وإما لم يحصلوا على الأصوات اللازمة للانضمام. وبذلك، فإن خمسة مقاعد ما زالت شاغرة، وهي تنتظر من يحتلها. ويعد السكرتير الدائم لأكاديمة الخالدين.

حتى يوم الاثنين الماضي، كانت الأمور شبه محسومة للكاتب اللبناني ــ الفرنسي أمين معلوف لاحتلال المقعد، الذي جلست فيه المؤرخة الفرنسية من أصول روسية هيلين كارير دانكوس منذ عام 1999 لكونه المرشح الوحيد لهذا المنصب. بيد أن الأمور تغيرت مساء الاثنين وهو الموعد النهائي لتقديم طلبات الترشح المحصورة بأعضاء الأكاديمية عندما أرسل الطبيب والكاتب والدبلوماسي السابق جان كريستوف ريفان بدوره طلب ترشيح، مما فتح الباب أمام معركة بين شخصيتين تجمع بينهما صداقة عميقة: أمين معلوف، الفائز بـ«جائزة غونكور» الأدبية عام 1993 عن روايته «صخرة طانيوس» حاله حال منافسه ريفان، الذي حاز الجائزة نفسها في عام 2001 عن روايته «البرازيل الحمراء». معلوف، البالغ من العمر 74 عاماً، صاحب رواية «سمرقند» و«ليون الأفريقي» انتخب عضواً في الأكاديمية في عام 2011 بينما ريفان سبقه إليها في عام 2008. وعند انتخابه، جلس أمين معلوف في مقعد العالم الإثنولوجي الفرنسي كلود ليفي ستروس الذي توفي في عام 2009.

اللبناني ــ الفرنسي أمين معلوف الأوفر حظا (أ.ف.ب)

أمين معلوف الأوفر حظاً

يعدُّ الكاتب اللبناني الأصل الذي له مؤلفات ترجمت لعشرات اللغات، الأوفر حظاً لمجموعة من الأسباب أولها علاقته الجيدة مع غالبية أعضاء الأكاديمية الذين يرون فيه الشخص المناسب لخلافة هيلين كارير دانكوس. وليس سراً أن صداقة قوية كانت تربط بين السكرتيرة الدائمة السابقة وأمين معلوف، لا بل إن عدداً من الأعضاء يرون في ذلك ورقة مهمة في جعبة الأخير. والسبب الثاني، بحسب أحد أعضاء الأكاديمية، أن معلوف بين أنه «عضو نشط وفاعل» في أنشطة الأكاديمية التي تعمل دوماً على إصدار قواميس اللغة الفرنسية وتحديثها، وإدخال العبارات والكلمات الجديدة إليها وتوليفها مع تطورات العصر. وأخيراً، يعد معلوف رجلاً مستقلاً، بينما يؤخذ على صديقه ومنافسه ارتباطه بمجموعات وشركات فرنسية عمل لأجلها في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإنه أقل استقلالية من منافسه اللبناني الأصل. ومن ذلك أنه قدم تقريراً للشركة النفطية الفرنسية «توتال إنرجيز» عن الأوضاع في دولة موزمبيق أو رئاسته لمؤسسة تابعة لشركة الأدوية الفرنسية «سانوفي»... وحتى آخر يوم، كان ريفان متردداً في تقديم ترشيحه. ونقلت صحيفة «لو موند» مقاطع من رسالة الترشح، التي جاء فيها: «حاولت التراجع بدايةً، لكنّني توصلت إلى استنتاج مفاده أنّ قضيتنا العظيمة تستحق بعض التضحيات». وقال للصحيفة المذكورة إن السير بمرشح واحد سيجعل انتخابات الأكاديمية أشبه بالانتخابات التي تجرى في كوريا الشمالية.

جان كريستوف ريفان (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي أنهى أعضاء الأكاديمية النظر في كلمات الطبعة التاسعة من قاموس الأكاديمية الفرنسية، التي تضم ما يقرب من ضعفي عدد الكلمات الموجودة في النسخة الثامنة. ورغم أن قاموس الأكاديمية يلقى معارضة لغويين كثيرين يأخذون عليه طابعه المتزمت، فإنه يعدّ أداة قيمة لمتابعة تطور اللغة الفرنسية، ومختلف إصداراته متاحة مجاناً عبر الإنترنت. والسكرتير الدائم للأكاديمية الفرنسية، هو العضو الذي يدير هذه المؤسسة المدافعة عن اللغة الفرنسية وتطويرها، ولم يشغل هذا المنصب سوى 32 شخصاً منذ 1634. ومن بين مهام السكرتير الدائم، سعيه إلى استقطاب مرشحين ذوي قيمة كبيرة. ذلك أن هيلين كارير دانكوس لم تنجح دائماً في محاولاتها تشجيع، أو تأييد ترشيحات كتّاب أصغر سناً يحظون بشعبية. وتضم الأكاديمية 40 مقعداً يشغل 28 منها رجال، و7 عائدة للنساء، وثمة 5 مقاعد شاغرة في انتظار الانتخابات.

شمعة في نفق مظلم

ولد أمين معلوف في لبنان في عام 1949 وهو ابن الصحافي والكاتب رشدي المعلوف. وبعد دروس جامعية في الاقتصاد والسوسيولوجيا، بدأ حياته المهنية صحافياً في بيروت، وغطى العديد من النزاعات العالمية منها سقوط الإمبراطورية الإثيوبية في عام 1974 وسقوط سايغون بأيدي الثوار الشيوعيين في عام 1975. وعقب اندلاع الحرب في لبنان، انتقل إلى باريس، حيث بدأ بممارسة مهنته الصحافية في مجلة «جون أفريك» الفرنسية، حيث عين رئيساً للتحرير ثم كاتب افتتاحيات. بيد أنه في الثمانينات قرر التفرغ للكتابة، وهو يعد أحد وجوه الروايات التاريخية المُستلهمة من الشرق، وركّز في أعماله على مسألة تقارب الحضارات. وجاءت أولاها «الحروب الصليبية في عيون العرب» وتبعتها رواية «ليون الأفريقي» ثم «سمرقند». وحصد معلوف في عام 1993 جائزة غونكور تتويجاً لقصته المتجذرة لبنانياً «صخرة طانيوس». وآخر كتبه صدر في العام الحالي تحت عنوان «سرادب التائهين». ومنح معلوف مرتبة الدكتوراه الشرفية من أربع جامعات: لوفان (بلجيكا)، تاراغونا (إسبانيا)، إيفورا (البرتغال) والجامعة الأميركية (بيروت). وفي العامين 2007 ــ 2008، كلفته المفوضية الأوروبية ترؤس لجنة لدراسة أهمية التعددية اللغوية وأثرها في تمتين البناء الأوروبي.

أن يحتل كاتب لبناني في حجم أمين معلوف، دفعته الحرب إلى الهجرة إلى فرنسا، منصباً رفيعاً في أشهر مؤسسة ثقافية فرنسية، فأقل ما يقال فيه، إلى جانب أهليته لهذا الوقع، أنه يرسل إشارة إيجابية للبنانيين الغارقين في مستنقع السياسة بمعناها الضيق وفي الأزمات متعددة الأشكال والألوان. إنه شمعة تضيء في نفق مظلم لعلها تشعل بعض الأمل في قلوب من فقدوه.



محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
TT

محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)

صدى كبير حققه حفل «روائع محمد عبد الوهاب» في «موسم الرياض»، سواء بين الجمهور أو مطربي الحفل، ولعل أكثرهم سعادة كان المطرب المصري محمد ثروت ليس لحبه وتقديره لفن عبد الوهاب، بل لأنه أيضاً تلميذ مخلص للموسيقار الراحل الذي لحن له 12 أغنية وقد اقترب ثروت كثيراً منه، لذا فقد عدّ هذا الحفل تحية لروح عبد الوهاب الذي أخلص لفنه وترك إرثاً فنياً غنياً بألحانه وأغنياته التي سكنت وجدان الجمهور العربي.

يستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم وإخراج نجله أحمد ثروت ({الشرق الأوسط})

وقدم محمد ثروت خلال الحفل الذي أقيم بمسرح أبو بكر سالم أغنيتين؛ الأولى كانت «ميدلي» لبعض أغنياته على غرار «امتى الزمان يسمح يا جميل» و«خايف أقول اللي في قلبي» وقد أشعل الحفل بها، والثانية أغنية «أهواك» للعندليب عبد الحليم حافظ وألحان عبد الوهاب.

وكشف ثروت في حواره مع «الشرق الأوسط» عن أن هذا الكوكتيل الغنائي قدمه خلال حياة الموسيقار الراحل الذي أعجب به، وكان يطلب منه أن يغنيه في كل مناسبة.

يقول ثروت: «هذا الكوكتيل قدمته في حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب وقد أعجبته الفكرة، فقد بدأت بموال (أشكي لمين الهوى والكل عزالي)، ودخلت بعده ومن المقام الموسيقي نفسه على الكوبليه الأول من أغنية (لما أنت ناوي تغيب على طول)، ومنها على أغنية (امتى الزمان يسمح يا جميل)، ثم (خايف أقول اللي في قلبي)، وقد تعمدت أن أغير الشكل الإيقاعي للألحان ليحقق حالة من البهجة للمستمع بتواصل الميدلي مع الموال وأسعدني تجاوب الجمهور مع هذا الاختيار».

وحول اختياره أغنية «أهواك» ليقدمها في الحفل، يقول ثروت: «لكي أكون محقاً فإن المستشار تركي آل الشيخ هو من اختار هذه الأغنية لكي أغنيها، وكنت أتطلع لتقديمها بشكل يسعد الناس وساعدني في ذلك المايسترو وليد فايد، وجرى إخراجها بالشكل الموسيقي الذي شاهدناه وتفاعل الجمهور معها وطلبوا إعادتها».

وبدا واضحاً التفاهم الكبير بين المايسترو وليد فايد الذي قاد الأوركسترا والفنان محمد ثروت الذي يقول عن ذلك: «التفاهم بيني وبين وليد فايد بدأ منذ عشرات السنين، وكان معي في حفلاتي وأسفاري، وهو فنان متميز وابن فنان، يهتم بالعمل، وهو ما ظهر في هذا الحفل وفي كل حفلاته».

تبدو سعادته بهذا الحفل أكبر من أي حفل آخر، حسبما يؤكد: «حفل تكريم الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أعاد الناس لمرحلة رائعة من الألحان والأغنيات الفنية المتميزة والعطاء، لذا أتوجه بالشكر للمستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، على الاهتمام الكبير الذي حظي به الحفل، وقد جاءت الأصداء عالية وشعرت أن الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل».

ووفق ثروت، فإن عبد الوهاب يستحق التكريم على إبداعاته الممتدة، فرغم أنه بقي على القمة لنحو مائة عام فإنه لم يُكرّم بالشكل الذي يتلاءم مع عطائه.

ويتحمس ثروت لأهمية تقديم سيرة عبد الوهاب درامياً، مؤكداً أن حياته تعد فترة ثرية بأحداثها السياسية والفنية والشخصية، وأن تقدم من خلال كاتب يعبر عن كل مرحلة من حياة الموسيقار الراحل ويستعرض من خلاله مشوار الألحان من عشرينات القرن الماضي وحتى التسعينات.

يستعيد محمد ثروت ذكرى لقائه بـ«موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب، قائلاً: «التقيت بالأستاذ واستمع لغنائي وطلب مني أن أكون على اتصال به، وتعددت لقاءاتنا، كان كل لقاء معه به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم، إلى أن لحن أوبريت (الأرض الطيبة) واختارني لأشارك بالغناء فيه مع محمد الحلو وتوفيق فريد وإيمان الطوخي وسوزان عطية وزينب يونس، ثم اختارني لأغني (مصريتنا حماها الله) التي حققت نجاحاً كبيراً وما زال لها تأثيرها في تنمية الروح الوطنية عند المصريين».

ويشعر محمد ثروت بالامتنان الكبير لاحتضان عبد الوهاب له في مرحلة مبكرة من حياته مثلما يقول: «أَدين للموسيقار الراحل بالكثير، فقد شرفت أنه قدم لي عدة ألحان ومنها (مصريتنا) (عينيه السهرانين)، (عاشت بلادنا)، (يا حياتي)، (يا قمر يا غالي)، وصارت تجمعنا علاقة قوية حتى فاجأني بحضور حفل زواجي وهو الذي لم يحضر مثل هذه المناسبات طوال عمره».

يتوقف ثروت عند بعض لمحات عبد الوهاب الفنية مؤكداً أن له لمسته الموسيقية الخاصة فقد قدم أغنية «مصريتنا» دون مقدمة موسيقية تقريباً، بعدما قفز فيها على الألحان بحداثة أكبر مستخدماً الجمل الموسيقية القصيرة مع اللحن الوطني العاطفي، مشيراً إلى أن هناك لحنين لم يخرجا للنور حيث أوصى الموسيقار الراحل أسرته بأنهما لمحمد ثروت.

يتذكر محمد ثروت نصائح الأستاذ عبد الوهاب، ليقدمها بدوره للأجيال الجديدة من المطربين، مؤكداً أن أولاها «احترام فنك الذي تقدمه، واحترام عقل الجمهور، وأن الفنان لا بد أن يكون متطوراً ليس لرغبته في لفت النظر، بل التطور الذي يحمل قيمة»، مشيراً إلى أن الأجيال الجديدة من المطربين يجب أن تعلم أن الفن يحتاج إلى جدية ومثابرة وإدراك لقيمة الرسالة الفنية التي تصل إلى المجتمع فتستطيع أن تغير فيه للأفضل.

ويستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم، إخراج نجله أحمد ثروت الذي أخرج له من قبل أغنية «يا مستعجل فراقي». كل لقاء مع «موسيقار الأجيال» كانت به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم