عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

عمّقت عائدات الإعلانات النزاع الناشئ بين شركة «غوغل» والناشرين، ما جدّد التساؤلات بشأن تأثير ذلك في مستقبل الإعلام، الذي يعتمد في تمويل بقائه على الإعلانات. وبينما أشار خبراء تحدّثت إليهم «الشرق الأوسط» إلى إمكانية الوصول إلى حلول توافقية، فإنهم لفتوا إلى هيمنة «غوغل» على هذه السوق.

النزاع كان قد اندلع أخيراً مع دعوى قضائية رفعتها السلطات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، ضد «غوغل»، هي الثانية من نوعها في غضون أقل من سنة. وتتهم الدعوى التي رفعتها وزارة العدل الأميركية «غوغل» بـ«الهيمنة على الإعلانات عبر الإنترنت وخنق المنافسة». ووفقاً لتفاصيلها فإن «غوغل» متهمة بأنها «استخدمت وسائل غير قانونية مانعة للمنافسة؛ للقضاء على أي تهديد لهيمنتها على تقنيات الإعلان الرقمي، أو تقليص المنافسة بشكل كبير». وتطرّق الاتهام إلى أن «غوغل استخدمت قوتها المالية للاستحواذ على منافسين محتملين واحتكار السوق، ما لم يترك للمعلنين والناشرين أي خيار سوى استخدام تقنيتها». ويذكر أنه سبق لمحكمة أميركية أن قضت، الشهر الماضي، بأن الشركة العملاقة «تمارس احتكاراً غير قانوني في سوق الإنترنت».

في المقابل، ترفض «غوغل» هذه الاتهامات، وترى أنها «تتعارض مع مبادئ قانون المنافسة التي تساعد على دفع النمو الاقتصادي والابتكار». ولقد أوضحت في وثيقة سلمتها للمحكمة وتداولتها وسائل الإعلام الأميركية، أن «القضية أيضاً غير صحيحة من ناحية الوقائع». ومن المرجح أن يستمر نظر القضية ضد «غوغل» نحو أسابيع، وإذا ما صدر حكم بالإدانة، فستقرر محكمة أخرى العقوبات. وللعلم، تواجه «غوغل» تحقيقات مماثلة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

الباحثة في الإعلام الرقمي، الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي في ليبيا، أفادت «الشرق الأوسط» بأن «النزاع اشتعل أخيراً بين (غوغل) والناشرين، مع إعلان رغبة (غوغل) إطلاق خدمة ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤثر في الناشرين ويقلل من فرصة الحصول على الإعلانات». وأضافت أن «شركة غوغل تحقق أرباحاً تقدر بالملايين عبر الإعلانات التي تظهر عبر صفحات الإنترنت؛ ما دفع المسألة إلى باحات القضاء في أوروبا وأميركا عبر دعاوى احتكار لتقنيات الإعلام الرقمي رُفعت ضد الشركة».

وحدّدت عبد الغني 4 أسباب للنزاع، هي «أولاً، التطورات التكنولوجية المتسارعة في ميدان تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما تفرضه من تحديات وتأثيرات سواء على الشركات الرقمية أو على مستهلكي ومستخدمي تقنياتها الإعلامية. وثانياً، الصراع الأزلي على الأرباح والسيطرة على السوق والاستحواذ عليها. وثالثاً، رغبة بعض الدول والهيئات الدولية في الحد من سيطرة بعض الشركات الكبرى التي أصبحت مهيمنةً على الاقتصادَين المحلي والعالمي. أما السبب الرابع، حسب عبد الغني، فيتعلق بالرغبة في حماية حقوق الأفراد الرقمية في ظل احتكار الشركات الكبرى للمشهدَين التقني والإعلامي».

مع هذا، ترجّح الدكتورة عبد الغني «إمكانية التوصّل إلى حلول توافقية بين الطرفين: غوغل، والناشرين والحكومات؛ لأن استمرار الدعاوى القضائية وجلسات المحاكمة لوقت طويل أمر من شأنه الإضرار بطرَفي الصراع. ثم إن هذه الشركات، بسبب ضخامتها وتأثيرها، باتت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الرأسمالية وأحد أسباب ركائز قوته المحلية والإقليمية». وهنا نشير إلى أن شركة «إي ماركتر» قدّرت أخيراً حصة «غوغل» من السوق العالمية في مجال الإعلانات الرقمية بنحو 28 في المائة خلال عام 2024، متفوقة على «ميتا» التي حصلت على 23 في المائة من السوق، و«أمازون» التي تحصد 9 في المائة، بينما حصلت «تيك توك» على نحو 7 في المائة.

في سياق متصل، قال محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن «هيمنة (غوغل) على سوق الإعلانات ليست بالأمر الجديد، بل تعود إلى سنوات عدة مضت، صار فيها (غوغل)، محرك البحث الرئيسي، مستحوذاً على أكبر قدر من الإعلانات على الإنترنت، قبل أن يتكامل مع خدمات أخرى ظهرت لاحقاً مثل (يوتيوب)، والبريد الإلكتروني، والتعاون مع شركاء للأعمال، وأخيراً منتجي وصانعي المحتوى على منصاتها».

وأردف فتحي: «كل ما سبق، جعل (غوغل) خصماً صعباً ومنافساً قوياً في سوق الإعلانات الرقمية العالمية، الأمر الذي دفع نحو رفع دعاوى احتكار أمام المحاكم الأميركية والأوروبية، وبالأخص ما يتعلق بسوق البحث والإعلانات عبر الإنترنت». ثم تابع: «تتمتع (غوغل) بحصة سوقية ضخمة من الإعلانات تمنحها بصفتها شركةً، قوةً تفاوضيةً كبيرةً أمام المعلنين والمنافسين، وقدرةً على عقد صفقات حصرية مع شركات تصنيع الهواتف، وشركات الاتصالات؛ لجعل محرك بحثها هو المحرك الافتراضي على أجهزتهم، ما يحد من فرص المنافسين».

ولكن الصحافي المصري يرى أن «الدعاوى القضائية ضد (غوغل) قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في سوق البحث والإعلانات، ما قد يفتح الباب أمام المنافسين، وأبرزهم (فيسبوك) و(أمازون)»، مشيراً إلى «إمكانية فرض بعض القيود على «غوغل»، ما قد يقلص هيمنتها على السوق، وكذلك إمكانية تطوير قوانين مكافحة الاحتكار لتشمل الشركات التكنولوجية الكبرى... مع أن هذا أمر شديد التعقيد من النواحي التكنولوجية والاقتصادية والقانونية».

ووفق فتحي فإن «اهتمامات (غوغل) الخدمية لصالح المستخدمين، وكذلك نشاطها التجاري، كانت دائماً مثار جدل، فهي من ناحية تقدم خدمات قيِّمة للمستخدمين تسهم في تطوير الإنترنت، إلا أنه من ناحية أخرى تفرض هيمنتها على السوق بصورة تهدد التنافسية، وتخلق عملاقاً كبيراً لا يستطيع أحد التغلب عليه».


مقالات ذات صلة

«ملتقى صناع التأثير» ينطلق في الرياض بحوارات وشراكات بـ267 مليون دولار

يوميات الشرق وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري يلقي كلمة أمام الحضور (الملتقى)

«ملتقى صناع التأثير» ينطلق في الرياض بحوارات وشراكات بـ267 مليون دولار

انطلاق «ملتقى صناع التأثير»، الأربعاء، في الرياض، بصفته أكبر تجمع للمؤثرين في العالم.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
العالم العربي عائلات المعتقلين تتعرض لتهديدات حوثية لإرغامها على الصمت (إعلام محلي)

الحوثيون يهدّدون عائلات المعتقلين بالانتقام إن تحدثوا للإعلام

أفادت مصادر يمنية في صنعاء بأن الجماعة الحوثية تهدّد عائلات المعتقلين لديها على خلفية المطالبة بالإفراج عنهم بعد أكثر من شهرين على اختطافهم

محمد ناصر (تعز)
إعلام منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو حروب الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».