التضليل المعلوماتي يجدد الدعوات لتدريس الأطفال «التربية الإعلامية»

نشرت الأمم المتحدة أخيراً مجموعة مبادئ لمكافحة المعلومات «المضلّلة» التي تُنشر عبر الإنترنت

Social media icons logo displayed on a smartphone . Shutterstock
Social media icons logo displayed on a smartphone . Shutterstock
TT

التضليل المعلوماتي يجدد الدعوات لتدريس الأطفال «التربية الإعلامية»

Social media icons logo displayed on a smartphone . Shutterstock
Social media icons logo displayed on a smartphone . Shutterstock

مع ازدياد التحذيرات الدولية والمحلية من مخاطر ما بات يُعرف بـ«التضليل المعلوماتي»، أو انتشار المعلومات والأخبار الزائفة؛ لا سيما مع هيمنة منصات التواصل الاجتماعي، ازدادت الدعوات والمطالبات الدولية بتدريس «التربية الإعلامية» في المدارس، بهدف «حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، ومنحهم الأدوات اللازمة للتفريق بين الحقيقي والزائف».

صحيفة «الغارديان» البريطانية تساءلت في تقرير نشرته أخيراً، عما إذا كان من الضروري تدريس التربية الإعلامية في المدارس، لتكون مادة أساسية، على غرار الرياضيات مثلاً. وقالت إن «تأثير ضعف الوعي الإعلامي على المجتمع لا يقتصر على الإضرار بالعملية الانتخابية؛ بل يمتد إلى تأجيج الصراعات والانقسامات داخل الدول، ويهدد بانتشار نظريات المؤامرة، وتآكل الثقة في العلم والخبرة والمؤسسات». ثم تابعت بأنه «على النقيض من ذلك، يُعد الإنسان الواعي إعلامياً عنصراً أساسياً في المواطنة النشطة والمستنيرة».

«الغارديان» نقلت عن تانيا نوتلي، الأستاذة المساعدة في مجال الوسائط الرقمية بجامعة ويسترن، في مدينة سيدني الأسترالية، قولها إن «الأبحاث التي أجروها تشير إلى أن معظم الأطفال في أستراليا لا يحصلون على تعليم منتظم للثقافة الإعلامية، من شأنه أن يساعدهم على التحقق من المعلومات المضللة»، مطالبة بـ«مزيد من الجهود في هذا الصدد».

وكشفت نوتلي التي أجرت منذ عام 2017، ثلاثة استطلاعات وطنية حول عادات وسائل الإعلام بين الشباب الأستراليين، عن «تقدير الأطفال والشباب للأخبار». وأفادت بأن الدراسة التي أجرتها عام 2023، كشفت عن أن «41 في المائة فقط من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و16 سنة، واثقون بقدرتهم على التمييز بين الأخبار الكاذبة والقصص الإخبارية الحقيقية».

أيضاً أوضحت «الغارديان» أن «البيئة الإعلامية التي يكبر فيها الأطفال والشباب اليوم، باتت أكثر تعقيداً من البيئة التي دخلها آباؤهم في السن نفسه، مع مصادر إخبارية مستقطبة، ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، ومخاطر الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق». ومن ثم ذكرت أن هذا الأمر دفع خبراء وأكاديميين في دول عدة للمطالبة بتدريس التربية أو الثقافة الإعلامية للأطفال.

تجارب أخرى

من جهة ثانية، استعرضت الصحيفة البريطانية تجربة فنلندا التي تدمج محو الأمية الإعلامية في التعليم، من رياض الأطفال، وتأسيس البرازيل مكتباً لمحو الأمية الإعلامية، ووضعها استراتيجية للتعليم الإعلامي.

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال يوشنا إكو، الباحث الإعلامي الأميركي، ورئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، إن «التربية الإعلامية أو نشر الثقافة الإعلامية، وما يعرف أيضاً بمحو الأمية الإعلامية، هو تعبير يشمل بناء القدرات التقنية والمعرفية والاجتماعية والمدنية والإبداعية، التي تسمح للمواطن بالوصول إلى وسائل الإعلام، والحصول على فهم نقدي لما تنشره، والتفاعل معه».

وأضاف إكو: «إن هذه القدرات تسمح للشخص بالمشاركة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، فضلاً عن لعب دور نشط في العملية الديمقراطية». وأكد أنه يجب فهم وسائل الإعلام على نطاق واسع؛ بما في ذلك التلفزيون والراديو والصحف، ومن خلال جميع أنواع القنوات؛ سواء التقليدية أو عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

ووفق الباحث الأميركي، ينبغي تعليم الأطفال الثقافة الإعلامية مثلما يتعلمون النظافة الشخصية والفنون وغيرها من المواضيع؛ إذ هناك أهمية لتعليم الأطفال الإعلام في سن مبكّرة، كي يتسنى لهم استيعابه في الوقت المناسب». وذكر أن «نمط استهلاك الأخبار لدى الشباب مختلف، فهُم أكثر دراية بالتكنولوجيا، ولديهم المهارة اللازمة لاستخراج المعلومات، والتحقق من دقتها».

إكو شدد أيضاً على أن «فهم كيفية استهلاك الجيل القادم للأخبار يعطي رؤى حاسمة حول كيفية معالجة احتياجات مستهلكي الأخبار في المستقبل... وأن لدى الشباب علاقة معقدة ومتطورة مع الأخبار، فهم يفهمون القيمة التي يمكن أن تلعبها الأخبار في حياتهم؛ لكنهم غالباً ما يكونون غير مهتمين أو محبَطين من كيفية تقديمها لهم».

وخلص الباحث إلى القول بأن «نشر الثقافة الإعلامية يمكن أن يسهم في إزالة الغموض عن نظرية الصحافة وممارستها، كما يمكن أن يعزز الطلب على معاملة الصحافة، بوصفها منفعة عامة؛ تماماً مثل المستشفيات وخدمات الإطفاء والمؤسسات العامة الأخرى».

ما يستحق الإشارة هنا، أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حذرت منظمة «اليونيسكو» من مخاطر «التضليل المعلوماتي»، وأُعلنت نتائج استطلاع أجراه معهد «إبسوس»، بتكليف من المنظمة الأممية، شارك فيه 8 آلاف شخص في 16 بلداً ستشهد انتخابات في عام 2024. وكشف الاستطلاع عن «مخاوف 85 في المائة من تأثير التضليل الإعلامي عبر الإنترنت؛ خصوصاً أنّ مواقع التواصل الاجتماعي أضحت مصدر المعلومات الأول لغالبية كبيرة منهم».

الاستطلاع كشف أيضاً أن «87 في المائة من العينة يعتقدون أنّ التضليل الإعلامي أحدث بالفعل تأثيراً كبيراً في الحياة السياسية في بلادهم، وأنّه قد يؤثر في نتائج الانتخابات». وطالب 88 في المائة من السكان الحكومات والهيئات، بالمسارعة في إيجاد حل لهذه المشكلة، من خلال وضع قواعد تنظيمية لمواقع التواصل الاجتماعي؛ حسب الاستطلاع.

الصادق والمضلل

على صعيد موازٍ، في حوار مع «الشرق الأوسط» لفتت الدكتورة نائلة حمدي، العميدة المشاركة للدراسات العليا والبحوث في كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إلى «أهمية تدريس التربية الإعلامية للأطفال، بدءاً من سن عشر سنوات، لا سيما في ضوء تعرضهم بشكل كبير لسيل من المعلومات على منصات التواصل... فمن المهم أن يكونوا قادرين على تمييز الصادق من المضلل بينها».

وأردفت الدكتورة نائلة حمدي بأن «هناك دولاً في المنطقة العربية بدأت الاهتمام بمحو الأمية الإعلامية في المدارس، من بينها الأردن... وثمة مناهج عدة في هذا الصدد؛ لكن من المهم اتخاذ قرارات حكومية للبدء في محو الأمية الإعلامية، وحماية الأجيال القادمة من التضليل».

وللعلم، نشرت الأمم المتحدة بنهاية شهر يونيو (حزيران) المنقضي، مجموعة مبادئ لمكافحة المعلومات «المضلّلة» التي تُنشر عبر الإنترنت، ولإصلاح النموذج الإعلاني لشبكات التواصل الاجتماعي، تتضمن التأكيد على «أهمية الثقة المجتمعية، وعلى حرية وتعددية وسائل الإعلام المستقلة، إضافة إلى الشفافية، وتمكين الجمهور». وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان صحافي، إن «مليارات الأشخاص معرضون لروايات كاذبة وتحريفات وأكاذيب». ولذا، حثت الأمم المتحدة شركات التكنولوجيا الكبرى على «تحاشي نشر معلومات مغلوطة وخطاب الكراهية، واتّخاذ تدابير أشد لضمان دقة المعلومات خلال الحملات الانتخابية».

يُذكَر أن الأمين العام للأمم المتحدة قد سبق له التحذير، قبل سنة، من أن «المعلومات المضلّلة التي تُنشر عبر الإنترنت تشكّل خطراً وجودياً على البشرية».

تدريسها كمادة أساسية

بدوره، يدعم الصحافي والمدرب الأردني خالد القضاة، نائب رئيس شعبة الاتصال بجامعة الدول العربية، لشؤون الحريات الصحافية والسلامة المهنية «تدريس التربية الإعلامية في المدارس، كمادة أساسية، مثل التربية الفنية والرياضية، وليس أجزاء متناثرة في المناهج». وأوضح القضاة لـ«الشرق الأوسط» أن «الأردن دعمت الفكرة؛ لكنها قدمت الأمر عبر مواضيع متناثرة في مواد عدة؛ لكن هذا غير كافٍ لتحصين الطلاب والشباب والأطفال من سوء استخدام الفضاء الرقمي وتبادل المعلومات... إن تدريس التربية الإعلامية أفضل من سن قوانين للجرائم الإلكترونية؛ لا سيما أنها قد تُسفر عن نتائج قوية وفاعلة لمواجهة الشائعات، والكشف عن المعلومات المضللة، ولذا أقترح تدريس منهج متكامل عن التربية الإعلامية، بدءاً من الصف الرابع الابتدائي، وأن تكون جزءاً من المتطلبات الإجبارية في الجامعات لكل التخصصات، لتحصين المجتمع».



عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

عمّقت عائدات الإعلانات النزاع الناشئ بين شركة «غوغل» والناشرين، ما جدّد التساؤلات بشأن تأثير ذلك في مستقبل الإعلام، الذي يعتمد في تمويل بقائه على الإعلانات. وبينما أشار خبراء تحدّثت إليهم «الشرق الأوسط» إلى إمكانية الوصول إلى حلول توافقية، فإنهم لفتوا إلى هيمنة «غوغل» على هذه السوق.

النزاع كان قد اندلع أخيراً مع دعوى قضائية رفعتها السلطات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، ضد «غوغل»، هي الثانية من نوعها في غضون أقل من سنة. وتتهم الدعوى التي رفعتها وزارة العدل الأميركية «غوغل» بـ«الهيمنة على الإعلانات عبر الإنترنت وخنق المنافسة». ووفقاً لتفاصيلها فإن «غوغل» متهمة بأنها «استخدمت وسائل غير قانونية مانعة للمنافسة؛ للقضاء على أي تهديد لهيمنتها على تقنيات الإعلان الرقمي، أو تقليص المنافسة بشكل كبير». وتطرّق الاتهام إلى أن «غوغل استخدمت قوتها المالية للاستحواذ على منافسين محتملين واحتكار السوق، ما لم يترك للمعلنين والناشرين أي خيار سوى استخدام تقنيتها». ويذكر أنه سبق لمحكمة أميركية أن قضت، الشهر الماضي، بأن الشركة العملاقة «تمارس احتكاراً غير قانوني في سوق الإنترنت».

في المقابل، ترفض «غوغل» هذه الاتهامات، وترى أنها «تتعارض مع مبادئ قانون المنافسة التي تساعد على دفع النمو الاقتصادي والابتكار». ولقد أوضحت في وثيقة سلمتها للمحكمة وتداولتها وسائل الإعلام الأميركية، أن «القضية أيضاً غير صحيحة من ناحية الوقائع». ومن المرجح أن يستمر نظر القضية ضد «غوغل» نحو أسابيع، وإذا ما صدر حكم بالإدانة، فستقرر محكمة أخرى العقوبات. وللعلم، تواجه «غوغل» تحقيقات مماثلة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

الباحثة في الإعلام الرقمي، الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي في ليبيا، أفادت «الشرق الأوسط» بأن «النزاع اشتعل أخيراً بين (غوغل) والناشرين، مع إعلان رغبة (غوغل) إطلاق خدمة ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤثر في الناشرين ويقلل من فرصة الحصول على الإعلانات». وأضافت أن «شركة غوغل تحقق أرباحاً تقدر بالملايين عبر الإعلانات التي تظهر عبر صفحات الإنترنت؛ ما دفع المسألة إلى باحات القضاء في أوروبا وأميركا عبر دعاوى احتكار لتقنيات الإعلام الرقمي رُفعت ضد الشركة».

وحدّدت عبد الغني 4 أسباب للنزاع، هي «أولاً، التطورات التكنولوجية المتسارعة في ميدان تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما تفرضه من تحديات وتأثيرات سواء على الشركات الرقمية أو على مستهلكي ومستخدمي تقنياتها الإعلامية. وثانياً، الصراع الأزلي على الأرباح والسيطرة على السوق والاستحواذ عليها. وثالثاً، رغبة بعض الدول والهيئات الدولية في الحد من سيطرة بعض الشركات الكبرى التي أصبحت مهيمنةً على الاقتصادَين المحلي والعالمي. أما السبب الرابع، حسب عبد الغني، فيتعلق بالرغبة في حماية حقوق الأفراد الرقمية في ظل احتكار الشركات الكبرى للمشهدَين التقني والإعلامي».

مع هذا، ترجّح الدكتورة عبد الغني «إمكانية التوصّل إلى حلول توافقية بين الطرفين: غوغل، والناشرين والحكومات؛ لأن استمرار الدعاوى القضائية وجلسات المحاكمة لوقت طويل أمر من شأنه الإضرار بطرَفي الصراع. ثم إن هذه الشركات، بسبب ضخامتها وتأثيرها، باتت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الرأسمالية وأحد أسباب ركائز قوته المحلية والإقليمية». وهنا نشير إلى أن شركة «إي ماركتر» قدّرت أخيراً حصة «غوغل» من السوق العالمية في مجال الإعلانات الرقمية بنحو 28 في المائة خلال عام 2024، متفوقة على «ميتا» التي حصلت على 23 في المائة من السوق، و«أمازون» التي تحصد 9 في المائة، بينما حصلت «تيك توك» على نحو 7 في المائة.

في سياق متصل، قال محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن «هيمنة (غوغل) على سوق الإعلانات ليست بالأمر الجديد، بل تعود إلى سنوات عدة مضت، صار فيها (غوغل)، محرك البحث الرئيسي، مستحوذاً على أكبر قدر من الإعلانات على الإنترنت، قبل أن يتكامل مع خدمات أخرى ظهرت لاحقاً مثل (يوتيوب)، والبريد الإلكتروني، والتعاون مع شركاء للأعمال، وأخيراً منتجي وصانعي المحتوى على منصاتها».

وأردف فتحي: «كل ما سبق، جعل (غوغل) خصماً صعباً ومنافساً قوياً في سوق الإعلانات الرقمية العالمية، الأمر الذي دفع نحو رفع دعاوى احتكار أمام المحاكم الأميركية والأوروبية، وبالأخص ما يتعلق بسوق البحث والإعلانات عبر الإنترنت». ثم تابع: «تتمتع (غوغل) بحصة سوقية ضخمة من الإعلانات تمنحها بصفتها شركةً، قوةً تفاوضيةً كبيرةً أمام المعلنين والمنافسين، وقدرةً على عقد صفقات حصرية مع شركات تصنيع الهواتف، وشركات الاتصالات؛ لجعل محرك بحثها هو المحرك الافتراضي على أجهزتهم، ما يحد من فرص المنافسين».

ولكن الصحافي المصري يرى أن «الدعاوى القضائية ضد (غوغل) قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في سوق البحث والإعلانات، ما قد يفتح الباب أمام المنافسين، وأبرزهم (فيسبوك) و(أمازون)»، مشيراً إلى «إمكانية فرض بعض القيود على «غوغل»، ما قد يقلص هيمنتها على السوق، وكذلك إمكانية تطوير قوانين مكافحة الاحتكار لتشمل الشركات التكنولوجية الكبرى... مع أن هذا أمر شديد التعقيد من النواحي التكنولوجية والاقتصادية والقانونية».

ووفق فتحي فإن «اهتمامات (غوغل) الخدمية لصالح المستخدمين، وكذلك نشاطها التجاري، كانت دائماً مثار جدل، فهي من ناحية تقدم خدمات قيِّمة للمستخدمين تسهم في تطوير الإنترنت، إلا أنه من ناحية أخرى تفرض هيمنتها على السوق بصورة تهدد التنافسية، وتخلق عملاقاً كبيراً لا يستطيع أحد التغلب عليه».