الإعلام العراقي بعد 2003... يعيش تعدد المنابر والتوجهات

بينما يظل المحتوى أبرز التحديات

صحف عراقية من مختلف التوجهات
صحف عراقية من مختلف التوجهات
TT

الإعلام العراقي بعد 2003... يعيش تعدد المنابر والتوجهات

صحف عراقية من مختلف التوجهات
صحف عراقية من مختلف التوجهات

بعد عام 2003 حيث كان كل شيء قبل تاريخ التاسع من أبريل (نيسان) من ذلك العام ممسوكاً بقوة من قبل نظام شمولي بدءاً من البطاقة التموينية إلى أجهزة الإعلام انفرط عقد كل شيء. فالاحتلال الأميركي وسقوط بغداد عام 2003 لم يجلب معه المآسي والويلات على العراقيين برغم توصيفه أول الأمر من قبل قوى المعارضة على أنه تحرير قبل أن تنقلب على الأميركان في سنوات لاحقة وينقلب عليها الأميركان، بل جلب حرية مفتوحة وبلا حدود. هذه الحرية المفتوحة التي حاولت الطبقة السياسية العراقية التي أمسكت بزمام الحكم تطويعها ضمن مادة في الدستور العراقي الذي تم التصويت عليه عام 2005 وهي المادة 38 لكنها وبسبب الخلافات السياسية لم يجر تنظيمها بقانون حتى الآن. الأمر نفسه ينطبق على قانون جرائم المعلوماتية الذي حالت الخلافات السياسية دون تشريعه في البرلمان.

ومع أن الإعلام العراقي لم يعد مسيطراً عليه من قبل الدولة إلا عبر مؤسسة واحدة هي «شبكة الإعلام العراقي»، التي تضم سلسلة قنوات تلفازية أبرزها قناة «العراقية» الرسمية الممولة من القطاع العام، وصحف ومجلات أبرزها صحيفة «الصباح» شبه الرسمية ومجلة «الشبكة»، فضلاً عن وكالة أنباء التي هي وحدها بقيت بمثابة امتداد للوكالة السابقة للأنباء على عهد صدام حسين وتحمل ذات الاسم «واع»، فإن باقي المؤسسات جديدة من حيث التسميات والتوجهات. ورغم الجدل الذي يثار دوماً بشأن تبعية شبكة الإعلام العراقي لتوجهات رؤساء الحكومات بينما هي يفترض مثلما يرى معارضو الحكومة من القوى السياسية يجب أن تقف على مسافة واحدة من الجميع كونها ممولة من المال العام، لكن الشبكة ومنذ تأسيسها سعت إلى أن تكون مؤسسة دولة قبل كل شيء. ولأن النظام السياسي في العراق نظام برلماني فإن تشكيل أي حكومة يكون من قبل البرلمان. كما أن تنصيب أي رئيس حكومة لا يكون إلا عبر التصويت عليه بالأغلبية المطلقة من قبل البرلمان، وتالياً فإن السياسة التي ينفذها هي سياسة الدولة والتي تعبر عنها المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة ممثلة بشبكة الإعلام العراقي.

أزمة المحتوى الإعلامي

غير أنه وفي ظل الانفتاح الإعلامي غير المحدود فقد تعددت وسائل الإعلام ووسائطه في العراق. فبالإضافة إلى وجود مؤسسات إعلامية مستقلة يملكها أفراد مثل مجموعة الإعلام المستقل التي يرأسها الإعلامي العراقي المعروف سعد البزاز، والتي تملك جريدة يومية هي جريدة «الزمان»، التي أطلقها البزاز عام 1997 بوصفها جريدة معارضة لنظام صدام حسين ولا تزال تصدر، فإن البزاز أطلق بعد عام 2003 مباشرة أول قناة فضائية عراقية هي قناة «الشرقية». ورغم إطلاق عشرات القنوات الفضائية بعد إطلاق الشرقية بهدف منافستها سواء من قبل أحزاب أو جهات أو أشخاص، فإن الشرقية لا تزال هي الأكثر تأثيراً إلى الحد الذي يجعل العديد من الزعماء السياسيين في العراق الذين يملكون قنوات فضائية وينفقون عليها مئات آلاف الدولارات يختارون «الشرقية» لعرض رؤاهم أو بعث رسائلهم. وفي الوقت الذي يصعب فصل ما يجري من استقطاب طائفي أحياناً خصوصاً في المناسبات الدينية والسياسية فإن القنوات الفضائية والصحف والإذاعات سرعان ما تصطف حيال هذا الموضوع أو ذاك أو هذه القضية أو تلك بوصفها تمثل أحزاباً أو جماعاتٍ، وأحياناً مكونات. وكثيراً ما يتحول ذلك إلى نوع من الشد والجذب تحاول الجهة المعنية بضبط الإيقاع - وهي هيئة الإعلام والاتصالات - التصدي لذلك وإصدار القرارات، التي غالباً ما تتضمن عقوبات بما فيها إيقاف لمدة معينة أو سحب رخصة أو ما إلى ذلك من مساعٍ بهدف الحيلولة دون خروج الأوضاع عن السيطرة، لا سيما في ظل تعدد منابر الإعلام وتوجهاته عبر الوسائط المختلفة، وفي المقدمة منها وسائل التواصل الاجتماعي.

وحيال ذلك فإن التنافس انتقل لدى العديد من وسائل الإعلام والتي تمثل منابر وتوجهات مختلفة إلى نوع من البحث عن الماضي عبر الكشف عن مقاطع فيديو أو وثائق تطال شخصيات، لا سيما أوقات الانتخابات أو الترشيح للمناصب العليا، الأمر الذي بات يفقد ثقة المواطن العراقي بالطبقة السياسية التي بات يطالها نقد عنيف وجارح في كثير من الأحيان. ومما زاد الأمور خطورة، هو ما بات يعبر عنه بالمحتوى الهابط الذي تقف خلفه العديد من «الفاشنستات» و«البلوغرات» ممن احترفن ليس فقط صناعة محتوى هابط، بل التغلغل في بعض مؤسسات الحكم ورجال الدولة، مما جعل الأمور تخرج عن السيطرة الذي أدى في النهاية إلى استهداف صانعات المحتوى بين عمليات الاغتيال أو السجن.



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».