هل يصبح صنّاع المحتوى صحافيي الغد؟

دراسات تتوقع اتساع رقعة نفوذهم مقابل أفول نجم الإعلام التقليدي

هوغو ترافرس "هوغو ديكريبت" (يو تيوب)
هوغو ترافرس "هوغو ديكريبت" (يو تيوب)
TT

هل يصبح صنّاع المحتوى صحافيي الغد؟

هوغو ترافرس "هوغو ديكريبت" (يو تيوب)
هوغو ترافرس "هوغو ديكريبت" (يو تيوب)

قبل 10 سنوات ما كان أحد يتصور أن يقبل رئيس دولة كبيرة كفرنسا بإجراء مقابلة خاصة مع صانع محتوى شاب لا يتعدى 24 سنة، لم يتخصّص في الصحافة ولا يعمل في أي مؤسسة إعلامية. إلا أن هذا ما حدث فعلاً في 2019 حين حاور هوغو ترافرس (قناة هوغو ديكريبت) الرئيس إيمانويل ماكرون لمدة ناهزت الساعتين حول مواضيع سياسية تهم الشباب والفرنسيين بصفة عامة. كذلك، حاور صانع المحتوى الشاب أكثر من 30 سياسياً فرنسياً من اليسار واليمين، وشخصيات مهمة مثل بيل غيتس ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية جون برينان، كما يقدم أسبوعياً تحليلاً لأهم الأحداث السياسية والاقتصادية، يتابعها ويعلّق عليها الملايين على منصّة «يوتيوب».

لينا محفوف "لينا سيتواسيون" (غيتي)

هذه الأمثلة المختارة ما عادت ظاهرة منعزلة، فـ«صنّاع المحتوى» الذين يقتحمون المجال الإعلامي ويقلبون الموازين باتوا ظاهرة آخذة في التطور... وكل في مجاله. إذ إن منهم من يتخصّص في السياسة، ومنهم في الاقتصاد والمال أو في الثقافة والرياضة، بعيداً عن الصورة التقليدية أو النمطية لصانع المحتوى الذي لا يتناول إلا المواضيع الترفيهية بسطحية وابتذال. واللافت أن الظاهرة أخذت أبعاداً كبيرة، خصوصاً في أوساط الشباب، لدرجة أنها صارت تثير قلق الإعلاميين وخوفهم من منافسة قد لا تنتهي حتماً لصالحهم.

انقلاب الموازين يعدّ البعض النفوذ المستجد لصانعي المحتوى بمثابة طبق الانتقام الذي يؤكل بارداً، فلطالما عانى هؤلاء من ازدراء شخصيات من عالم الصحافة والإعلام عدّتهم «متطفلين» يفتقدون الشرعية والمؤهلات. وفي حوار نُشر بالمجلة الثقافية «تيلي راما»، عاد المؤثّر الفرنسي لوكاس هوشار الملقب بـ«سكويزي» سنوات إلى الوراء ليعلّق على الحوار التلفزيوني الذي جمعه بالإعلامي المعروف تيري أرديسون، وهو الحوار الذي أثار كثيراً من الجدل بسبب لهجة السخرية والازدراء التي خاطب بها أرديسون المؤثر الشاب، وبالذات عندما توجّه إليه بلهجة ساخرة قائلاً: «دعني أقول لك إنك عبقري... فعملك يقتصر على اللعب والدردشة مع متابعيك، وبفضل الإعلانات تتلقى أجوراً خرافية، هذا أمر رائع...».«سكويزي» علّق على تلك الحادثة بقوله: «لقد تلقوا صفعة على وجوههم ولم يفهموا أننا على أبواب ثورة ترفيهية وتكنولوجية... مَن أكون حتى أقول إن تعامله معي لم يكن لائقاً؟... لكن ما أستطيع قوله هو أن الازدراء كان فعلاً مبالغاً فيه... اليوم نضجنا من حيث المضمون والمعالجة وهذه لغة يفهمونها أكثر...». وحقاً، بمرور الوقت، انقلبت الموازين واختلطت الأوراق، وصار صانعو المحتوى يتمتعون بنفوذ كبير.

سيبريان (آ ف ب)

المؤثر الشاب الذي كان موضع استهزاء من طرف الإعلامي أصبح اليوم «الرجل الأكثر مشاهدة في فرنسا»، وفق مجلة «تيلي راما» بأكثر من 40 مليون متابع في مجمل المنّصات، ويتربع على رأس شركة إنتاج تزن أكثر من 14 مليون يورو، وهو الذي يقرر مَن يحاوره من الصحافيين وبأي الشروط.

ملاحقة وشروط

في الموقع الإخباري «أري سو ايماج»، الذي يديره الصحافي المستقل دانيال شنيديرمان، شرح عدد من الصحافيين كيف أنهم ركضوا لأشهر طويلة وراء صانع المحتوى «سكويزي» أملاً في الظفر بحوار معه، وحين قبل، اشترط موافقته على النسخة النهائية وحذف المقاطع التي لا يراها مناسبة قبل النشر، وهو أمر قبل به الصحافيون، بحسب شهادة أحدهم وهو فيكتور لو غران الصحافي من مجلة «سوسايتي» الثقافية.

ما يأخذه صنّاع المحتوى على الإعلاميين التقليديين هي لهجة «التعالي» التي تُستخدم تجاههم، ذلك أنه على الرغم من كل الجهود التي يبذلونها فإن تُهم السطحية ونقص المهنية لا تزال تلاحقهم في كل مناسبة.

وفي شهادات حصرية لمجلة «لا روفو دي ميديا»، التي خصّصت مقالاً طويلاً حول هذا الموضوع بعنوان: «بين المؤثرين والصحافيين، غياب دائم للثقة»، يستحضر كثير من صنّاع المحتوى الفرنسيين العبارة التي غالباً ما يستعملها الإعلاميون لتقديمهم. وهي تبدأ بالجملة التالية: «أنتم لا تعرفونهم، لكنهم الشخصيات الأكثر شعبية في ساحات المدارس...».

لوكاس هوشار "سكويزي" (آ فب ب)

من جانب آخر، «سيبريان»، وهو صانع محتوى آخر معروف، يتذكّر على صفحات المجلة ذاتها كيف أنه فوجئ بالصحافية في قناة «كنال بلوس» مايتينا بيرابان، التي من المفروض أن تحاوره، وقد كلّفت طفلة صغيرة بتوجيه الأسئلة بدلاً منها... في تلميح منها إلى أن الجمهور الذي يهتم بمضامين المؤثر الشاب هم فقط من الأطفال.الغيرة والخوف من المنافسةالمنافسة التي بات يشكلها صنّاع المحتوى على الصحافيين، وبخاصة الناشطين في القطاع السمعي البصري، أدّت إلى تطور علاقات سيئة بين الفريقين. بل ازدادت الوضعية تدهوراً مع الوقت بسبب الهوّة التي شكلها نقص الثقة المزداد بين الجمهور والإعلام التقليدي المُقيم، وحسب آخر مسح أجري في فرنسا، بنحو لا تزيد الثقة على 30 بالمائة فقط.

وفي موضوع الهجوم الذي شنّه بعض الصحافيين المتخصصّين في الأخبار الفنية، حين اكتشفوا أن مجموعة من المؤثرين قد حصلوا على تصاريح صحافية في حفل افتتاح الفيلم السنيمائي «بابيلون»، نقلت مجلة «ليبيراسيون» عن واحدة منهم؛ وهي الصحافية بالوما بيكوس من مجلة «باري ماتش» في تغريدة عبر منصّة «إكس»، قولها: «أنا حزينة لأنني اكتشفت اليوم أن التصاريح الصحافية النادرة جداً باتت اليوم متاحة للمؤثرين، كأن الأماكن ليست غالية بما فيه الكفاية، بل كأن المعركة التي نخوضها (نحن الصحافيين التقليديين) يومياً من أجل الفوز بالمصداقية ليست صعبة بما فيه الكفاية... هل أنا الوحيدة التي تجد أن هذه الوضعية ما عادت تطاق؟».

بيكوس نشرت التغريدة مع صورة لمؤثرة شابة تدعى لينا محفوف (قناة لينا سيتواسيون) وهي تحمل التصريح الصحافي، مع العلم أن المؤثرة التي وجهت لها شركة الإنتاج الدعوة لا تنتمي لأي مؤسسة إعلامية ولا تتمتع بأي خبرة في الحوارات الصحافية. إلا أنها في المقابل، تملك أعداداً غفيرة من المتابعين (3 ملايين). ولقد ذكّرت «ليبيراسيون» قراءها بأن صانعة المحتوى الشابة وزملاءها الأربعة الذين حضروا حفل الافتتاح يتربّعون على مملكة من المتابعين تصل إلى 6 ملايين شخص يثقون في آرائهم ويتأثرون باختياراتهم، وهو ما تفتقده الصحافية بيكوس.

لسنا بحاجة إلى الإعلام التقليديهذه العلاقات المتوترة بين «الإخوة الأعداء» أكدتها دراسات كثيرة، منها واحدة لوكالة «ريتش» المتخصّصة في التسويق الرقمي، نُشرت في صحيفة «لاروفو دي ميديا» وشارك فيها أكثر من 1300 صانع محتوى فرنسي. وفي حين بينت الدراسة أن 42 بالمائة منهم يعدّون «وسائل الإعلام تمثلهم بصورة سلبية»، ذهبت صانعة المحتوى الفرنسية آفا ميند إلى حد اتهام الصحافيين «بتشويه الحقيقة ومحاولة الإيقاع بهم في الحوارات». ذلك أن معظم الأسئلة، حسب الشابة الفرنسية، تدور حول مواضيع تافهة «كالمدخول، والمشروعات بعد فقدان المتابعين، والعلاقة بالزملاء من الرجال (؟) ولذا فهي نادراً جداً ما تقبل حوارات صحافية». وأردفت: «مهنة صانع المحتوى مهنة قائمة بحد ذاتها، فيها جوانب إيجابية وكذلك سلبية... والمهم التوقف عن النظر إلينا باحتقار لأنني فخورة بعملي...».

صانع المحتوى المعروف «سكويزي» ذهب، من جهته، إلى وصف قطاع التلفزيون «بالعتيق الذي عفّى عليه الزمن» خلال حوار مع مجلة «تيلي راما». وتابع أنه «لا يفكر بالعمل فيه، لأن طريقة العمل فيه تخلو من الإبداع والتجديد». وحقاً، على طريق الاستغناء عن الإعلام التقليدي يلجأ صنّاع المحتوى اليوم إلى إنشاء «دائرة إعلامية بديلة». وعبرها يقوم هؤلاء باستجواب بعضهم، والأسباب شرحها أحدهم على صفحات مجلة الدراسات الإعلامية «لا روفو دي ميديا»، فقال: «حين يحاورني زميل، فأنا أتعامل مع شخص من الوسط نفسه الذي أنشط فيه، ولذا سيكون وديّاً معي ومتفهّماً للمواضيع التي لا أود التطرق إليها». هل هم صحافيو الغد؟أمام المعطّيات الجديدة، فقد اهتمت عدة جهات برصد تطورات المشهد والتوقعات المستقبلية. إذ ظهرت عدة دراسات تتوقع مستقبلاً زاهراً لصناع المحتوى، أولاها دراسة نشرت في صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، كبرى الصحف المالية والاقتصادية العالمية، في أواخر مارس (آذار) الماضي 2024، تحت عنوان «الطّرق التي سنلجأ لها للتزود بالأخبار مع مطلع 2030»، وهي تبين أن أهم تغيير سيتعلق بمستقبل النشاط الصحافي.

هذه الدراسة تتوقع نفوذاً أكبر لصنّاع المحتوى في قطاع الإعلام مقابل «أفول نجم الصحافيين بالمعنى التقليدي... تحت وطأة المنافسة الشرسة». ثم إنها تشير إلى مشكلة «انعدام الثقة» التي أضحت تجسّد العلاقة بين جمهور الشباب ووسائل الإعلام التقليدية، التي من المتوقع أن تمتد إلى شرائح أخرى في المستقبل.

وبالتالي، فإن الدراسة وإن لم تعلن عن «موت الصحافة التقليدية» وصحافييها، فإنها دقّت ناقوس الخطر بالقول إن «على الصحافيين العمل على تغيير علاقتهم بالجمهور إذا أرادوا الاحتفاظ بشيء من النفوذ، لأن أكبر مشكلة تواجههم الآن هي «غياب المصداقية». ثم شرحت أن كثيرين «ما عادوا يثقون في وسائل الإعلام التقليدية ومصادرها الإخبارية»، بل يشككون في كل معلومة أو خبر. وفي المقابل، تنصبّ الأنظار والاهتمامات نحو المضامين التي تقدّمها شخصيات من وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، فإن صانع المحتوى الذي يسجل أحداث المظاهرات وينقل حيثياتها يومياً قد يبدو أكثر صدقية من الصحافي الذي يغطي الحدث، ثم ينتقل إلى موضوع آخر في اليوم الذي يليه، لكون التقارب والشعور بالارتباط بمصدر المعلومات مسألة مهمة للغاية.

دراسة «فايننشيال تايمز» ركزت أيضاً على تقدم صانعي المحتوى على الإعلاميين فيما يتعلق بالعلاقات «شبه الاجتماعية» أو التفاعلات الافتراضية التي تربطهم بالجمهور الذي يستهلك هذه المواد الإخبارية.

في حين يعزل الصحافيون التقليديون أنفسهم داخل قلاع المؤسسات الإعلامية التي ينتمون إليها.

ولعل هذا ما قصدته الصحافية الأميركية تايلور لورنز في مقال بصحيفة «واشنطن بوست» تحت عنوان «صانعو المحتوى: الفائز الأول في محاكمة (جوني) ديب وأمبر (هيرد)»، عندما كتبت: «انطلاقاً من هذا الحدث الذي أثار اهتمام الجمهور، أدرك كثير من صناع المحتوى أنهم باتوا قادرين على إثارة الاهتمام وجني الأرباح من خلال تغطية الأخبار...». وأضافت: «في سياق يشهد تلاشي الصلة الضعيفة التي كانت تربط الجمهور بالصحافيين، وسواءً أرادت وسائل الإعلام والسّاسة الاعتراف بذلك أم لا، فإن صنّاع المحتوى صاروا شخصيات ريادية تقدم مضامين إخبارية لعدد مزداد من الأشخاص، وأيضاً هم الذين صاروا يحددون السّرد الإلكتروني للأحداث الكبرى».

دراسة أخرى، في الاتجاه نفسه، أعدتها وكالة «رويترز» عن الإعلام الرقمي تتوقع منعطفاً خطيراً في طرق استهلاك الأخبار بالمستقبل. فقد كشفت الدراسة أن «توزيع الأخبار الآن بصدد الانتقال من أيدي الصحافيين إلى أيدي صنّاع المحتوى، وأن البحث عن المضامين الإخبارية سيكون في المستقبل مدفوعاً بغرض التواصل بين أفراد المجتمع، أما البحث عن الأخبار ذاتها فسيغدو مهمة جماعية نسعى من خلالها إلى تحقيق الترابط والوصول إلى مصادقة الآخرين».

كذلك، تتوقع دراسة «رويترز» نهاية «الفجوة» بين المضامين الإخبارية «الجادة»، كمواضيع السياسة والاقتصاد، والمواضيع الخفيفة كأخبار المشاهير والرياضة، ومن ثم، ظهور مزيج بين الاثنين أطلقت عليه اسم «إنفوتاينمنت» المكوّنة من كلمتي «إنفورمايشن» (معلومات) و«إنترتاينمنت» (ترفيه). وبالتالي، «على قاعات التحرير - حسب الدراسة - تقديم ما يريده الصحافيون وما يريده الجمهور»، وأهم ما بينته هذه الدراسة «الرغبة المُلحة في التفاعل ونبذ مشاعر العجز»، وهو الجانب الذي يتفوق فيه صناع المحتوى ويتألقون مقارنة بالصحافيين.


مقالات ذات صلة

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

تهدف «مذكرة التفاهم» إلى تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الرياض وطوكيو واليابان في مختلف القطاعات الثقافية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
المشرق العربي مبنى مقر «اليونيسكو» في باريس (رويترز)

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

أعلنت «اليونيسكو» أنها منحت عشرات المواقع التراثية المهددة بالغارات الإسرائيلية في لبنان «حماية مؤقتة معززة»، لتوفر لها بذلك مستوى أعلى من الحماية القانونية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية أعربت القنصلية الفرنسية في القدس في بيان عن «غضب» باريس من عمليات الهدم الإسرائيلية مشيرة إلى أنها دعمت المركز الثقافي المدمر (مقر جمعية البستان) «بأكثر من نصف مليون يورو» منذ عام 2019 (وفا)

فرنسا تطلب «تفسيراً» من السلطات الإسرائيلية بعد هدم مركز ثقافي في القدس

أكدت الخارجية الفرنسية، الجمعة، أن باريس طلبت «تفسيراً من السلطات الإسرائيلية»، بعد هدم مقر جمعية البستان الذي موّلته فرنسا في حي سلوان بالقدس الشرقية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

تميم فارس: «ديزني+» تعرض محتوى يلائم ثقافة المنطقة ويحترمها ويراعيها... ونعمل على توسيع شراكاتنا

شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
TT

تميم فارس: «ديزني+» تعرض محتوى يلائم ثقافة المنطقة ويحترمها ويراعيها... ونعمل على توسيع شراكاتنا

شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)

شدد تميم فارس، رئيس «ديزني+» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، على أن منصة «ديزني+» مهتمة بالعمل على «تقديم محتوى يلائم ويحترم ويراعي الثقافة المحلية للجمهور» في المنطقة. وأشار إلى أن «ديزني+» ماضية قدماً ليس فقط في تقديم أفلام ومسلسلات مشهورة مع ضمان ملاءمتها واحترامها للثقافة المحلية، بل إن «جميع المحتوى الموجه إلى الجمهور تجري مراجعته بدقة لتحقيق هذه الغاية».

تميم استهلّ اللقاء بقوله «أولاً وقبل كل شيء، يسعدني أننا أطلقنا منصة هنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهذه المنطقة غنية بالثقافة والتراث والتقاليد. ولقد كان بمثابة حلم يتحقق أن نقدّم هذا المحتوى المميز إلى الجمهور المحلي العاشق للسينما والترفيه».

وتابع، من ثم، ليتطرّق إلى مواجهة بعض التحديات خلال هذه الرحلة فيقول: «ونحن بعد سنتين تقريباً على إطلاق (ديزني+)، نواصل - مثلاً - التعلّم من جمهورنا، وتنقيح محتوى المنصة؛ كي يراعي الثقافة المحلية للمشاهدين في المملكة العربية السعودية. ويشمل هذا نهجنا المحلي للمحتوى، وهذه أولوية كبيرة بالنسبة لنا».

إطلاق «ديزني+»

تميم فارس شرح أن «ديزني+» منصة توفّر خدمة عرض المحتوى الترفيهي حول العالم، منذ إطلاقها في عام 2022 في 16 سوقاً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنها «تعرض مجموعة واسعة من أشهر القصص من إنتاج شركة (والت ديزني)، بما في ذلك الأفلام والمسلسلات والأفلام الوثائقية والأعمال الأصلية الحصرية من إنتاج (ديزني) و(بيكسار) و(مارفل) و(ستار وورز) و(ناشيونال جيوغرافيك) وغيرها الكثير».

ثم ذكر أن كثيرين اعتادوا مشاهدة الأفلام الكلاسيكية من «ديزني» بدءاً بـ«الأسد الملك» و«علاء الدين»، ووصولاً إلى «موانا» و«إنكانتو». بالإضافة إلى عرض هذه الأفلام العائلية المفضلة على «ديزني+»، فهي متوافرة كذلك للمشاهدة بخياري الدبلجة باللهجة المصرية أو اللغة العربية الفصحى المعاصرة.

وبعدها علّق من واقع تجربته الشخصية: «أنا مثلاً، نشأت على مشاهدة الكثير منها مدبلجاً بصوت أشهر الممثلين والممثلات مثل محمد هنيدي ومنى زكي وعبلة كامل وخالد صالح، والآن أُتيحت لي فرصة مشاهدتها مرة أخرى مع ابني زين على المنصة».

ثم لفت إلى أن «ديزني+» تقدّم محتوى جديداً باستمرار، بما في ذلك الإصدارات السينمائية الحديثة والضخمة الصيفية، وكان آخرها فيلم «قلباً وقالباً 2» من إنتاج «ديزني» و«بيكسار» على «ديزني+» في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي. وأفاد بأن «هذا الفيلم تصدّر قائمة أفلام الأنيميشن الأعلى تحقيقاً للإيرادات على الإطلاق، وجارٍ الآن عرضه حصرياً على (ديزني+)... وفي الواقع، يجري عرض أعمال (ديزني) السينمائية كافّة على منصة (ديزني+) في نهاية المطاف».

تميم فارس، رئيس "ديزني+" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ديزني)

التكيّف مع المشهد التنظيمي الإقليمي

من جانب آخر، بالنسبة إلى الامتثال للقوانين المحلية للبث، أكد تميم فارس أن «فريقنا الإقليمي في (ديزني+) يقدّر الثقافة العربية تماماً، وأنا بصفتي أباً عربياً، أشارك تجربة شخصية مع ابني زين البالغ من العمر 7 سنوات؛ إذ نشاهد المحتوى معاً أو يشاهده بمفرده أحياناً. لذلك، أحرص على أن يكون ما يشاهده آمناً ومناسباً لثقافتنا العربية، ويتماشى مع قيمنا وتقاليدنا وأعرافنا».

وأردف: «وكما ذكرت سابقاً... المحتوى هو الركيزة الأساسية لكل ما نقدّمه. ومنذ إطلاق المنصة، أنشأنا فريق امتثال متخصصاً على المستوى المحلي، وهو الفريق المسؤول عن مشاهدة المحتوى المعروض ومراجعته وفحصه بدقة. ولا يُجاز شيء إلا بعد تأكد هذا الفريق من أن كل كلمة تُنطق أو تُترجم أو تُدبلج تتوافق أو يتوافق مع قيمنا العربية وتقاليدنا. ولا بد أن يتوافق المحتوى الموجه إلى الجمهور الأصغر سناً مع هذه الإرشادات ليصار إلى عرضه على (ديزني+)».

وفي الاتجاه نفسه ركّز تميم على أنه «بالإضافة إلى فريقنا، ونظراً إلى أنني أب عربي لابن صغير، أدرك أن ابني يستطيع مشاهدة مسلسلاته وأفلامه المفضلة ضمن بيئة آمنة ومناسبة لكل أفراد العائلة من دون استثناء، وذلك من خلال تمكين الوالدين من ضبط إعدادات المشاهدة بسهولة مطلقة لمراقبة المحتوى الذي يشاهده الأطفال، بما في ذلك خيار إعداد حسابات خاصة بهم وحمايتها من خلال رمز سري».

وأضاف شارحاً: «وحقاً، نحن نولي أهمية قصوى للحفاظ على صدقنا وأصالتنا تجاه جمهورنا العربي، ونلتزم بتقديم محتوى عالي الجودة يتماشى مع قيمنا العربية الأصيلة. وبصفتي أباً، أشعر بالطمأنينة لمعرفة أن أطفالي يستمتعون بمحتوى آمن ومناسب لأعمارهم».

استراتيجيات «ديزني+» في المنطقة

وحول استراتيجيات «ديزني+» في منطقة الشرق الأوسط، أوضح أن المحتوى الذي تقدمه المنصة كفيلٌ بالتأكيد على مدى نجاحها، وقال: «منصة (ديزني+) تعرض ثمانية من أفضل عشرة أفلام تحقق أعلى مستوى مبيعات حول العالم التي تُعرض تقريباً معظمها بشكل حصري على (ديزني+)، ويمكن لمشاهدي المنصة مشاهدة آلاف المسلسلات والأفلام من إنتاج (ديزني) و(بيكسار) و(مارفل) و(ستار وورز) و(ناشيونال جيوغرافيك) والمحتوى الترفيهي للبالغين من (ستار). إننا نقدم حقاً المحتوى الذي يناسب تفضيلات الجميع من الفئات العمرية كافّة ومختلف شرائح المجتمع».

وزاد: «إننا نحرص دوماً على عرض الأعمال الجديدة على منصتنا، لكننا ندرك في الوقت نفسه أن خيارات مشاهدينا المفضلة تتغيّر وتتوسع لتشمل رغبتهم في مشاهدة المحتوى العالمي أيضاً». وتابع: «لقد بادرنا مثلاً إلى تنظيم مجموعات متخصصة في الكثير من المدن السعودية، للتفاعل مع المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي والوقوف على المحتوى الذي يشاهدونه عبر المنصة. وفي الوقت نفسه، نحرص دوماً على الاستفادة من عملائنا المحليين والارتقاء بإمكاناتنا والمحتوى الذي نقدمه إليهم؛ كي ننجح في توفير خدمات تلبي احتياجات المنطقة».

المحتوى المحلي

تميم فارس قال إن «ديزني+» تتطلع لمزيد من الأعمال والإنتاجات التي تعزّز مكانتها في المنطقة، وبالتحديد على المستوى المحلي، «على سبيل المثال، أعلنا شعارنا الجديد الذي يضم للمرة الأولى على الإطلاق كلمة (ديزني) باللغة العربية. وبادرنا إلى إطلاق أول حملة إعلانية ننتجها محلياً على الإطلاق، ويشارك فيها فريق عمل سعودي بامتياز يضم أشهر صناع المحتوى المحليين، لتعزيز شعور المشاهدين على مستوى المنطقة بالشمولية والانتماء».

ثم أضاف: «وثانياً هناك المحتوى الذي تقدّمه المنصة؛ حيث نؤكد مواصلة التزامنا بتقديم محتوى جديد ومتنوع والحفاظ على مكانتنا الحالية، من خلال إضافة أعمال جديدة إلى مكتبتنا الضخمة من المحتوى الذي نعرضه للمشاهدين كل يوم... ونحرص على تقديم المحتوى الترفيهي الذي يرتقي إلى مستوى تطلعات المشاهدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتفضيلاتهم، بدءاً من الأعمال العالمية التي تحقق نجاحاً كبيراً وصولاً إلى المحتوى المحلي المدبلج باللغة العربية».

ومع تشديده على أن جميع الأفلام والمسلسلات والبرامج التي تُعرض على «ديزني+» تتوافق بالكامل مع المتطلبات التنظيمية المحلية السعودية، أوضح تميم أن المنصة تسعى باستمرار إلى عقد مزيد من الشراكات مع أبرز الشركات المزودة لخدمات الاتصالات، مثل شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة «دو»، وشركة اتصالات «زين» في الكويت، لتوفير مجموعة من خيارات الاشتراك، وتتطلّع إلى مواصلة عقد مزيد من الشراكات خصوصاً في السعودية في المستقبل القريب.

واختتم بتسليط الضوء على عروض الأفلام الوثائقية المرتبطة بالمنطقة، فقال: «نعرض حالياً فيلم (كنوز الجزيرة العربية المنسية) على منصة (ناشيونال جيوغرافيك)، لتمكين المشاهدين من رؤية ثقافتهم الغنية وتراثهم العريق من زاوية مختلفة، وننظر أيضاً في فرص توسيع نطاق المحتوى الذي نقدمه إلى المشاهدين، من خلال بناء شراكات واتفاقيات تعاون مع مجموعة محلية من صناع المحتوى وشركات الإنتاج».