هل تنجح المصافحة الحارة بين الإعلام السعودي والمستقبل؟

متخصّصون شرحوا لـ«الشرق الأوسط» المقوّمات والاحتياجات لإنجاح «التحول الإعلامي»

للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)
للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)
TT

هل تنجح المصافحة الحارة بين الإعلام السعودي والمستقبل؟

للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)
للمرة الأولى تاريخيّاً يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (واس)

كغيره من القطاعات الحيوية، يحظى قطاع الإعلام السعودي بسيل دائم من التناول حول مخرجاته وإمكاناته، لكن المختلف فيه، أنه يتمتّع بمساحة مفتوحة من النقاش يشارك فيها كل ذي علاقة، ومَن هو غير ذلك، وأحياناً تأتي الآمال والطموحات أكبر من الواقع بكثير، بينما في أحيان أخرى تكون مختلفة عن حقيقة المهمة الوطنية للقطاع، الذي مر بتأرجحات تاريخيّة، أسهمت في استيعاب التحديات، لكنها لم تعالجها بشكل تام.

منذ الثلث الأخير من عام 2023، ومطلع العام الجاري، شهد قطاع الإعلام في السعودية حراكاً نشِطاً لم يختلف عليه اثنان، ما بين مبادرات واستراتيجيات، أُعلن عنها ويُنتظر أن ترى النور قريباً، وانتخابات تاريخية لعضوية «مجلس إدارة هيئة الصحافيين»، ومعرض متخصص شارك فيه عدد من الشركات الإعلامية وعرضت من خلاله آخر ما توصّلت إليه التقنيات الإعلامية، ومنتدى إعلامي شهد حضور 2000 مشارك، وغيرها.

سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، أعلن خلال افتتاحه «المنتدى السعودي للإعلام» بنسخته الثالثة، في 20 من فبراير (شباط) الجاري، أن عام 2024 هو عام «التحول الإعلامي في المملكة»، وستكون معاييره هي الأرقام، والمؤشرات، ومرتكزاته الشغف، والعمل، وفقاً للدوسري الذي حدّد أيضاً مستهدفَين بارزين لهذا العام (المساهمة بـ16 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، بزيادة 1.5 مليار ريال عن عام 2023، واستحداث أكثر من 67 ألف وظيفة في قطاع الإعلام، بزيادة 11 وظيفة)، مستنداً إلى 3 استراتيجيات وعدد من المشاريع والمبادرات والشراكات.

وكان لافتاً أنه وللمرة الأولى تاريخيّاً، يتحدّث وزير الإعلام في السعودية عن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ورقم الوظائف المستحدثة، مما يضع القطاع في قلب العجلة التنموية للبلاد، فهل يملك القطاع المقوّمات والأدوات اللازمة لتحقيق مستهدفات «عام التحول الإعلامي»؟

تكلّم مختصّون ومهتمون بالقطاع من مواقعهم المختلفة لـ«الشرق الأوسط» حول توقّعاتهم لـ«عام التحول الإعلامي 2024»، وأجابوا عن تساؤلات دارت حول «فرص نجاح المصافحة الحارة بين الإعلام السعودي والمستقبل» من ثلاثة جوانب محددة هي: المشاريع، والشراكات، والتدريب. واتفق المتكلمون على عدد من النقاط، أهمها أن الحراك الذي يتمتع به القطاع خلال هذه المرحلة، ليس حراكاً تنظيميّاً أو يندرج تحت تسجيل الحضور فقط، إنما هو حراك حقيقي على جانبي القطاع الحكومي والخاص. وأنه مثل كل قطاع حيوي مهم، دائماً هناك فرص للنمو، ولكن التحدي الأكبر في الاستدامة... هناك تحديات أخرى تجب معالجتها مثل التدريب والتأهيل وتنمية القدرات البشرية، لكن الاستثنائية في هذه المرحلة بالنسبة لقطاع الإعلام السعودي، هو أنّه يتزامن مع ورشة عمل تنموية كبرى (رؤية 2030) تدور رحاها كل يوم في البلاد، كما أن هذا الحراك هو وسيلة، من أجل تحقيق غاية «التحول الإعلامي».

فيصل العقيل (الشرق الأوسط)

العقيل: سوق إعلامية تجاوزت قيمتها 20 مليار ريال

د.فيصل العقيل، رئيس قسم الاعلام بجامعة الملك سعود، حدّد عدة عوامل ينبغي الوعي بها والعمل وفقاً لأهميتهاً لإنجاح التحول الإعلامي لهذا العام، أولها «العمل الجمعي والتعاوني بين المنظومات المعنية بالشأن الإعلامي كافة سواء كانت في الجهات المشرِّعة كوزارة الإعلام وقطاعاتها المختلفة أو القطاعات الأكاديمية كالجامعات المسؤولة عن تغذية هذا المجال بالكوادر البشرية».

وأضاف العقيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «السوق الإعلامية التي تجاوزت قيمتها 20 مليار ريال وتسيطر على نصيب لا بأس به من الناتج المحلي الإجمالي، وجود خطط منظِّمة لهذا التعاون بالإضافة إلى تنظيم السوق والاستفادة من الخبرات وتفعيل الاستراتيجيات التي تحدث عنها وزير الإعلام، ستلعب دوراً جوهريّاً في التحول الإعلامي في السعودية».

 

الدحيّه: «أهم منجز شهده حقل الإعلام هو إعلان استراتيجية قطاع الإعلام»

من جهته، اتفق سعيد الدحيّه، رئيس قسم الصحافة والإعلام الجديد في جامعة الإمام محمد بن سعود، مع جزء من حديث زميله فيصل العقيل، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «أهم منجز شهده حقل الإعلام في السعودية أخيراً هو إعلان استراتيجية قطاع الإعلام». وأوضح الدحيّه: «الحق أن قطاع الإعلام وصل متأخراً في سياق التحول الوطني الشامل، ولعل ما نشهده أخيراً يستمر في التنامي مستحضراً سياق الإعلام التقليدي وسياق الإعلام والاتصال الرقمي، مع تأكيد أهمية ألا ننصرف نحو قراءة الأرقام الإحصائية حيال المشاهدات والتفاعل والوصول ونحوها بصورة كاملة، على حساب الأثر النوعي الذي يحتل مرتبة الصدارة في مجال تصميم الاستراتيجيات الإعلامية والاتصالية على وجه التحديد. إذ إن الرقم عنصر سائل ضمن بيئة السيولة الاتصالية الرقمية القائمة على فكرة المحو والتحول، في حين تتركز الأهمية حول الأثر النوعي الصلب عبر المؤسسات الصلبة التي تستحق العناية».

 

تدريب وتأهيل الكوادر البشرية

العقيل والدحيّه اتفقا في عنصر تغذية القطاع بالكوادر البشرية من جانب الجامعات. وأكد العقيل أن العمل جارٍ في جامعة الملك سعود «مع قطاعات حكومية وخاصة في ما بعد المقررات الدراسية لربط الخريجين بسوق العمل عبر برامج التدريب والتوظيف. ونحن نسعى لتوثيق العلاقة بشكل أكبر مع هذه الجهات وغيرها لرفع جودة المخرجات بما يتناسب مع حاجة السوق. أما السبب فهو استشعارنا أهمية المواطنة وبناء ذاتنا إعلامياً عبر بناء الشباب السعودي ليكون مؤهلاً لقيادة إعلام بلده بكل كفاءة». وهنا أشار الدحيّه إلى «جدارة الشباب السعودي وقدرته على الإنجاز في القطاع الإعلامي»، وبرهن على ذلك بـ«مخرجات كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية بالتعاون مع جهات التدريب والتوظيف، وأشيد عالياً بخطوات التعاون الإيجابي، وأرجو أن يوازيها توجه واضح نحو التمكين الكامل».

من شأن تعليقات العقيل والدحيّه، وهما رئيسا قسمين للصحافة والإعلام في اثنتين من أهم الجامعات السعودية، أن تسلّط مزيداً من الضوء على إعلان وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري، يوم 20 فبراير (شباط) الجاري، إطلاق «الأكاديمية السعودية للإعلام»، التي تهدف إلى التمكين والتطوير والتدريب في تخصصات المستقبل، لتصبح الأكاديمية الإعلامية الخامسة في البلاد.

 

3 استراتيجيات دفعة واحدة

تميّزت تنمية القطاعات الرئيسية في البلاد خلال السنوات الأخيرة بالانطلاق من خلال استراتيجيات وطنيّة. وهذا ما لم يحظَ به قطاع الإعلام السعودي –آنذاك- الذي يُشارف عمره الحقيقي على إتمام المائة سنة الأولى.

منذ البدايات الأولى، عندما انطلقت صحيفة «أم القرى» يوم 12 سبتمبر (أيلول) 1924، وتلاها تأسيس وزارة الإعلام بمرسوم ملكي من الملك فيصل في مطلع مارس (آذار) عام 1963، لم يشهد قطاع الإعلام الرسمي السعودي، إطلاق استراتيجيّات كبرى من النوع الذي أعلن عنه وزير الإعلام السعودي أخيراً دفعة واحدة. إذ أُعلن عن 3 استراتيجيات تسير عليها منظومة الإعلام وتمثل خريطة طريق نحو إعلام المستقبل، وتسهم في تعزيز القطاع الإعلامي ورفع الجاذبية الاستثمارية، وأيضاً تعزيز كفاءة الكوادر الوطنية، لتتكامل بذلك مع استراتيجية «الهيئة العامة لتنظيم الإعلام»، التي أُعلن عنها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

على صعيد الأرقام، من شأن الاستراتيجية المزمعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون، على سبيل المثال، أن تكون تحت المجهر خلال المرحلة القادمة، خصوصاً من ناحية المحتوى المرئي المنتظَر، وسط تركيز المراقبين والمتابعين على جودته ورصانته وارتباطه بما ينتظرونه من الهيئة. وذلك بعدما أظهرت أرقام رصدتها شركة «التصنيف الإعلامية MRC»، نسب مشاهدات مرتفعة للتلفزيون في السعودية خلال العام المنصرم 2023، خصوصاً أن الشركة ذاتها استخرجت التصريح الوحيد من «الهيئة العامة لتنظيم الإعلام» الخاصة بقياس نسب المشاهدين في السعودية. وأظهرت البيانات أن مشاهدة التلفزيون في المنازل لا تزال قوية، مع نحو 19 مليون مشاهدة غير متكررة، أي ما يعادل نحو 93 في المائة من المشاهدين كل شهر، ويبلغ متوسط وقت المشاهدة اليومي نحو 4 ساعات و50 دقيقة.

الاستراتيجية المزمعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون ستكون تحت المجهر خلال المرحلة القادمة مع ارتفاع المشاهدات للتلفزيون في شهر رمضان الماضي إلى 50 % (موقع الهيئة)

وأضافت البيانات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من «MRC»، أن مشاهدة التلفزيون في السعودية «نشاط عائلي»، إذ إن ما يقرب من 80 في المائة من إجمالي المشاهدات على أجهزة التلفزيون في المنزل هي مشاهدات مشتركة، وقفزت نسبة المشاهدين الذين يشاهدون التلفزيون لمدة 16 يوماً أو أكثر في الشهر من 40 في المائة إلى 50 في المائة في شهر رمضان من العام الماضي.

المتخصّص في إدارة المؤسسات الإعلامية حبيب الشمري، رأى أن «هناك حراكاً كبيراً وواضحاً يتزامن معه إطلاق الاستراتيجيات الثلاث، بالإضافة إلى استراتيجية الهيئة العامة لتنظيم الإعلام من أجل أن تكون قادرة على احتواء هذا الحراك والتحديث، فالمشاريع الإعلامية التي أُطلقت خلال العام الماضي والحالي تهدف إلى رفع كفاءة وجودة المحتوى المحلي إضافةً إلى زيادة نصيب الإعلام المحلي من الوظائف والموظفين».

وطرح الشمري نماذج على ذلك: «نقل بعض القنوات الإقليمية ليكون مقرها في مدينة الرياض، أو إطلاق قنوات وخدمات إعلامية جديدة، ناهيك بالاتفاقيات الإعلامية التي تعقدها الشركات الإعلامية المحلية والهيئات الحكومية مع المؤسسات الإعلامية والتقنية العالمية ومعاهد صناعة الإعلام حول العالم بهدف توسيع الشراكات والاستثمارات وبناء العلاقات، في مجالات كثيرة على غرار إنتاج المحتوى الرقمي وتطوير المنصات الرقمية وخدمات الأبحاث الإعلامية، وتنظيم الفعاليات المتخصصة في مجال الإعلام، تصل في النهاية إلى الهدف الأهم وهو تطوير رأس المال البشري من خلال دعم الابتكار وزيادة فرص التدريب».

 

الشراكة مع شركات التقنية العالمية

وفي جانب الشراكة مع شركات من طراز «غوغل» و«هواوي» و«علي بابا» وغيرها، أجاب حبيب الشمري على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بأن «تلك المؤسسات العالمية تستطيع أن تغير من واقع واستراتيجيات الهيئات والمؤسسات الإعلامية المحلية لمساعدتها على مواكبة التغيرات العالمية السريعة في مجال الإعلام، ولتكون أكثر حيوية ومنافسة من خلال احتكاكها بالشركات العالمية والاستفادة من تجاربها في نقل هذه المعرفة التقنية والإعلامية».

من زاوية أخرى، رأى الشمري أن «رؤية السعودية 2030 ركّزت في جزء من مبادراتها وبرامجها على مفهوم التوطين خصوصاً في التقنية والصناعات المختلفة، وبما لا يقل أهمية عن الصناعة هناك أيضاً تركيز على توطين ونقل المعرفة في مجالات مثل الإعلام ورفع كفاءة وتنافسية المحتوى المحلي في كل مجالات الإعلام... وهي شراكات ذات أهمية بالغة، إذ إن مثل هذه الشركات تقود المشهد العالمي إنْ صحَّ التعبير في مجال الابتكار وسوق المنتجات والتطبيقات الإعلامية وحتى في صناعة وتوجيه الرأي العام».

معرض «فومكس»

توطين أمن المحتوى والبيانات

ونتيجة لذلك، يضع حبيب الشمري إصبعاً على جانب ذي أبعاد مختلفة لجهة «أمن المحتوى والبيانات». ذلك أن شركات التقنية العملاقة مثل هذه الشركات، وفقاً لوصفه، «خلقت تحوّلات وتغيرات كبيرة بابتكاراتها التي تضم الذكاء الاصطناعي والحوسبة والتخزين السحابي، الأمر الذي يقودنا إلى قضية حساسة هي أمن المحتوى والبيانات ومسألة مَن لديه القدرة على امتلاك أو حتى الوصول إلى هذه البيانات، فالتوطين في مجال حساس كهذا أصبح أمراً بالغ الأهمية عند صانع القرار».

المهندس بندر المشهدي، الرئيس التنفيذي لشركة التصنيف الإعلامية «MRC»، اتفق هنا مع حبيب عبد الله، لكنه اشترط للتعاون أن يكون «بشكل شفاف ومستدام كي تعود الفوائد على الجميع وتحافظ على سيادة وحماية المعلومات الحساسة». وتابع أن الشراكات مع هذه الشركات المرموقة تُعزِّز بشكل عام قدرات وزارة الإعلام في مجال التكنولوجيا والاتصالات، وتسهم في تحسين الخدمات المقدمة ونطاق وصول المعلومات.

إنَّ جزءاً من المطالبات التي اعتاد قطاع الإعلام السعودي على تلقّيها كان أن يرتقي إلى مستوى الطموحات والإنجازات الجارية ضمن ورشة العمل الكبرى في البلاد، وفي هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الإعلام السعودي، تتجه صوب متابعة تفاصيل التحوّل، ومعالجة مسائل الاستثمار واللوائح والتدريب والمحتوى، وغيرها، وعطفاً على تلك الاحتياجات التي يسردها الخبراء والمختصون وأبناء القطاع دائماً، فإن الأرقام والمؤشّرات، ستكون الشاهد الرئيسي، والمعيار الأساسي لقياس مستوى التحول.

وعطفاً على ذلك؛ هل تنجح المصافحة الحارّة بين الإعلام السعودي والمستقبل؟



«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)
TT

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)

في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الولايات المتحدة، كان للمؤسسات الإعلامية الأميركية على الدوام نصيب من تداعياتها. وفي العادة أن جلّ المؤسسات الاعلامية كانت تنحاز لأحد طرفي السباق، حتى في بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تاريخية»، كالجارية هذا العام. بل وكان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي».

غير أن الواقع كان دائماً يشير إلى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصاً في لحظات «الغموض والالتباس» كالتي يمر بها السباق الرئاسي المحتدم هذا العام بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

مقر «اللوس أنجليس تايمز» (أ.ب)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح!

يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، رئيس شركة «أمازون» العملاقة، أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي لا في هذه الانتخابات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضاف لويس، في مقال: «نحن نعود إلى جذورنا بالإحجام عن تأييد المرشحين الرئاسيين... هذا من تقاليدنا ويتفق مع عملنا في 5 من الانتخابات الـ6 الأخيرة». وتابع لويس: «ندرك أن هذا سيُفسَّر بطرق مختلفة، بما في ذلك اعتباره تأييداً ضمنياً لمرشح واحد، أو إدانة لمرشح آخر، أو تنازلاً عن المسؤولية... هذا أمر لا مفر منه. لكننا لا نرى الأمر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقاً مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واختتم: «إن وظيفتنا في الصحيفة هي أن نقدّم من خلال غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيين، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديفيد إغناتيوس ويوجين روبنسون ودانا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف الموقّعون القرار بأنه «خطأ فادح». وتابع البيان أن القرار «يمثّل تخلّياً عن المُعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والتحالفات الدولية والتهديد الذي يشكله دونالد ترمب على هذه القيم...». ومضى البيان: «لا يوجد تناقض بين الدور المهم الذي تلعبه (واشنطن بوست) بوصفها صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد السياسي... وقد تختار الصحيفة ذات يوم الامتناع عن التأييد، لكن هذه ليست اللحظة المناسبة، عندما يدافع أحد المرشحين عن مواقف تهدّد بشكل مباشر حرية الصحافة وقِيَم الدستور».

مقر «الواشنطن بوست» (آ. ب.)

... وأيضاً «لوس أنجليس تايمز»

في الواقع خطوة «واشنطن بوست» سبقتها، يوم الأربعاء، استقالة مارييل غارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كبرى صحف ولاية كاليفورنيا، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة، الملياردير باتريك سون شيونغ، مجلس التحرير من إعلان تأييد هاريس. وهذه الخطوة أشاد بها ترمب، وعلّقت حملته، في بيان، بأن «زملاء هاريس في كاليفورنيا يعرفون أنها ليست مؤهلة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مجرد لامبالاة، بل هو تواطؤ»، معربة عن قلقها من أن هذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقين، وربما حتى متحيّزين جنسياً وعنصريين بعض الشيء». وأردفت: «كيف يمكننا أن نمضي 8 سنوات في مهاجمة ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلاد ثم نمتنع عن تأييد المنافس الديمقراطي اللائق تماماً الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الشيوخ؟»، في إشارة إلى هاريس. من جانبه، كتب سون شيونغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كي يتمكّن «القراء (أنفسهم) من تحديد مَن يستحق أن يكون رئيساً»، مضيفاً أن الهيئة «اختارت الصمت»!

هل الدافع تجاري؟

بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمين للديمقراطيين عموماً، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جذب مزيد من القراء، بمَن فيهم الموالون للجمهوريين، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعلانات، عبر محاولة تقديم الصحيفة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية من منطقة لوس أنجليس، الذي ليست له أي خبرة إعلامية، كان قد اشترى الصحيفة التي يزيد عمرها على 140 سنة والشركات التابعة لها، مقابل 500 مليون دولار عام 2018. لكن خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح نحو 20 في المائة من موظفيها هذا العام. وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات الملايين من الدولارات» منذ شرائها.

ترمب يدعو لإلغاء تراخيص الأخبار

ما حصل في «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» سلّط حقاً الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي.

وفي الواقع، تعرّضت وسائل الإعلام خلال العقد الأخير للتهديدات ولتشويه صورتها، وبالأخص من الرئيس السابق ترمب، الذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بالتشهير، ومنع الصحافيين من حضور التجمّعات والفعاليات التي تقام في البيت الأبيض، وروّج لمصطلح «الأخبار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.

وفي حملات ترمب الجديدة على الإعلام، اقترح أخيراً تجريد شبكات التلفزيون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقف بث برنامج (60 دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه في الخطب والمقابلات، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب استيائه من الطريقة التي تعاملت بها مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس.

وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الداعمة له: «سنستدعي سجلاتهم»، مجدداً ادعاءه أن تحرير الشبكة لمقابلتها مع هاريس في برنامج «60 دقيقة»، كان «مضللاً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضاً رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقاباً صارماً»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلاً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية».